ايت عبد الله حياة: ماجستير في الترجمة – الجزائر
فرّق كاتفورد Catford بين نوعين من عدم القابلية للترجمة :نوع لغوي ونوع ثقافي .يرجع النوع اللغوي إلى القواعد النحوية والصرفية والمعجمية للغة المترجم إليها،أمّا عدم القابلية الثقافية فيحدث عند وجود ملامح ترتبط بالسياق الثقافي للغة الأصلية وغيابها في اللغة المترجم إليها، رغم أهميتها في تفسير النص الأصلي. ويندرج المسكوت عنه أو المضمر في كلا النوعين من عدم القابلية للترجمة التي ذكرها كاتفورد مما يعني صعوبة تعامل المترجم مع هذا النوع من المعنى المستتر ، فالمسكوت عنه يمكن أن يكون لغويا من خلال استعمال أساليب التورية والمجاز والتلاعب بالألفاظ كما يمكن أن يكون ثقافيا حين يندرج المسكوت عنه في الألفاظ المحظورة أو ما يعرف بالتابو،والصعوبة لا تكمن في الفوارق الموجودة بين اللغات المختلفة،بل ناتجة عن تعذر المحافظة على وحدة المدلول عند تغيير الدّال،وكذلك صعوبة المحافظة على وحدة الدّال عند تغيير المدلول،وهذا إمّا في اللغة نفسها أو في لغتين مخلفتين.
و يتطلب من المترجم أثناء تعامله مع المسكوت عنه أن يكون فطنا وأن يبذل جهداً معتبرا، فهو لا يتعامل مع المعنى الظاهر للألفاظ فقط، بل وما تخفيه أيضا.
فكلّما عجّ النص بالألفاظ المتعددة المعاني وكثر التلاعب بها، كلما أصبحت ترجمته صعبة.ونعلم أنّ الترجمة تجمع بين آليتين اثنتين هما القراءة والكتابة ،يقوم المترجم من خلالهما بوصفه قارئ نص وكاتب نص، بالبحث عن التشاكل بين تطابقين مختلفين للدّال والمدلول في لغة الانطلاق ولغة الهدف، لكن عملية إعادة الصياغة أو التعبير عن ما ورد في النص الأصلي تتطلب من المترجم إتباع خطوات لا يحيد عنها لتحقيق أكبر قدر من الأمانة اتجاه النص الأصل واتجاه النص الهدف،وهكذا يجد المترجم نفسه من ناحية ملزما بالسكوت عن المعاني المسكوت عنها قصداً أثناء ترجمته ،بحيث « يجب الإبقاء على الغموض المقصود ما أمكن» وفي هذا يقول شاتوبريان« وعندما لا أستطيع مقاومة الغموض فإنني أتركه لحاله.عبرتُ عن كل شيء كلمة- كلمة .فاتحاً المجال أمام المؤولين…» .لقد انتهج شاتوبريان الترجمة الحرفية ليحافظ على الغموض المتضمن في الأصل داخل النص المترجم، ومن ناحية أخرى يجد المترجم أيضا نفسه ملزماً بالسكوت عمّا كان صريحاً في النص الأصل، إذا ما تعارض مضمونه مع ثقافة اللغة الهدف أو كان مما يحظر قوله.و ينصح نيومارك المترجم في حالة الغموض الاستعاري بـ« أن يترجم المعنى الأكثر احتمالا ، وأن يضع المعنى الأقل احتمالا في حاشية ، إذا قدّر أنّه مهم »،والمترجم مطالب بالترجمة الحرفية ،إذا كانت تفي بالغرض وتحافظ على المعنى، وإذا تعذرت الترجمة الحرفية حينئذ يلجأ المترجم إلى التفسير أو التأويل و يتمثل التفسير في ترجمة المعنى المقصود للكلمة المصاحبة لا معناها الحرفي المعتاد. وهذا نظراً لوجود تعبيرات غامضة وعبارات تخفي من المعاني أكثر مما تظهر ،تفرض على المترجم استعمال طريقة التفسير من خلال ذكر المعنى الإضافي المفهوم ضمنا في التعبير الأصلي. ويرى نيومارك أنّ طريقة التفسير هي آخر ما يلجأ إليه المترجم، عند عدم وجود تعبير مقابل للتعبير الأصلي. فلجوء المترجم إليه يعني أنّه جرّب جميع الطرق الأخرى ووجد أنها لم تفلح في نقل المعنى.وما يؤاخذ على طريقة التفسير،أنها تؤدي إلى فقدان الشحنة البلاغية للتعبير الأصلي من صور وأخيلة وإيجاز،كما يؤدي التفسيرأيضا إلى فقدان الملامح الثقافية التي يحملها النص الأصلي.
بالرغم من أهمية هذه الطريقة إلا أنها لا تفتح الباب على مصراعيه أمام المترجم فلا يكمن دوره في إيضاح وتفسير كل شيء،فهو مطالب بتحقيق التوازن بين ما يعرضه النص وما يؤوله هو، أي التوازن بين ما هو صريح وما هو مسكوت عنه في النص المترجم وفقا لما ورد في النص الأصل.
هكذا تكون العملية الترجمية شبيهة بالعلبة السوداء حيث تكون المدخلات عبارة عن نص أصلي يحتوي على مسكوت عنه ،تحدث العملية الترجمية فتكون المخرجات عبارة عن نص هدف يتضمن كذلك مسكوتا عنه.
ولإقامة التوازن بين الظاهر والمخفي من المعنى يجب على المترجم أن:
– يوضح ما يجب توضيحه فقط .
– الابتعاد عن التوضيحات الزائدة و الحذف الزائد.
– أن لا يحاول ترجمة المسكوت عنه الذي يكون مقصوداً.
– في حالة المسكوت عنه الناتج عن استعمال التهكم أو السخرية ،يترجم فقط المعنى لإحداث نفس الأثر دون الكلمات ذاتها.
اترك رد