د. عبد الله الجباري: باحث في الدراسات الفقهية والإصولية – المغرب
أُطلِق في تاريخنا لقب العالِم على كثير من المشايخ، وكثيرا ما أطلق عليهم ذلك لزي ارتدوه، أو لمنصب تقلدوه، والواقع أن العالم الحقَّ هو المجتهد، وغير المجتهد لا يستحق الوصف بالعالمية، قال الإمام الشاطبي : “إن السؤال إما أن يقع من عالم أو غير عالم، وأعني بالعالم المجتهد، وغير العالم المقلد”[1].
من هنا كان إطلاق “العالم” على كثير من الناس تجوزا، لافتقادهم عنصر الاجتهاد، وافتقارهم إلى شرائطه، وأُطلق على آخرين حقيقةً، لاجتهادهم وخرقهم حجب التقليد، في مجالات معرفية متعددة، أو في مجال تخصصي واحد على الأقل.
ومن العلماء المجتهدين حقيقةً لا تجوزا، إمام المغرب ومحدثه، العلامة الشريف، أبو الفضل، عبد الله بن الصديق الغماري الحسني، وليس هذا من قبيل المبالغة والغلو في شخصه الكريم، بل هو إقرار بواقع لا يرتفع، نظرا لمركزيته في نظام المشيخة الإسلامية العالمية، لِمَا اجتمع فيه من الأوصاف التي قلّما تجتمع في فرد من الأمة. منها :
أولا : الإمام عبد الله بن الصديق، عالمٌ مدرسٌ في الأزهر وغيره، تخرج على يديه علماء من ألبانيا وأندونيسيا ومصر وإفريقيا جنوب الصحراء وفلسطين وسوريا ولبنان وشمال إفريقيا وغيرها،
ثانيا : الإمام عبد الله بن الصديق عالمٌ موسوعي، لأنه محدث حافظ، ومفسر مجتهد، وأصولي محقق، ومتكلم نظار، وصوفي مؤصِّل، إضافة إلى مشاركاته في علوم ومعارف أخرى.
ثالثا : الإمام عبد الله بن الصديق مؤلِّفٌ مكثر، أثرى الخزانة الإسلامية بمصنفات ورسائل طرزها بأفكار ودرر وفوائد، بعضها مما تفرد به ولم يشاركه فيه غيره، إضافة إلى مقالات مفيدة، في مجلات متعددة.
نظرا لهذه الاعتبارات العلمية، إضافة إلى ما حباه الله من أخلاق وقيم، هي إلى قيم السلف أقرب، انتشر علمه في الآفاق، وذاع صيته في الأقطار، دون أن تعضده مؤسسات رسمية، أو هيآت دولية، أو تنظيمات ذات أتباع وأنصار.
فما هي أهم آراء الإمام عبد الله بن الصديق الاجتهادية ؟ وما هي تفرداته التي ماز بها غيرَه ؟ أسئلة وغيرها، نقارب الموضوع من خلالها، حتى ننأى بأنفسنا عن الدراسة المناقبية الرائجة بين كثير من الباحثين.
اترك رد