مصطفى بوهبوه: باحث دكتوراه مناهج العلوم في الحضارة الإسلامية وتجديد التراث – المغرب
1ــ تعريف الغيب لغة
الغيب لغة: كل ما غاب عن حواس الانسان. قال الجرجاني الغيب: كل ما ستره الحق عنك لا منه ، وذكر الفيروز آبادي في القاموس المحيط: الغيب كل ما غاب عنك ، ومنه جاءت الغابة لأنها تُغَيّبُ ما فيها وتسترها عن الانظار لكثافة أشجارها، ومنها قوله تعالى: ” أَلْقُوهُ فِي غَيَابَاتِ الْجُبِّ” أي والقوه في قعر الجب، حيث يغيب خبره.
تعريفنا للغيب:
من خلال ما سبق من التعريفات اللغوية يمكن صياغة تعريف للغيب كالتالي: هو كل ما غاب عن حواس الانسان، وخَفِيَ عليها.
الغيب في المصطلح القرآني:
أما الغيب في مصطلح القرآني فهو ضد الشهود، وقد ورد لفظ “الغيب” في القرآن الكريم في ستين موضعا منها قول تعالى في سورة الانعام الآية 73: ﴿.. عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ وقوله تعالى في سورة التوبة الآية 94: ﴿ … ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ .
أقسام الغيب:
ينقسم الغيب إلى قسمين:
الغيب المطلق: وهو الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، و ليس للإنسان سبيل للعلم به عبر حواسه.
الغيب النسبي: هو ما كان غيبا غائبا في وقت وقد لا يكون غيبا في قت آخر، وقد يكون غائبا عن إنسان، ولا يكون غائبا عن انسان آخر. قال الامام متولي الشعراوي: الغيب النسبي هو الشيء الذي لا أعلمه ولكن يعلمه غيري، فإذا سرق مني شيء مثلا فإنني لا أعلم من هو السارق إنه غيب عني وقد لا تعلم الشرطة من هو السارق، ولكن الذي سرق يعلم أنه السارق، والذي أخفيت عنه المسروقات يعلم من السارق .
أقسام الناس في التعامل مع الغيب:
الطائفة الاولى: طائفة تنكر الغيب نكرا مطلقا وهم الذين يطلق عليهم بـ “الماديين” مثل الشيوعية التي من أصولها “لا إله في الكون والحياة مادة”.
وجدير بالذكر أن هذا النوع من الفكر القائم على المادة بدأ يلج المجتمعات المسلمة مع المدرسة العقلانية التي يمثلها محمد عبده وتلامذته من بعده، وعلى رأسهم محمد مصطفى المراغي، مصطفى عبد الرزاق، قاسم أمين، طه حسين.
ومعلوم أن الفكر الغربي قائم على هذه المادة، في حين أن الفلسفة الإسلامية تجمع بين المادة والروح، والمسلمون حصل لهم كبير الانبهار بالحضارة الغربية لدرجة أن طه حسين في كتابه “مستقبل الثقافة في مصر” يشي بأنه يجب أن نقلد الغرب في خيره وشرّه وحلوه ومره، وبهذا يمكن اعتبار مدرسة محمد عبده العقلانية هي بمثابة قنطرة عبر عليها الفكر الغربي للمجتمع الإسلامي.
الطائفة الثانية: هي الطائفة التي تعتقد اعتقادً مطلق بكل ما يروج من الغيبيات وهو ما يخبر به الكهنة والسحرة والمنجمون ونحو ذلك ممن يدّعون علم الغيب، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: ” كذب المنجمون ولو صدقوا”، فالغيب عند الله لا يعلمه أحد وصدق الله تعالى قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) .) إذا قال:
ما هي النظرة المنهاجية للغيب؟
إن الكلام عن الغيب والوحي في زمن طغي المادة علة النّاس جهاد، وأول صفات المؤمنين الايمان بالغيب (﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) و الايمان هو التصديق؛ التصديق بالغيب الذي ثبت عن أدلة وبراهين.
قال رسول الله صلى الله عليه سلم: “من أتى عرّافا فصدّق بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد” رواه البزار بإسناد جيد قوي وصححه الالباني، فالغيب الذي نؤمن به هو ما أخبر به القرآن الكريم والسنة النبوية، فالقرآن الكريم ثبت بالدليل العقلي ـ الإعجاز ـ وبالعقل يثبت وجود الله وأن القرآن الكريم من عند الله وأن محمد عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم.
فالعقل عليه أن يتتلمذ على الوحي وليس كما قالت المعتزلة أن العقل يتحكم في الوحي ولهذا قالوا أن الله لا يرى يوم القيامة، والعلماء رحمهم الله وضعوا قاعدة ذهبية للتعامل مع الاخبار فقالوا” إذا كنت ناقلا فالصحة وإذا كنت مدعيا فالدليل”.
فالدعوى لابد لها من برهان قال البوصيري ــ رحمه الله ــ :
والدعاوى ما لم تقيموا عليها…….ببينات أبناؤها أدعياء
أبواب الغيب: الالهام أو التحديث، الفراسة، المبشرات
كيف نتعامل مع هذه الأبواب؟
1ــ الالهام أو التحديث
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لقد كان فيمن كان قبلكم من الأمم ناس محدَّثون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر”. رواه الشيخان عن أبي هريرة.”. وقد ثبت اثر صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولفظه، أن عمر رضي الله عنه، بعث سرية فاستعمل عليهم رجلا يدعى سارية. قال: قام فينا عمر يخطب الناس يوما قال: فجعل يصيح وهو على المنبر: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل، قال فقدم رسول الجيش، فسأله فقال يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمنا، فإذا بصائح يصيح: يا سارية الجبل، فأسندنا ظهورنا للجبل فهزمهم الله.
2 ــ الفراسة
روى الترمذي وحسنه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله”.
3 ــ المبشرات
ورد في حديث أن الرؤيا الصالحة جزءاً من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وغير ذلك، وروى البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لم يبق بعدي من النبوة إلا المبشرات” قالوا: “وما المبشرات؟” قال: “الرؤيا الصالحة”. وأخرج الإمام أحمد عن أبي الدرداء وعن عبادة بن الصامت من طريقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في تفسير قوله تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ . قال صلى الله عليه وسلم: “الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له”. وكذا روى ابن جرير وأبو داود الطيالسي.
فهذه الأبواب يجب أن نعرضها على الشرع، فالشريعة سياج، فالرؤيا نصدق بها ونبشر بها ولا نبني عليها حكما ولا عمل، وكل ما عارض ظاهر الشرع فهو باطل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم تركنا على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنه إلا هالك.
فلا بد من عرض الغيب على الكتاب والسنة على ضوؤهما فقط يمكن أن نجلي حقيقة الغيب، لا الكشف لأن الكشف يخطئ كما يخطئ الرأي.
كيف نتعامل مع الغيب؟
من طرف
الكلمات المفاتيح:
الآراء
-
روعة مقالك يا أستاذ الذي استفدت منه كثيرا رغم أنّ تخصصي القانون
-
روعة مقالك يا أستاذ الذي استفدت منه كثيرا رغم أنّ تخصصي القانون
اترك رد