تحقيق النصوص الفقهية المالكية: وقفات منهجية وتطبيقية

يوسف الغفياني: باحث بسلك الماستر – تخصص فقه النوازل في الغرب الاسلامي

احتفاءً باليوم العالمي للكتاب المخطوط؛ احتضنت شعبة الدراسات الإسلامية بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور (المغرب) أيام 25-26-27 أبريل 2016م دورة تدريبية لفائدة طلبة ماستر: «فقه النوازل في الغرب الإسلامي: تنزيلاً وتطبيقاً» في موضوع:تحقيق النصوص الفقهية المالكية: وقفات منهجية وتطبيقية، وذلك بمبادرة من الرابطة المحمدية للعلماء، ومركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرباط، ومركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي بالقنيطرة.

تمَّ افتتاح الجلسة الصباحية بآيات بينات من الذكر الحكيم، تلتها كلمة لرئيس الجلسة رئيس شعبة الدراسات الإسلامية بالكلية المتعددة التخصصات عرف فيها بمحاور الدورة ومجريات جلساتها.

بعد ذلك نوه عميد الكلية المتعددة التخصصات بتنظيم هذه الدورة بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء ومراكزها البحثية، ونبه على أن هذا النشاط جاء في سياق الاحتفاء باليوم العالمي للكتاب المخطوط، ثم أشار إلى أهم الأهداف المتوخاة من وراء هذه الدورة.

وفي كلمة السيد الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء التي ألقاها نيابة عنه الدكتور مصطفى عكلي الأستاذ الباحث بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث؛ أشار ـ حفظه الله ـ في تعريف مقتضب لبعض المهام الموكولة لمؤسسة الرابطة المحمدية للعلماء في إطار البحث العلمي، ثم ذكر السياق العام الذي يندرج تحته تنظيم هذه الدورة، وأهم أهدافها، ثم ختم بالشكر للمساهمين والساهرين على إنجاح هذا النشاط العلمي.
ثم قدَّمت الدكتورة لطيفة أحادوش باسم ماستر فقه النوازل بالغرب الإسلامي تأصيلاً وتنزيلاً في كلمتها الشكر للقائمين على تنظيم هذا الملتقى، وأشادت بالجهود المبذولة من الرابطة المحمدية للعلماء ومراكزها البحثية في تنظيم مثل هذه اللقاءات والدورات التكوينية الهادفة، كما أشارت إلى أهمية موضوع الدورة وخطورته في السياق العلمي المعاصر.
المحاضرة الأولى: تحقيق النصوص الفقهية المالكية المخطوطة: المشكلات والحلول
للدكتور محمد العلمي أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بسلا
ورئيس مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي
المقرر: الباحث عبد القادر الزكاري

استهل الأستاذ محاضرته بالشكر للسيد عميد الكلية المحتضنة للدورة على وعيه بقيمة العمل العلمي وإتاحته الفرصة لهذا النشاط العلمي، متمنيا أن يتكلل هذا العمل بالنجاح، دون أن يفوته التوجه بالشكر للجميع.
وبعد هذا التقديم شرع في الموضوع مقسما إياه إلى مقدمة، وعرض، وخاتمة.
أما المقدمة، فتناول فيها النقاط الآتية:
* مشكلةُ التحقيق وصعوباته العامةُ يشترك فيها أهل المعرفة بالوثائق مادة وموضوعا.
* هناك مجموعة من المنظرين في التحقيق استفادوا من دراسة الغربيين واستبحروا قواعد التحقيق في التراث الإسلامي، الأمر الذي أدى إلى وراثة هذه الخبرة، وصيرورتها لغة مشتركة بين الباحثين، وغدا لديهم من القواعد والمناهج والمعايير ما به يصححون ويزيفون وينقدون التراث المحقق ويكشفون ما قد يقع فيه المحققون من هنات وأغلاط.
* مؤلفات المالكية لم تكن محظوظة في مراعاة هذه القواعد؛ إذ انتهبتها أيادي التجار وتطاول عليها أجانب كثر، وقلَّت فيها المؤلفات المطبوعة المستكملة لشروط التحقيق العلمي.
* المخطوط المالكي وإن كان تراثا تحمكه قوانين المخطوط العامة، فإنه عِلم فقهي ومنظومة قانونية تاريخيا وواقعيا، وله خصوصيات كسائر الفروع الخاصة بالمعارف الإنسانية.
وأما العرض، فذكر فيه جملة من الصعوبات الخاصة في الفقه المالكي
وحصر هذه الصعوبات ـ المستوحاة من التجربة والمعاناة في مؤلفات المذهب المالكي ومخطوطاته وملاحظة مشكلة التحقيق المتنوعة ـ في سبع:
1 ـ صعوبة الموضوع الفقهي والمؤلف المختار للتحقيق.
2 ـ صعوبة النسخ.
3 ـ صعوبة التبويب.
4 ـ صعوبة النقل والإحالة في كتب الفقه.
5 ـ صعوبة الاصطلاح وطرق المؤلفين.
6 ـ صعوبة المصادر.
7 ـ صعوبة الغوامض والمبهمات والمشتبهات

ثم شرع يفصل في كل صعوبة على حدة:
1 ـ صعوبة الموضوع الفقهي والمؤلف المختار للتحقيق.
وجعل الكلام عن هذه الصعوبة في أمرين:
أ ـ صعوبة الموضوع الفقهي، وقد بين أوجه صعوبته من خلال ما يلي:
* تداول قسم العبادات وحاجة الناس إليها، وهو السر في السهولة النسبية لتحقيق مسائلها الأمهات على الباحثين؛ لذلك تجد عددا من المؤلفات المتعددة الأجزاء تصدر أجزاؤها من العبادات بسهولة، في حين لا تصدر أجزاء المعاملات منها أو تصدر بأخطاء كثيرة، وساق لذلك أمثلة.
* دوران الأحكام الشرعية عند المالكية في فضاء الخلاف الصغير، والتفريعات المذهبية، حيث لا يجد الباحث مستراحا من الآثار والخلافات العامة والأدلة الكلية، بحيث تدلَهِمُّ عليه المباحث الدائرة بين أقوال الرجال وتفريعاتها.
* ارتكاز الفقه المالكي المتأخر على مختصر خليل وابن عرفة، وما أفرزاه من مناقشات لغوية وفقهية ومنطقية الطويلة الذيل البالغة الدقة زادت الصعوبة كثيرا، وهي صعوبة لازمة لفقه المذهب.
* اختصاص كل شعبة من شعب الفقه بطبيعتها الخاصة، وما يستتبع ذلك من طرق ومصطلحات وقواعد وتفصيلات.
ب ـ المؤلفات المختارة للتحقيق
وفي هذه المسألة دعا الأستاذ المحاضرُ الباحثَ المشتغلَ بتحقيق التراث المالكي الفقهي إلى التمييز بين المخطوط المالكي بصفته تراثا، وبصفته مصدرا فقهيا للمذهب، مشيرا إلى أنه ليس كل كتاب مخطوط في المذهب المالكي يستحق التحقيق تلقائيا، بل الأولوية مستحقة إلى المصادر المعتمدة في كل فن من جهة والكتب الأمهات التي لم تحقق أو خرجت بتحقيق رديء من جهة أخرى، منبها إلى أن مجموعة من الباحثين يقبلون على تحقيق جملة من الكتب، الكثيرُ منها ليست له قيمة فقهية في المذهب، وإن كانت له قيمة تراثية لا تنكر.
ليعرب عن أسفه إلى أن المصادر المعتمدة في المذهب لم تحقق أو خرجت ناقصة النوع والعدد، آتيا بنماذج كثير من الكتب المالكية تنتمي إلى الفنون الثلاثة صدرت عن دور نشر، وبعضها طبع قديما، وبعضها حقق في أطاريح جامعية، ولكن التقصير أتى المحققين من جهة عدم التحقق بالفن الفقهي والمسائل الفروعية والأصولية المحتواة في المخطوط.
2 ـ صعوبة النسخ
حدد الأستاذ صعوبة النسخ في جهتين:
الجهة الأولى: أن الفقهاء يتصرفون مع الكتب الفقهية تصرفا موضوعيا في الغالب، فيهتمون بالمعنى الفقهي المراد من المصادر.
الجهة الثانية: أن الأصل في النسخ المتداولة للمؤلفات المالكية نساخها أغلبهم أميون فقهيا بعيدون عن الفن الذين يكتبون.
وأعطى حلا للتغلب على هذه المشكلة متمثلة في البحث على نسخ المصنفين، أو نسخ المقابلة عليها أو التي نسخها علماء.
3 ـ صعوبة التبويب
حصر صعوبة التبويب فيما يلي:
* أن المصادر المبكرة التي تركها تلاميذ الإمام مالك كانت سماعات لهم عن إمامهم أو كبار أصحابهم.
* عسر الوصول إلى المعلومة الفقهية؛ ووجود مسائل فقهية في غير مظانها، ووجود اختلاف فترتيب الأبواب، سائق لذلك أمثلة.

وبالمناسبة قدم نصيحة للباحثين الذين يشتغلون على المتون الفقهية وما عليها، أن يحكموا تبويب أربعة كتب، بحيث سيسهل عليهم كثيرا توثيق مؤلفات المذهب، وهي: تهذيب البرادعي، وكتاب الموطأ، والرسالة، ومختصر خليل.
ليمر بعد هذا عن الصعوبة الرابعة المتمثلة في النقل والإحالة في كتب الفقه إلى الصعوبة الخامسة، وهي: صعوبة الاصطلاح وطرق المؤلفين.
وذكر أن إشكال الاصطلاح بدأ مع المتأخرين، حيث مع اتساع المعارف الفقهية ومصادرها لزم النزوع أكثر إلى التنظيم والتدقيق، فلجأوا إلى الاصطلاح طلبا للاختصار والتركيز.
وبين الأستاذ أن من أقدم من طرح مشكلة الاصطلاح للبحث والبيان ابن فرحون في مقدمة شرحه لمختصر ابن الحاجب التي سماها: «كشف النقاب الحاجب من مصطلح ابن الحاجب».
ونبه إلى أن مشكلة الاصطلاح متقدمة بكثير على هذا العهد، فكتب ابن رشد مليئة بالاصطلاحات، كمصطلح الاتفاق التي حذر منه الفقهاء، وكذلك الباجي الذي يميز بين عدد من اصطلاحات الأعلام.
ليختم الحديث عن هذه الصعوبة بتوجيه للباحثين الذين يريدون تحقيق مصنفات المذهب المالكي: الاعتناء بمصطلحات الأئمة الآتية أسماؤهم: الباجي، ابن رشد، المازري، اللخمي، ابن الحاجب، أما خليل فباستثناء مصطلحات المقدمة فهو تابع لابن الحاجب.
6 ـ صعوبة المصادر
في هذه النقطة دعا الأستاذ إلى مراعاة ما يلي:
* ضرورة التمييز بين المصادر المعتمدة وغير المعتمد، والمعتمدة بشروط.
* ضرورة التمييز بين ضروب تصرفات المصنفين وطرقهم في كتبهم.
وفي هذا السياق نبه الأستاذ إلى الخلط الشائع عند الباحثين، وهو أنهم حينما يسمعون المصادر المعتمدة قد يسبق إلى وهمهم أنها مقبولة، وأن ما سواها غير مقبول وليس كذلك، بل الأمر هنا الاعتماد في الفتوى فقط.
7 ـ صعوبة الغوامض والمبهمات والشبهات
وقد أجمل هذه الغوامض في أربعة: اشتباه الأعلام، والكتب، والرموز، واللغة.
1 ـ الكتب: وقسم الغموض فيها إلى نوعين:
نوع يرتبط بعالَم المخطوط؛ إذ يوجد عدد كثير من المؤلفات المنسوبة لغير المذكور، وهذا عام في الخزائن والمكتبات، ومن هذا نبه على ما يلي:
* هناك كتب منسوبة لغير أصحابها، أو صادرة لغيرهم، ككتاب العقد المنظم لابن سلمون منسوبا لأخيه عبد الله. كما صدر جزء من وثائق ابن فتوح البنتي منسوبا لابن عبد الملك المراكشي بعنوان وثائق الموحدين والمرابطين.
* صدور مؤلفات منسوبة لأصحابها مجموعة عليهم، ولم يعتمد مخرجوها على مخطوطات، معتبرا أن هذا تدليس قبيح، من ذلك: كتاب وثائق ابن العطار الذي كمل من الوثائق المجموعة لابن فتوح، ولم يحقق على مخطوطة كاملة، وكنوازل الشاطبي وابن أبي زيد القيرواني.

والنوع الثاني: حصول الغموض من جهة تسمية الكتاب، فلا يدرى ما هو في التحديد، ومثلَّ لذلك بما شاع بين الدارسين، وهو المدونة فهناك التعليقة على المدونة للمازري وتقييد على المدونة لأبي الحسن الصغير، وللعبدوسي، وللورياغلي وغيرهم، وهي كلها شروح على التهذيب للبرادعي وليس على المدونة.
2 ـ الرموز: حيث أشار هنا إلى أن الرموز المستعملة في مصنفات المذهب تطرح بعض الإشكالات في طريق من يروم تحقيق كتب بعض المتأخرين، وخصوصا كتب الفقه العملي كالقضاء والنوازل والتوثيق، موضحا سبب ذلك في عدم اتفاق فقهاء المذهب على رموز موحدة لجميع من جعلوا له رموزا، محيلا على الرسالة التي ألفها في رموز المذهب المالكي.
3 ـ الأعلام: ذكر الأستاذ أن غموض الأعلام يأتي من قبل اشتباه الأعلام التي يشترك في أسمائها أو ألقابها أو كناها أكثر من فقيه، وهو بابٌ وقعت فيه مزلات كثيرة من قبل فقهاء، وتعرَّض الفقهاء في مواضع عديدة لرفع الاشتباه على عدد كبير من الفقهاء محيلا أيضا على كتاب ألفه الأعلام المتشابهة في المذهب.
3 ـ اللغة: صرح هنا أن الصعوبة في اللغة لها موردان، وهما: الغرابة وصعوبة التركيب.
أما الخاتمة، فذكر فيها أن الصعوبات في تحقيق مؤلفات المذهب المالكي متعددة المشارب، وما ذكر هنا مبني على التجربة، والموضوع لا يزال يحتاج إلى بحث.
ليختم الخاتمة بصعوبة أخرى تعمد المحاضر تأخيرها، وهي: اختلاف المحقق مع المؤلف الذي يحقق كتابه في الرأي، وشدد على أن المحقق عليه أن يترك رأيه جانبا وأن يشتغل بالنص، فإنه لا إثم عليه شرعا، ولا حرج عليه علميا؛ لأن ذلك يحجبه عن تحقيق النص تحقيقا سليما.
وختم الأستاذ محاضرته بنص تطبيقي عرضه على المشاركين بين من خلاله صعوبة العمل في تحقيق الفقه المالكي.
قراءة في كتاب: منهج البحث في الفقه الإسلامي للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان
للدكتور عبد المغيث جيلاني، أستاذ التعليم العالي
بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور
المقرر: الباحث عبد الرحيم اللاوي

استهل الدكتور المحاضر محاضرته بالتذكير بأهمية الفقه، ثم انتقل للحديث عن البحث العلمي، موضحا أنه عملية شاقة، فإذا كان البحث في الفقه وأصوله ازداد أهمية وصعوبة، ثم ذكر من جوانب صعوبته:
ـ أن يسير الباحث وفق قواعد علمية، وضوابط منهجية.
ـ البحث في الجانب الفقهي يتعلق بمعالجة قضايا الناس، وتقديم الحلول لها.
ثم ذكر أن الساحة العلمية شهدت حركة في التأليف في مناهج البحث وطرقه، منها:
ـ منهج البحث التاريخي.
ـ منهج البحث اللغوي.
ـ منهج البحث الأدبي.
ـ منهج البحث الجغرافي.
ـ منهج البحث التربوي.
ـ منهج البحث في علم النفس.
ـ ثم ذكر بعض المؤلفات المتخصصة في منهج البحث، ومنها:
* منهج البحث في التراث الفقهي: «دراسة في توثيق الآراء الفقهية» للناجي لمين.
* البحث الفقهي: طبيعته، خصائصه، أُصوله، مصادره، مع المصطلحات الفقهية في المذاهب الأربعة لإسماعيل سالم عبد العال.
* البحث الفقهي لقحطان عبد الرحمن الدوري.
* منهج البحث في الفقه الإسلامي خصائصه ونقائصه لعبد الوهاب أبو سليمان.
منهج البحث في الفقه الإسلامي خصائصه ونقائصه لعبد الوهاب أبو سليمان.
وقد قسم المؤلف الكتاب إلى: مقدمة، وخمسة أقسام، ونتائج.
ثم لخص أهم ما تضمنته مباحث الكتاب:
* القسم الأول: المنهج الاجتهادي العام في الفقه الإسلامي:
فبدأ الأستاذ بتعريف المنهج، وذكر مجالاته، وخطواته، وهي كالتالي:
ـ مجالات الاجتهاد:
ـ المجال الأول: ما فيه نص صريح، يجب البحث عنه لمن لم يجده.
ـ المجال الثاني: ما لا نص فيه.
ـ المجال الثالث: ما لا يتعرض له الشرع لا بلفظ يخصه، ولا يخص غيره ويسري إليه.
ـ المجال الرابع: ما ليس فيه حكم معين.
ـ المجال الخامس:مسألة تدور بين نصين مختلفين، فحكم الله فيه الأصلح.
ـ الخطوات العلمية في الاجتهاد:
قنن الأصوليون منهج الاجتهاد، ورسموا خطواته العلمية، وهي:
ـ أولا: اختيار الأدلة الصحيحة.
ـ ثانيا: أن ينظر أول شيء إلى الإجماع، فإن وجده لم يحتج إلى النظر في غيره.
ـ ثالثا: أن ينظر في الكتاب والسنة المتواترة.
ـ رابعا: تحليل الأدلة تحليلا علميا يبين أبعاد النص.
ـ خامسا: أن ينظر في أخبار الآحاد.
ـ سادسا: ينظر إلى قياس النصوص حيث لا يلجأ إلى القياس، أو غيره إلى عند فقدان النص.
ـ سابعا: استنباط الأحكام الشرعية والقواعد الكلية.
* القسم الثاني: خصائص البحث الفقهي:
اختص البحث في الفقه الإسلامي وأصوله بخصائص، أهمها:
ـ أولا: التخصص: فكل من أراد أن يسهم في مجال من مجالات المعرفة أن يكون متخصصا فيها.
ـ ثانيا: الأصالة والإبداع.
ـ ثالثا: الأدلة الشرعية: أخذ الأدلة من مواطنها.
ـ رابعا: المقاصد الشرعية.
ـ خامسا: الدراسات الاجتماعية.
ـ سادسا: تخريج الأحاديث النبوية الشريفة.
سابعا: الاقتباس من المصادر الفقهية المعتمدة.

* القسم الثالث: نقائص البحث الفقهي:
من أهم النقائص التي تعتري البحث في الفقه الإسلامي وأصوله:
1ـ أسلوب السرد في الأقوال من غير تحليل.
2ـ الجهل بالمادة الفقهية.
3ـ عدم الاستدلال بالحديث النبوي الشريف فيما له علاقة بموضوع الدراسة.
4ـ الاستدلال بالحديث دون التمييز بين الصحيح والضعيف.
5ـ الاعتماد على المختصرات دون المطولات.
6ـ النقل بالمعنى مما يوقع أحيانا في الخطأ.
7ـ النقل من غير المصادر الأصلية المعتمدة.
8ـ الإسهاب في التعريفات والإكثار منها.
9ـ الاستدلال لقطعيات الشريعة.
10ـ توضيح المسائل الفقهية بالأمثلة الغريبة.
11ـ تداخل الموضوعات الفقهية.
12ـ الاستكثار من الفروع ومداركها.
*القسم الرابع: مبادئ وقواعد عامة:
توجد في الفقه الإسلامي كغيره من العلوم مبادئ وقواعد عامة مسلمة، منها:
1ـ نسبة المذاهب والآراء.
2ـ الالتزام بمفاهيم الأقوال، فلا تحمل على غير مفهومها.
3ـ الاختلاف الفقهي رحمة بالأمة المحمدية.
4ـ المعتد به من الخلاف هو ما كان صادرا عن أدلة معتبرة.
5ـ معرفة الحق.
6ـ السلوك السوي في الاعتراض على المخالف.
7ـ الأقوال المتعارضة في كتابات المؤلفين.
8ـ الأقوال الضعيفة والشاذة.
* القسم الخامس: البحث الفقهي: الخطة والتطبيق:
كتابة البحث الفقهي يلزم أن تكون بأسلوب واضح بين سلس، ويعد خطة لبحثه، ثم يصنف المعلومات حسب هذه الخطة، ويضم إليها العناصر والأفكار الجحديدة ذات العلاقة بالبحث.
ـ ثم وضح الأستاذ طريقة البحث في المصادر الفقهية: المذهبية والمقارنة، وهذه المصادر أنواع:
ـ النوع الأول: 1ـ المتون، 2ـ الشروح، 3ـ مدونات الفتاوي، 4ـ والحواشي.
ـ النوع الثاني: 1ـ كتب مجردة عن الاستدلال، 2ـ كتب معنية بالاستدلال.
ـ النوع الثالث: 1ـ كتب خالية من الخلاف، 2ـ كتب معنية بالخلاف.
ـ النوع الرابع: 1ـ المعتمد بين الفقهاء، 2ـ غير المعتمد.

* عوائق البحث:
ثم ختم الأستاذ المحاضر محاضرته بأهم العوائق التي تعترض الباحث أثناء إنجاز بحثه، والتي تؤثر عليه سلبا، وهي:
1ـ الوثوق بالزمان المستقبل.
2ـ الوثوق بالذكاء.
3ـ الانتقال من علم إلى آخر قبل أن يحصل منه قدرا يعتد به.
4ـ طلب المال والجاه.
5ـ ضيق الحال، وعدم المعونة على الاشتغال.
6ـ الإقبال على الدنيا، وتقلد الأعمال.
خاتمة الكتاب: ذكر فيها أهم النتائج المتوصل إليها في البحث، وهي:
1ـ التخصص في الفقه الإسلامي ضروري لكل من يريد البحث فيه، وهو الطريق الوحيد للإجادة والإبداع.
2ـ استنباط الأحكام في الشريعة الإسلامية علم له أصوله وقوانينه، يحتاج إلى تأهيل علمي، مع صفاء إيماني، وفطرة سليمة.
3ـ من لوازم المنهج الصحيح التجرد والموضوعية.
4ـ التصور الواعي للوقائع والأحداث والقضايا ضروري لتأسيس الأحكام الشرعية على أسس سليمة.
5ـ عدَّدَ البحثُ بعضا من الخصائص الموضوعية والفنية للبحث الفقهي وليست كلها.
6ـ عرض البحث لأهم النقائص التي تقلل من جودته.
الأمانة العلمية في البحث الفقهي: معالم ونماذج
للدكتور العربي الدائر الفرياطي
أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن طفيل، القنيطرة
المقرر: الباحث مصطفى عكلي

أكد في بدايته على أن قضية الأمانة إشكالية واجهت التأليف قديما وحديثا، ثم طرح بعض الأسئلة المتعلقة بموضوع بحثه، فتساءل عن تجليات الأمانة عند فقهائنا؟ وكيف واجهوا الإخلال بها؟ وما الآثار الناتجة عن غياب الأمانة العلمية؟
وقد خصص للإجابة عن كل سؤال منها فصلا مستقلا.
وقبل أن يمرّ إلى الإجابة عن التساؤلات المطروحة، أشار إلى أهمية الموضوع، فهو موضوع شائك، وموضوع الساعة كذلك، وألمح إلى التجاوز الذي طال علماءنا من طرف كثير من طلبة العلم، الذين لا يتورعون في تخوينهم، فيدعون من غير تروٍ ولا تثبت أن العالم الفلاني سرق جهود عالم آخر، وذلك دون الوقوف على خصائص التأليف في العصر الذي ينتمي إليه ذلك العالم، كما أن كثيرا من الباحثين المسارعين إلى التخوين لا يكلفون أنفسهم عناء قراءة المقدمات التي يصدر بها العلماء مؤلفاتهم، فقد يصرح المؤلف في مقدمة تأليفه بالمصادر التي اعتمدها جملة، ولا يحتاج بعدها إلى التنصيص عليها في أثناء ذلك التأليف.
وبالمقابل أوضح الأستاذ المحاضر أن عملية الاقتباس أصبحت اليوم منظمة، مما يفرض التعامل مع النصوص بدقة واحترافية.
وبعد هذا بيّن مفهوم الأمانة في اللغة والاصطلاح، ثم انتقل إلى الفصل الأول من البحث، وقد عنونه بـ: »مظاهر الأمانة العلمية عند علمائنا«، وقدّم لذلك دلائل وشواهد، منها:
1. الدقة في العزو، حيث يضعون ألفاظا تدل على نهاية النصوص المنقولة، مثل: انتهى بنصه/ انتهى بحروفه/ انتهى بلفظه.
2. جعلوا من مقومات المؤلف الناجح ومميزاته أن يكون عالما بعزو النصوص إلى أصحابها.
3.العزو الإجمالي في المقدمات والمداخل.
4. أنهم أفردوا هذا الباب بكتب وتآليف خاصة (التاج والإكليل/ تهذيب الطالب لعبد الحق السهمي/ حاشية الرماصي المسماة جواهر الدرر).

وأما الفصل الثاني، فعنونه الأستاذ بـ: »كيف واجه الفقهاء الإخلال بالأمانة العلمية«، فقال: إن العلماء صدروا في هذا الباب عن حسبة، وأما مظاهر ذلك فمنها:
1. أنهم نبهوا على بعض الكتب التي لم تثبت، والمعروف بالكتب الشيطانية الليطانية، ككتاب السر المنسوب للإمام مالك رحمه الله، وكتاب الأجوبة لمحمد بن سحنون رحمه الله.
2. التنبيه على الكتب التي فيها مجازفات، كالعتبية التي قيل إن صاحبها أودع فيها من المسائل الشاذة الشيء الكثير، فكان يؤتى بمسائل غريبة ويقول أدخلوها المستخرجة.
3. التنبيه على السرقات العلمية.
4.تقسيم مصادر المذهب إلى معتمدة وغير معتمدة.
وأما الفصل الأخير فقد خصصه الأستاذ المحاضر للحديث عن الآثار الناتجة عن ضياع الأمانة، والتي منها:
1. ضياع الحقوق التي يجب أن تصان ولا تهذر.
2. اختلال الموازين في التقويم.
وأما أسباب غياب الأمانة المؤدية إلى تلك الآثار غير المرضية، فمنها: التحاسد والتباغض والتعصب والمخالفة في الاعتقاد والتجاسر والتطاول…
الترميز والاصطلاح في الكتب الفقهية المالكية
للدكتور محمد مصلح
أستاذ التعليم العالي، بكلية الآداب، جامعة محمد الأول، وجدة
المقرر: الباحث رشيد قباظ

استهل فضيلته هذه المحاضرة بالحديث عن المصطلحات الفقهية في المذهب المالكي، كيف كانت بدايتها، بدءا من مؤسس المذهب؛ عالم المدينة الإمام مالك رحمه الله، ثم التطورات التي لحقتها عبر التاريخ، كما بين أنها نوعان:
النوع الأول: يتعلق بالمضمون الفقهي، وهو الذي عرف الكثير من التغييرات وألحقت به مجموعة من الدلالات الأخرى من قبل المتأخرين مثل: مصطلح العين، فقد أطلق على العرض وعلى النقود وعلى الطعام، كما أشار بأن هناك مصطلحات أهملت مع مرور التاريخ، ولم تعد تستعمل أصلا، مثل: لفظ الكراهة عند الإمام مالك، كان يقصد به الحرمة، وعليه فإن الذي لا يضبط هذا التطور الدلالي الذي وقع للمصطلحات لا شك أنه سيرتبك ويقع في المحذور.
النوع الثاني: وهو المستهدف بهذه المحاضرة: المصطلحات المرتبطة بالتأليف والصناعة والمنهج، ويمكن تقسيمها إلى الآتي:
– مصطلحات تتعلق بنقل روايات المذهب وحكايته، وهي كثيرة جدا؛ منها:
1. المنصوص، من ذلك قولهم: المنصوص عليه في المذهب كذا وكذا، ويقابله الـمُخَرَّج.
2. المعروف: مثل قولهم: المعروف من المذهب كذا وكذا، وفيه إشارة إلى أن هناك قولا آخر غير معروف لا يصح نسبته إلى المذهب، أو الفقيه الذي نسب إليه.
3. الأوجه: إذا كانت المسألة فيها أكثر من وجه، ويعبر بهذا المصطلح المالكية للتفريق بين القول الأصل والقول المخرج، وهذا عند المتقدمين، أما المتأخرين فلم يعودوا يفرقون بين ذلك.
4. الطرق: كثيرة جدا منها: طريقة ابن أبي زيد، طريقة اللخمي، طريقة ابن رشد، وهذه الطرق تُعبر عن كيفية نقل المذهب في مسألة معينة، وترتبط بالخلاف وبالحكم.
5. التخريج: نوع من القياس من غير مراعاة للعلة، وإنما يراعى فيه التشابه بين المسائل، والمتقدمون لا يعتبرون التخريج قولا ينسب للمذهب، ولا يجوز نسبته على من خُرّج على أصله، بخلاف المتأخرين مثل ابن الحاجب وغيره، وقد أطال فضيلته الكلام على هذا المصطلح لأهميته.

– مصطلحات ترتبط بالإفتاء، يمكن تقسيمها إلى قسمين:
1. قسم يتعلق بشخص المفتي، مثال ذلك: مجتهد التخريج، مجتهد الترجيح، مجتهد الفتوى، والذي يهم هنا الثالث، ثم كيف يتم التعامل مع أقوال المذهب من حيث القوة والشهرة والترجيح وما جرى به وغيره، وما الذي يأخذ به في الأخير؟
قسم يتعلق بمضمون الإفتاء: كان الحديث فيه على المتون وما يخدمها من شروح وحواش وتعليقات ونحوها، يمكن الاعتماد عليها في الإفتاء.

بعد هذا انتقل فضيلته للحديث عن الشق الثاني من هذه المحاضرة؛ وهو ظاهرة استعمال الرموز للدلالة على مجموعة من الأعلام والكتب وغيرها، مع الإشارة إلى أن هذا الأسلوب اشتهر عند المتأخرين خصوصا شراح الشيخ خليل، وأنهى محاضرته بالإحالة على كتاب الدكتور محمد العلمي: «معجم رموز المؤلفات المالكية»، لمن أراد التوسع.
اليوم الثاني: 26 أبريل 2016م، الموافق 18 رجب 1437هـ
الفترة الصباحية
معايير تصنيف المصنفات الفقهية
الدكتور محمد العلمي، أستاذ التعليم العالي، بكلية الحقوق بسلا
ورئيس مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي بالقنيطرة

بدأ الأستاذ المحاضر بالحديث عن الثقافة الإسلامية، وأشار إلى أنها ثقافة مبنية، ومركبة، ثم تحدث عن تقسيم العلماء للفقه الإسلامي، وهو تقسيم اعتبروا فيه ثلاثة معايير، وهي:
المعيار الأول: معيار الحجم:
تنقسم المصنفات الفقهية بهذا المعيار إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: المبسوطات، والقسم الثاني: المتوسطات، القسم الثالث: المختصرات.
ثم أشار إلى أن مصطلح المختصر هو أكثر هذه الثلاثة استعمالا في الفقه، ثم المبسوطات، أما المتوسطات فهي أقل الثلاثة ورودا في وصف المصنفات. وذكر أمثلة على استعمال العلماء وأصحاب التراجم لهذه المصطلحات.
وهذه المصطلحات، وإن كانت مستعملة عند العلماء غير أنهم لم يعتمدوها للتفريق بين علوم الفقه المصنفة؛ لأن التفريق بالحجم ليس معيارا منهجيا، ولا مرجعا للاستجادة والاسترذال للكتب، بقدر ما هو معيار كمي مستند إلى الحجم والجرم.
المعيار الثاني: معيار: الصفة العلمية، ونوع الإضافة الفنية إلى العلم الواحد، وبهذا تنقسم المصنفات إلى سبعة أقسام وفق ما جعله الناس مقاصد للتأليف، لا ينبغي الخروج عليها، وهي:
ـ ابتكار موضوع جديد لم يسبق مؤلفه إليه.
ـ شرح المستغلق من مؤلفات من سبق.
ـ تصحيح غلط من سبق.
ـ تتميم مسائل ناقصة من علم معين.
ـ ترتيب مسائل علم مختلطة عند من سبق.
ـ جمع علم من علوم متفرقة.
ـ اختصار المطولات.
وهذا المعيار نقل عن ابن حزم، وتبناه عامة المتأخرين، كابن خلدون، وحاجي خليفة، وغيرهما، وهو معيار مشترك بين كل العلوم، وهو القسمة المنطقية التي يحتملها الجهد البشري في أي مجال من العلوم، لكنه لا يختص بالفقه اختصاصا وانفرادا.
المعيار الثالث: المعيار الفقهي
وذلك حسب الفنون الفقهية التي اعتبرها العلماء مستقلة على نحو ما؛ لأن علوم الفقه مرتبطة ببعضها البعض، قد تتمايز فيما بينها حسب:
المنهج والقواعد.
الموضوع والمحتوى.
التبويب وطريقة الترتيب.
ـ ثم بين أهمية هذا التقسيم وفوائده:
1ـ أنه يمكننا من رصد أوجه التطور العلمي لمدارس الفقه المالكي، والمجالات التي استعمرت حيزا أكبر، أو اقتصرت على حيز أضيق من الاهتمام.
2ـ أن كل علم من علوم الفقه يختص بمجموعة من القواعد الأصولية والطرق الفقهية عن المجموعة الأخرى.
3ـ أن المفتي لا يسعه الإفتاء بكل ما ألفه علماء مذهبه، بل يتعين عليه الإفتاء بمجموعة معينة من المؤلفات.
4ـ أن المصادر المعتمدة في الاجتهاد المطلق والنظر التام تترتب بعد كتب التقيد بمذهب معين من حيث الرتبة الزمنية، والترتيب الفقهي للاجتهاد.
ـ بعض التقسيمات السابقة للفقه:
ـ أولا: تقسيم حاجي خليفة عن طاش كبري زاده، صاحب مفتاح السعادة، وذكر منها خمسة فروع، هي:
1ـ علم الفتاوى، 2ـ علم القضاء، 3ـ علم الشروط والسجلات، 4ـ علم الفرائض، 5ـ علم حكم الشرائع.
ـ ثانيا: تقسيم الزركشي في كتابه المنثور، وجعله عشرة أقسام وفروع، وهي:
1-أحكام الحوادث، 2- الجمع والفرق، 3- بناء المسائل، 4- المطارحات، 5- المغالطات، 6- الممتحنات، 7- الألغاز، 8- الحيل، 9- معرفة الأفراد، 10-معرفة الضوابط.

ثم ذ كر بعض الملاحظ على هذه التقسيمات:
ـ أن صاحب مفتاح السعادة اعتمد في تقسيمه على علوم الفقه العملي والاجتهاد التطبيقي خصوصا في المذهب الحنفي، ولذلك أهمل من تقسيمه علوم النظر الفقهي والحجة، كالفروق، والقواعد، وأحكام القرآن، والحديث، ومسائل الخلاف.
ـ أما الزركشي، فقد عكس، وركز على بواقع الفقه في مجالس الدرس في زمانه، ولذلك كرر ذكر مسائل الامتحان الفقهي للطلاب، وبين العلماء؛ إذ المطارحات، والمغالطات، والممتحنات، والألغاز، فن واحد على التحقيق، كثر بين العلماء خصوصا في القرن السابع فما بعده.
بعد أن ذكر الأستاذ المحاضر هذه التقسيمات للعلوم وناقشها، ذكر التقسيم الذي توصل إليه، وهو تقسيم مناسب لعلوم الفقه.
ـ تقسيمنا لعلوم الفقه:
أما إذا اعتمدنا المصنفات ميزانا لتقسيم فنون الفقه الإسلامي والمالكي تحديدا، فإنه يمكننا أن نختصرها فيما يلي:
النوع الأول: المتون الفقهية الجامعة للمسائل والأحكام
وهي في المذهب المالكي على الترتيب التالي:
1- الأسمعة/السماعات، وتشتمل الروايات [عن مالك]، والأقوال [عن تلاميذه].
2- المتون الفقهية، وهي نوعان:
– متون فقهية صنفت السماعات، وبوبتها، واستشهدت لها، وهذا غالب حال أمهات المذهب المتقدمة.
– متون جمعت من متون سابقة لها، وهذه منها: مبسوطات، ومتوسطات، ومختصرات، وخلاصات، ومنها: منظومات، ومنثورات، وهي تعتمد حسب توفرها على شروط الاعتماد في كل مذهب.
3- الجهود الفقهية على المتون، وهي: الشروح، الحواشي، والطرر.
النوع الثاني: فنون الفقه العملي والتطبيقي:
وهي العلوم المتعلقة بالنواحي العملية، وتطبيق الأحكام الشرعية في الإفتاء، والقضاء، وما إليه من مجالات الحياة، وهي كما يلي:
1 – السياسة الشرعية، والأموال، والسير.
2- الحسبة، وأحكام السوق.
3- مسائل الأحكام، وأصول القضاء.
4- الوثائق، والشروط، والمحاضر، والسجلات.
5- النوازل والفتاوى.
6- الأجزاء الفقهية، والنوازل المفردة، كالطهارات، والزكاة والأنكحة، والبيوع، والأحباس…
7- التوقيت.
8- المناسك.
9- الفرائض.
النوع الثالث: فنون النظر والحجة والتأصيل
وهي علوم لا تتوجه إلى الناس بالفتوى، ولا إلى المجتمع بالأحكام التي يقصد منها التطبيق الفوري، بل غرضها التأصيل، والتقعيد، والحجة، والنظر، وهي كما يلي:
1ـ أحكام القرآن.
2ـ متون الحديث، ذات الغرض الفقهي.
3ـ شروح المتون الحديثية، كشروح البخاري، ومسلم، وباقي الأربعة.
4ـ كتب أصول الفقه على طريقة الفقهاء، ككتاب الباجي، وكتاب مفتاح الوصول.
5ـ القواعد الفقهية، وهي كتب: الكليات، الفروع، الأشباه والنظائر.
6ـ الردود على المذاهب المخالفة.
7ـ مسائل الخلاف/ الخلافيات، وهي نوعان:
8ـ المناظرات، والألغاز، والممتحنات، والعويصات.

ثم ختم الأستاذ محاضرته بملاحظات على التقسيم المتوصل إليه، وهي كالتالي:
ـ الملاحظة الأولى: العام والخاص في هذا التقسيم
التقسيم المتوصل إليه هو تقسيم مشترك بين كل المذاهب الإسلامية على العموم، مع بعض التفصيلات الجزئية، والتفردات التي تختص بها بعض المذاهب، فمثلا يتفرد المذهب المالكي بفقه العمل، كما أن فن الحيل الشرعية والمخارج من المضايق مختص بالفقه الحنفي، وهناك المطارحات والألغاز والأحاجي استعارها الفقهاء من علمي النحو والفرائض خاصة في العصور المتأخرة.
ـ الملاحظة الثانية: ما تتفرد به المذاهب في هذا الباب
يوجد بين المذاهب الفقهية بعض الفروق في بعض الإطلاقات والألقاب العلمية في التصنيف الفقهي منها:
ـ الأمالي، التي ترادف التعاليق، إلا أن الأولى اصطلاح الحنفية، والثانية اصطلاح الشافعية الذين ساعدهم المالكية عليهم، واستعملوه دون الأمالي.
ـ النوازل، يعبر عنها الحنفية بالواقعات والفتاوى، ويعبرون عن المحاضر بالسجلات.
ـ كتاب الجامع، اختص به المالكية.
ـ الملاحظة الثالثة: أن كل مجموعة من علوم الفقه تختص بقواعد مختلفة:
ـ المتون: تحتوي أمرين: الأقوال والروايات، والتخريج والاستقراء المعتمد عليها، فالأقوال والروايات عن مالك تخضع لضوابط الرواية.
ـ علوم النظر: خاصة بالتطلع إلى منصب الاجتهاد، وذلك بدراية الأدلة والاستبحار في الأصول ومعرفة الإجماع.
ـ علوم العمل: تعنى بالقواعد الاجتماعية، وبتنفيذ الأحكام، والعمل بالقانون الإسلامي.
ـ الملاحظة الرابعة: أن هذا التقسيم لا يعني القطيعة المنهجية بين علوم الفقه، بل علوم الفقه متداخلة، ومتكاملة فيما بينها، فهناك مؤلفات في علوم النظر، ربما اعتمدت في علوم الفقه العملي، كبعض كتب القواعد، التي ألفت لمعونة الفقهاء والقضاء، مثل المنهج المنتخب، وكاعتماد القضاة والنوازليين أسلوب المناظرة، وكبعض كتب أدب القاضي التي تحتوي مناقشات لقواعد أصولية.
من مزالق المحققين وسبل اجتنابها
للدكتور مصطفى بن مبارك عكلي التمكروتي

شخص الباحث في مقدمة بحثه واقع خدمة التراث العربي المخطوط، وتحدث عن الهجمة التي يتعرض لها هذا التراث من قبل كثير من الأشخاص بل والمؤسسات، حيث أصبح هذا التراث مرتعا وسوقا يدخله كل أحد من الناس، من تأهل لذلك ومن لم يتأهل. وبخصوص موضوع البحث فقد أكد أولا أن جلّ من اشتغل بتحقيق النصوص التراثية لا بد وأنه وقع في شيء من مزالق التحقيق، لا تغني في ذلك شهرة المحقق، ولا كثرة ما يخرجه من أعمال، فضلا عن كونه مبتدئا.
واختار الباحث الحديث عن أهم المزالق التي تهم الأبحاث الأكاديمية التي ينجزها الطلبة الباحثون في سلك الماستر والدكتوراه، واقترح الحلول التي يمكن للباحثين سلوكها لاجتناب تلك المزالق.
وقد جعل الباحث بحثه مقسما إلى عدة محاور، مع مراعاة ترتيبها في مراحل إنجاز الأبحاث الأكاديمية، وهكذا جاءت هذه المحاور كالآتي:
• مزالق في اختيار النص المراد تحقيقه.
• مزالق في اختيار النسخة الأصل.
• مزالق في إثبات العنوان الصحيح للكتاب.
• مزالق في نسبة الكتاب إلى مؤلفه.
• مزالق في قراءة المخطوط ونسخه.
• مزالق في التصحيح.
• مزالق تنظيم النص وضبط وترقيمه.
• مزالق التوثيق والتعليق.
فكل مزلق من هاته المزالق فصّل الباحث الكلام عليها، وأتى بنماذج توضحها، واقتراح حلولا لتجاوزها.

وتحدث بإجمال عن مزالق أخرى، وهي:
• مزالق بسبب الاعتماد على جهود الآخرين.
• مزلق الاغترار بالعمل، وادعاء ما ليس فيه.
• مزلق عدم الاهتمام بدراسة الكتاب.
• مزلق عدم التصحيح بعد مناقشة البحث، وبخاصة في الأعمال التي يشترك في أكثر من باحث.
• مزلق الرغبة في الاستئثار بالتراث.
• عدم مراجعة الكتاب عند إرادة طبعه.
• مزالق في اختيار دار النشر.
ودعا الباحث في ختام بحثه إلى ضرورة القيام بالواجب اتجاه تراثنا المخطوط والعمل على صيناته، وإلى تظافر جهود المؤسسات التي لها صلة وثيقة بهذا التراث، كما ألمح إلى أن التراث ليس بابا للجاه والثروة، ومن ظن ذلك فقد فسدت نيته وضل سعيه.
الفترة المسائية
تحقيق مخطوطات فقه النوازل في الغرب الإسلامي: نماذج وقضايا
للدكتور عبد الرحمن الهيباوي
أستاذ بمؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط
المقرر: الباحث محمد الخادير

استهل فضيلة الأستاذ مداخلته بالحديث عن التصنيفات الفقهية وطرائق عرض الأحكام الفقهية من خلال اتجاهين:
أولهما: الموسوعات الفقهية المصنفة على موضوعات الفقه، والغاية من ذلك ربط الفقه بحياة الناس.
ثانيهما: كتب النوازل والفتوى، التي تقوم على إجابات الفقهاء على استفتاءات السائلين الراغبين في معرفة الحكم الشرعي لما حدث لهم وجد لهم في حياتهم.
وذكر أن جل كتب الأحكام والفتوى تجدها لا تقف عند حدود العبادات أو بعض القضايا المعاملات، بل عامة تستغرق كل كتب الفقه، وقد أكثر علماء الغرب الإسلامي من التأليف في هذا النوع الأخير، وتقدمهم في ذلك على غيرهم، ولهم دواوين مشهورة، منها من جمعت فتاوى من العلماء في أعصر مختلفة وينتمون إلى بلدان عدة، ككتاب المعيار المعرب للونشريسي، ومنها ما اقتصرت على فتاوى عالم واحد، ومنها ما اقتصرت على فتاوى منطقة واحدة، كفتاوى مزونة أو فتاوى تتحدى الإهمال بشفشاون وما حولها من الجبال.
ثم بين أهم الميزات لهذا الضرب من التصنيف، منها:
ـ اكتساب مهارات تنزيل الأحكام على الوقائع والحوادث.
ـ الفتوى لها أصحابها وهم الأئمة الأعلام الذين بلغوا بفقهم وخبرتهم مكانة أهلتهم لأن يفزع الناس إليهم في التماس إجاباتهم عما يشكل عليهم في أمور دينهم ومعاشهم.
ـ الفتوى صنعة، فهي شيء زائد عن الفقه، لها قواعدها وأسسها وطرائقها.
ـ الوقوف على مناهج الفقهاء في الفتوى وطرائقهم في تحصيل الأحكام من الأدلة، وبيان طريقتهم في الحجاج والرد على المخالف.

ثم انتقل للحديث عن بعض الوسائل عند إصدار المفتي لفتواه في الأمور الخلافية التي يجب أن يكون فيها معنى جمع الناس لا معنى تفريقهم ونشر الخلاف فيما بينهم، من تلك الوسائل:
ـ أنه يجب عليه أن يراعي المذهب.
ـ وأنه ينبغي عليه أن يراعي العرف السائد وإن كان المفتي يختار في خاصة نفسه غير ذلك.
وختم الأستاذ عرضه بالحديث عن بعض النماذج التي شغلت الساحة الفقهية وتعددت لها أنظار الفقهاء والمفتين في الغرب الإسلامي، من ذلك رسالة القاضي البناهي المالقي في حكم الدعاء بعد الصلاة التي رد عليها على معاصره الإمام الشاطبي، ورسالة العربي بردلة في تحريم استرقاق الحراطين من أجل تجنيدهم.
التعريف بتراث المالكية في النوازل الفقهية: المطبوع والمحقق
للأستاذ عبد القادر الزكاري
باحث بمركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي

بعد شكره للجهات المنظمة، والتنويه بالدورة العلمية، قسم الباحث حديثه عن المؤلفات النوازلية المطبوعة والمحققة إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ مؤلفات أصلية، وقصد بها المؤلفات التي وصلتنا مستقلة عن أصاحبها، سواء من جمع مؤلفيها، أو تلاميذهم أو من جاء بعدهم.
2ـ جهود على مؤلفات نوازلية، وعنى بها المؤلفات الخادمة للنوع السابق، بالاختصار أو الترتيب أو التذييل…
3 ـ مؤلفات نوازلية مجموعة، وهي عبارة عن فتاوى وأجوبة أثرت عن فقهاء لكنها متناثرة ومبثوثة في مصادر مختلفة، ولم يفردها أصحابها في مصنف خاص، ولم يجمعها طلبته من بعده، فقام بجمعها مجموعة من الباحثين المعاصرين في كتب مستقلة.
وقبل أن يدلف الباحث إلى التعريف بالمؤلفات المالكية استهله بمجموعة من الخلاصات والنتائج التي توصل إليها، ويمكن عرض أهمها فيما يلي:
أ ـ غزارة التأليف في النوازل الفقهية عند المالكية.
ب ـ كتب النوازل تبرز الجانب التطبيقي العملي للفقه.
ج ـ هذه الفتاوى من حيث مضمونها أغلبها خاصة بالفقه، لا تشاركه علومٌ أخرى إلا نادرا.
وبعضها امتزجت فيه الأجوبة الفقهية بغيرها من العلوم الأخرى كالأصول والتصوف والتوحيد واللغة والتفسير، وهذا شائع في نوازل المتأخرين.
د ـ كتب النوازل ليست على درجة واحدة في الاعتماد عليها والنقل منها، فبعضها لم يعن به العلماء ولا يوجد لها ذكر في كتبهم، فيما اعتبرت بعضها عمدة، وصارت من مصادر الإفتاء في المذهب.

ﻫ ـ أغلب كتب الفتاوى والنوازل لم يتولَّ جمعَها أصحابُها بأنفسهم، وإنما بعضها من تدوين أصحابها، والآخر من جمع تلاميذهم، أو تلاميذ تلاميذهم، أو من جاء بعدهم ومنه ما هو موزع في كتب الفقه دون أن يحويه كتاب خاص.
و ـ التأليف في النوازل الفقهية عرف أشكالا متنوعة، بعضها اهتمت بجمع نوال إمام معين، وأخرى اتجهت إلى ضم نوازل منطقة معينة، فيما نجد الأخرى عبارة عن مجاميع فقهية تضم فتاوى فقهاء بلد أو قطر معاصرين أو سابقين، قد تكثر فتوى المؤلف أو تقل، كنوازل البرزلي، والدرر المكنونة، والمعيار، والنوازل الصغرى والكبرى للمهدي الوازاني.
ز ـ ما طبع من كتب الفتاوى مقارنة مع ما لم يطبع، يشكل نسبة قليلة.
ثم بعد ذلك دخل الباحث للتعريف بالمؤلفات النوازلية المطبوعة والمحققة، مراعيا في عرضها الترتيب السابق.
وقد تحدث عن هذه المؤلفات متبعا الخطوات الآتية:
أ ـ الاسم الكامل للمؤلِّف والمؤلَّف.
ب ـ موضوع الكتاب.
ج ـ علاقة الكتاب بمن سبقه.
د ـ قيمة الكتاب داخل المنظومة النوازلية (الاعتماد وغيره).
ﻫ ـ ذكر طبعات الكتاب، مع بيان أجودها، وغض الطرف عن أردئها.
مع مراعاة الترتيب الزمني في كل مبحث.
التعريف بتراث المالكية المطبوع في علم القضاء
الأستاذ عبد الرحيم اللاوي
باحث بمركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي بالقنيطرة

بدأ الباحث مداخلته بالحديث عن مؤلفات علم القضاء، وأشار إلى أنها تنقسم إلى قسمين، مؤلفات في أصول القضاء، وأخرى في نوازله.
ثم بين أن كتب نوازل القضاء تختلف عن كتب النوازل الفقهية المعروفة.
ثم ذكر بعض مميزات كتب القضاء، ومنها:
ـ أن كتب نوازل القضاء خلو من مسائل العبادات غالبا، وإن ذكرت، فتجعل في أواخر الكتاب.
ـ أن أغلب الكتب في نوازل القضاء هي كتب مختصرة، ولا تتسم بالموسوعية.
ثم أشار إلى أن الاهتمام بنشر كتب القضاء بدأ قديما، قبل أكثر من مائة سنة، وأغلب ما طبع لحد الآن سبقت طباعته طبعات حجرية، أو طبعات قديمة.
ثم سرد الباحث ما طبع من كتب القضاء أصولا ونوازل، مع إعطاء تعريف مختصر عن كل كتاب، وبيان المعتمد منها، كما شمل المسرد تنبيهات تتعلق ببعض الكتب، أو أصحابها، أو طبعاتها.

ومما ورد من التنبيهات:
ـ أولا: نوازل أحمد بن سعيد بن بشتغير اللخمي اللورقي (ت516ﻫ)، وهو كتاب اتكأ فيه مؤلف على كتاب الأحكام لأبي المطرف الشعبي، مما جعل الكتابان يتوافقان في كثير من المباحث شكلا ومضمونا، ولهذه الموافقة ذهب بعض الباحثين إلى أنه نسخة من كتاب أبي المطرف، نسبت خطأ في بعض الخزائن لابن بشتغير.
ـ ثانيا: العقد المنظم للحكام فيما يجري بين أيديهم من العقود والأحكام لأبي القاسم سلمون بن علي الكناني الغرناطي (ت767ﻫ). طبع منسوبا لأبي محمد عبد الله بن عبد الله بن سلمون الكناني أخي المؤلف.
ـ ثالثا: المرقبة العليا في مسائل القضاء والفتيا لعلي بن عبد الله بن محمد الجذامي المالقي البناهي، الشهير بابن الحسن (كان حيا 792ﻫ)، طبع طبعات بعنوان: تاريخ قضاة الأندلس، وهو خطأ، إضافة إلى أن النسخة المطبوعة من الكتاب نسخة ناقصة؛ لأن المؤلف ذكر في مقدمة الكتاب أنه رتبه على أربعة أبواب، والموجود في المطبوع بابان فقط.
اليوم الثالث: 27 أبريل 2016م، الموافق 19 رجب 1437هـ
منهجية البحث في لغة الفقهاء
للدكتور فريد امعضشو
أستاذ بالكلية المتعددة التخصصات، الناظور
المقرر: الباحث نور الدين شوبد

افتتح الأستاذ محاضرته بتعريف مصطلح المنهج في اللغة والاصطلاح، وخلص إلى أنه طريقة منظمة في البحث يكون الهدف منها الكشف عن الحقيقة أو البرهان عنها. ثم أفاض في الحديث عن أهمية المنهج وضرورة معرفته، وأن مشكلة الأمة مشكلة منهج كما قال فضيلة الدكتور الشاهد البوشيخي.
واسترسل في بيان علاقة مصطلح المنهج بموضوع العرض، ثم أشار إلى أصناف مناهج البحث، وذكر منها: المنهج التحليلي، والمنهج الاستقرائي، والمنهج الاستنباطي، ومنهج التأريخ، ومنهج المقارنة، ومنهج الترجيح.
ثم أعقب ذلك حديثاً عن مصطلحي البحث والفقه، وبين أن مجال الفقه خصصت له معاجم تهتم بمصطلحاته، وجعلها على قسمين: معاجم عامة؛ مثل معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية لمحمود عبد المنعم، ومعجم لغة الفقهاء لرواس قلعجي، ومعاجم خاصة؛ مثل كتاب الحدود لابن عرفة المالكي، والزاهر في غريب ألفاظ الشافعي الذي أودعه المزني في مختصره لأبي منصور الأزهري، وطِلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية على ألفاظ كتب الحنفية للنسفي، والمطلع على أبواب المقنع للبعلي الحنبلي.
وأشار المحاضر إلى ضرورة وضع معاجم اصطلاحية خاصة بكل مذهب من المذاهب، مع رصد خصوصيات الاستعمال اللغوي عند كل فقيه من الفقهاء، ودراسة التطور الدلالي لتلك المصطلحات، مع بيان التداخل اللفظي والمعنوي بين المصطلحات الفقهية والأصولية.

ومن الخطوات التي اقترحها المحاضر لدراسة المصطلحات النوازلية:
1- الاستقراء والتتبع لجميع النصوص في مواردها.
2- الدراسة المعجمية للمصطلحات من خلال المعاجم اللغوية.
3- الدراسة النصية بمحاولة فهم كل مصطلح في سياقه.
4- الدراسة المفهومية، وتتأسس على النتائج السابقة.
ثم ختم الأستاذ المحاضر بتوصيات تهم الباحث والطالب في مراحل إعداد بحثه، وذكر منها: الإخلاص أولا، وابتغاء نفع الناس، والموضوعية والتجرد، والأمانة العلمية، وعدم التسرع في الحكم، والتمسك بالمنهج.
ورشات الأعمال التطبيقية
الورشة التدريبية الأولى:
مناهج المحققين في دراسة النصوص الفقهية المخطوطة (منهج الدكتور محمد أبو الأجفان نموذجاً)، تأطير نورالدين شوبد

تمَّ تقسيم الطلبة المُكوَّنين في الورشات التدريبية إلى ثلاث مجموعات، ومدة كلِّ ورشة ساعة من الزمن، تلقى الطلبة في الورشة الأولى مناهج المحققين في دراسة النصوص الفقهية المخطوطة، ففرَّق المؤطر بين دراسة الكتاب والتقديم له، وعرض لأهم العناصر المشكلة لأي دراسة أو تقديم بالشرح والتفصيل، وجعلها كالآتي:
– فبالنسبة للدراسة:
أولاً: تقديم الكتاب بمقدمة تمهيدية عن الإطار العام الذي يندرج تحته موضوع المخطوطة، مع بيانٍ مختصر حول أهمية الكتاب، والمنهج المعتمد في تحقيق الكتاب ودراسته.
ثانياً: ترجمة المؤلف، يُبِينُ فيها الدارس عن حياة المؤلف من الولادة إلى الوفاة.
ثالثاً: دراسة محتوى الكتاب، وفيه الحديث عن موضوع الكتاب، وما ألف حوله من الدراسات السابقة واللاحقة، ثم تتبع مصادر المؤلف، وأسباب التأليف، ومنهجه، والناقلون عنه.
رابعاً: التأكد من عنوان المخطوطة ونسبته إلى صاحبه.
خامساً: عرض نماذج من النسخ المعتمدة في التحقيق.
– أما بالنسبة للتقديم للكتاب المحقق، فالأمر يختلف نسبيا عما تقدم في الدراسة:

أولاً: يقدم للكتاب بمقدمة مختصرة حول الإطار العام الذي يندرج تحته موضوع المخطوطة، مع بيانٍ مختصر حول أهمية الكتاب، والمنهج المعتمد في تحقيق الكتاب والتقديم له.
ثانياً: يترجم للمؤلف ترجمة موجزة، دون اشتراط استقصاء مصادر ترجمته وتتبع أخباره.
ثالثاً: يمكن للمحقق في هذه المرحلة الحديث عن موضوع الكتاب بشكل عام، مع توثيق العنوان ونسبته إلى مؤلفه، دون الخوض في تفاصيل المصادر، والمنهج، وغير ذلك.
رابعا: عرض نماذج من النسخ المعتمدة في التحقيق.
ثم عَرَض مؤطر الورشة بعض النماذج من دراسات الدكتور أبي الأجفان ـ رحمه الله ـ لمخطوطات فقهية مالكية، وبَيَّن منهجه في دراستها والتقديم لها، وخَلُصَ في آخر الورشة إلى ضرورة إدمان الطالب على قراءة مقدمات الكتب المحققة على طريقة أبي الأجفان وغيره ممن عُنوا بهذا الشأن، وذلك ليكتسب الطالب مَلكة في منهجية البحث، وتحليل المعطيات، واستخلاص النتائج وعرضها وترتيبها.
الورشة الثانية:
عرض نماذج من المخطوطات الفقهية المالكية وكشف الاصطلاحات والرموز المستعملة فيها. تأطير: ذ رشيد قباظ

جاءت هذه الورشة تطبيقا لما تم الاستماع إليه في المحاضرات السابقة للدورة، وقد تم تقسيم أعمال هذه الورشة إلى قسمين اثنين:
الأول: خصص لعرض مصورات خطية تحتوي رموزا ومصطلحات جرى استعمالها من قبل النساخ وغيرهم، مع التعريف بها، من أشهرها: علامة «صح»، الدالة على التصحيح، و«حرف الخاء»، للدلالة على نسخة أخرى، و«الصاد الممدودة»، وتعني أن العبارة صحيحة من جهة النقل لكنها خاطئة أو ضعيفة من جهة اللفظ والمعنى، و«حرف الطاء»، الدالة على الطرة، وما إلى ذلك.

وخصص القسم الثاني لعرض بعض الرموز والمصطلحات التي جرى استعمالها من قبل بعض المؤلفين، مثل:
1. ز: أبو محمد عبد الباقي بن يوسف بن أحمد الزرقاني(ت1099هـ).
2. ق: أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري الغرناطي المشهور بالمواق (ت897ﻫ).
3. عج: أبو الإرشاد علي بن زين العابدين نور الدين الأجهوري (ت1066ﻫ).
4. ضيح: التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب للشيخ خليل.
5. مج: المجموع للأمير محمد بن محمد المصري(ت1232ﻫ).
في الأخيرة ختمت هذه الورشة بعرض أغلفة مجموعة من المصادر والمراجع ذات صلة بالموضوع، يمكن للطلبة الرجوع إليها.
اليوم الثالث (الفترة الصباحية)
تكليف المتدربين بنسخ أوراق من مخطوطة فقهية
والإجابة عن الإشكالات التي اعترضتهم في قراءتها
تأطير الباحث: مصطفى عكلي

كانت هذه الورشة تطبيقية خالصة، حيث عمد مؤطرها إلى تجسيد عملية التحقيق بدءا من مراحلها الأولى، وذلك بدءا من اختيار موضوع البحث، فكان النص المختار لهذه الورشة هو:
جواب في نازلة التحبيس على الأعقاب
للشيخ أبي عبد الله محمد الطيب بن محمد
ابن عبد القادر الفاسي (ت1113هـ)
قام المؤطر بعرض نماذج من ثلاث نسخة خطية لهذا الجواب الذي لم يحقق بعد، تحتفظ بها مؤسسة علال الفاسي للمخطوطات، ومن خلال هذه النماذج ثم اختيار النسخة الأصل التي ينبغي اعتمادها، وذلك بعد تجاوز النسخة التي قيل إنها مبيضة المؤلف؛ إذ تبين بالدليل أنها مسودة وليس مبيضة، ثم كلف المتدربين بنسخ ما سمح الوقت المحدد، وهو عشر دقائق، بنسخه، واختار المؤطر من أعمال المتدربين ثلاثة من كل مجموعة ـ وهي ثلاث مجموعات، المدة الزمنية المخصصة لكل مجموعة ساعة ـ مع مراعاة تفاوته أصحابها في الإنجاز، وطلب من أصحابها قراءتها وقراءة مختلف العلامات والإشارات التي أضافوها للنص المحقق، فحيث وصل القارئ مثلا إلى موضع الفاصلة، قال: فاصلة، وحيث وصل إلى موضع يحتاج إلى وضع هامش، قال: هامش، وهكذا، ويتم تقويم العمل بإشراك المتدربين أنفسهم، بعدها انتقل المؤطر إلى مرحلة المقابلة، وقد بيّن من خلالها الأشياء التي ينبغي الإشارة إليها وما لا ينبغي، وما ينبغي أضافته إلى النص المحقق وما لا ينبغي، وما يجب ضبطه أو شرحه وما لا يجب، ومختلف العبارات التي يحسن استعمالها في هامش التحقيق. وقد كانت هذه الورشة متحركة ومفيدة، على الرغم من ضيق الوقت المخصص للورشات التطبيقية. وللإشارة فالنموذج المذكور اختار باحث من المتدربين تسجيله في رسالة سلك الماستر بعدما اكتشف أن النص الذي سبق له أن سجله قد نوقش في مؤسسة أخرى.
اليوم الثالث (الفترة المسائية)
بنية الأطروحة الجامعية في دراسة وتحقيق كتاب مخطوط
إعداد: مصطفى بن مبارك عكلي التمكروتي

تناول الباحث في هذا البحث المكونات الأساسية التي تتشكل منها البحوث الأكاديمية المنجزة في تحقيق كتاب مخطوط، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون، وبعد أن عرف بالمصطلحات المكونة لعنوان البحث، جعل مواده تنتظم تحت المحاور الآتية:
1. صفحة العنوان.
2. المقدمة.
3. القسم الدراسي.
4. النص المحقق.
5. الفهارس العلمية.
6. الإخراج الفني للكتاب.
وأما صفحة العنوان فقد بين العناصر التي تتضمنها، وكيفية عرضها.
وأما المقدمة فأبرز العناصر التي تتكون منها، وهي ديباجة عامة مرتبطة بموضوع البحث، والحديث عن موضوع البحث وأهميته، وسبب اختياره والإقدام عليه، وخطته مجملة ومفصلة، ومنهج التحقيق، والختم بشكر الأستاذ المشرف وغيره ممن له فضل على الباحث. كما ذكّر ببعض الأمور المنهجية التي ينبغي مراعاتها في كتابة المقدمة.
وأما القسم الدراسي، فأوضح أنه ينقسم إلى قسمين اثنين؛ الأول يخصص للتعريف بالمؤلف، وقد شرح بتفصيل مختلف العناصر الداخلة في ذلك، وبيّن مقامات هذا التعريف بحسب شهرة المؤلف وسبق التعريف به وعدم ذلك. وأما القسم الثاني فللتعريف بالكتاب المحقق، وذكر مختلف العناصر التي ينبغي بحثها فيه مع تعزيز ذلك بنماذج مرّ بها الباحث نفسه. وقد استعرض أكثر من طريق لتقسيم القسم الدراسي، من حيث جعله ينتظم في أبواب أو فصول أو مباحث.

وأما النص المحقق، فتحدث عن طريقة عرضه ومختلف أوجه العناية التي ينبغي الاهتمام بها في ذلك.
وأما الفهارس العلمية، فتحدث عن أسهل الطرق لاستخراجها بداء من المراحل الأولى للتحقيق، وعن كيفية عملها وترتيبها، كما أوضح أن إنشاء هذه الفهارس يخضع لمادة المتن المحقق وطبيعته.
وأما الإخراج الفني للمتن المحقق، فاعتبره الباحث من أهم ما يجب الاعتناء به، إذ هو أول ما يثير انتباه القارئ، ويجعله مقبلا على العمل مهتما به أو عكس ذلك. وتيسيرا على المتدربين قدّم الباحث نماذج يمكن اعتمادها في أخراج أبحاثهم في أحسن صورة وأجملها. وقد تخلل محاور هذا البحث نقاش في كل محور من محاوره، الشيء الذي سمح للمتدربين بطرح استشكالاتهم والإجابة عنها.


نشر منذ

في

,

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد