وقفة مع بدء الخلق في ضوء نصوص الوحي .. حديث (فتق السموات أنموذجا)

د. عبد الواسع بن يحيى المعزبي الأزدي: رئيس لجنة خدمة المجتمع في قسم الدراسات الإسلامية – كلية العلوم والآداب بشرورة – جامعة نجران

(فارتفع بخار الماء ففتق منه السموات)
قال المؤلف رحمه الله:
172- حدثنا إبراهيم بن محمد،حدثنا عمرو الأودي،حدثنا وكيع،عن الأعمش،عن أبي ظبيان،عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (خلق الله النور([1]) فدحا الأرض فارتفع بخار الماء ففتق منه السموات) ([2]).
أولا: تخريجه:
أخرجه المؤلف ص 307 رقـم (913)، والبيهقي في السنن الكبرى 9/3 رقم(17481)، والصنعاني في التفسير(3/307)،والحاكم في المستدرك 2/540 رقم (3840)، والطبري في التفسير 29/14 والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة 10/18 رقم(8) جميعهم عن أبي ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ثانيا: دراسة إسناده:
الراوي الأول:إبراهيم بن محمد بن الحسن: ثقة تقدمت ترجمته عند الحديث رقم (24).
الراوي التالي: عمرو بن عبد الله الأودي: هو عمرو بن عبد الله الأودي روى عن المحاربي ووكيع روى عنه بن ماجة وابن خزيمة وابن أبي حاتم وغيرهم ثقة([3])
الراوي التالي: وكيع بن الجراح بن مليح:
هو وكيع بن الجراح أبو سفيان الرؤاسي روى عن الأعمش وهشام بن عروة روى عنه أحمد وإسحاق وإبراهيم بن عبد الله القصار ،ثقة، حافظ، مات سنة سبع وتسعين ومائة([4])
الراوي التالي: الأعمش: ثقة حافظ مدلس تقدمت ترجمته عند الحديث رقم (3).
الراوي التالي: أبو ظبيان:
هو حصين بن جندب أبو ظبيان الجنبي الكوفي روى عن حذيفة وعلي روى عنه ابنه قابوس والأعمش وغيرهما،ثقة، مات سنة تسعين([5]).
الراوي التالي: عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: صحابي تقدمت ترجمته.
ثالثا: الحكم على الحديث بسند المؤلف: ضعيف بسبب عنعنة الأعمش.
رابعا: المتابعات والشواهد:
أولا: أخرجه المؤلف ص307 رقم (913) من طريق إبراهيم بن محمد بن الحسن، حدثنا عمرو بن عبد الله الأزدي ([6])،حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (خلق الله تعالى النور فدحا الأرض عليها، فارتفع بخار الماء ففتق منه السموات) وهي بنفس هذا الإسناد إلا أنها بلفظ أصوب كما سيأتي.
ثانيا: هناك كثير من المتابعات والشواهد لهذا الحديث باللفظ والمعنى:
أولا: المتابعات:
المتابعة الأولى: عن مجاهد أخرجها الصنعاني في التفسير (1/162) قال أخبرني معمر قال أخبرني ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: ( فخلق الله الأرض قبل السماء فثار من الأرض دخان ثم خلقت السماء بعد)،وأخرجها المؤلف ص293 رقم(885)من طريق محمد بن جعفر بن الهيثم حدثنا سلمة حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد رحمه الله تعالى في قوله تعالى (هوَ الَّذي خَلَقَ لَكم مَا في الأرض جَميعا ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء فَسَوَّاهنَّ سَبعَ سَمَاوَات وَهوَ بكلّ شَيء عَليمٌ)([7]) قال: ( خلق الله تعالى الأرض قبل السماء فلما خلق ثار فيها دخان فذلك حين يقول (ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ )([8]) قال: ( فَسَوَّاهنَّ سَبعَ سَمَاوَات)([9]) يقول : خلق سبع سموات بعضهـن فوق بعـض وسبع أرضـين بعضهـن تحت بعض)، وأخرجها الطـبري في التفسير( 1/194) من طريق الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (هوَ الَّذي خَلَقَ لَكم مَا في الأرض جَميعا ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء فَسَوَّاهنَّ سَبعَ سَمَاوَات وَهوَ بكلّ شَيء عَليمٌ)([10]) قال: ( خلق الأرض قبل السماء فلما خلق الأرض ثار منها دخان فذلك حين يقول: (ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء فَسَوَّاهنَّ سَبعَ سَمَاوَات)([11]) قال: ( بعضهن فوق بعض وسبع أرضين بعضهن تحت بعض)،وكذلك أخرجها ابن أبي حاتم في تفسيره 1/74 رقم(305).
وهذه المتابعة عن مجاهد صحيحة الإسناد وإنما قلت متابعة مع كونه لم يذكر ابن عباس في سندها لأنه قال كما في تهذيب الكمال( 27/233) (عرضتُ القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة) لذا فهذه المتابعة عن مجاهد عن ابن عباس ويشهد لها ماقبلها عن أبي ظبيان عن ابن عباس ومابعدها عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما وكلهم أصحاب ابن عباس.
المتابعة الثانية: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أخرجها عبد الرزاق في المصنف ب/ بنيان الكعبة 5/90رقم (9089) من طريق معمر عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس عن قوله تعالى(وَكَانَ عَرشه عَلَى المَاء َ)([12]) قلت: على أي شيء كان الماء قبل أن يخلق شيء ؟ قال:على متن الريح، قال ابن جريج: قال سعيد بن جبير: فقال ابن عباس رضي الله عنهما (فكان يصعد إلى السماء بخار كبخار الأنهار فاستصبر فعاد صبيرا) فذلك قوله تعالى: (ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ )([13]) قال بن جريج: قال عمرو وعطاء (فبعث الله رياحا فصفقت الماء فأبرزت في موضع البيت عن خشفة كأنها القبة فهذا البيت منها فلذلك هي أم القرى، قَالَ ابن جرَيج، قَالَ عَطَاءٌ : ثمَّ وَتَّدَهَا اللَّه بالجبَال كَيلا تكفَأَ، قَالَ : وَكَانَ أَوَّلَ جَبَل أَبو قبَيس).
هذه المتابعة إسنادها حسن، وهي بمعنى متابعة مجاهد، ورواية المؤلف عن أبي ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وفي هذه المتابعة فوائد لابد من التنبيه عليها:
أولا: أن مكة هي أحب البقاع إلى الله فقد خلقها قبل الأرض وقبل خلق السماوات .
ثانيا: أن كون جبل أبي قبيس هو أول جبل كان على الأرض أمر متاح للبحث العلمي بحيث تفحص عينات منه ومن بقية الجبال في الأرض بالطرق العلمية المعروفة.
ثالثا: قوله (خشفة) رويت بالمعجمة والمهملة ولها معان:
المعنى الأول: الخشفة: صخرة تنبت في البحر([14])
المعنى الثاني: الحشفة: رويت بالمهملة ومعناها: واحدة الحشف وهي حجارة تنبت في البحرنباتا.([15])
المعنى الثالث: الحشفة: صخرة رخوة حولها سهل من الأرض قاله ابن دريد والحشيف من الثياب: الخَلق([16]).
المتابعة الثالثة: عن سعيد بن جبير أخرجها الخطابي في غريب الحديث(2/472)
من طريق محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: في قوله تعالى(وَكَانَ عَرشه عَلَى المَاء)([17]) قال: كان يصعدإلى السماء من الماء بخار فاستصبر فعاد صبيرا فذلك قوله تعالى(ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ )([18]) وسنده ضعيف بسبب الدبري لكنه حسن يشهد له ماقبله.
ثم شرحه الخطابي بقوله :
( قوله (استصبر) أي تراكم بعضه على بعض فصار له صبر وصبر كل شيء غلظه وكثافته، والصبير: السحاب له أصبار وأطباق ويقال: إنما هو الأبيض من السحاب).
وقال الزمخشري في الفائق 2/278:
(الصبير: السحاب الكثيف المتراكب وهو من الصبر بمعنى الحبس كأن بعضه صبر على بعض ومنه صبر الشىء وهو غلظة وكثافته وصبرة الطعام وقد استصبر السحاب كاستحجر الطين ومنه حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال فى قوله تعالى (وَكَانَ عَرشه عَلَى المَاء)([19]) كان يصعد إلى السماء من الماء بخار فاستصبر فعاد صبيرا فذلك قوله تعالى(ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ )([20]) أى: تراكم وكَثف.
وقال ابن الأثير في النهاية (3/8)،(وفي حديث ابن عباس في قوله تعالى(وَكَانَ عَرشه عَلَى المَاء َ)([21]) قال: )كان يصعد بخار من الماء إلى السماء فاستصبر فعاد صبيرا فذلك قوله تعالى(ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ )([22]) والصبير: سحاب أبيض متراكب متكاثف يعني تكاثف البخار وتراكم فصار سحابا(
وقال ابن منظور في لسان العرب 4/441:
وفي حديث ابن عباس في قوله عز وجل(وَكَانَ عَرشه عَلَى المَاء )([23]) قال: كان يصعد إلى السماء بخار من الماء فاستصبر فعاد صبيرا استصبر أي: استكثف وتراكم فذلك قوله(ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ)([24]) الصبير: سحاب أبيض متكاثف، يعني تكاثف البخار وتراكم فصار سحابا.
المتابعة الرابعة: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أخرجها البخاري تعليقا ك/ التفسيرب/سورة البقرة4/1814 رقم (4537)،والطبراني في الكبير10/245 رقم (10594) أن رجلا سأله عن قوله تعالى (أَأَنتم أَشَدّ خَلقا أَم السَّمَاء بَنَاهَا ،رَفَعَ سَمكَهَا فَسَوَّاهَا ، وَأَغطَشَ لَيلَهَا وَأَخرَجَ ضحَاهَا ، وَالأرض بَعدَ ذَلكَ دَحَاهَا)([25]) وقوله تعالى(قل أَئنَّكم لَتَكفرونَ بالَّذي خَلَقَ الأرض في يَومَين وَتَجعَلونَ لَه أَندَادا ذَلكَ رَبّ العَالَمينَ ، وَجَعَلَ فيهَا رَوَاسيَ من فَوقهَا وَبَارَكَ فيهَا وَقَدَّرَ فيهَا أَقوَاتَهَا في أَربَعَة أَيَّام سَوَاء للسَّائلينَ ، ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ فَقَالَ لَهَا وللأ رض ائتيَا طَوعا أَو كَرها قَالَتَا أَتَينَا طَائعينَ)([26]) فأجابه ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: (خلق الأرض في يومين قبل خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ثم نزل إلى الأرض فدحاها ودحاها أن أخرج فيها الماء والمرعى وشق فيها الأنهار فجعل فيها السبل وخلق الجبال والرمال والآكام وما بينهما في يومين آخرين) وهذه المتابعة أخرجها الطبراني من طريق أحمد بن رشدين المصري ثنا يوسف بن عدي إملاء في كتابه سنة [ مئتين ] وعشرين ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ثم ساق الحديث بطوله .
المتابعة الخامسة: عن عكرمة أخرجها الصنعاني في التفسير (6 / 287) رقم (2739) من طريق ابن عيينة ، عن أبي سعيد ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : في كم خلقت السموات والأرض ؟ فقال : خلق الله أول الأيام يوم الأحد ، وخلق الأرض في يوم الأحد ، ويوم الاثنين ، وخلقت الجبال ، وشقت الأنهار ، وغرست في الأرض الثمار وقدر في الأرض قوتها يوم الثلاثاء ، ويوم الأربعاء (ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَللأَرض ائتيَا طَوعا أَو كَرها قَالَتَا أَتَينَا طَائعينَ ،فَقَضَاهنَّ سَبعَ سَمَاوَات في يَومَين وَأَوحَى في كلّ سَمَاء أَمرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدّنيَا بمَصَابيحَ وَحفظا ذَلكَ تَقدير العَزيز العَليم)([27]) ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها ، قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها ) في يوم الخميس ويوم الجمعة ، وكان آخر الخلق آدم في آخر ساعات يوم الجمعة ، فلما كان يوم السبت ، لم يكن فيه خلق ، فقالت اليهود فيه ما قالت فأنزل الله تكذيبهم (وَلَقَد خَلَقنَا السَّمَاوَات وَالأرض وَمَا بَينَهمَا في ستَّة أَيَّام وَمَا مَسَّنَا من لغوب)([28]) هكذا رواه الصنعاني عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا لم يذكر الصحابي لكن وصله الحاكم في المستدرك 2/450 رقم (3683) من طريق أبي بكر محمد بن القاسم بن سليمان الذهلي ، حدثنا الحسن بن إسماعيل بن صبيح اليشكري ، حدثني أبي ، حدثنا ابن عيينة ، عن أبي سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، في قول الله عز وجل ( وَمَا خَلَقنَا السَّمَاءَ وَالأرض وَمَا بَينَهمَا لَاعبينَ)([29]) قال ابن عباس : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كم خلقت السماوات والأرض ؟ قال : خلق الله أول الأيام الأحد ، وخلقت الأرض في يوم الأحد ، ويوم الاثنين ، وخلقت الجبال وشقت الأنهار ، وغرس في الأرض الثمار وقدر في كل أرض قوتها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض (ائتيَا طَوعا أَو كَرها قَالَتَا أَتَينَا طَائعينَ)([30]) فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها في يوم الخميس ويوم الجمعة ، وكان آخر الخلق في آخر الساعات يوم الجمعة ، فلما كان يوم السبت لم يكن فيه خلق فقالت اليهود فيه ما قالت ، فأنزل الله عز وجل تكذيبها (وَلَقَد خَلَقنَا السَّمَاوَات وَالأرض وَمَا بَينَهمَا في ستَّة أَيَّام وَمَا مَسَّنَا من لغوب)([31])
ثم عقبه الحاكم بقوله: هذا حديث قد أرسله عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن أبي سعيد عن عكرمة، ولم يذكر فيه ابن عباس وكتبناه متصلا من هذه الرواية والله أعلم.انتهى كلام الحاكم.
وهذه المتابعة في سندها أبو سعد البقال ( سعيد بن المرزبان مولى حذيفة بن اليمان
روى عن وأنس بن مالك ، وسعيد بن جبير وعكرمة مولى بن عباس روى عنه شعبة والثوري وابن عيينة وغيرهم،ضعفه ابن معين وعمرو بن علي وغيرهم ووثقه وكيع وأبو أسامة وأبو زرعة الرازي وابن عدي)([32])
قال ابن عدي في الكامل (3/385) ترجمة رقم(811) (أبو سعد البقال كوفي حدث عنه شعبة والثوري وابن عيينة وغيرهم من ثقات الناس وله غير ما ذكرت من الحديث شيء صالح وهو في جملة ضعفاء الكوفة الذي يجمع حديثهم ولا يترك ).
وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل( 4/62)( سئل أبو زرعة عن أبى سعد البقال فقال: لين الحديث مدلس قلت: هو صدوق قال: نعم كان لا يكذب).
قال ابن سعد في الطبقات (3/383) ( قليل الحديث) ولم يذكر فيه جرحا.
ووجه الشاهد فيها لرواية المؤلف أن الأرض خلقت قبل السماء، بل في هذه الرواية مخالفة لرواية المنهال بن عمرو عن ابن عباس أن دحو الأرض كان بعد خلق السماء وسيأتي الكلام على الدحو ومعنى البعدية في التعليق إن شاء الله.
وأما الشواهد بمعناه فهناك شواهد:
الشاهد الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه رواه أحمد في المسند 2/295 رقم(7919)،و الحاكم 4/176 رقم(7278) من طريق عبد الله بن الحسين القاضي ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا يزيد بن هارون أنبأ همام عن قتادة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (قلت يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي و قرت عيني فانبئني عن كل شيء قال : كل شيء خلق من ماء، قال قلت : انبئني عن أمر إذا عملت به دخلت الجنة قال : أفش السلام و أطعم الطعام وصل الأرحام و قم بالليل و الناس نيام ثم ادخل الجنة بسلام ) وعقبه بقوله:هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه ووافقه الذهبي.
ووجه الشاهد هنا لحديث ابن عباس أن السماء خلقت من بخار الماء الذي صعد من الأرض وكذلك الأرض خلقت من الماء كما يفيده أثر مجاهد الذي رواه ابن أبي شيبة في المصنف 7/ 261 رقم (35894) والطبري في التفسير 5 / 513 عند تفسير قوله تعالى(إنَّ رَبَّكم اللَّه الَّذي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأرض)([33]) والبيهقي في الأسماء والصفات (2 / 242) رقم(806) جميعهم من طريق أبي عوانة عن أبي بشر عن مجاهد: قال (بدء الخلق العرش والماء والهواء، وخلقت الأرض من الماء، وبدء الخلق الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وجمع الخلق يوم الجمعة، فتهودت اليهود يوم السبت ويوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدون).
الشاهد الثاني: عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه موقوفا أخرجه الطبري في التفـسير(1/222) والفريابي في القدر(1/ 29) رقم(1) ( خلق الله عز وجل الأرض يوم الأحد والاثنين وقدر فيها أقواتها وجعل فيها رواسي من فوقها يوم الثلاثاء والأربعاء (ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ )([34]) فخلقها يوم الخميس ويوم الجمعة (وَأَوحَى في كلّ سَمَاء أَمرَهَا)([35])وخلق آدم عليه السلام في آخر ساعة من يوم الجمعة) الحديث بطوله، وإسناده صحيح، لكنه موقوف وهو بمعنى رواية أبي ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنهما: في أن الأرض خلقت قبل السماء).
الشاهد الثالث:عن ابن إسحاق مقطوعا أخرجه الطبري في التفسير1/433 رقم (590) من طريق حدثني محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، قال: قال محمد بن إسحاق: (كان أول ما خلق الله تبارك وتعالى النور والظلمة، ثم ميز بينهما، فجعل الظلمة ليلا أسود مظلما، وجعل النور نهارا مضيئا مبصرا، ثم سمك السموات السبع من دخان، يقال: والله أعلم، من دخان الماء – حتى استقللن ولم يحبكهن وقد أغطش في السماء الدنيا ليلها، وأخرج ضحاها، فجرى فيها الليل والنهار، وليس فيها شمس ولا قمر ولا نجوم. ثم دحا الأرض وأرساها بالجبال، وقدر فيها الأقوات، وبث فيها ما أراد من الخلق، ففرغ من الأرض وما قدر فيها من أقواتها في أربعة أيام ثم استوى إلى السماء وهي دخان -كما قال- فحبكهن، وجعل في السماء الدنيا شمسها وقمرها ونجومها، وأوحى في كل سماء أمرها، فأكمل خلقهن في يومين، ففرغ من خلق السموات والأرض في ستة أيام. ثم استوى في اليوم السابع فوق سمواته، ثم قال للسموات والأرض: ائتيا طوعا أو كرها لما أردت بكما، فاطمئنا عليه طوعا أو كرها، قالتا: أتينا طائعين).
وهذا الأثر عن ابن اسحاق ضعيف من وجوه:
الوجه الأول : لم يسنده إلى أحد فهومقطوع.
الوجه الثاني: ابن حميد حافظ ضعفه الجمهورووثقه ابن معين.
الوجه الثالث: سلمة بن الفضل صدوق كثير الخطأ .
ووجه الشاهد في أثر ابن اسحاق هذا لحديث ابن عباس قوله (ثم سمك السموات السبع من دخان، يقال: والله أعلم، من دخان الماء) وأما بقيه هذا الأثر فقد أخذه ابن إسحاق من كلام أهل الكتاب كما جاء عند المؤلف ص305 رقم (910) من طريق أحمد بن محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن أحمد بن البراء حدثنا عبد المنعم بن إدريس عن أبيه قال ذكر وهب رحمه الله تعالى : (أنه وجد فيما أنزل الله عز وجل على موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام أن الله عز وجل لما خلق الخلق خلق الروح ثم خلق من الروح الهواء ثم شق من الهواء النور والظلمة ثم خلق من النور الماء ثم خلق النار والريح وكان عرشه على الماء ما شاء أن يكون وكان الماء على متن الريح في الهواء وذلك قبل أن يخلق السموات والأرض فخلق من النور النهار وجعله مضيئا مبصرا وخلق من الظلمة الليل فجعله أسود مظلما وكان خلق النهار قبل خلق الليل وخلق الشمس والقمر والضوء والنور فعرف الليل من النهار وجعل هذا قريبا لهذا يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا وخلق الدنيا وأهلها بأجل معلوم وخلق الليل والنهار بقدرته وهما مسخران بأمره يجريان على مقاديره وآية بنية من سلطانه يتطالبان فلا يتداركان ويستبقان فلا يتفاوتان ويتزاحمان فلا يختلطان).
الشاهد الرابع: عن ابن مسعود وابن عباس أخرجه الطبري في التفسير 1/222 من طريق موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ( هوَ الَّذي خَلَقَ لَكم مَا في الأرض جَميعا ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء فَسَوَّاهنَّ سَبعَ سَمَاوَات)([36]) قال : ( إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ثم فتقها فجعل سبع أرضين في يومين في الأحد والاثنين فخلق الأرض على حوت والحوت هو النون الذي ذكره الله في القرآن : (ن وَالقَلَم وَمَا يَسطرونَ)([37]) والحوت في الماء والماء على ظهر صفاة والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة في الريح وهي الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء ولا في الأرض : فتحرك الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض فأرسى عليها الجبال فقرت فالجبال تفخر على الأرض فذلك قوله : ]وَأَلقَى في الأرض رَوَاسيَ أَن تَميدَ بكم وَأَنهَارا وَسبلا لَعَلَّكم تَهتَدونَ [([38]) وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء وذلك حين يقول :
] قل أَئنَّكم لَتَكفرونَ بالَّذي خَلَقَ الأرض في يَومَين وَتَجعَلونَ لَه أَندَادا ذَلكَ رَبّ العَالَمينَ وَجَعَلَ فيهَا رَوَاسيَ من فَوقهَا وَبَارَكَ فيهَا[ يقول : أنبت شجرها (وَقَدَّرَ فيهَا أَقوَاتَهَا) يقول : أقواتها لأهلها ( في أَربَعَة أَيَّام سَوَاء للسَّائلينَ) قل لمن يسألك : هكذا الأمر (ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ)([39]) وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض وأوحى في كل سماء أمرها قال : خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلم ثم زين السماء الدنيا بالكواكب فجعلها زينة وحفظا تحفظ من الشياطين فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش فذلك حين يقول:( خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأرض في ستَّة أَيَّام)([40]) ويقول :(كَانَتَا رَتقا فَفَتَقنَاهمَا)([41]) انتهى بلفظه.
وكذلك رواه ابن خزيمة في التوحيد 2/886 رقم (595) وهذه الرواية فيها ضعف شديد بسبب السدي الكبير( إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي أبو محمد القرشي مولاهم الكوفي الأعور وهو السدي الكبير وقال الجوزجاني: هو كذاب شتام وقال أبو زرعة: لين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به)([42]).
ووجه الشاهد فيه لحديث المؤلف (أن السماء خلقت من دخان الماء وهو بخار الماء)
وأما قول السدي ( فخلق الأرض على حوت والحوت هو النون الذى ذكره الله عز وجل في القرآن بقوله ن والقلم والحوت في الماء والماء على ظهر صفاة والصفاة على ظهر ملك والملك على الصخرة والصخرة في الريح وهي الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء ولا في الأرض فتحرك الحوت فاضطربت فتزلزلت الأرض فأرسي عليها الجبال فقرت فالجبال تفخر على الأرض فذلك قوله تعالى جعل لها رواسي أن تميد بكم) وذكر الحوت هنا من كلام أهل الكتاب كما سيأتي وقد رواه البيهقي عن الكلبي بغير ذكر الحوت والصخرة في الأسماء والصفات 2/311 رقم (872) من طريق أبي عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محبور ، أخبرنا الحسين بن محمد بن هارون ، أخبرنا أحمد بن محمد بن نصر ، حدثنا يوسف بن بلال ، عن محمد بن مروان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما في قوله تعالى(ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ)([43]) يعني : صعد أمره إلى السماء (فَسَوَّاهنَّ)([44]) يعني : خلق سبع سماوات، قال : (أجرى النار على الماء يعني فبَخرَ البحر فصعد في الهواء فجعل السماوات منه)، ويذكر عن أبي العالية في هذه الآية أنه قال : استوى يعني : ارتفع، ومراده بذلك والله أعلم : ارتفاع أمره ، وهو بخار الماء الذي منه وقع خلق السماء) انتهى من الأسماء والصفات للبيهقي بلفظه وفي سنده السدي الكبير :ضعيف جدا.
الشاهد الخامس: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما موقوفا أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية 1/ 38 رقم (45) من طريق عبد الله بن صالح المصري قال حدثني ابن لهيعة ورشدين بن سعد عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : ( قال لما أراد الله تبارك وتعالى أن يخلق شيئا إذ كان عرشه على الماء وإذ لا أرض ولا سماء خلق الريح فسلطها على الماء حتى اضطربت أمواجه وأثار ركامه فأخرج من الماء دخانا وطينا وزبدا فأمر الدخان فعلا وسما ونمى فخلق منه السموات وخلق من الطين الأرضين وخلق من الزبد الجبال)،وفي سنده ضعيفان ابن لهيعة و رشدين بن سعد.
ووجه الشاهد فيه لحديث ابن عباس : أن السماء خلقت من دخان الماء.
وبعد هذه المتابعات والشواهد هناك أمور يجب التنبيه عليها:
هناك لفظة مشكلة رويت على ثلاثة وجوه (خلق الله الثور) و(خلق الله النون) (خلق الله النور) وهذه الكلمة هي مفتاح اللغز في هذا الحديث:
الأمر الأول: لفظ هذا الحديث عند المؤلف له لفظان اللفظ الأول في ص192 رقم (552)، عن الأعمش،عن أبي ظبيان،عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (خلق الله الثور فدحا الأرض فارتفع بخار الماء ففتق منه السموات) وهو هذا الحديث الذي نتكلم عنه الآن وأخرجه في ص 307 رقـم (913) بنفس الإسناد بلفظ ( خلق الله النور فدحا الأرض عليها،فارتفع بخار الماء ففتق منه السماوات) واللفظ الأخير هو الأقرب إلى الصواب (النور) بالنون والراء ، وكلمة النور هي الأقرب بالنون والراء والمراد بها (النار) كما سيأتي.
اللفظ الأول: (خلق الله الثور فدحا الأرض فارتفع بخار الماء ففتق منه السموات) عند المؤلف ص192 رقم(552) وهو هذا الحديث .
اللفظ الثاني: أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين 2/540 رقم (3840)
من طريق أبي زكريا يحيى بن محمد العنبري حدثنا محمد بن عبد السلام حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأ جرير عن الأعمش عن أبي ظبيان عن بن عباس رضي الله عنهما قال: ( إن أول شيء خلقه الله القلم فقال له اكتب فقال وما أكتب فقال القدر فجرى من ذلك اليوم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة قال وكان عرشه على الماء فارتفع بخار الماء ففتقت منه السماوات ثم خلق النون فبسطت الأرض عليه والأرض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال فإن الجبال تفخر على الأرض) هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه والبيهقي في السنن الكبرى 9/3 رقم (17481) والصنعاني في التفسير( 3/307) وغيرهم
والبعض جعل النون المراد به الحوت العظيم وأن الأرض على ظهر هذا الحوت العظيم واستدلوا بقوله تعالى ( ن والقلم ومايسطرون).
اللفظ الثالث: ( خلق الله النور فدحا الأرض عليها،فارتفع بخار الماء ففتق منه السماوات) عند المؤلف ص307 رقـم (913) بنفس السند السابق وذكره السيوطي في الدر المنثور 8/240 ( أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات والخطيب في تاريخه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : (إن أول شيء خلق الله القلم فقال له: اكتب فقال: يارب وما أكتب؟ قال: اكتب القدر فجرى من ذلك اليوم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ثم طوي الكتاب وارتفع القلم وكان عرشه على الماء فارتفع بخار الماء ففتقت منه السموات ثم خلق النور فبسطت الأرض عليه والأرض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال فإن الجبال لتفخر على الأرض إلى يوم القيامة ثم قرأ ابن عباس ن والقلم وما يسطرون).
و ذكره ابن أبي حاتم في التفسير (10/3364) رقم (18936)عن ابن عباس قال: (إن أول شيء خلق الله القلم فقال له: اكتب فقال: يا رب وما اكتب قال: اكتب القدر فجرى من ذلك اليوم ما هو كائن إلى ان تقوم الساعة ثم طوى الكتاب وارتفع القلم وكان عرشه على الماء فارتفع بخار الماء ففتقت منه السماوات ثم خلق النور فبسطت الأرض عليه والأرض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الأرض فاثبتت بالجبال فان الجبال لتفخر على الأرض إلى يوم القيامة ثم قرأ ابن عباس (والقلم وما يسطرون).
وهنا في كلام السيوطي وابن أبي حاتم ذكر للكلمتين : للنور بالراء والنون بالنونين .
ولفظ النور هو الأقرب صوابا للأدلة التالية:
أولا: مارواه البيهقي في الأسماء والصفات 2/ 311 رقم (872) من طريق أبي عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محبور ، أخبرنا الحسين بن محمد بن هارون ، أخبرنا أحمد بن محمد بن نصر ، حدثنا يوسف بن بلال ، عن محمد بن مروان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما في قوله : {ثم استوى إلى السماء} يعني : صعد أمره إلى السماء {فسواهن} يعني : خلق سبع سماوات . قال : أجرى النار على الماء يعني فبخر البحر فصعد في الهواء فجعل السماوات منه . ويذكر عن أبي العالية في هذه الآية أنه قال : استوى يعني : ارتفع . ومراده بذلك والله أعلم : ارتفاع أمره ، وهو بخار الماء الذي منه وقع خلق السماء) وهذا الأثر في سنده ضعف بسبب الكلبي لكنه بمعنى حديث أبي ظبيان .
ثانيا: ورد لفظ (النور) في قصة بدء الخلق أخرجه مسلم4/2149 رقم ( 2789 ) وغيره عن أبي هريرة t قال أخذ رسول الله r بيدي فقال (خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل).
ثالثا: جاءت كلمة (النور) بمعنى (النار) في استعمال الشرع قال تعالى(أَن بوركَ مَن في النَّار وَمَن حَولَهَا وَسبحَانَ اللَّه رَبّ العَالَمينَ)([45]) كما حكى ابن جرير ذلك عن الحسن البصري وقتادة في تفسير هذه الآية( 19/134 ) والمعنى : بورك من في النور، ومنه قوله تعالى(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ) ([46]).
رابعا: تأنيث الضمير في رواية المؤلف الثانية ص 307 رقـم (913) بنفس الإسناد بلفظ (خلق الله النور فدحا الأرض عليها،فارتفع بخار الماء ففتق منه السماوات) فالتأنيث يدل على أن المراد بالنور هنا النار.
خامسا: مارواه ابن أبي حاتم في التفسير(10/3364) رقم (18936)عن ابن عباس قال: (إن أول شيء خلق الله القلم فقال له: اكتب فقال: يا رب وما اكتب؟ قال: اكتب القدر فجرى من ذلك اليوم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ثم طوى الكتاب وارتفع القلم وكان عرشه على الماء فارتفع بخار الماء ففتقت منه السماوات ثم خلق النور فبسطت الأرض عليه والأرض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال فان الجبال لتفخر على الأرض إلى يوم القيامة ثم قرا ابن عباس والقلم وما يسطرون قوله تعالى وما يسطرون).
سادسا: ما ذكره السيوطي في الدر المنثور 8/240 والشاهد منه قوله (وكان عرشه على الماء فارتفع بخار الماء ففتقت منه السموات ثم خلق النور فبسطت الأرض عليه والأرض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال فإن الجبال لتفخر على الأرض إلى يوم القيامة ثم قرأ ابن عباس ن والقلم وما يسطرون).
ووجه الشاهد في هاتين الروايتين (ثم خلق النور فبسطت الأرض عليه) وانظر رواية المؤلف (خلق الله النورفدحا الأرض عليها،فارتفع بخار الماء ففتق منه السماوات).
سابعا: المصاحب للنار دوما (الدخان) وقد جاءت كلمة (دخان) في رواية مجاهد وأخرجها الصنعاني في التفسير (1/162) قال أخبرني معمر قال أخبرني ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: (فخلق الله الأرض قبل السماء فثار من الأرض دخان ثم خلقت السماء بعد)، وأخرجها المؤلف ص293 رقم(885)من طريق محمد بن جعفر بن الهيثم حدثنا سلمة حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد رحمه الله تعالى في قوله (هوَ الَّذي خَلَقَ لَكم مَا في الأرض جَميعا ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء فَسَوَّاهنَّ سَبعَ سَمَاوَات وَهوَ بكلّ شَيء عَليمٌ)([47]) قال: خلق الله تعالى الأرض قبل السماء فلما خلق ثار فيها دخان فذلك حين يقول (ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ)([48]) قال: (فَسَوَّاهنَّ سَبعَ سَمَاوَات)([49]).
والدخان في لغة العرب قرين الحطب والنار وليس قرينا للحيتان قال الزمخشري في الفائق : (3 / 98) (والدخان : ما له لهب) وإذا سمع العربي كلمة الدخان تبادرإلى ذهنه الحطب المشتعل ومايخرج منه من دخان خانق وساخن.
وعندما نأتي بلفظ مجاهد ولفظ أبي ظبيان ونركب جمل الحديث كالتالي(لفظ مجاهد (خلق الله تعالى الأرض قبل السماء فلما خلق ثار فيها دخان فذلك حين يقول (ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ ) ولفظ أبي ظبيان عن ابن عباس(خلق الله النورفدحا الأرض عليها،فارتفع بخار الماء ففتق منه السماوات) ولفظ ابن أبي حاتم (ثم خلق النور فبسطت الأرض عليه والأرض على ظهر النون فاضطرب النون).
فمعنى هذه الروايات والله أعلم : (ثم خلق الله النور- يعني النار- فدحى الأرض عليه(عليها) فثار منها دخان ففتق منه السموات فاضطربت الأرض بسبب النيران التي في باطنها فارساها الله بالجبال) والله أعلم.
ثامنا: مارواه المؤلف ص213 رقم (602) عن ابن مسعود رضي الله عنه من طريق
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن حماد، حدثنا علي، حدثنا علي بن قادم، قال سمعت سفيان الثوري، يسأل محمد بن عبيد الله، عن هذا الحديث فقال يا أبا عبد الرحمن أين الجنة قال أخبرني أو حدثنا سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن عبد الله رضي الله عنه قال :(الجنة في السماء السابعة العليا، والنار في الأرض السابعة السفلى) وهو حديث حسن لغيره بشواهده له حكم الرفع وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله ووجه الشاهد فيه ذكر النار في باطن الأرض .
تاسعا: مارواه المؤلف ص 312 رقم (928) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما من طريق عبد الله بن محمد بن عبد الكريم، حدثنا حمدون بن عباد، حدثنا علي بن عاصم، حدثنا عوف، عن أبي المغيرة القواس، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ( تحت بحركم هذا بحر من نار، تحت ذلك البحر من النار بحر من ماء ،وتحت ذلك البحر من الماء بحر من نار، حتى عد سبعة أبحر من نار، وسبعة أبحر من ماء) وهو حديث حسن لغيره موقوف له كثير من الشواهد، وسيأتي الكلام عليه مفصلا بمشيئة الله تعالى.
عاشرا: معلوم الآن علميا أن اضطراب الصهير الذي في باطن الأرض وهي الطبقة التي تسمى(الماغما) هو الذي يحرك الألواح القارية(حركة الصفائح التكتونية) ([50]) ويزلزل القشرة الأرضية ومعلوم أن الجبال تثبت القشرة الأرضية كالأوتاد([51]) وهذا يسند رواية (النور والنار).
الحادي عشر: هناك مايدل على أن بداية خلق الأرض كانت هناك براكين عظيمة لها أبخرة هائلة تراكمت ألفي عام روى الطبري في التفسير4/8 من طريق محمد بن عمارة الأسدي قال ثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا شيبان عن الأعمش عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال:(خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة وكان إذا كان عرشه على الماء زبدة بيضاء فدحيت الأرض من تحته).
وقال الخطابي غريب الحديث (2 / 495) في حديث عبد الله بن عمرو أنه قال خلق الله البيت قبل أن يخلق الأرض بألف عام وكان البيت زبدة بيضاء حين كان العرش على الماء وكانت الأرض تحته كأنها حشفة فدحيت الأرض من تحته يرويه جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن بكير بن الأخنس عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمرو الحشفة واحدة: الحشف وهي حجارة تنبت في البحر نباتا .
ورواية سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أخرجها عبد الرزاق في المصنف ب/ بنيان الكعبة 5/90رقم (9089) من طريق معمر عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال سألت بن عباس عن قوله تعالى(وكان عرشه على الماء ) قلت: على أي شيء كان الماء قبل أن يخلق شيء ؟ قال على متن الريح. قال بن جريج: قال سعيد بن جبير: فقال بن عباس رضي الله عنهما (فكان يصعد إلى السماء بخار كبخار الأنهار فاستصبر فعاد صبيرا) فذلك قوله تعالى ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان) قال بن جريج قال عمرو وعطاء فبعث الله رياحا فصفقت الماء فأبرزت في موضع البيت عن خشفة كأنها القبة فهذا البيت منها فلذلك هي أم القرى، قَالَ ابن جرَيج، قَالَ عَطَاءٌ : ثمَّ وَتَّدَهَا اللَّه بالجبَال كَيلا تكفَأَ، قَالَ : وَكَانَ أَوَّلَ جَبَل أَبو قبَيس.
وأما قوله (خشفة) فقد رويت بالمعجمة والمهملة ولها معان:
المعنى الأول: الخشفة: صخرة تنبت في البحر([52])
المعنى الثاني: الحشفة: رويت بالمهملة ومعناها: واحدة الحشف وهي حجارة تنبت في البحرنباتا.([53])
المعنى الثالث: الحشفة: صخرة رخوة حولها سهل من الأرض قاله ابن دريد والحشيف من الثياب: الخَلق([54])
وهناك رواية عن سعيد بن جبير أخرجها الخطابي في غريب الحديث(2/472)
من طريق محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: في قوله تعالى(وَكَانَ عَرشه عَلَى المَاء)([55]) قال: كان يصعد إلى السماء من الماء بخار فاستصبر فعاد صبيرا فذلك قوله تعالى(ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ )([56]) وسنده ضعيف بسبب الدبري لكنه حسن يشهد له ماقبله.
ثم شرحه الخطابي بقوله :
( قوله (استصبر) أي تراكم بعضه على بعض فصار له صبر وصبر كل شيء غلظه وكثافته والصبير: السحاب له أصبار وأطباق ويقال: إنما هو الأبيض من السحاب).
وقال الزمخشري في الفائق 2/278:
(الصبير: السحاب الكثيف المتراكب وهو من الصبر بمعنى الحبس كأن بعضه صبر على بعض ومنه صبر الشىء وهو غلظة وكثافته وصبرة الطعام وقد استصبر السحاب كاستحجر الطين ومنه حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال فى قوله تعالى (وَكَانَ عَرشه عَلَى المَاء)([57]) كان يصعد إلى السماء من الماء بخار فاستصبر فعاد صبيرا فذلك قوله تعالى(ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ )([58]) أى: تراكم وكَثف.
وقال ابن الأثير في النهاية 3/8
(وفي حديث ابن عباس في قوله تعالى(وَكَانَ عَرشه عَلَى المَاء َ)([59]) قال كان يصعد بخار من الماء إلى السماء فاستصبر فعاد صبيرا فذلك قوله تعالى(ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ )([60]) والصبير: سحاب أبيض متراكب متكاثف يعني تكاثف البخار وتراكم فصار سحابا.
وقال ابن منظور في لسان العرب 4/441:
وفي حديث ابن عباس في قوله عز وجل(وَكَانَ عَرشه عَلَى المَاء )([61]) قال: كان يصعدإلى السماء بخار من الماء فاستصبر فعاد صبيرا استصبر أي: استكثف وتراكم فذلك قوله(ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ)([62]) الصبير: سحاب أبيض متكاثف، يعني تكاثف البخار وتراكم فصار سحابا.
والبراكين هي التي تنبت الجزر في وسط البحار والمياه والمحيطات ويطلق عليها الجزر البركانية جاء في الموسوعة العربية العالمية :
(تشكلت بعض الجزر منذ مئات الملايين من السنين، وهناك جزرٌ جديدة تتشكّل باستمرار، فآيسلندا على سبيل المثال، تشكلت منذ ملايين السنين نتيجة لبركان محيطي، وظهرت جزيرة سيرتسي في عام 1963م جزيرة بركانية جديدة بالقرب من ساحل أيسلندا( ([63])
الثاني عشر: هناك أحاديث ظاهرها يخالف العقل فدرج المحدثون والرواة على إيجاد تأويلات لها أو الحكم عليها بالوضع مثل حديث عبد الله بن عمرو (إن تحت بحركم هذا نارا)([64]) فقد ضعفه قوم وحكم بوضعه آخرون مع أنه ثابت بأسانيد صحيحة كالشمس إلى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، والسبب في حكم البعض عليه بالوضع أن الماء يطفئ النار عقلا فكيف لايطفئها البحر وهنا في رواية الحديث (خلق الله النور فدحا الأرض عليها) تصرف بعض الرواة فجعله النون وجعله الحوت حتى يستقيم المعنى في نظره، ومامن شك أن لهم عذرا في ذلك أما نحن اليوم فقد بين العلم اليوم صورة الأرض تسبح في الفضاء مايمسكها إلا الله وليست على ظهر حوت، وبين العلم لنا اليوم أن باطن الأرض مملوء بالصهير البركاني وأن قلب الكرة الأرضية تزيد حرارته على أربعة ألاف درجة مئوية، وهذه الحقائق أصبحت من البدهيات في مبادئ الجغرافيا يقرأها جميع البشر في مدارسهم وجامعاتهم، ويمكن القول بأن هذا الحديث بهاتيين الروايتين المتقدمتين من كنوز السنة التي حفظها الله لنا على يد هذا العالم الجليل وفي هذا الكتاب القيم.
تنبيه هام جدا يتعلق بهذا الحديث:
جاء في بعض الروايات عن ابن عباس رضي الله عنهما:(الأرض على ظهر حوت وهذا الحوت هو النون) وهذا من كلام أهل الكتاب للأدلة التالية:
أولا: ما أخرجه ابن أبي الدنيا في العقوبات (1 / 6)([65]) رقم(21) من طريق عبد الله قال أخبرنا خالد بن خداش قال أخبرنا عبد الله بن وهب عن عمر بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن كعب قال: ( إنما تزلزت الأرض لأنها خلقت على ظهر حوت فلعل الحوت إن تحرك أو تعمل عليها المعاصي فترعد فرقا من الرب تعالى إذ يطلع عليها ) وأخرج كذلك (1 / 87) رقم(324) من طريق عبد الله قال حدثنا عبد العزيز بن منيب عن ابن أبي مريم قال أخبرنا ابن أبي الزناد قال حدثني عباد بن إسحاق وسليمان بن سحيم عن كعب الأحبار قال:
(إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض كلها فألقى في قلبه فقال تدري ما على ظهرك يا لويثا من الأمم والشجر والدواب والناس والجبال فلو نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع فهم لويثا بفعل ذلك فبعث الله عز وجل دابة فدخلت في منخره فدخلت في دماغه فعج إلى الله عز وجل فخرجت قال كعب: والذي نفسي بيده إنه لينظر إليها بين يديه وتنظر إليه إن يهم بشيء من ذلك عادت حيث كانت).
ثانيا: أخرج ابن كثير في تفسير قوله تعالى(لَه مَا في السَّمَاوَات وَمَا في الأرض وَمَا بَينَهمَا وَمَا تَحتَ الثَّرَى)([66])(3/ 174) من طريق الأوزاعي: أن يحيى بن أبي كثير حدثه أن كعبا سئل فقيل له: ما تحت هذه الأرض ؟ فقال: الماء. قيل: وما تحت الماء ؟ قال: الأرض. قيل: وما تحت الأرض ؟ قال: الماء قيل: وما تحت الماء ؟ قال: الأرض. قيل: وما تحت الأرض ؟ قال: الماء، قيل: وما تحت الماء ؟ قال: الأرض، قيل: وما تحت الأرض ؟ قال: الماء، قيل: وما تحت الماء ؟ قال: الأرض، قيل: وما تحت الأرض ؟ قال: الصخرة، قيل: وما تحت الصخرة ؟ قال: ملك، قيل: وما تحت الملك ؟ قال: حوت معلق طرفاه بالعرش، قيل: وما تحت الحوت ؟ قال: الهواء والظلمة وانقطع العلم).
ثالثا: ما أخرجه المؤلف ص313 رقم (934) عن وهب بن منبه من طريق أحمد بن عمر حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمهما الله تعالى قال وجدت في كتاب أبي بخط يده حدثنا غوث بن جابر قال سمعت أبا الهذيل عمران بن عبد الرحمن يقول سمعت وهب بن منبه رحمه الله تعالى يقول: ( إنها سبعة أبحر وسبع أرضين والأرض التي نحن عليها الوسطى والبحر حولها وأرض أخرى حول البحر ويخرجون إليها وأرض أخرى حول البحر ويخرجون إلى تلك الأرض كذلك حتى تتم سبع أرضين وسبعة أبحر والأرض كلها على ظهر الحوت واسم الحوت بهموت).
رابعا: عن كعب الأحبار أخرجها المؤلف ص312 رقم (927)،من طريق عبد الله بن سلم عن علي بن داود حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا يحيى بن أيوب عن خالد بن يزيد عن كعب رحمه الله تعالى: ( قال خرج الخضر بن عاميل إلى بحر الهركند وهو بحر الصين فقال لأصحابه دلوني في هذا البحر فإني أحب أن أعرف ما عمقه فدلوه أياما وليالي ثم خرج فقال ماذا رأيت يا خضر فلقد حفظ الله نفسك في لج هذا البحر قال استقبلني ملك من الملائكة فقال يا أيها الآدمي الخطاء إلى أين وأين تريد قال قلت أريد أن أعرف ما عمق هذا البحر قال وكيف وقد ألقي رجل منذ زمن داود عليه السلام وذلك منذ ثلاث مائة سنة فما بلغ ثلث قعره حتى الآن قلت فأخبرني من أين أقبلت قال من عند الحوت بعثني الله عز و جل إليه أغذيه لأن حيتان البحر شكت إليه كثرة ما يأكل منها قلت فأخبرني عن المد والجزر قال المد من نفس الحوت فإذا تنفس كان المد وإذا رد النفس كان الجزر).
خامسا: عن كعب الأحبار أخرجه المؤلف ص303 رقم (904) من طريق عبد الله بن مسلم عن علي بن داود، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا يحيى بن أيوب، عن خالد بن يزيد عن كعب رحمه الله تعالى قال: قلت أخبرني على ما قرار الأرضين قال: (الأرضون السبع على صخرة والصخرة في كف ملك والملك على جناح الحوت والحوت في الماء والماء على الريح والريح على الهواء ريح عقيم لا تلقح وإن قرونها معلقة بالعرش).
سادسا: ماجاء عن وهب بن منبه أخرجه المؤلف ص309 رقم(921) من طريق أحمد بن محمد حدثنا محمد بن رافع، حدثناإسماعيل، حدثني عبد الصمد، أنه سمع وهبا رحمه الله تعالى يقول: ( وذكر من عظم الخلق فذكر الحوت الذي يحمل الأرض والماء الذي فيه الحوت والسموات وما فيهن قال يحمل ذلك حوتان قلنا لوهب وما هما فكتب بأصبعه كن).
فإن قال قائل قد روي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا الكلام؟؟
فما هو الجواب عليه؟
والجواب : لايصح منها شيئ وفي أسانيدها ضعفاء أو وضاعون وهذه هي بأسانيدها:
الرواية الأولى : عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أخرجها ابن كثير في تفسير قوله تعالى(لَه مَا في السَّمَاوَات وَمَا في الأرض وَمَا بَينَهمَا وَمَا تَحتَ الثَّرَى)([67]) 5/273 من طريق ابن أبي حاتم قال: حدثنا أبو عبيد الله بن أخي بن وهب، حدثنا عمي، حدثنا عبد الله بن عَيَّاش، حدثنا عبد الله بن سليمان عن دَرَّاج، عن عيسى بن هلال الصَّدَفي، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الأرضين بين كل أرض والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، والعليا منها على ظهر حوت، قد التقى طرفاه في السماء، والحوت على صخرة، والصخرة بيد الملك، والثانية سجن الريح، والثالثة فيها حجارة جهنم، والرابعة فيها كبريت جهنم، والخامسة فيها حيات جهنم والسادسة فيها عقارب جهنم، والسابعة فيها سَقَر، وفيها إبليس مصَفّد بالحديد، يد أمامه ويد خلفه) وفي سندها دراج أبو الهيثم قال أحمد : حديثه منكر([68])وقال أبو حاتم الرازي ضعيف وقال النسائي ليس بالقوي([69])وهذه الكلمات هي نفس الكلمات التي نقلتها عن كعب الأحبار قبل قليل في السطور المتقدمة.
الرواية الثانية: عن سعيد بن سنان أخرجها المؤلف ص303 رقم(903) حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس، حدثنا سلمة، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا سعيد بن سنان حدثنا أبو الزاهرية، عن كثير بن مرة، عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الأرض على ما هي؟ قال: على الماء قيل أرأيت الماء على ما هو قال على صخرة خضراء قيل : أرأيت الصخرة على ما هي؟ قال على ظهر حوت يلتقي طرفاه بالعرش قيل أرأيت الحوت على ما هو قال على كاهل الملك قدماه في الهواء) موضوع والمتهم به سعيد بن سنان قال البخاري في الضعفاء:(سعيد بن سنان أبو مهدي الكندي الحنفي الحمصي عن أبي الزاهرية منكرالحديث وقال ابن معين: رواياته بواطيل وقال ابن عدي : عامة مايرويه عن أبي الزاهرية غير محفوظ)([70]) وهذه الكلمات هي نفس الكلمات التي نقلتها عن كعب الأحبار قبل قليل في السطور المتقدمة.
الرواية الثالثة: ما رواه الطبراني في المعجم الكبير11/ 433 رقم(12227) من طريق أبي حبيب زيد بن المهتدي المروذي ثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني ثنا مؤمل بن إسماعيل ثنا حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى مسلم بن صبيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أول ما خلق الله تعالى القلم والحوت قال : ما أكتب ؟ قال : كل شيء كان إلى يوم القيامة ثم قرأ { ن والقلم } فالنون الحوت والقلم القلم) وعقبه الطبراني بقوله: لم يرفعه عن حماد بن زيد إلا مؤمل بن إسماعيل.
ومؤمل هذا قال عنه الذهبي في الكاشف2/309 ترجمة رقم (5747)(مؤمل بن إسماعيل البصري العمري مولاهم نزل مكة عن عكرمة بن عمار وشعبة وسفيان وعنه أحمد ومؤمل بن إهاب قال أبو حاتم صدوق شديد في السنة كثير الخطأ وقيل دفن كتبه وحدث حفظا فغلط) فالسند ضعيف جدا لأن هذا من كلام كعب أخذه عنه ابن عباس فجاء بعض الضعفاء فرووه مرفوعا.
وقد عزاه ابن كثير إلي الطبراني مسندا عند تفسير الآية الأولى من سورة القلم.
فهذه هي الروايات المرفوعة كما ترى وفي كل منها ضعف شديد لايخفى على أحد ولايجوز نسبة القول( أن الأرض على ظهر حوت )إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو منه برئ ومنطوق القرآن يبين ذلك(إنَّ اللَّهَ يمسك السَّمَاوَات وَالأرض أَن تَزولَا وَلَئن زَالَتَا إن أَمسَكَهمَا من أَحَد مّن بَعده إنَّه كَانَ حَليما غَفورا)([71])
الحكم على الحديث([72]) بمجموع الطرق: حسن لغيره.
تنبيه:
بعد جمع الطرق والمتابعات والشواهد توصل الباحث بشأن هذا الحديث إلى النتائج التالية:
النتيجة الأولى : أن هذا الحديث بمجموع الطرق حديث صحيح موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما.
النتيجة الثانية: أن الأقرب في لفظ هذا الحديث هو لفظ الحافظ المقدسي في المختارة 10/18 رقم(8) عن ابن عباس رضي الله عنهما:( إن أول ما خلق الله من شيء القلم فقال اكتب فقال يا رب وما أكتب قال اكتب القدر قال فجرى بما هو كائن من ذلك اليوم إلى قيام الساعة، قال:( ثم خلق النون[النور-أوالنار]([73])فدحى الأرض عليها فارتفع بخار الماء ففتق منه السموات واضطرب النون[النور- أوالنار] فمادت الأرض فأثبتت بالجبال فإن الجبال لتفخرعلى الأرض إلى يوم القيامة).
النتيجة الثالثة: أن تفسير النون بالحوت وأن الأرض على ظهر حوت من نوادر وغرائب كعب الأحبار وخرافات أهل الكتاب وقد كان بعض الصحابة والتابعين لايجدون حرجا في التحديث عن بني إسرائيل لكن المصائب جاءت ممن بعدهم الذين جعلوا كلام كعب ووهب مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلاحول ولاقوة إلا بالله وقد تقدم التنبيه على مثل هذا مرارا وبين الباحث كل هذا بأدلة مفصلة في الفقرات السابقة.
غريب ألفاظ هذا الحديث:
تقدم شرح الغريب في ثنايا متابعات الحديث فليرجع إليه.
التعليق:
معلوم أن الأحاديث يشرح بعضها بعضا وأن ألفاظ الحديث الواحد تبين المراد منه
وهذا الحديث عن ابن عباس روي بألفاظ متعددة وللفائدة أسردها هاهنا :
أولا: رواية مجاهد عند عبد الرزاق الصنعاني في التفسير(1/162) قال: ( فخلق الله الأرض قبل السماء فثار من الأرض دخان ثم خلقت السماء بعد) وسندها صحيح إلى مجاهد.
ثانيا: رواية مجاهد عند الطبري في التفسير( 1/194)قوله (هوَ الَّذي خَلَقَ لَكم مَا في الأرض جَميعا ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء فَسَوَّاهنَّ سَبعَ سَمَاوَات وَهوَ بكلّ شَيء عَليمٌ)([74]) قال: ( خلق الأرض قبل السماء فلما خلق الأرض ثار منها دخان فذلك حين يقول: (ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء فَسَوَّاهنَّ سَبعَ سَمَاوَات)([75]) قال: ( بعضهن فوق بعض وسبع أرضين بعضهن تحت بعض) وسندها صحيح إلى مجاهد.
ثالثا: رواية سعيد بن جبير التي أخرجها عبد الرزاق في المصنف ب/ بنيان الكعبة 5/90رقم (9089) قال: سألت ابن عباس عن قوله تعالى(وَكَانَ عَرشه عَلَى المَاء)([76]) قلت: على أي شيء كان الماء قبل أن يخلق شيء ؟ قال:على متن الريح، قال ابن جريج: قال سعيد بن جبير: فقال ابن عباس رضي الله عنهما (فكان يصعدإلى السماء بخار كبخار الأنهار فاستصبر فعاد صبيرا) فذلك قوله تعالى: (ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ )([77]) وإسناد هذه الرواية حسن موقوف يحتمل الرفع.
غريب هذا الحديث:
قال الزمخشري في الفائق 2/278:
(الصبير: السحاب الكثيف المتراكب وهو من الصبر بمعنى الحبس كأن بعضه صبر على بعض ومنه صبر الشىء وهو غلظة وكثافته وصبرة الطعام وقد استصبر السحاب كاستحجر الطين ومنه حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال فى قوله تعالى (وَكَانَ عَرشه عَلَى المَاء)([78]) كان يصعدإلى السماء من الماء بخار فاستصبر فعاد صبيرا فذلك قوله تعالى(ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ )([79]) أى: تراكم وكَثف.
وقال ابن الأثير في النهاية 3/8
(وفي حديث ابن عباس في قوله تعالى(وَكَانَ عَرشه عَلَى المَاء َ)([80]) قال كان يصعد بخار من الماءإلى السماء فاستصبر فعاد صبيرا فذلك قوله تعالى(ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ )([81]) والصبير: سحاب أبيض متراكب متكاثف يعني تكاثف البخار وتراكم فصار سحابا).
رابعا: رواية أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أخرجها البيهقي في الأسماء والصفات 2/ 311 رقم (872) في قوله تعالى (ثم استوى إلى السماء) يعني : صعد أمره إلى السماء (فسواهن) يعني : خلق سبع سماوات، قال: أجرى النار على الماء يعني فبخر البحر فصعد في الهواء فجعل السماوات منه ويذكر عن أبي العالية في هذه الآية أنه قال : استوى يعني :ارتفع ) وفي سندها ضعف بسبب الكلبي.
بيان معنى الآيات الواردة في هذا الحديث :
هنا مسألة متعلقة بهذا الحديث وهي الكلام عن الآيات التي تتكلم عن تفاصيل خلق الأرض والسموات في القرآن والتي وردت في ثنايا متابعات هذا الحديث وهي ثلاث آيات:
الآية الأولى : قوله تعالى(هوَ الَّذي خَلَقَ لَكم مَا في الأرض جَميعا ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء فَسَوَّاهنَّ سَبعَ سَمَاوَات وَهوَ بكلّ شَيء عَليمٌ)([82])
الآية الثانية: قوله تعالى(قل أَئنَّكم لَتَكفرونَ بالَّذي خَلَقَ الأرض في يَومَين وَتَجعَلونَ لَه أَندَادا ذَلكَ رَبّ العَالَمينَ ، وَجَعَلَ فيهَا رَوَاسيَ من فَوقهَا وَبَارَكَ فيهَا وَقَدَّرَ فيهَا أَقوَاتَهَا في أَربَعَة أَيَّام سَوَاء للسَّائلينَ ، ثمَّ استَوَى إلى السَّمَاء وَهيَ دخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَللأَرض ائتيَا طَوعا أَو كَرها قَالَتَا أَتَينَا طَائعينَ)([83])
الآية الثالثة: قوله تعالى( أَأَنتم أَشَدّ خَلقا أَم السَّمَاء بَنَاهَا ، رَفَعَ سَمكَهَا فَسَوَّاهَا ، وَأَغطَشَ لَيلَهَا وَأَخرَجَ ضحَاهَا ، وَالأرض بَعدَ ذَلكَ دَحَاهَا ، أَخرَجَ منهَا مَاءَهَا وَمَرعَاهَا ، وَالجبَالَ أَرسَاهَا ، مَتَاعا لَكم وَلأَنعَامكم )([84])
وللمفسرين في الجمع بين آيتي البقرة وفصلت مع آية النازعات ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الأرض خلقت ابتداء قبل السماء ثم سوى الله السموات ثم دحيت الأرض وهذا القول مروي عن ابن عباس واختاره ابن جرير في التفسير(12/437).
القول الثاني: أن الأرض خلقت مع السماء في وقت واحد وأن (بعد) بمعنى (مع) فيكون المعنى (والأرض مع ذلك دحاها) مثل قـوله تعالى(عتلّ بَعدَ ذَلكَ زَنيم)([85]) وهذا القـول حكاه الطـبـري في التفـسيـر( 12/437)عن مجاهد وذكر القرطبي (19 /178 ) شاهدا من شعر العرب لهذا المعنى فقال:
(قال الشاعر : فقلت لها عني إليك فإنني … حرام وإني بعد ذاك لبيب
أي مع ذلك لبيب) وقوله حرام: يعني محرم بالتلبية([86])
القول الثالث: أن الأرض خلقت قبل السماء ثم خلقت السماء بعد ذلك عملا بآيتي البقرة وفصلت وأن كلمة(بعد) في آية النازعات بمعنى (قبل) مثل قوله تعالى(وَلَقَد كَتَبنَا في الزَّبور من بَعد الذّكر أَنَّ الأرض يَرثهَا عبَاديَ الصَّالحونَ)([87]) واستشهد القائلون بهذا القول لهذا المعنى بقول أبي خراش الهذلي : ( حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا … خراش وبعض الشر أهون من بعض )([88]) وزعموا أن خراشا نجا قبل عروة وهذا القول حكاه ابن جرير الطبري في التفسير12/437 عن بعض أهل العلم ولم يسمهم.
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية (19/ 178) (وقيل:(بعد): بمعنى( قبل) كقوله تعالى (وَلَقَد كَتَبنَا في الزَّبور من بَعد الذّكر)([89]) أي من قبل الفرقان قال أبو خراش الهذلي :
حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا … خراشٌ وبعض الشر أهون من بعض
وزعموا أنّ خراشا نجا قبل عروة) انتهى كلام القرطبي بلفظه.
وقال البغوي رحمه الله في تفسيره 3/271 عند تفسير قوله تعالى(وَلَقَد كَتَبنَا في الزَّبور من بَعد الذّكر)([90])
(وقيل: الزبور زبور داود والذكر القرآن وبعد بمعنى قبل كقوله تعالى (وكان وراءهم ملك) أي أمامهم (والأرض بعد ذلك دحاها، قبله ) انتهى كلام البغوي بلفظه.
أقول:
الزبور كتاب داودr لقوله تعالى (إنَّا أَوحَينَا إلَيكَ كَمَا أَوحَينَاإلى نوح وَالنَّبيّينَ من بَعده وَأَوحَينَا إلى إبراهيم وَإسمَاعيلَ وَإسحَاقَ وَيَعقوبَ وَالأَسبَاط وَعيسَى وَأَيّوبَ وَيونسَ وَهَارونَ وَسلَيمَانَ وَآتَينَا دَاوودَ زَبورا)([91]) وقال تعالى (وَرَبّكَ أَعلَم بمَن في السَّمَاوَات وَالأرض وَلَقَد فَضَّلنَا بَعضَ النَّبيّينَ عَلَى بَعض وَآتَينَا دَاوودَ زَبورا )([92]) وقوله r في سنن الترمذي ك/فضائل القرآن ب/ ماجاء في فضل الفاتحة( 5 / 155) رقم (2875)(والذي نفسي بيده ما أنزلت في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها وإنها سبع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والـذكـر هو القرآن لقوله تعالى ]إنَّا نَحن نَزَّلنَا الذّكرَ وَإنَّا لَه لَحَافظونَ[([93]) وقال تعالى ]وَقَالوا يَا أَيّهَا الَّذي نزّلَ عَلَيه الذّكر إنَّكَ لَمَجنونٌ [([94]) وقال تعالى ]وَأَنزَلنَا إلَيكَ الذّكرَ لتبَيّنَ للنَّاس مَا نزّلَ إلَيهم وَلَعَلَّهم يَتَفَكَّرونَ[([95]) وقال تعالى]إنَّمَا تنذر مَن اتَّبَعَ الذّكرَ وَخَشيَ الرَّحمَن بالغَيب فَبَشّره بمَغفرَة وَأَجر كَريم[([96]).
وإلى القول الثالث([97]) يميل الباحث للأدلة التالية:
أولا: هذا الحديث الذي أورده المؤلف عن أبي ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنهما لم يذكر دحوا بعد خلق السماء بل ذكر كلمة الدحو قبل خلق السماء فقال: عن أبي ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنهما:(خلق الله تعالى الثور(النور)([98]) فدحا الأرض فارتفع بخار الماء ففتق السموات) واللفظ الثاني للمؤلف بنفس السند عن أبي ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنهما (خلق الله تعالى النور فدحا الأرض عليها ،فارتفع بخار الماء ففتق منه السموات) ([99]) وقد فصلت القول في صحته ومعناه في ما تقدم.
ثانيا: رواية عكرمة عن ابن عباس التي أخرجها الصنعاني في التفسير (6 / 287) رقم (2739) من طريق ابن عيينة ، عن أبي سعيد ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، قال : سئل رسول الله r: في كم خلقت السموات والأرض ؟ فقال : خلق الله أول الأيام يوم الأحد ، وخلق الأرض في يوم الأحد ، ويوم الاثنين ، وخلقت الجبال ، وشقت الأنهار ، وغرست في الأرض الثمار وقدر في الأرض قوتها يوم الثلاثاء ، ويوم الأربعاء ( ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها ، قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها ) في يوم الخميس ويوم الجمعة ، وكان آخر الخلق آدم في آخر ساعات يوم الجمعة ، فلما كان يوم السبت ، لم يكن فيه خلق ، فقالت اليهود فيه ما قالت فأنزل الله تكذيبهم (وَلَقَد خَلَقنَا السَّمَاوَات وَالأرض وَمَا بَينَهمَا في ستَّة أَيَّام وَمَا مَسَّنَا من لغوب)([100]) إلى آخر الآية) هكذا رواه الصنعاني عن عكرمة عن النبي r مرسلا ولم يذكر الصحابي لكن وصله الحاكم في المستدرك 2/450 رقم (3683) من طريق أبي بكر محمد بن القاسم بن سليمان الذهلي ، حدثنا الحسن بن إسماعيل بن صبيح اليشكري ، حدثني أبي ، حدثنا ابن عيينة ، عن أبي سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، في قول الله عز وجل ( وَمَا خَلَقنَا السَّمَاءَ وَالأرض وَمَا بَينَهمَا لَاعبينَ)([101]) قال ابن عباس : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كم خلقت السماوات والأرض ؟ قال : خلق الله أول الأيام الأحد ، وخلقت الأرض في يوم الأحد ، ويوم الاثنين ، وخلقت الجبال وشقت الأنهار ، وغرس في الأرض الثمار وقدر في كل أرض قوتها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ]ائتيَا طَوعا أَو كَرها قَالَتَا أَتَينَا طَائعينَ[([102]) فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها في يوم الخميس ويوم الجمعة ، وكان آخر الخلق في آخر الساعات يوم الجمعة ، فلما كان يوم السبت لم يكن فيه خلق فقالت اليهود فيه ما قالت ، فأنزل الله عز وجل تكذيبها ]وَلَقَد خَلَقنَا السَّمَاوَات وَالأرض وَمَا بَينَهمَا في ستَّة أَيَّام وَمَا مَسَّنَا من لغوب[([103]).
ثم عقبه الحاكم بقوله: هذا حديث قد أرسله عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن أبي سعيد عن عكرمة، ولم يذكر فيه ابن عباس وكتبناه متصلا من هذه الرواية والله أعلم.انتهى كلام الحاكم.
وهذه الرواية في سندها أبو سعد البقال ( سعيد بن المرزبان مولى حذيفة بن اليمان
روى عن وأنس بن مالك ، وسعيد بن جبير وعكرمة مولى بن عباس روى عنه شعبة والثوري وابن عيينة وغيرهم،ضعفه ابن معين وعمرو بن علي ووثقه وكيع وأبو أسامة وأبو زرعة الرازي وابن عدي)([104]).
قال ابن عدي في الكامل (3/385) ترجمة رقم(811) (أبو سعد البقال كوفي حدث عنه شعبة والثوري وابن عيينة وهم وغيرهم من ثقات الناس وله غير ما ذكرت من الحديث شيء صالح وهو في جملة ضعفاء الكوفة الذي يجمع حديثهم ولا يترك ).
وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل( 4/62)( سئل أبو زرعة عن أبى سعد البقال فقال: لين الحديث مدلس قلت: هو صدوق قال: نعم كان لا يكذب)، قال ابن سعد في الطبقات (3/383) ( قليل الحديث) ولم يذكر فيه جرحا.
ثالثا: الدلالة اللغوية لحرف (ثم) في آية البقرة قال تعالى(ثم استوى إلى السماء فسواهن) وفي آية فصلت بعد ذكر خلق الأرض في يومين وبعد جعل الرواسي فوقها قال تعالى( وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها) فدلالة حرف (ثم) على الترتيب مع التراخي وهو يدل على أن السماء لم تسمك إلا بعد خلق الأرض ودحوها وقد جاء حرف (ثم)في الآيتين.
رابعا: كلمة (جميعا) في سورة البقرة واضحة الدلالة والتوكيد أن الماء والجبال والشجر قد خلق جميعه قبل أن تسمك السماء.
خامسا: معلوم لغة أن الظروف قد تأتي لمعان متضادة وأما حروف العطف فتترادف في الدلالة على معانيها ولاتأتي متضادة، وقبل وبعد ظرفا مكان مثل أمام ووراء وقد جاءت في القرآن هاتان الدلالتان فجاءت (وراء) بمعنى (أمام) وجاءت (قبل) بمعنى(بعد) فالأولى في قوله تعالى(وَكَانَ وَرَاءهم مَّلكٌ يَأخذ كلَّ سَفينَة غَصبا )([105]) والثانية في قوله تعالى]وَلَقَد كَتَبنَا في الزَّبور من بَعد الذّكر أَنَّ الأرض يَرثهَا عبَاديَ الصَّالحونَ [([106]) وقد ذكر هاتين الآيتين البغوي في تفسيره([107]) مشيرا إلى أن بعد تأتي بمعنى قبل .
ويمكن أن يكون من هذا الباب قوله تعالى(إنَّ هَؤلَاء يحبّونَ العَاجلَةَ وَيَذَرونَ وَرَاءهم يَوما ثَقيلا)([108]) لأن القيامة مستقبل بالنسبة لجميع البشر فهي أمامنا وليست وراءنا وهذا القول الذي اختاره الباحث هو بحسب فهمه للروايات والدلالات اللغوية ولايلزم به غيره ولعل الأيام القادمة تظهر حقائق جديدة عن الخلق لأن المعلومات المتوفرة حتى الآن أكثرها نظريات.
وحسبي في هذا الحديث أنني بينت مقدار الخطأ والإدراج الذي وقع في بعض ألفاظه من كلام كعب الأحبار، والحمد لله على فضله أولا وآخرا.
وختاما فإن ممايحسن ذكره لتقريب فهم معنى هذا الحديث ما خرج من كميات هائلة من الدخان من بركان ايسلندا في ( 15/4/ 2010 م ) وقد شكل الدخان سحبا غطت مئات الكيلومترات في أوربا ومنعت رحلات الطيران ([109]) في أكثر الدول الأوربية لأيام خوفا من هذا الدخان العظيم فسبحان من أبدع هذا الكون وأحسن كل شيئ خلقه.
الهوامش:
([1]) هكذا عند المؤلف هنا بالثاء (الثور) بالثاء والراء، والرواية الثانية عند المؤلف ص 307 رقم (913) (خلق الله النور) بالنون والراء وسيأتي بيان أن اللفظ الأخير هوالأرجح.
([2]) كتاب العظمة ص192 رقم (552).
([3]) انظر: الكاشف 2/82و تهذيب التهذيب 8/55.
([4]) انظر: الكاشف 2/350.
([5]) انظر: تقريب التهذيب 1/169و الكاشف 1/338.
([6]) صوابه الأودي.
([7]) سورة البقرة ( 29).
([8]) سورة فصلت ( 11).
([9]) سورة البقرة ( 29).
([10]) سورة البقرة ( 29).
([11]) سورة البقرة ( 29).
([12]) سورة هود (7).
([13]) سورة فصلت(11).
([14]) انظر: تاج العروس 1/5187.
([15]) انظر: غريب الحديث للخطابي 2/495 .
([16]) انظر: العباب الزاخر 1/387.
([17]) سورة هود (7).
([18]) سورة فصلت (11).
([19]) سورة هود (7).
([20]) سورة فصلت(11).
([21]) سورة هود (7).
([22]) سورة فصلت(11).
([23]) سورة هود (7).
([24]) سورة فصلت (11).
([25]) سورة النازعات( 27 – 30).
([26]) سورة فصلت ( 9 – 11).
([27]) سورة فصلت ( 11- 12).
([28]) سورة ق( 38).
([29]) سورة الأنبياء( 16).
([30]) سورة فصلت ( 9 – 11).
([31]) سورة ق (38).
([32]) انظر: تهذيب الكمال 11/54و طبقات ابن سعد6/354و الجرح والتعديل 4/62و الكامل في الضعفاء 3/383.
([33]) سورة الأعراف (54).
([34]) سورة فصلت : 11.
([35]) سورة فصلت : 12.
([36]) سورة البقرة: 29.
([37]) سورة القلم آية : 1.
([38]) سورة النحل : 15.
([39]) سورة فصلت 9-11.
([40]) سورة الأعراف : 54.
([41]) سورة الأنبياء : 30.
([42]) انظر: تهذيب التهذيب 1/274.
([43]) سورة فصلت :9-11.
([44]) سورة البقرة : آية (29).
([45]) سورة النمل( 8).
([46]) سورة البقرة : 17.
([47]) سورة البقرة : 29 .
([48]) سورة فصلت : 11.
([49]) سورة البقرة : 29 .
([50]) انظر: موقعwww.marefa.org/index.php/)الموسوعة_المعرفية_الشاملة): على الانترنت مادة : الصفائح الأرضية، وحركة الصفائح التكتونية .
([51]) انظر: موقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة على الانترنت عن الإعجاز في قوله تعالى(والجبال أوتادا).
([52]) انظر: تاج العروس 1/5187.
([53]) انظر: غريب الحديث للخطابي 2/495 .
([54]) انظر: العباب الزاخر 1/387.
([55]) سورة هود : (7).
([56]) سورة فصلت : (11).
([57]) سورة هود: (7).
([58]) سورة فصلت: (11).
([59]) سورة هود: (7).
([60]) سورة فصلت: (11).
([61]) سورة هود : (7).
([62]) سورة فصلت:(11).
([63]) انظر: الموسوعة العربية العالمية8/365.
([64]) حديث صحيح موقوف تقدم تخريجه في المقدمة.
([65]) كتاب العقوبات الإلهية للأفراد والجماعات والأمم ، تأليف أبي بكر عبدالله بن محمد ابن أبي الدنيا، المتوفى 281هـ ،تحقيق : محمد خير رمضان يوسف، دار ابن حزم، 1416هـ – 1996م.
([66]) سورة طه : آية(6).
([67]) سورة طه : (6).
([68]) انظر: الجرح والتعديل 3/441.
([69]) انظر: الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي 1/269.
([70]) انظر: ضعفاء البخاري 1/ 50 والكشف الحثيث 1/124و تهذيب الكمال 10/497.
([71]) سورة فاطر:(41).
([72]) لفظه عن ابن عباس رضي الله عنهما:( خلق الله النور فدحا الأرض عليه فارتفع بخار الماء ففتق منه السموات) وإنما كررت لفظه هنا لكثرة المتابعات والشواهد والتعليقات والغريب.
([73]) انظر : الأسماء والصفات للبيهقي2/ 311 رقم (872) وراجع المتابعات والشواهد ومابعدها فقد فصل الباحث أدلة كل نتيجة من هذه النتائج .
([74]) سورة البقرة ( 29).
([75]) سورة البقرة ( 29).
([76]) سورة هود (7).
([77]) سورة فصلت(11).
([78]) سورة هود : آية (7).
([79]) سورة فصلت : آية(11).
([80]) سورة هود : آية (7).
([81]) سورة فصلت : آية(11).
([82]) سورة البقرة : آية ( 29).
([83]) سورة فصلت : 9 – 11.
([84]) سورة النازعات : 27 – 33.
([85]) سورة القلم : 13.
([86]) انظر: أدب الكاتب (1 / 500)،المؤلف : أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الكوفي المروري الدينوري، الناشر : المكتبة التجارية – مصر،الطبعة الرابعة ، 1963،تحقيق : محمد محيى الدين عبدالحميد .
([87]) سورة الأنبياء : 105.
([88]) البيت لأبي خراش خويلد بن مرة أحد شعراء هذيل مات في خلافة عمر رضي الله عنه انظر: الشعر والشعراء (1 / 142) هذيل أبو خراش واسمه خويلد بن مرة
([89]) سورة الأنبياء : (105).
([90]) سورة الأنبياء:( 105).
([91]) سورة النساء: (163).
([92]) سورة الإسرا: (55).
([93]) سورة الحجر:9.
([94]) سورة الحجر: 6.
([95]) سورة النحل:44.
([96]) سورة يس:11 .
([97]) وهوأن الأرض خلقت بما فيها جميعا قبل السماء وأن بعد بمعنى قبل في آية النازعات.
([98]) هكذا عند المؤلف هنا بالثاء (الثور) بالثاء والراء، والرواية الثانية عند المؤلف ص 307 رقم (913) (خلق الله النور) بالنون والراءوهو عند غير المؤلف بنونين (خلق الله النون)وقد بين الباحث أن (النور) هو الصواب.
([99]) كتاب العظمة ص 307 رقم (913).
([100]) سورة :(38).
([101]) سورة الأنبياء:( 16).
([102]) سورة فصلت: ( 9 – 11)
([103]) سورة ق : (38)
([104]) انظر: تهذيب الكمال 11/54و طبقات ابن سعد6/354و الجرح والتعديل 4/62و الكامل في الضعفاء 3/383.
([105]) سورة الكهف:79.
([106]) سورة الأنبياء:105.
([107]) انظر: تفسير البغوي 3/271 ، لهذه الآية في سورة الأنبياء( 105).
([108]) سورة الإنسان : (27).
([109]) انظر: موقعwww.marefa.org/index.php/)الموسوعة_المعرفية_الشاملة): على الانترنت مادة : بركان آيسلندا.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد