أجرى الحوار: عبد الإله بالقاري – باحث في الفقه وأصوله بجامعة سيدي محمد بن عبد الله – فاس
في سياق فعاليات الندوة الدولية في موضوع “البحث المقاصدي بين أصالة المنهج ومستجدات الواقع” التي نظهما مختبر الدراسات الإسلامية والتنمية المجتمعية (كلية الآداب بجامعة شعيب الدكالي – المغرب) بتاريخ 28 و29 نونبر 2017م، تتشرف شبكة ضياء للمؤتمرات والدراسات أن تجري حوارا علميا مع فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن القاطي أستاذ مادة المقاصد بكلية أصول الدين بتطوان، وعضو اللجنة العلمية للندوة.
س ــــــــ بداية نود منك أستاذنا الكريم أن تقدم لنا تعريفا لعلم المقاصد مع بيان فائدته؟
ج – المعلوم عادة من التعريفات التي يتم عبرها تقديم مفاهيم بعينها إلى المتلقي؛ أنها تكون حَدية من جهة عنايتها بحدود هذا المفهوم أو ذاك؛ ومنتشرة بين أهل الاختصاص لا منحصرة بين طبقة منهم، لكن عندما نلتفت إلى ما ارتبط بتعريف مقاصد الشريعة ؛ نجد أن التعليم عليها بأنها ” مجموع الحكم والغايات والأسرار التي راعاها الشارع في شريعته ” غير خاضع ـ بما يكفي ـ لمنطق الحد الذي تصاغ به المفاهيم في العادة، وذلك في تقديري راجع إلى أحد أمرين : الأول؛ لشيوع هذه المقاصد واطرادها في مختلف تفاصيل الشريعة، فصارت بذلك كأنها المعروف الذي لا يعرف، والدليل على ذلك أن الاهتمام بجانب التعريف لم يستقر إلا مع المتأخرين. والثاني؛ أن عنصر العناية بالتقسيمات الذي أخضعت له المقاصد كان مساعدا في تبين جوانب هذا الفن وأطرافه، ومن ثم يكون ذلك جزءا من تحديد ماهيته وحقيقته.
أما عن مسألة فائدة هذا العلم؛ فأعتقد أنه لو لم يكن لها من ذلك سوى أنها تسعفنا في درك مراد الشارع ومن ثم ندور معه حيث دار تأسيسا وتوسيعا وامتثالا؛ لقلنا أكرم بها وأنعم من فائدة.
س ــــــــــــ تحدثتم في ورقتكم العلمية اليوم عن التمييز بين القطع والظن في الاستدلال، ما السبيل إلى تأسيس قواعد الاستدلال على القطع؟
ج – عندما نتحدث عن القطع نقصد به حصول اليقين. وما يرتبط من هذا اليقين بقواعد النظر والاستدلال هو ما كان نابعا من استيفاء القواعد ـ بما هي أحكام كلية ـ لشرط القطع في الورود ( النقل المتواتر)، وشرط القطع في الدلالة، وهو ما يمثله اللفظ “النص” بمعناه الأصولي الذي لا احتمال فيه ولا إجمال . بالتأكيد ستجد من يحدثك عن ضيق شديد في مساحة ما يستوفي هذه الخاصية، وأنا أقر بذلك، ولا أنكر أن قواعد أخرى ـ قد لا تكون بالمواصفات السابقة ـ يمكن استخلاصها من الخطاب الشرعي؛ لكن على شرط أنها حال إنتاجها من الأحكام ما يصادم مقتضيات القواعد الأولى تصير كأنها غير موجودة، فنكون بذلك قد قطعنا شوطا في امتصاص الجرعات الزائدة عن اللزوم من ” الوثوقية ” الزائفة التي ارتهن لها العقل الاستنباطي جراء تضخيمه للقواعد الظنية، فآل الأمر إلى الإضرار بقيم كبرى قام الشرع على اعتبارها.
س ـــــــــــ هل لك أن تكشف لنا عن بعض الوظائف المتنوعة للنظر المقاصدي؟
ج – الحديث الإجمالي عن الوطائف المتنوعة للنظر المقاصدي؛ يجرنا إلى التنبيه على هامش الإمكان الواسع الذي يتيحه هذا النوع من النظر إن استقام شأنه في فتح أوراش معرفية ضمن قراءة متجددة لخطاب الوحي، وحيازة وسائل أكثر مرونة في الصناعة الفقهية، وصيانة الأسباب الكاملة لامتلاك قدرة على تنزيل الأحكام الشرعية في الواقع تنزيلا يتجدد هو الآخر بتجدد شروطه ومقوماته على نحو يجعل من موافقة مراد الله وقصده؛ المنطلق والمنتهى.
س ــــــــــــ كيف يمكن للدرس المقاصدي أن يخدم قضايا الإنسان ويحقق التنمية الحقيقية للمجتمع؟
ج – ارتباط الدرس المقاصدي بخدمة الإنسان، وتحقيق مطلب التنمية المجتمعية؛ يتحقق من خلال العناية بجانب القيم والمصالح التي تعتبر عماد هذا الدرس وأساسه. إذ لا يتصور حديث عن تنمية الإنسان ومن خلاله المجتمع؛ دون الاعتراف بشرطية قيم الحرية في الحركة والتعبير والمبادرة، والعدل في الإنتاج والتوزيع، والسلم الأهلي باعتباره مناخا نقيا لحياة كل القيم الإيجابية، فكل ذلك يشكل موضوعا للدرس المقاصدي تأكيدا عليه، وترتيبا له، وتمحيصا لوسائله.
س ـــــــــــ أين وصل البحث المقاصدي في زماننا هذا؟
ج – الناظر في خريطة البحث المقاصدي اليوم؛ لا يجد عنتا شديدا في تبين جانب الغزارة الذي صارت عليه الكتابة في مقاصد الشريعة بشكل لم يعد معه مستغربا الحديث عن تضخم في هذا الشأن من جهة الكم الذي افتقد في مساحة عريضة منه عنصر الغناء بحيث يغمرك إحساس أحيانا أن بعض الكتابات في هذا الفن؛ وجودها ينزل رتبة عن عدمها، لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه الغزارة إنما حصلت في العقدين الأخيرين؛ وبما أن الأمر يفتل في حبل النهوض والإقلاع؛ فإن أعمار الشعوب والمجتمعات مما يستصغر هذه المدة الزمنية شريطة أن يتم الانتقال بعد هذه المراكمة إلى مرحلة الإبداع، وهو ما نأمل من قادم البحث في قادم الأيام.
س ــــــــــ ما هي الإضافة العلمية التي قدمها أستاذنا ـــ المحتفى به اليوم ـــ الدكتور أحمد الريسوني للدرس المقاصدي؟
ج – الدكتور أحمد الريسوني يعتبر أحد أهم الأسماء التي عبدت الطريق بكتاباتها نحو مزيد من الاهتمام بمقاصد الشريعة، هذه حقيقة لا تخطئها عين، ولا يسع المرء إلا أن يعترف لهذه القامة العالية في هذا العلم كما في العمل به والدعوة إليه، ولا أدل على أقول من حسن خدمة الرجل لإرث الإمام الشاطبي الذي يعتبر المعلم الأول من خلال نظريته المعلومة، وهو إلى جانب ذلك مبدع في توسيع وعاء هذا العلم من جهة كلياته، وغايته، ومدى استقلاله، بشكل نستطيع معه أن نجزم بأن هذه الندوة الدولية التكريمية له قد تأخرت كثيرا عن موعدها الأصلي، لكن؛ أن تصل متأخرا ـ كما يقال ـ خير من أن لا تصل.
نشكرك أستاذنا الدكتور عبد الرحمن القاطي على قبول إجراء هذا الحوار العلمي
اترك رد