صدر مؤخرا عن مطبعة سجلماسة بمدينة مكناس بالمغرب مؤلف للدكتور الحاج ساسيوي الفيلالي بعنوان “الطريقة الدرقاوية الشاذلية في القرن 13ه/19م-أحمد البدوي زويتن ومحمد العربي المدغري-ويتكون هذا الاصدار من اربعة فصول علاوة على مقدمة وخاتمة وملحق وثائقي. أما الفصول فهي:
الفصل الأول: محمد العربي الحسني المدغري والانخراط الصوفي
الفصل الثاني: أحمد البدوي زويتن ومحمد العربي الحسني المدغري:البرنامج الدعوي/ التربية والانتشار.
الفصل الثالث: عبد الرحمان بن هاشم الحسني وأحمد السبعي:الدرقاوية والجدل
الفصل الرابع: محمد بن الصديق وعبد الرحمان بن صالح: تراجع المد الدرقاوي.
تقديم الكتاب:
يلاحظ المهتم بتاريخ المغرب الأقصى أن المؤرخين وتبعهم في ذلك الدارسون لم يعيروا الاهتمام اللازم لحقب تاريخية في شقيها: الاجتماعي والصوفي. ومنها المرحلة ما قبل الاستعمار الفرنسي (قبل 1912م)؛ وخصوصا القرن 13هـ/19م في مجمله والذي يشكل الغلاف الزمني للدراسة.
لذا اكتنف الغموض المرحلة، وطغت عليها تصورات غالبا لا توافق الحقيقة التاريخية، ومن نتيجة هذا الغموض وتلك التصورات، أن الباحث لا يجد ما يشفي غليله من الدراسات الخاصة بالطريقة الدرقاوية، وأدوارها الإصلاحية والتربوية والسياسية،… إلخ، بل إن معظم أدبياتها لا زال مخطوطا في رفوف الخزانات العامة والخاصة.
وتجدر الإشارة إلى أن من الدارسين من يصدر أحكاما انطباعية عنها، دون الرجوع إلى أدبياتها وتمحيصها! وفي أحيان أخرى دون قصد،يتم الاكتفاء بتبني آراء القادة العسكرين الاستعماريين اتجاه الطريقة، إذ طالما وصفوا زعماءها المقاومين المجاهدين ب”المتشددين” و”المتطرفين”. والأدهى من ذلك أن بعض الدارسين لا يميز بين أسماء زعمائها وآخرون ينتمون إلى توجهات وفترات تاريخية أخرى، من مثيل الخلط بين محمد العربي الحسني العلوي المدغري الدرقاوي ومحمد بن العربي العلوي ذو التوجه السلفي.
هذه التصورات في حاجة إلى التصحيح، وإعادة النظر، والكشف –لأول مرة- عن الحلقة المغمورة من تاريخ الطريقة الدرقاوية خلال القرن 13هـ/19م، وهو ما نبتغيه في هذا الكتاب.
ومن نافلة القول، أن التصوف بالعالم الإسلامي شرقه وغربه، شكل وحدة متداخلة ومتكاملة، يصعب معها غالبا التصنيف الجغرافي والفكري، لولا الضرورة المنهجية. ولعل خير مثال على ذلك الدور المتشابه الذي لعبه كل من أبي الحسن الشاذلي (593-656هـ) -والذي عمل على “مغربة التصوف”- والإمام أبو حامد الغزالي (450هـ-505هـ)، والذي تجسد في موقفهما من التصوف “الفلسفي”، ودعوتهما الفلاسفة للرجوع في ميدان العقيدة والكلام، وكذا الأخلاق والتصوف إلى القرآن والسنة.
وإضافة إلى ذلك، فإن الطريقة الدرقاوية اعتبرت نفسها وريثة للطريقة القادرية ومجددة لها، وهو ما يؤكده محمد العربي الحسني المدغري بقوله: “…وخصوصا… سيدنا ومولانا عبد القادر الجيلاني… وطريقه والحمد لله هو طريقنا… وهي التي بيدنا، إذ ما كان عنده ولى عندنا والحمد لله على طريق النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه قد جددها وأحياها في وقته حتى اشتهر بها، وظهرت به، فمن ثم نسب له، كما نحن والحمد لله بحول الله وقوته على تجديدها وإحيائها في أنفسنا، وفي جميع عباد ربنا وبلاده، … فحينئذ لا فرق بيننا وبين سيدنا عبد القادر الجيلاني.”*
وعلى أي حال من الطبيعي أن يسري الانحلال إلى الفكر الصوفي المغربي، وإلى الطرق الصوفية بعد قرون من وفاة الشاذلي، وكذا بعد محاولته التجديدية والإصلاحية للحقل الصوفي. لذا أسس الشيخ العربي الدرقاوي (1159-1239هـ/1745-1833م) طريقته المنسوبة إليه، والمسماة “الدرقاوية” والتي ترتبط سندا بأبي الحسن الشاذلي.
ولتشابه الظروف التي عاشها العربي الدرقاوي بنظيرتها لدى سلفه (الشاذلي)، فإن هدفه المنشود كان هو تجديد الفكر الصوفي وإصلاحه، علاوة على “إحياء” المبادئ الشاذلية. فلم يعد التصوف حبيس الكهوف والزوايا، بل انخرطت الدرقاوية واكتسحت جميع مناحي الحياة السياسي منها والاجتماعي وغيره.
وقد اعتمد مؤسس الطريقة الدرقاوية في نشر مبادئه على نخبة من التلاميذ/الشيوخ، وفي مقدمتهم: محمد البوزيدي الغماري التلمساني (ت1229هـ/1794م)، وأحمد بن عجيبة (ت1224هـ1809م)، ومحمد الحراق (ت1985هـ/1845م). وكذلك أحمد البدوي زويتن (1275هـ/1858م)؛ هذا الأخير إلى جانب تلميذه محمد العربي الحسني المدغري (ت1309هـ)، وكذا تلامذتهما (عبد الرحمن بن هاشم وأحمد السبعي) شكلوا موضوع هذه الدراسة.
وبفضل هؤلاء استقطبت الطريقة الدرقاوية جميع فئات المجتمع، وتجاوز نفوذها دولة “الحدود السياسية” ليشمل دولة “دار الإسلام” حيث تعدت موطنها الأصلي (المغرب الأقصى) إلى الجزائر وتونس وأقطار عدة من الوطن العربي. كما أنها شكلت مدرسة تربوية كان هدفها إحداث “ثورة” أخلاقية إحيائية وتجديدية؛ بالإضافة إلى أنها شكلت جبهة للمقاومة والجهاد ضد المستعمر.
أما على المستوى الفكري، فقد عملت على إعادة بناء الفكر الصوفي، ولعل مؤلفات زعمائها من قبيل عبد الرحمن بن هاشم وأحمد السبعي،… وغيرهم، في التنظير للطريقة والدفاع عن شرعيتها لخير دليل على ذلك.
تلك قضايا وغيرها، سيتم التطرق لها في هذه الدراسة، راجيا إبراز المزيد في دراسات نوعية تهم المجال استقبالا.
اترك رد