د. محمد سعيد زكري: باحث في الفلسفة والفكر الإسلامي -المغرب
بين يدي الموضوع:
تتجه هذه المقالة في أطروحتها إلى الكشف عن مكانة التصوف ضمن الهندسة المعرفية للمتن الرشدي، وذلك من خلال التأكيد على أن ابن رشد في مشروعه الفكري قد سعى للبحث في اتجاهين : الأول: نشد منه الوصول إلى الحقيقة الفلسفية، والثاني نشد منه الوصول إلى الحقيقة الدينية ( الصوفية) مع وضوح الغلبة للاتجاه الأول . ولهذا سمي ب ” فيلسوف الحقيقتين” كما أشار إلى ذلك د محمد بيطار في كتابه المفيد في فلسفة ابن رشد : الوجود و الخلود.
من هنا تنبع الإشكالية: كيف نعيد قراءة موقف ابن رشد من التصوف انطلاقا من نصوص ابن رشد نفسها، ومن خلال هذه الإشكالية الأساسية طرحنا جملة من التساؤلات مثل:
- ما هو وضع التصوف ضمن فلسفة ابن رشد؟
- كيف يمكن النظر إلى الصلة بين التصوف والفلسفة ؟ وهل يمكن الطرق الصوفي أن يلتقي بالطريق العقلي من وجهة نظر ابن رشد ؟
- إذا كان ابن رشد فيلسوفا بمعنى الكلمة فهل كان ابن رشد زاهدا ومتصوفا أيضا ؟
قادتني هذه التساؤلات لمناقشة الموضوع انطلاقا من المحاور التالية:
– رأي ابن رشد في التصوف، وموقفه من متصوفة زمانه.
– ابن رشد بين التصوف والفلسفة .
- من اللغة الفلسفية الى اللغة الصوفية .
-ابن رشد بين المنهجين( الصوفي / الفلسفي )
إن الإشكالية مدار هذا البحث هي هذه العلاقة بين التصوف والفلسفة، هذه العلاقة التي اكتسبت صبغة التجربة الاجتماعية عند ابن رشد، وقد نجمت هذه التجربة عن شعوره بالتباعد بين المنهج الصوفي والمنهج الفلسفي، فأراد أن يقارب بينهما، فحمله ذلك على طلب لقاء محي الدين ابن عربي، الذي يفسر المعرفة بنوع من العجائب والخوارق.
1-رأي ابن رشد في التصوف
رأي ابن رشد في التصوف بين في كتابه ” الكشف عن مناهج الأدلة “حيث يقول : و”أما الصوفية فطرقهم في النظر ليست طرقا نظرية، أعني مركبة من مقدمات وأقيسة، وإنما يزعمون أن المعرفة بالله وبغيره من الموجودات شيء يلقى في النفس عند تجريدها من العوارض الشهوانية وإقبالها بالفطرة على المطلوب .ويحتجون لتصحيح هذا بظواهر من الشرع كثيرة، مثل قوله تعالى ( واتقوا الله يعلمكم الله)[1] ومثل قوله تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا) [2]ومثل قوله ( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا )[3] إلى أشباه لذلك كثيرة يظن أنها عاضدة لهذا المعنى. ونحن نقول : إن هذه الطريقة –وإن سلمنا وجودها-فإنها ليست عامة للناس بما هم ناس، ولو كانت هذه الطريقة هي المقصودة بالناس لبطلت طرقة النظر، ولكن وجودها بالناس عبثا.
والقرآن كله إنما هو دعاء إلى النظر و الاعتبار، وتنبيه على طرق النظر. نعم لسنا ننكر أن تكون إماتة الشهوات شرطا في صحة النظر، مثل ما تكون الصحة شرطا في ذلك، لا إن إماتة الشهوات هي التي تفيد المعرفة بذاتها، وإن كانت شرطا فيها، كما أن الصحة شرط في التعلم وإن كانت ليست مفيدة له.
ومن هذه الجهة دعا الشرع إلى هذه الطريقة وحث عليها في جملتها حثا على العمل، لا أنها كافية بنفسها كما ظن القوم”[4]
موقف ابن رشد هذا من التصوف آت في نظرنا من الفضاء الثقافي الذي تغذى من معينه، فنحن نعتقد أن كل فيلسوف لابد أن يجمع في شخصيته كل التنوع العلمي الذي تعرفه بيئته الثقافية، وأن تظهر هذه الثقافة بشكل من الأشكال في فكر هذا الفيلسوف أو ذاك.
فابن رشد عاش في وسط ثقافي ينتصر للتصوف كما نجد عند ابن رشد الجد الذي يشيد به الحفيد في كتاب “بداية المجتهد” احتفاء كبيرا،هذا الجد له فتوى في التصوف لا نعتقد أن معانيها العميقة كانت بعيدة عن ابن رشد”سئل ابن رشد الجد الفقيه عن قول الإمام أبي حامد الغزالي في كتابه الإحياء لما ذكر معرفة الله سبحانه والعلم به وقال إن المرتبة العليا في ذلك للأنبياء ثم الأولياء ثم العارفين ثم العلماء الراسخين ثم الصالحين فقدم الأولياء على العلماء،وفضلهم عليهم· وقال القشيري في أول رسالته: أما بعد فقد جعل الله هذه الطائفة صفوة أوليائه وفضلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه· فهل هذا كقول أبي حامد؟ وهل المذهب صحيح أم لا؟ فقد قال بعض الناس لا يفضل الولي على العالم، لأن تفضيل الشخص على الآخر إنما يرفع درجته عليه لكثرة ثوابه المرتب على عمله فلا فضل إلا بتفاوت الأعمال· وقد ثبت أن العلم أفضل من العمل لأنه متعد، وخير العمل قاصر، والمتعدي خير من القاصر فثوابه أكثر وصاحبه أفضل·فأجاب: أما تفضيل العارفين بالله على العارفين بأحكام الله فقول الأستاذ وأبي حامد فيه متفق، لا يشك عاقل أن العارفين بما يجب لله من أوصاف الجلال ونعوت الكمال، وبما يستحيل عليه من العيب والنقصان أفضل من العارفين بالأحكام، بل العارفون بالله أفضل من أهل الفروع والأصول، لأن العلم يشرف بشرف المعلوم وبثمراته· فالعلم بالله وصفاته أشرف من العلم بكل معلوم من جهة أن متعلقه أشرف المعلومات وأكملها، وأن ثماره أفضل الثمار، فإن معرفة كل صفة من الصفات توجب حالا عليه، وينشأ من تلك الحال ملابسة أخلاق سنية، ومجانبة أخلاق دنية، فمن عرف سعة الرحمة أثمرت معرفته سعة الرجاء ومن عرف شدة النقمة أثمرت معرفته شدة الخوف، وأثمر الخوف الكف عن الإثم والفسق والعصيان مع البكاء والأحزان والورع وحسن الانقياد والإذعان· ومن عرف أن جميع النعمة منه أحبه، وأثمرت المحبة آثارها المعروفة، وكذلك من عرفه بالعظمة والجلال هابه وعامله معاملة التائبين المعظمين مع الانقياد والتذلل وغيرهما·”[5]
ما نخلص إليه من هذه الفتوى أن معيار التفاضل بين العلماء هو المعرفة بالله. ثانيا: الفقيه على الحقيقة هو العارف بالله، العالم بالأحكام، معلم الناس الخير. ثالثا : مرتبة الفقهاء المقتصرين على العلم بالأحكام مرتبة دنيا.رابعا، دعوة ابن رشد الجد الضمنية إلى سلوك الطريق الصوفي بتأكيده على حجية أقوال شيخين من شيوخه الكبار أبوحامد والقشيري وانتصاره للمجاهدة الصوفية وطرقها في تحصيل الأحوال لنسجل قبل ذلك، أن موقف ابن رشد الحفيد من الصوفية لم يكن موقفا سلبيا كما تبادر إلى ذهن الكثير من الباحثين نذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر أرنست رينان الذي ذهب إلى أن ابن رشد أعلن بكل قوة” أنه لا مجال للاتصال إلا بالعلم، وعنده أن النقطة العليا للنمو البشري ليست إلا النقطة التي تصل عندها ملكات الإنسان إلى أقصى قوتها، والوصول إلى الله يكون عندما يزيل الإنسان حجاب الأشياء، وذلك عن طريق التأمل بحيث يجد نفسه مواجها للحق الأعلى. وزهد الصوفية يعد باطلا ولا طائل من ورائه.”[6]
ذلك أن ابن رشد لا يتحرج من الإشارة إلى مقالات الصوفية إشارة مثمن كما يفعل عند حديثه عن ماهية الذات الإلهية التي يدل عليها عند الصوفية –كما يقول- الاسم الأعظم. وكذلك عند معالجته إشكال العلم الإلهي وتقسيمه الوجود إلى وجودين “وجود أشرف ووجود أخس وأن الوجود الأشرف هو علة الأخس مفسرا بذلك معنى قول القدماء “إن الباري سبحانه هو الموجودات كلها والمنعم بها والفاعل لها” ثم مفسرا هذا كله بقوله “ولذلك قال رؤساء الصوفية لا هو إلا هو” جاعلا هذه المعرفة “من علم الراسخين بالعلم” كما يذكر ابن رشد في التهافت.
2 :موقف ابن رشد من متصوفة زمانه:
عاش ابن رشد في عصر كثر فيه الصلحاء واشتد فيه الاهتمام بالتصوف إلى درجة أن القرن السادس الهجري، وهو قرن ابن رشد، أصبح يعتبر العصر الكلاسيكي للتصوف المغربي وهوا لعصر الذي أصبح مرجعا لمن جاء بعده من المتصوفة. وابن رشد سيلتقي ببعض الصوفية؛ وممن لقي، وكان حريصا على اللقاء به، محي الدين بن عربي الذي فتح الله عليه من العلم من غير نظر ولا قراءة، بل من خلوة خلا بها كما قال عن نفسه وشهد له بها ابن رشد كما نجد في الفتوحات المكية. وموقفه من ابن عربي يدل، من جملة ما يدل، على تقدير عميق لشخص هذا الصوفي ورغبة كبيرة في مطابقة تجربته الفلسفية مع تجربة صوفية أندلسية عريقة لمتصوف ناشئ يشهد لابن رشد بالإمامة وبحثا عن سند صوفي لتجربته الفلسفية نشدانا لاطمئنان نفسي لما عنده من علم ومعرفة.
يقول ابن عربي “وطلب من أبي بعد ذلك الاجتماع بنا ليعرض ما عنده علينا، هل يوافق أو يخالف؟ فإنه كان من أرباب الفكر و النظر العقلي، فشكر الله تعالى الذي كان في زمن رأي فيه من يدخل خلوته جاهلا وخرج مثل هذا الخروج، من غير درس ولا بحث ولا مطالعة ولا قراءة، وقال هذه حالة أثبتناها وما رأينا لها أربابا، فالحمد لله الذي أنا في زمان فيه واحد من أربابها الفاتحين مغاليق أبوابها، والحمد لله الذي خصني برؤيته. [7]
3- بين التصوف والفلسفة
يتحدث ابن رشد في “فصل المقال” عن المقصود الذي يرومه الشرع فيجده في “تعليم العلم الحق والعمل الحق”، مبرزا أن المعرفة بالأفعال المفيدة للسعادة والمفيدة للشقاء هو موضوع العلم العملي وهو الجزء الثاني من الفلسفة كما فهمها الأسلاف. ويقف ابن رشد عند هذه الأفعال ويقسمها إلى قسمين: قسم يتعلق بـ”الأفعال الظاهرة البدنية التي تشكل موضوع الفقه”، ثم قسم يتعلق بالأفعال النفسانية مثل الشكر والصبر وغير ذلك من الأخلاق التي دعا إليها ( التصوف) . وقد اعتبر ابن رشد، أن هذا القسم الأخير يشكل موضوع الزهد وعلوم الآخرة وأفرد له مقولات لكونه يرى أن الزهد “أملك للتقوى التي هي سبب السعادة”،ومعنى هذا أن التصوف والفلسفة في رأي ابن رشد “عبارتان عن معبر واحد لا يختلف إلا من حيث الأساليب والطرق مع اتحاد الغاية فيهما “[8] إذ أن المطلوب من الفلسفة –وفقة وجهة نظر ابن رشد – يرجع إلى إصلاح القلوب وتهذيب الأخلاق مساعدة الإنسان للرجوع إلى ربه، ولا غاية للتصوف غير ذلك، فالفيلسوف يطلب معرفة الله عن طريق الفكر والعقل، والعابد يطلبها عن طريق القلب والذوق” وانتهاء طريقين واحد”[9]
4- من اللغة الفلسفية- إلى اللغة الصوفية
وظف ابن رشد كثيرا من مفاهيم التصوف وآلياته في سبيل المعرفة الفلسفية، ومن أهم هذه المفاهيم مفهوما الظاهر والباطن. فيعتبر مفهوما الظاهر والباطن من المفاهيم الأساسية للتقليد الصوفي، ويبدو أن ابن رشد نقلهما من معناهما الصوفي إلى معنى فلسفي فصرف المدلول الصوفي للباطن، واستبدل به مدلولا فلسفيا،حيث يصير عنده هو معنى “البرهان”. لقد أسس أبو الوليد صرحه الفلسفي على هذا الزوج الصوفي؛ ظاهر / باطن الذي أصبح مشروعا في فضاء إنساني تختلف فيه فطر الناس في التصديق كما يبين ابن رشد في فصل المقال. وسيحرص على إعطاء الجمهور ما ينفعهم من ظواهر في نصوصه التي وجهها إليهم وبخاصة “مناهج الأدلة” و”بداية المجتهد”، حيث يقدم في الأول العقائد الواجبة وفي الثاني الأحكام الفقهية المشهورة، معتنيا بهذه الظواهر لتأثيرها الكبير في النفوس متجنبا تأويلها حتى لا تفقد الشريعة أهميتها في حياة الناس كما يفصل ابن رشد ذلك في كتابه “مناهج الأدلة”. وسيتفرغ في كتب البرهان لما يعتقده الحقائق الخفية التي لا يجب أن يطلع عليها إلا العارفون بالله. هذا التمييز بين الظاهر والباطن، عند ابن رشد، ليس تمييزا بين الحكمة والشريعة، بل إن الشريعة نفسها تحمل هذا التمييز فينقسم الشرع نفسه ظاهرا وباطنا كما انقسم القرآن عند الصوفية إلى ظاهر وباطن وحد ومطلع. وانقسام الشرع إلى ظاهر وباطن، هو الذي سيسمح بهذا التلاقي بين الشرع والحكمة عندما يتعارض ظاهر الشرع مع الحقيقة الفلسفية فتتدخل آلية التأويل من أجل الجمع بين الحقائق المتعارضة، بين الباطن الشرعي والبرهان الفلسفي. وهذه الحقائق المتعارضة ظاهرا المتوافقة باطنا هي السر سواء كان سرا شرعيا أو سرا فلسفيا، فهي من “العلم الذي لا سبيل إلى إفشائه” .
5-ابن رشد بين المنهجين : ( الفلسفي / الصوفي )
لكن هذا الموقف الإيجابي من التصوف لم يمنع ابن رشد من نقد الطريق الصوفي وإبراز أخطائه، إذ أن ابن رشد كان على وعي تام بأن الحكمة الصوفية تتقابل و الحكمة الفلسفية تقابل الأضداد نظرا لأن التجربة الصوفية ليست راجعة إلى الحس أو إلى العقل، وإنما هي نور يقذف به الله في قلب من أحبه فهم ( أي الصوفية) ” أرباب الأحوال لا أصحاب الأقوال، إنهم يصلون إلى هذه الأحوال بالإلهام، وهو مالا واسطة في حصوله بين النفس و الباري، وإنما هو كالضوء في سراج الغيب يقع على قلب فارغ لطيف.[10]ولعل هذا كان من الأسباب الحقيقية التي دفعت ابن رشد إلى نقد فكر الغزالي الذي ارتضى لنفسه الطريق الصوفي من ، وطلب لقاء ابن عربي ذلك الفتى الأعجوبة الذي لم يكن قد بلغ سن النضج بعد، وقد توصل من خلال الخلوة إلى معارف وعلوم تحتاج سنوات من معاناة القراءة والتدبر والتأمل، يقول نصر حامد أبو زيد ” ومن الواضح أنه لقاء تم بناء على طلب “ابن رشد ” نفسه الفيلسوف وقاضي قرطبة ورجل البلاط الملكي، سمع الفيلسوف قصة الفتى الذي لم يكن قد بلغ سن النضج بعد، وما توصل إليه من خلال الخلوة من معارف وعلوم تحتاج إلى سنوات من معاناة القراءة والتدبر والتأمل .سمع الفيلسوف بذلك الأمر الذي يعني أن أمر الفتى محمد بن العربي كان يتردد على الألسن ، هكذا يحكى لنا الشيخ على الأقل وهو يكتب فتوحاته ويتذكر، ربما بعد أكثر من ربع قرن من هذا اللقاء.”[11]
والواقع أن ابن رشد قد ناظر الصوفية و نقد طريقهم على نفس الأساس الذي نقد على أساسه الاتجاهات والآراء التي لا تتفق مع العقل، تلك القوة التي يرفعها ابن رشد فوق كل قوة أخرى، فإذا رجعنا إلى بعض مؤلفاته وأيضا بعض شروحه على كتب أرسطو، وجدنا أنه كان حريصا على المقابلة بين طريقين : طريق عقلي وطريق قلبي ذوقي.
وإذا كان ابن رشد قد ارتضى لنفسه الطريق الأول ( الطريق العقلي ) فإنه قد ناظر و انتقد أراء الطريق الذوقي لأنه –من جانبنا -يعد طريقا فرديا ذاتيا ومن هنا لا يمكن إقامة البرهان أي قول صوفي، نظرا لكون لا يعدو كونه نزعة شخصية وجدانية لا تستقيم مع قضايا العقل
6-خلاصة
انطلاقا مما سبق أمكننا القول أن ابن رشد اضطرب من شعوره بالتباعد بين المنهج الصوفي والمنهج الفلسفي، فأراد أن يقارب بينهما، فحمله ذلك على طلب لقاء محي الدين ابن عربي، الذي يفسر المعرفة بنوع من العجائب والخوارق.وتم لابن رشد لقاء ابن عربي، وتناظر معه في العديد من المجالات والمشكلات التي انتقد فيها أرباب التصوف ومنها بالخصوص نظرية المعرفة، ومشكلة الاتصال .ولسان حاله يقول :” إن الشريعة هي نتاج النمطي ينتجه مجتمع أخلاقي، ولكي تتطور الشريعة بشكل يلائم المتطلبات الملحة للحركة العقلية للمجتمع، كان لابد أن يتعلم المسلمون المنطق والفلسفة لإخراج التصوف من مجاله الحدسي، ووضعه في مجاله العقلاني، إذ ” العقل ينزع إلى تداخل ايجابي بقيمة بين المثل الدينية والأخلاقية والفلسفية، ويعمل التخيل الديني بشكل دائم على إخراج أغراض جديدة سيعى إلى تحديدها، ودمجها بالعالم الفعلي دمجا متكاملا “[12].
إن جميع هذه المعطيات تجعل التصوف ذات أهمية خاصة عند ابن رشد الذي أراد تحويل تلك العلاقة بين أخلاق التصوف وأخلاق التأمل العقلي لتصبح عملية اتصال بين الفلسفة والتصوف دون أن يتعرض بذلك إلى أصول العقيدة الإسلامية.
ومن يدري ربما أراد ابن رشد في أيامه الأخيرة أن ينتقل من الفلسفة إلى التصوف بعد أن أحس بالاقتناع كما فعل أبو حامد الغزالي فلم يمهله الأجل.
الهوامش:
[1]: سورة البقرة الأية 282
[2]: سورة العنكبوت الأية 69
[3]: سورة الأنفال الأية 29
[4]: ابن رشد الكشف عن مناهج الأدلة ص 117
[5]: محمد الحبيب التجكاني(1993) مسائل ابن رشد الجد المجلد الأول ص 509 -دار الجيل بيروت- دار الأفاق الجدية المغرب و للمزيد من توسع انظر أيضا مقال العلماء بالله و العلماء بالأحكام جريدة الاشارة عدد 26
[6]أرنست رينان : ابن رشد و الرشدية صص 122/123 .
[7]: الفتوحات المكية المجلد الأول ، الباب الخامس عشر من الكتاب ” الأنفاس ومعرفة أقطابها المحققين بها وأسرارهم”
[8]: ابن رشد (1947) تلخيص كتاب النفس لأرسطو ص 15″ رسائل ابن رشد دار المعارف العثمانية حيدر آباد الدكن.
[9]: محمد بيصار(1973) في فلسفة ابن رشد الوجود والخلود ص 98 دار الكتاب اللبناني بيروت
[10]: الغزالي المنقد من الضلال ص127″
[11]: نصر حامد أبو زيد (2002)هكذا تكلم ابن عربي ص 102الهيئة المصرية العامة للكتاب.
[12]: عصام غصن عبود (2004) الأخلاق الدينية ومسألة التأويل عند ابن رشد مجلة جامعة دمشق المجلد 20 العدد (1+2)
لائحة المصادر والمراجع :
- القرآن الكريم
- ابن رشد
– الكشف عن مناهج الأدلة تحقيق د مصطفى حنفي إشراف د محمد عابد الجابري ط 2 مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 2001
-تلخيص كتاب النفس لأرسطو رسائل ابن رشد دار المعارف العثمانية حيدر آباد الدكن1947.
- أرنست رينان :
-ابن رشد والرشدية، ترجمة عادل زعيتر ، القاهرة 1957
- ابن عربي محي الدين:
الفتوحات المكية(أربع مجلدات ) دار صادر بيروت بدون تاريخ وهي مصورة عن طبعة دار الكتب العربية الكبرى مصر 1329 هـ
- أبو حامد الغزالي
المنقد من الضلال المكتب الثقافية اللبنانية بيروت
- محمد المصباحي
الوجه الأخر لحداثة ابن رشد دار الطليعة بيروت1998
إشكالية العقل عند ابن رشد(1988) دار الطليعة بيروت.
- محمد بيصار :
في الفلسفة ابن رشد :الوجود و الخلود دار الكتاب اللبناني ،ط3 1973،
- محمد الحبيب التجكاني
مسائل ابن رشد الجد المجلد الأول -دار الجيل بيروت- دار الأفاق الجدية المغرب 1993.
- نصر حامد أبو زيد
هكذا تكلم ابن عربي لهيئة المصرية العامة للكتاب.2002
- عصام غصن عبود
الأخلاق الدينية ومسألة التأويل عند ابن رشد مجلة جامعة دمشق المجلد 20 العدد( 1+2) س 2004
اترك رد