منيرالحاج الدراجي عريوة: جامعة محمد بوضياف بالمسيلة
تقديم:
الطفل هو كنز وقوة بشرية حقيقية، والطفولة كمرحلة عمرية قد تظهر مرحلة عابرة، لكنها في الأصح تشكل اللبنة الأساسية لهوية رجل المستقبل، إن البذور التي يتم زرعها في هذه الحقبة هي التي سوف تعطي أكلها في المستقبل، مكونة النسق الإقليمي والثقافي للمجتمع باجمعه.
ومرحلة الطفولة هي المرحلة الحاسمة في بناء معالم وسمات شخصية الفرد مستقبلا، في إبعادها الجسمية والعقلية والنفسية والثقافية ، وينجم عن ذلك إن سمات شخصية الإفراد تصبح هي محصلة للتكوين الذي تم ترسيخه خلال فترة الطفولة ولهذا يجب تحصين الطفل من كل ما يدفع به نحو الاستلاب والتغريب أو الانحراف وهذا يبدأ منذ الطفولة الأولى ، حيث أصبح يتفاعل الطفل في وقتنا الحاضر ، مع ثقافات جديدة تحملها وسائط الكترونية ، يكون لها تأثير وجاذبية خاصة لديه ، وبذلك يصبح الطفل متلقي بامتياز للرسالة الإعلامية والثقافية المباشرة وغير مباشرة ، ويتفاعل معها بعفوية تامة وغالبا ما يقع ،بسرعة ، مع العلم أصبحت هذه الثقافات هي المنافس للوظيفة التربوية والثقافية التي كانت تتولاها ، الأسرة والمدرسة . والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف نضمن النمو المتوازن لأطفالنا والحفاظ على هويتهم، الثقافية والاجتماعية في ظل عولمة جارفة لم تكتف بغزو البلدان؟ وسنجيب على هذا التساؤل في هذه الورقة البحثية، وقبل الإجابة على هذا لابد من المرور على عدة عناصر أرها مهمة وتخدم البحث.
أولا: الطفل في اللغة:
الطفل في اللغة هو الولد الصغير، ويبقي اسم الطفل يطلق علي ولد الإنسان حتى يميز فيسمي صبيا، والعرب تستعمل اللفظتين بمعني واحد. (1)
ولقد اهتمت اللغة بالطفل فبدأت الكتب اللغوية الكبيرة المبوبة بخلق الإنسان ابتداء بالحمل والولادة والرضاع والفطام والغذاء وسائر ضروب التربية.
وفصلت أحوال الطفل من مبدأ الصغر إلى منتهي الكبر وتبعته جنينا ووليدا وصبيا ورضيعا وطفلا ومراهقا وغلاما ثم رجلا وفتي حدثا شابا.
ثانيا: الطفل في الأدب:
وللطفل في التراث الأدبي المنظوم والمنثور ذكر كثير، ومنه قول احمد الإعراب:
بنتي ريحانة أشمها
فديت بنتي وفدتني أمها.
وقالت إعرابية:
ياقوم مالي لا أحب عنجده
وكل إنسان يحب ولده
حب الحباري ويذب عنده
وقالت أخرى:
ياحسرتا على ولد. (2)
وقال الحسن البصري:
يحبذا أرواحه ونفسه
وحبذا نسيمه وملمسه
والله يبقيه لنا ويحرس
حتى يجر ثوبه ويلبسه.
ثالثا: الطفل في الأمثال والحكم:
وفي الأمثال والحكم وجوامع الكلم في التراث العربي كثير من الجمل والأقوال تنبئ عن أهمية الطفل ومنها:
أولادنا، أكبادنا
إذا ترعرع الولد تزعزع الوالد.
الأولاد إن عاشوا فتنوا وان ماتوا احزنوا.
من أدب أولاده أرغم حساده.الخ. (3)
رابعا: الاهتمام الجديد بالطفل:
يلقي الطفل عناية فائقة في هذا العصر، لا يمكن للطفل أن يستغني فيها عن رعاية الأبوين، وذلك بسبب وجوده في حالة تبعية تامة لهما، فالفطام النفسي مع الأسرة يصعب تحقيقه دفعة واحدة، وتبقي الحاجة إلى الرعاية الو الدية وروابطها النفسية والمعنوية والمادية قائمة حتى بالنسبة لمرحلتي المراهقة والشباب، خصوصا مع تنامي ظاهرة بطالة الخرجين وامتداد فترة العزوبة. (4)
ا-ثقافة الطفل: تعد ثقافة الطفل على عكس ما يعتقده البعض، لبنة أساسية لثقافة المجتمع برمته، وذلك لكون طفل اليوم هو باني ثقافة الغد، ورسم معالم الثقافة في المستقبل، ومادامت ثقافة الطفل هي قاعدة أساسية تتأسس عليها شخصية الفرد في المستقبل، فان الانشغال في إنتاج هذه الثقافة يعتبر ” صناعة” للمستقبل، وما يأتي فيما بعد هو مجرد نمو للبذرة
التي تم زرعها.
لقد انبهر الجميع بهذه الثورة المعلوماتية، فالآباء منقسمون بين فئة المتباهين بانخراط أبنائهم فيها، وبين فئة أخرى ممن شملهم الذهول والريبة منها، دون إغفال الإشارة إلى إن فئة أخري لاتزال غافلة تماما عن الموضوع. (5)
ولكن من يستطيع أن يفصل في هذه الثقافة الالكترونية الزاحفة بغثها وسمينها، ويميز فيها بين الصالح والطالح، ثم من يستطيع أن يؤمن سبل الحماية والأمان والاطمئنان لأطفالنا، وكيف نحصن أطفالنا ضد التعرض للآثار الجانبية السلبية للثقافة الالكترونية وخصوصا إذا علمنا أن الرقابة الذاتية تكون عادة إما ضعيفة لدى الأطفال اومنعدمة.
ب-العولمة: هي تجلي للصيرورة الواحدية للعالم التي تتهاوي فيها حدود الزمن والمكان.
لم تكتف العولمة بفرض طابعها الخاص على الثقافة، بل صنعت ثقافتها الخاصة، وذلك كتعبير عن ثقافة الحالة الحضارية المعاشة حاليا. (6) والسعي للإثارة علي حساب تعطيل تام للمعايير العقلانية. (7)، ويبدوا ألان إن الاختراق العولمي الزاحف في هذا المجال “أدب الطفل” الذي لم نكن نعيره الاهتمام كشف عن ارجه القصور وانعدام المناعة في نظام التنشئة التربوية لدينا، ويعتبر هذا بمثابة أكبر تحدي يواجه نظامنا التربوي والتثقيفي والاجتماعي.
وانطلاقا من إن الوسائط الثقافية، ثقافة العولمة كتكنولوجيا الإعلام والاتصال تلعب دورا كبيرا في بناء ثقافة الطفل، حاليا، في أبعادها الحسية الحركية والمهارية والقيمية، فمن الضروري القيام بتحليل مضمون هذه الثقافة الإعلامية المحمولة عبر التليفون والفيديو والألعاب الالكترونية، اوعبر الانترنيت، ذلك لتبيان مرجعياتها وتحليل آليات اشتغالها والقيم المسكوت عنها فيها.
ج-الوسائط الالكترونية الموجهة للطفل:
يتم تمرير الثقافة الالكترونية الموجهة للطفل عبر وسائل عدة، تتمثل في الرسوم المتحركة وأفلام الكرتون والحاسوب والعاب الفيديو وغير ذلك من الوسائط المغرية الجذابة، إن هناك سيرورة ممنهجة لمباشرة عملية “غرس ثقافي” في عقول أطفالنا يتوقع لها أن تعط ثمارها لاحقا في مرحلة الشباب والكهولة. (8)
كما أن الواقع ازدواجية الثقافة والتعليم، في المجتمع العربي انعكاسات سلبية على ثقافة الطفل، فبقدر مايحرص التعليم النظامي على ترسيخ القيم الأصيلة والخصوصية الذاتية، بقدر ماتسعي الثقافة الكترونية المتداولة إلى زعزعة ذلك، من خلال مضامين القيم الاستهلاكية التي تمررها الثقافة الالكترونية، إما بشكل ضمني أو مباشر.
-الإعلام الغربي الموجه إلي الطفل:
إن الإعلام الغربي المخصص للطفل هو سياسة حضارية عاملة لدي النخبة وصانعي القرار ومن اجل التحكم في ميول الطفل وغرائزه وتلقينه أخلاقيات المجتمع الغربي، وتجريده مما ينبغي إن يتحلي به من خصال فردية واجتماعية،
في سياق إعادة بناء الفرد والمجتمع، ففي المجتمعات الغربية الرأسمالية نشأت ثقافة الطفل لتكون في خدمة الثقافة الغربية والرأسمالية وتطلعاتها وأهدافها،
فاستخدمت هذه الإستراتيجية أكثر من عقدين لزرع الايدولوجيا الغربية ومحاولة
تكريسها في المجتمعات الإسلامية من خلال زرع سياسة العنف والصراع والبعد المادي في الحياة، ولعل نموذج “والت ديزني الأمريكية، وهاري بورتر،” خير دليل علي سلوك هذا النهج المبرمج، والتي تعكي أفكارهم الهدامة المتوحشة، كا الصراع والربح والقوة وعدم وجود قوة فوق قوة الإنسان، وسيادة الفرد ورغباته ونزواته، لمعيار وحيد يحدد سلوكاته في الحياة ومعاملاته مع الآخرين. (9)
– تحصين الطفل في نشأته بالموروث الحضاري الإسلامي والعروبي:
من خلال التأكيد علي أهمية نشأة الطفل المسلم علي الأيمان وتقوية اعتباره بالانتماء الحضاري الإسلامي وتحصينه ضد عوامل الانحراف ،خاصة بعد إن أصبح الفكر الأجنبي مصدرا أساسيا للإعلام الطفل ،وأصبحت شخصيات المغامرات الخيالية الغربية إبطالا لقصصنا ونماذج يحاكيها أطفال المسلمين ،هذا كله مع غزارة وثراء تراثنا وعظمة مصادره ، وتنوع فنونه ،وثقافاته وعمق أصالته ،فيجب الاستفادة من هذه العوامل وجعلها المنهل الرئيسي للطفل المسلم والرافد الذي لا ينقطع في تثقيف أطفالنا وتوعيتهم ،وحثهم عن الالتزام بالثوابت الإسلامية المستمدة من عقيدتنا في إطار منهج إسلامي ينبثق من القران ومفاهيم السنة والتراث الإسلامي الصحيح ،وفوق هذا تحصين الأطفال بالمفاهيم والقيم والمثل وغرس ملكة الانتقاء لديهم لمواجهة الآداب العالمية والإعلام الوافد علينا من الخارج والذي يتنافا مع عقيدة مجتمعنا الإسلامي.(10)
-مقترحات لوضع خطة وإعداد أدب الطفل:
1-تشريب الوجدان المسلم تشريبا إسلاميا من خلال القصص المؤثرة التي تعرض البطولات والنماذج الفريدة في تاريخنا، وإخضاع كل الأفكار للمنهج الإسلامي.
2-جعل الطفل كل سلوكه ينطبع بالطابع الإسلامي في جميع المواقف الجياشة
3-الحث علي طلب العلم وحبه باعتباره فريضة إسلامية.
4-أن نقنع الطفل بإعطائه مفهوما حقيقيا للسعادة، تحديدا إسلاميا
5-نعرفه ونغرس فيه العقيدة الصحيحة.
6-غرس فيه وبعمق مشاعر الوحدة الإسلامية.
7-اثراء وتنمية الحصيلة اللغوية لدي الطفل.
8-الاهتمام بكتاب ومؤلفي أدب الطفل العربي للارتقاء بهذا الأدب، وجعله منافسا للآداب العالمية.
9-تشجيع الدراسات التي تعني بأدب الطفل العربي ولغته ودعمها.
10-دفع بالبحث العلمي الرصين في لغة الطفل وأدبه.
11-تيسير عرض كنوز التراث العربي للأطفال وتسهيلها، من خلال الإعمال الفنية.
12-الاستفادة من المشروعات والنشاطات التي تدعم أدب الطفل في بعض الدول العربية، ونشرها في إرجاء الوطن العربي الحبيب ومن ذلك مشروع مهرجان القراءة للجميع والمكتبات العامة والمتنقلة كا التي في بلدي الحبيب الجزائر.
* ولا ننس وفائنا لأطفالنا ولغتنا العربية رمز هويتنا والانتماء للأمة العربية.
وفي الختام على ضوء مامررنا به ظهر لنا جليا أن أدب الطفل في ظل تحديات العولمة، إن الطفل عالم قابل للتشكيل بحسب الرغبات والأهداف المقصودة، فهو رهان كبير على المستقبل والحاضر، إذ بامتلاكه والسيطرة علي وعيه والتحكم في ميولا ته يمكن امتلاك المستقبل والسيطرة عليه، فالطفل هو الغد القادم، فلنرسم هذا الغد.ويجب إن نتكاتف ونسخر طاقاتنا وجهودنا جميعا لنقدم لأطفالنا أدبا وإعلاما مبنيا على قيم وأخلاقيات منبثقة من صلب حضارتنا ومورثونا الإسلامي.
الهوامش:
1- حسين علي محفوظ، نظرة الى الطفل في التراث العربي، ص 10(د، ط)، (د، ت)
2- نفس المرجع، ص 11
3- نفس المرجع السابق، ص 13
4- مجلة كلية علوم التربية، العدد 5 السلسلة الجديدة، ص 26، 2013
5- نفس المرجع السابق، ص 27
6- حجازي مصطفى، علم النفس والعولمة، ص 144 المركز الثقافي العربي بيروت 2010
7- نفس المرجع ص 12
8-المجلس العربي للطفولة والتنمية، (الطفل العربي في مهب التأثيرات الثقافية المختلفة)، دارالعلوم القاهرة 2009
9-احمد عبد الكريم الربيعي، الطفل المسلم ما بين الموروث الحضاري وخطر عولمة العصر ص 3،4
10- نفس المرجع السابق، ص 5
قائمة المصادر والمراجع:
1-حسين علي محفوظ، نظرة إلي الطفل في التراث العربي،”د، ط”،”د،ت”.
2-عبد الله الخياري، مجلة كلية علوم التربية، العدد 5، السلسلة الجديدة ،2013.
3-حجازي مصطفي، حصار الثقافة، المركز الثقافي العربي،1988، بيروت
4-منشورات المجلس العربي للطفولة والتنمية،”الطفل العربي في مهب التأثيرات الثقافية المختلفة «، دار العلوم-القاهرة،2009
5-احمد عبد الكريم الربيعي، المكتبة الالكترونية، اطفال الخليج ذوي الاحتياجات الخاصة. الموقع: www.gulfkids.com
-6 منشورات : مؤتمر : الأسرة والإعلام العربي : نحو ادوار جديدة للإعلام الأسري،2-3-مايو 2010-الدوحة-قطر.
7-احمد علي كنعان، مؤتمر:”لغة الطفل العربي في عصر العولمة”، جامعة الدول العربية -القاهرة .17-19-فبراير،2007.
8-محمد فائق، حقوق الإنسان في عصر العولمة، رؤية عربية، برلين، 24-مارس 2000.
9-عبد الباسط سليمان، عولمة العنف وإعلام الطفل، دراسة في برامج الأطفال التليفزيونية، كلية الإعلام، جامعة بغداد،2008
10- نايف الشبول،اثر الدراما الفضائية في ظاهرة العنف عند الأطفال ،جامعة اليرموك ،اربد،الأردن.المجلة الأردنية للفنون،مجلد 3،عدد 1،2010.
اترك رد