سالم خليفة بحر: باحث في الشريعة الإسلامية والقانون المقارن – فرنسا
إن الناظر المتمعن في حال أمة الإسلام اليوم٫ لايعدو أن يكون إلا بكاءاً على الأطلال٫ لا ندري ما الدافع منه إلا الجهل وتراجع الأمة وانحدارها في الحضيض
لاحظت منذ نعومة أظفاري أن نتغنى بالماضي كثيراً ٫ حتى أصبح لنا مثل المسكن عند نزول الألم٫ وهذا جعل حالنا لا يخول من أمرين٫ إما الخنوع للواقع الذي فرض علينا نمط من العيش معيناً لا نأكد نخرج منه قيد أنملة٫ وإما التخدير بما حقق أسلافنا فهذا يقود إلي كلمة حق رغم أن من نطق به لايعدو إلا أن يكون معرضاً في أسوأ أحواله
وهذا كان في كثرة حديثنا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقال قوله مشهورة إما أن يكون عمر ليست من أمتكم وإما أن يكون محض خيال٫ وم جاء تفسير هذه المغرض إلا لأنه فهوم ما فهم القريب قبل البعيد هو أن الأمة عجزت أن تنتج مثل هذا الصنف من الرجال ٫ والحال اليوم شاهدة على هذا٫ إن كثرة التخريف بما حققه السلف دون الاقتداء والأهتداء والسير قدماً والبدء من حيث انتهوا ما هو إلا بكاءاً على الأطلال
ولا أخالكم إن ضربتم لكم مثلاً لهذا على الأقل في الجانب الذي أعيش فيه كباحث وهو الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي المقارن
ترددت في الأونة الأخيرة فيديوهات وكلمات وجلسات تنعى الأمة وتنذر بفنائها قبل أن تكون محفزاً للنهوض٫ وذلك عن أخذ القوانين الغربية وغيرها من الفقه الإسلامي؟
لا أظن أن هذا سؤالاً يحتاج لجواب٫ خاصة عندما تجد من يفاخر ويقول يا معشر المالكية افخروا فإن القانون الفرنسي مأخوذ من فقه مالك رحمه الله
الإشكال ليس في فقه مالك ولا من أخذ عن مالك فكل يؤخذ ويرد عليه إلا محمد صلى الله عليه وسلم!
لكن الإشكال كيف كان حالنا في الأخذ عن مالك هل هو التناصي والتلاطم بالأقوال وجمع الناس على مائدة التخدير بدل أن يجتمعوا على طاولة القياده والرياسة٫ فأمثال هؤلاء هم شوك في مرقد الأمة٫ ولا يملكون من نصره الأمة إلا القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ومنعاً وهات ووأد البنات؟
فلو أراد الله بنا الخير أن نأخذ ما يقوم بحال الأمة٫ وأن من يقول أنالقانون الفرنسي مأخوذ من الفقه المالكي كله فهذه تكأة باطلة أرتأي الخديوي ملك مصر استغلالها لما قالوا له علماء السلطان أن المجتمع المصري لن يقبل بأول قانون مدني أراد أن يضعه بديل تحكيم الشريعة الإسلامية٫ فخرج الكثير ممن ناصره بهذا الدعوى حتى يتسنى له تمرير تلك القوانين٫ ثم شئ آخر إن نابليون قد مرس طبائع العرب وعرفهم فحتى يعمم قانون احتلاله وعسكرة كل المناحي التي يحكمها من أطراف البلاد سواء المغرب العربي وغيره طعمه ببعض أقوال المالكية٫ حتى يتسنى له إخضاع الناس له٫ ويقوم عيونه من الخونه بتمرير ذلك بحجة أن ذلك مستمد من الفقه المالكي أو غيره
ثم لنا أن نتساءل اليوم : هل بقى الفقه القانوني الفرنسي ينهل من فقه مالك ؟ أم أنه رآه فقه قد عفى عليه الزمن ولا يصلح للأخذ منه؟
كل هذه التساؤلات مطروحة وواردة ما دام أن هناك في الأمة ن يخذل شأنها ويثبط عزم رجالها؟
فلو نظرنا أن الفقه القانوني الوضعي الفرنسي خاصة واللاوروبي عامة هو فقه محض اجتهاد قام على تحليل النصوص القانونية المتصلبة والتي كانت لا تسمح بتجاوزها٫ وهو ما استدعى فقهاء القانون الوضعي خلق ما يسمح بالحيلة وهي إحدى ثلاث وسائل للقفز على جمود النصوص؟ ولا يخفي شأن الحيلة في أحكام الفقهاء فهل للمالكية كما هو منتشر بين أهل المذاهب أن أبا حنيفة هو من يُعمل الحيل والمخارج للخروج من البلاء٫ أو الاستعداد له قبل نزوله على قول الإمام الأعظم٬ لذلك فإن المالكية وغيرهم لهم نصيب في استعمال الحيلة للحصول على الحكم الشرعي المناسب (ومن أراد التفصيل يرجع لرسالتنا في نظرية الحيلة في الفقه الإسلامي)٬ ثم لو سملنا جدلاً أن الفقه القانوني الوضعي الفرنسي تحديداً أخذ عن الفقه الإسلامي عامة والمالكي خاصة٫ فهل لهذا الأخذ من الأثر٫ أكاد أجزم أن ما بقي من نصوص هي أصله إسلامي إن صح التعبير أو مالكي من باب أولى ٫ لم تكن محل نقاش بعد الثورة الفرنسية لأن الأمة الفرنسية لم تكن بحاجة لتطوير ما أخذ من المالكية بقدر ما أهتمت ما يتظر لتوابث الثورة الفرنسية وهي العلمانية علي رأسها٫ وأستطيع القول حتى أن ما تم أخذه أستطيع تسميته هي نصوص نائمة في دستور نابليون٫ لأن ما تعالجه وهو غالبه في الزواج والطلاق لم يعد محل بحث كبير خاصة مع خروج مناهج العلاقات التي هي خارج إطار الزواج
ولكن لو قيل أن هذا متحاج له علينا نحن المالكية كما يدعى بعضنا أخذ القانون الفرنسي عن مدرستنا؟ أن نتساءل هل نحن مستعدون للأخذ من ذرر العقول حتي نطور منظموة الفتوى على مستوى المدرسة المالكية على الأقل مع عدم فتح الباب لبقية المدارس دون الوقوع في مستنقع الخلاف٫ الذي يحرم زواج الشافعي من المالكي وهكذا دواليك
إن طرق موضوع أخذ القوانين عن بعضها البعض موضوع جدير بالبحث٫ ولا ينكره أحد٫ ولا يخفى أن كل الحضارات تأخذ عن بعضها البعض٫ ولا يخفى كذلك فعل عمر في فرض بعض الضرائب استثناءاً معاملة بالمثل لمن يفرضون على التجار المسلمين الذين يمرون ببلادهم كالعشر مثلاً٬ دون تفضيل خلاف أهل العلم في الإبقاء أو الترك
لكن ما يمكن قوله والحديث في هذا ذو شجون أنه علينا معاشر البحاث وخاصة أننا في عصر نالت فيه الأمة ما نالت وأختلطت فيه المفاهيم لدرجه يصعب معه فك الغموض بسهوله٫ أن نتلقى كل فكر براحة ورحابة ونعمل على توضيحه بما يناسب جهدنا حتى نبلغ المقصود٫ أما ما يسير عليه الكثير من البكاء علي الأطلال دون إيقاظ الشباب لدراسة هذا الأرث وعرضه بشكل يناسب حال الأمة فما قاله مالك وغير مالك لا يعدو أن يكون أعلام يستنير به الباحث فما احتاج لإعادة التطوير فيبذل فيه الوسع حتى يرقى لحال الأمة فكما قال صلى الله عليه وسلم أنتم أعلم بشؤون دنياكم.
اترك رد