د. رقية بوسنان: جامعة الأمير عبد القادر – قسنطينة – الجزائر
تشيع في وسائل الإعلام التقليدية والحديثة الكثير من الأشكال التعبيرية الساخرة المجسدة في مواقف الأفراد تجاه القضايا الساخنة، والتي تتجاوز إلى حد كبير أخلاقيات حرية التعبير التي كفلتها التشريعات والقوانين المختلفة في جميع دول العالم، والتي تختلف في تقييدها وتنظيمها بحسب المجتمعات والنظم السياسية التي تنتمي لها، فهي على إطلاقها في بعض المجتمعات وخاصة الغربية منها، تؤطرها النظرية الليبرالية، التي فسحت أمام الفرد وأطلقت له كل القيود في نشر أي محتوى يروق له ويشبع رغباته.
تمس هذه الأشكال التعبيرية الساخرة الحياة الخاصة للمشاهير من السياسيين ونجوم الفن والرياضة، كما تمس أحيانا الرموز الوطنية والدينية بطريقة مسيئة للغاية يتعذر معها أحيانا متابعة المشاهدة، فالمحتوى الساخر مليئ بالألفاظ البديئة من السب والشتم والصور الخليعة و تشويه الخلقة وكلها تخالف معنى اخلاقيات حرية التعبير.
إن الإعلام الساخر الذي نشأ في بيئة إعلامية قيمتها الإثارة والتضخيم لا يليق بكل البيئات وخاصة في المجتمعات الإسلامية التي من المفترض ان يحتكم إعلامها لمبادئ الإسلام وهي الكفيلة بحماية خصوصيات الأفراد انطلاقا من الأية:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا” وانطلاقا من الآية:” ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ” وغيرها من الآيات التي تنظر لأخلاقيات حرية التعبير في وسائل الإعلام وأهما شبكات التواصل وتحديدا فيديوهات اليوتيوب المنتشرة والتي يتابعها الملايين من الأفراد ويتفاعلون معها.
إن التصور الإسلامي لأخلاقيات حرية التعبير ينطلق من مبادئ ثابثة لا تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص، واهمها ” الخوف من الله” او مايسمى بـ” الجزاء” أو ” الثواب والعقاب” أما القوانين الوضعية فهي تتغير وفقا للمصالح، الشيئ الذي يهيئ للفرد جو التمرد عليها وعدم احترامها وممارستها بالشكل الذي يفسره هو أو بما يتماشى مع رغباته أو رغبات من يقفون خلفه، ومن هنا نلحظ التجاوز الصريح على أخلاقيات حرية التعبير.
وعليه فالتصور الإسلامي يرفض إطلاقا ما يسمى بالإعلام الساخر ليحفظ بذلك العرض والنفس والاخلاق ويشيع ثقافة الاحترام والممارسة الإعلامية النزيهة التي تؤطرها الكلمة الراقية والمسؤولة بما يسهم في تهذيب الذوق العام ورفعه والسمو به، والانطلاق في معالجة القضايا الجوهرية وقضايا التنمية التحضر والتقدم وخاصة في ظل التغيرات المتسارعة ومنها التغول العولمي الاتصالي والثقافي والاقتصادي والامني والسياسي…
اترك رد