مصطفى بوهبوه: باحث دكتوراه مناهج العلوم في الحضارة الإسلامية وتجديد التراث – المغرب
- تاريخ الجدل المسيحي الإسلامي
تأسست العلاقة بين المسيحية والإسلام منذ اللحظات الأولى للدعوة المحمدية. وقد تميزت هذه العلاقة بالتعاطف كثيراً بين هذين الديانتين، وذلك قبل إعلان الرسالة التي جاء بها محمدصلى الله عليه وسلم للعالمين. وكيف وقد سجل لهم التاريخ مواقف كريمة تجاه الإسلام والمسلمين. تجعل المسلمين دائما يقفون منها موقف التقدير والاحترام وخير مثال ما قام به الراهب بحيرى من تذكير وتنبيه لأبي طالب عم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أثناء سفره إلى الشام من أجل التجارة، إلى المخاوف من غدر اليهود بابني أخيه محمد(صلى الله عليه وسلم). قال ابن إسحاق: «فلما فرغ، أقبل على عمّه أبي طالب، فقال له: ما هذا الغلام منك؟ قال ابني: قال له بحيرى: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيّا، قال: صدقت، فارجع بابن أخيك إلى بلاده واحذر عليه اليهود، فو الله لئن رأوه. وعرفوا منه ما عرفت ليبعنه شراً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به إلى بلاده»(([1])) وقد كان (صلى الله عليه وسلم) مرافقا لعمه في ذلك السفر وهو لا يزال صغير السن لا يتجاوز عمره (صلى الله عليه وسلم) أثنى عشر سنة.
ومن الواضح أن ما قام به ورقة بن نوفل(([2])) وذلك لما نزل جبريلعليه وسلم على النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو بغار حراء يتحنث انصرف راجعا إلى خديجة رضي الله عنها فأخبرها الخبر قال ابن هشام في هذا الصدد: «وانصرفت راجعاً إلى أهلي. حتى أتيت خديجة، فجلست إلى فخذها مضيفاً إليها. فقالت: يا أبا القاسم، أين كنت؟ فو الله لقد بعثت رسلي في طلبك. حتى بلغوا مكة ورجعوا لي، ثم حدثتها بالذي رأيت. فقالت: أبشر يا ابن عم واثبت، فو الذي نفس خديجة بيده إنّي لأرجعوا أن تكون نبيّ هذه الأمة»(([3])).
ثم مباشرة بعد هذا الحدث انطلقت خديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل فأخبرته الخبر كما ذكر لها الرسول (صلى الله عليه وسلم)أنه رأى وسمع. فقال ورقة بن نوفل: «قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبيّ هذه الأمة. فقولي له: فليثبت» وفي رواية أخرى قال له ورقة: «والذي نفس محمد بيده. إنك لنبيّ هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى، ولتؤذينه، ولتخرجنه. ولتقاتلنه، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرنّ الله نصراً يعلمه، ثم أدنى رأسه منه. فقبل يافوخه، ثم انصرف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى منزله»([4]).
وبعد إعلان الرسالة استمرت تلك العلاقة بين المسيحية والإسلام تحكي لنا كتب السير والتاريخ أنه لما اشتد الأذى بالصحابة رضي الله عنهم من قبل مشركي مكة؛ أشار الرسول (صلى الله عليه وسلم) عليهم بالتوجه إلى الحبشة التي كانت تحت حكم ملكها النجاشي، وهو رجل نصراني، كان لا يزال متمسكاً بالرسالة التي أرسل بها عيسىعليه السلام. وإلا كيف نفسر هذا الترحاب الذي خصه للمسلمين وقبوله دعوتهم الجديدة التي جاء بها محمد(صلى الله عليه وسلم) وبكاءه أثناء سماعه للقرآن الكريم من عمر بن العاص، ولازلت قولته الشهيرة تلهج بها الألسن وتخطها الأقلام وتزخر بها كتب التاريخ والسير، وهي قوله رحمه الله: «إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة»([5]). ويطلق على قدوم أول ثلة صغيرة من الصحابة إلى بلاد النجاشي للاحتماء فيها من اضطهاد قريش. «أول هجرة في الإسلام، وتلتها هجرة ثانية إلى نفس البلاد في ما يعرف بهجرة الحبشة الثانية، وذلك لما وجده المسلمون من آمان لدى النجاشي برغم محاولات قريش ثنيه عن إيوائهم و إغرائه في سبيل ذلك بهدايا حملت إليه»([6]).
اترك رد