د. ربيع عبد العزيز: أستاذ النقد الأدبي والبلاغة، كلية دار العلوم، جامعة الفيوم
حين نتأمل حالة المصطلح البلاغي ومنهجية تلقيه، يهولنا ذلك الكم من الألقاب المصطلحية؛ التي تلقيناها عن أوائلنا مكتفين برصدها والإحالة إلى مصادرها، دون أدنى محاولة للتوصية بتوحيد ما تعددت ألقابه الاصطلاحية. ولتأكيد ذلك نقف بإزاء مصطلحين؛ أحدهما: الاعتراض، والآخر: الكناية.
وإذا ما نظرنا إلى مصطلح الاعتراض وجدنا الجاحظ (ت. نحو 255هـ) أول من تعرض له وسماه إصابة المقدار، ثم جاء ابن المعتز( ت. نحو 296هـ) ودرسه في محاسن البديع مطلقا عليه اسم الاعتراض.
ومع أن الحدود المصطلحية للاعتراض تطابق تماما التسمية التي أطلقها ابن المعتز، إلا أن قدامة بن جعفر( ت. نحو 337هـ) لم يعتمد تسمية سلفه عبد الله بن المعتز، بل آثر لقب التتميم على لقب الاعتراض، وسار الزمن سيرته وجاء ابن رشيق القيرواني( ت. نحو456هـ) ليعدل عن إصابة المقدار والاعتراض والتتميم مؤثرا عليها لقب الاستدراك، أما معاصره ابن سنان الخفاجي( ت. نحو466هـ) فقد عدل عن جميع الألقاب الاصطلاحية لأوائله : الجاحظ وابن المعتز وقدامة، ولمعاصره ابن رشيق، وقدم لقبا اصطلاحيا بديلا هو الاحتراس.
وجاء علماؤنا المعاصرون؛ من أمثال الدكتور أحمد مطلوب، والدكتور بدوي طبانة، والدكتور عبده عبد العزيز قلقيلة، فرصدوا- مع اختلاف منهج كل منهما- تاريخ المصطلح وما عدوه تطورا في حركة تعيين المصطلحات ووضع حدودها وتلقيبها بالألقاب الدالة عليها، تاركين الاعتراض موزعا على خمسة ، وكان المأمول أن يخلصوا إلى توصيات تنبه على خطورة تعدد ألقاب المصطلح الواحد، وتقترح- بناء على ملاحظة اللقب الاصطلاحي الأكثر استقرارا وتداولا- لقبا يعتمد- دون غيره من الألقاب – على الأقل في مرحلة التعليم الجامعي؛ حتى لا تضطرب الرؤية عند الطالب الجامعي الذي لم يتمرس بعد بالخوض في غابة المصطلحات البلاغية.
وكان المأمول أيضا من جامعة الدول العربية والمجامع اللغوية أن تتداعي إلى إصدار توصياتها باعتماد هذا اللقب الاصطلاحي الذي أوصه به المعنيون بالمصطلح البلاغي والنقدي، وأن تعمم جامعة الدول العربية والمجامع اللغوية وكذلك منظمة التربية والعلوم والثقافة على الجامعات العربية اللقب المصطلحي الذي استقر عليه الرأي، لكن شيئا من ذلك لم يحدث للأسف، وظلت الحال كما هي عليه، فلمن شاء أن يستخدم اللقب المصطلحي الذي يروقه مادام مضمون المصطلح واحدا.
وما ينطبق على تعدد ألقاب الاعتراض ينطبق على تعدد ألقاب الكناية، فالملاحظ أن الكناية ارتبطت بالتعريض عند الجاحظ،، وانفصلت عن التعريض نسبيا عند ابن المعتز، ثم عدل قدامة عن الكناية وطرح لقبا اصطلاحيا بديل هو الإرداف ، ثم عادت الكناية لترتبط بالتعريض عند أبي هلال العسكري(ت. نحو395هـ) كما ارتبط الإرداف عنده بالتوابع، ولم يمض القرن الرابع الهجري حتى كان المشهد البلاغي يطرح على المتلقي ستة ألقاب بينها من عناصر التوافق أكثر مما بينها من عناصر التخالف؛ تلك الستة الألقاب هي: الكناية والتعريض والإشارة والإرداف والتوابع والمماثلة.
ولم يختلف موقف المعنيين بالمصطلحات البلاغية من تعدد ألقاب الكناية عن موقفهم من تعدد ألقاب الاعتراض. ولم تشأ منظمة التربية والعلوم والثقافة ولا المجامع اللغوية ولا مجلس وزراء التعليم العرب أن يتخذوا توصيات تدعو إلى غربلة تراثنا وتوحيد مصطلحاتنا ، وهكذا يظل البحث في نشأة المصطلح البلاغي وتطوره متوقفا على نقل المفاهيم المصطلحية من مصادرها وفي أحوال قليلة يشير من طرف خفي إلى سني وفاة الأعلام؛ الذين اكتشفوا المصطلحات ووضعوا حدودها.
اترك رد