نَظِرِيَّةُ المَالِيَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَوَضْعُهَا فِي الْمَغْرِبِ … عبد العزيز الإدريسي

عبد العزيز الإدريسي: باحث في الفكر الإسلامي – المغرب

ترسيخاً للأعراف الجاميعة والتقاليد الأكاديمية، نظَّم الفريق البيداغوجي لماستر “الإجتهاد التنزيلي في المذهب المالكي” التابع ل مختبر الدراسات الإسلامية والتنمية المُجتمعية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، درسا افتتاحيا أطره الأستاذ الدكتور عبد السلام بلاجي، في موضوع: “نَظِرِيَّةُ المَالِيَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَوَضْعُهَا فِي الْمَغْرِبِ”، وذلك يوم الجمعة 06 أكتوبر2017 بقاعة مركز دراسات الدكتوراه.

أدار فقرات هذا الدَّرس الافتتاحي الأستاذ الدكتور عبد المجيد بوشبكة باقتدار كبير واحترافية متميزة، حيث استُهل الدرس الافتتاحي بتلاوة ندية لآيات مباركة من طرف الطالب حمزة العسرى الذي اجتاز مباراة الالتحاق بماستر “الإجتهاد التنزيلي في المذهب المالكي” للفوج الثالث بنجاح.

بعد ذلك أحَال مسير الدرس الكلمة على السيد العميد الدكتور حسن قرنفل الذي عبر عن سعادته بهذه الجلسة العلمية، ورحب من خلالها بالأستاذ المحاضر شاكرا له قبول الدعوة، من أجل تزويد طلبة الماستر والحضور بمبادئ النظرية المالية الإسلامية، خصوصا وأن المغرب قد دخل غمار هذه التجربة الاقتصادية مؤخرا -ما يُعرف بالأبناك التشاركية-، بعد حوار فكري ونقاش علمي ومخاض تشريعي وقانوني.

هذا الإنجاز يؤكد السيد العميد بأن وراءه رجال وجنود خفاء، من الأساتيذ والخبراء والعُلماء والذين استطاعوا أن يقنعوا الرأي العام والطرف الآخر بهذه الخطوة المهمة، والدكتور عبد السلام بلاجي أحد هؤلاء الرجال، الذين أبلوا البلاء الحسن في خدمة الاقتصادي الإسلامي.

في ذات الكلمة نوَّه السيد العميد د. حسن قرنفل بالمجهودات الكبيرة التي تقوم بها شعبة الدراسات الإسلامية عموما، ومختبر الدراسات الإسلامية والتنمية المجتمعية على وجه الخصوص، في إشراق كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، من خلال الندوات والمؤتمرات والورشات والتكوينات اللقاءات الوطنية والدولية، مشددا على التنويه الخاص بالفريق البيداغوجي لماستر “الإجتهاد التنزيلي في المذهب المالكي”، الذين يشتغلون ليل نهار من أجل البحث العلمي وتأهيل الطالب وتكوينه.

أما كلمة رئيس جامعة شعيب الدكالي، فقد ألقاها بالنيابة السيد نائب الرئيس الدكتور هلال، الذي بلغ الحضور اعتذار السيد الرئيس نظرا لظروف طارئة، منوها بالانطلاق الفعلي لماستر “الإجتهاد التنزيلي في المذهب المالكي” الفوج الثالث، في وقت قياسي بهذا الدرس الافتتاحي، شاكرا الدكتور عبد السلام بلاجي على تلبية الدعوة، في هذا الموضوع المهم والحيوي، داعيا الطلبة إلى الإفادة من علم الضيف وتجربته، داعيا لهم بالتوفيق والنجاح.

مدير مختبر الدراسات الإسلامية والتنمية المجتمعية ورئيس شعبة الدراسات الإسلامية بالكلية، الدكتور نور الدين لحلو، عبر عن سعادته بتنظيم هذا الدرس الافتتاحي لتكوين ماستر “الإجتهاد التنزيلي في المذهب المالكي”، وبالنتائج الطيبة التي حققها سابقا، وذلك راجع بالأساس إلى وجود الثابت المؤسساتي والمتمثل في الفريق البيداغوجي المنسجم والمتكامل ، والذي يشتغل ليل نهار من أجل تحقيق الجودة في التكوين والتأطير، كلمة مدير المختبر -كعادته-لم تمر دون أن يفتح آفاقا للاشتغال والتطوير سواء تعلق الأمر بالتصور أو التطبيق، وقد حدد المجالات المعنية بذلك وهي:

1. تطوير العمل المؤسساتي للمختبر والماستر والمركز

2. تطوير البحث العلمي والنشر الورقي والرقمي

3. تطور الأداء الإعلامي والبعد التواصلي

كما جدد السيد مدير المختبر ورئيس الشعبة تنويهَهُ بالمجهودات المبذولة في طرف أساتذة الشعبة، في سنوات الإجازة عموما ،وخاصة بماستر “التواصل الديني وحوار الحضارات”، وماستر “الإجتهاد التنزيلي في المذهب المالكي” و تكوين الدكتوراه “فكر الإصلاح والتغيير في المغرب والعالم الإسلامي”، ثم جدد الترحيب بالحضور الكريم، وخاصة السيد رئيس المجلس العلمي لمدينة سدي بنور الدكتور أحمد العمراني، والسيد ممثل الرابطة المحمدية للعلماء عضو مجلسها الأكاديمي الأستاذ محمد هيتوت.

وفي ختام كلمته أخبر الدكتور نور الدين لحلو الحضور بانتقال التنسيق البيداغوجي للماستر من شخصه إلى شخص الأستاذ الدكتور عبد المجيد بوشبكة، حيث قدم له وِشاح الماستر بلونه الأسْود الملكي.

وبذات المناسبة نوه الدكتور عبد المجيد بوشبكة منسق الماستر، بالمجهودات الكبيرة التي قام بها الدكتور نور الدين لحلو، وجدد بها الشكر على تفانيه وتضحياته في خدمة العلم والبحث العملي، ليُدلي بتحديات ثلاثة تعترض مسيرة المالية الإسلامية والمتمثلة في:

1. تحدي العولمة: والمرتبط أساسا بمنظومة القيم الرأسمالية المدمرة.

2. التحدي الشرعي: والمرتبط أساسا بجانب الإجتهاد الفقهي والمقاصدي.

3. تحدي الواقع: والذي يعني بالأساس الجانب التنزيلي والتطبيقي العملي.

أما الدرس الافتتاحي الذي ألقاه الدكتور عبد السلام بلاجي، تحت عنوان: «نَظِرِيَّةُ المَالِيَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَوَضْعُهَا فِي الْمَغْرِبِ» فقد وطَّأ له بفكرة منهاجية مفادها أن الجامعة هي الأصل في أي تقدم أو ازدهار أو تنمية، انطلاقا مما ورد في الإنجيل أنه: في البدء كانت الكلمة، والكلمة منبتها الجامعة، وبالتالي في البدء كانت الجامعة، وبالتالي فلا بد من مقاربة الإدماج والاندماج في مقاربة قضايا البحث العلمي في المحيط الاقتصادي والاجتماعي والعالمي.

ونظرية المالية الإسلامية بهذا المعنى نظرية ادماجية اندماجية في الواقع الاجتماعي بل والعالمي، ولذلك حاول رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون احتضان المؤتمر العالمي التاسع للإقتصاد الإسلامي سنة 2013، وقال أنه يراهن على جعل مدينة لندن عاصمة للمالية الإسلامية، مستندا إلى معطى علمي وأكاديمي حيث تتوفر جامعات لندن على أكثر من 16 عشر ماستر وصف دكتوراه، كلها متخصصة في المعاملات المالية الإسلامية.

رئيسة البنك الدولي كرستين لا غارد أكدت بدورها، في مؤتمر للإقتصاد الإسلامي بالكويت سنة 2015، أن المعاملات المالية الإسلامية لها خصائص الإدماج والاندماج المحلي والعالمي في جميع المجالات والتخصصات.

ثم عرج الدكتور على المستجد المؤسساتي والمتمثل في تأسيس قطب مالي بالدار البيضاء، والذي سيكون له إشعاع عالمي خاصة في شمال إفريقيا، وغربها أيضا، لأنه سيدخل عنصرا جديدا من التعاملات المالية، والتي تستهدف فئة أخرى من الزبناء والمرتفقين.

ثم ذكَّر بأن النظرية المالية في الإسلام أصيلة وذات مكانة مهمة ومنزلة في المنظومة التشريعية والأخلاقية للإسلام، نظرا لارتباطها بالمال الذي اعتبره الإسلام عصب الحياة، وقد وضع الإسلام تشريعات واضحة ودقيقة لكيفية التعامل مع المال كسبا وإنفاقا، وسُبل حفظه واستثماره، بدليل اهتمام المسلمين الأوائل بالتنظير للمعاملات المالية تأصيلا وتنزيلا، مذكرا ببعض الكتابات الأولى في هذا الصدد، من قبيل كتاب ” الخراج” لأبي يوسف، وكتاب ” الخراج وصناعة الكتابة” للمقدسي، وكتاب “الأموال ” لأبي عبيد الله بن سلام ، وكتاب “الأموال” لأبي نصر الداودي وهو من علماء الغرب الإسلامي توفي سنة 403 هـ.

وعموما المالية الإسلامية تنقسم إلى نوعين قديمة ومعاصرة، القديمة تمت الإشارة إلى بعض مقتضياتها، أما المالية الإسلامية المعاصرة، فلها ست مكونات أو أقسام وهي:

1. مؤسسات الزكاة

2. صناديق الحج

3. مؤسسات الوقف

4. صكوك الاستثمار

5. التأمين التكافلي

6. البنوك التشاركية

وقبل تفصيل القول في المكونات الستة للمالية الإسلامية، توقف المحاضر عند قضية أساسية وهي وصف معاملة ما بالإسلامية أو غي الإسلامية؟ في رأي المحاضر أن هذا الوصف يثير كثير من الإشكالات والشبهات، فمثلا عن فشل البنك الموسوم بالإسلامي، يُنسب ذلك الإسلام، وعندما يكون موسوما بالتشاركي فإنه يكون قابلا للصواب أو للخطأ، وهكذا، ونوه بالمشرع المغربي الذي سلك مسلكا إيجابيا في تسمية الأبناك بالتشاركية بدل الأبناك الإسلامية. وبعد ذلك انتقل الأستاذ بلاجي إلى بيان هذه المكونات والأقسام باقتضاب نظرا لضيق الوقت:

1. مؤسسات الزكاة:

الزكاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي ركن مالي اقتصادي ببعد اجتماعي تكافلي، وقد اهتمت الكثير من الدول بتفعيل هذا الركن من خلال مأسسته، والاستفادة من بعض التجارب الناجحة، وهناك دراسات غربية حول السبب في توسع المسلمين الأوائل؟ وكيف استطاعوا المحافظة على هذا التوسع والانتشار؟ فأرجعوا الأمر بالأساس إلى وجود مؤسستين قويتين هما الزكاة والوقف.

وقد استدعى في هذا السياق التجربة الماليزية التي نجحت في تحويل فريضة الزكاة، من فريضة فردية تعبدية ذات أثر محدود، إلى فريضة جماعية ذات أثر اجتماعي وتنموي، حيث بلغت مداخيل الزكاة حوالي مليار دولار في السنة، كما ذكر بنموذج بيت الزكاة الكويتي.

2. صناديق الحج:

تعتبر صناديق الحج من مكونات المالية الإسلامية المعاصرة، وتقوم فكرة هذا الصندوق على فتح حسابات للحجاج، والقيام باستثمارها لفائدتهم، وعندما يصل دور المنخرطين في الحج، يقوم هذا الصندوق بتأهليهم وتدريبهم على أداء مناسك الحج بإتقان واحتساب، وهكذا يصبح صندوق الحج مسهما في التنمية الروحية والعلمية والمالية والاقتصادية والاجتماعية.

ومن أنجح التجارب في العالم تجربة صندوق الحج الماليزي والذي يسمى ب ” تابونغ حاجي”، والذي تأسس سنة 1962، حيث يقوم بثلاثة أعمال رئيسة وهي: الادخار والاستثمار والخدمات، وبهكذا ندمج العبادة في التنمية بل وتكون رافعة من رافعاتها الأساسية.

3. مؤسسات الوقف:

الوقف أو الحبس، من أعظم مكونات المالية الإسلامية القديمة والمعاصرة، غير أنه عرف نوعا من الإقصاء والتهميش من طرف الاستعمار الغربي، نظرا لدور الأوقاف الحيوية في تمويل المؤسسات الاستراتيجية للمجتمع، كالمدارس والجامعات والمستشفيات والجيش و.

واستشهد بالجامعات الغربية كهارفرد وكامبريدج التي تُمول من الأوقاف، وميزانيتها تفوق ميزانية بعض الدول. وفي المغرب عرف الوقف تطورا تشريعيا من خلال مدونة الوقف الصادرة سنة2010م والتي تضم أكثر من 300 مادة.

4. صكوك الاستثمار:

تنهض فكرة صكوك الاستثمار على أساس التشارك في تمويل المشاريع، على منوال منظومة الأسهم في الشركات المساهمة، ويشترط في هذه السندات ألا تتعامل مع محظور أو معدوم شرعا، بالإضافة إلى عدم التعامل بالربا.

5. التأمين التكافلي:

التأمين التكافلي هو خلاف التأمين التقليدي -التجاري-، وهو عقد يقوم على أساس التبرع والتعاون، ويسمى أيضا بالتأمين التعاوني، لأنه اتفاق بين مجموعة أشخاص لدرء أخطار معينة على أساس الالتزام بالتبرع، دون أن يكون هناك أي هدف ربحي.

6. البنوك التشاركية:

أشار في البداية إلى أن الأبناك التقليدية بالمغرب رفضت فكرة الأبناك التشاركية، غير أن الفرص التي ستوفرها هذه الأبناك التشاركية، دفعت بالمشرع المغرب إلى تقديم مشروع قانون مؤسسات الائتمان والهيئات التي في حكمها، سنة 2013، ويتكون هذا القانون من تسعة أقسام و196 مادة، وقد خصص القسم الثالث للأبناك التشاركية.

وقد نصت المادة 59 على الخدمات ومنتجات هذه الأبناك والمتمثلة في: أ- المرابحة، ب- الإجارة، ج- المشاركة، د- المضاربة، هـ- السلم، و- الاستصناع، ز- تسنيد الأصول.

في خاتمة قوله دعا الدكتور عبد السلام بلاجي الطلبة والباحثين إلى تعميق النظر والبحث في هذه القضايا والإشكالات المثارة، وحثهم في الأخير على التمكن من اللغات وخاصة اللغة الإنجليزية.

وكعادته تقدم الفريق البيداغوجي للماستر ببعض الهدايا الرمزية للضيف عربون محبة وتذكار وفاء، لينتقل الجميع بعد ذلك إلى قاعة الماستر للمشاركة في حفل شاي على شرف الضيف والحضور.


نشر منذ

في

,

من طرف

الآراء

اترك رد