ذ معمر الحاج ماجستير دراسات اسلاميه معاصرة، جامعة القدس
لقد مرت المئة سنة الأخيرة دون أن تتبلور لأهل السنة والجماعة، مرجعية تحظى باحترام ورضى هذه الفئة التي تمثل المسلمين، وذلك بعد سقوط الدولة العثمانية وتقاسم ميراثها من الدول الاستعمارية، وفي ظل تهشم مكانة الأزهر الشريف كمرجعية دينية لأهل السنة وحصر صلاحياته وتقييدها بعيداً عن التدخل في شؤون السياسية وقضايا الأمة الكبرى، ومن ثم أنشئت هيئات عديدة لهذا الغرض كمنظة المؤتمر الإسلامي، ومن ثم التعاون الاسلامي وغيرها من التسميات التي سعت إلى احتواء الموقف الإسلامي من خلال احدى المرجعيات التي تخضع للأنظمة الرسمية، ولكن ظلت كل هذه المؤسسات عاجزة عن القيام بأي دور يمثل الأمة الإسلامية وأهله السنة على وجه الخصوص؛ كونهم يمثلون الغالبية العظمى من المسلمين، وظلت هذه المؤسسات كهياكل فاقدة لقدرتها على التأثير وصناعة القرار ، في ظل حالة تمزق وصراعات وتبعية واغتراب وانصهار في تيارات فكرية تعادي الاسلام وتلبسه ثوب الرجعية ثم التطرف والإرهاب!!
حالة الفراغ هذه وفقدان الثقة بالأنظمة التي تحكم بلاد العالم الإسلامي، وما آلت إليه أحوال المسلمين في ظل تعاقب النكبات على الأمة، وحالة التململ التي ظهرت ملامحها منذ قرابة نصف قرن، دفع القوى العظمى إلى البحث عن الحلول التي تمنحهم اليد الطولى في صناعة الحدث والتحكم به.
ومن أجل ذلك تم توجيه وتخصيص العشرات من مركز الابحاث والتفكير التي تستعين بها؛ في التخطيط للمستقبل وفي رسم معالم التاريخ والجغرافيا!! وفق معايير إيديولوجية، تضع في مقدمة أولوياتها: عدة متطلبات أبرزها:
* التخلص من عبء القضية الفلسطينية؛ باعتبارها المسبب الرئيس لحالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم، وأنها المصنع الرئيس للإرهاب.
* وأن هذا الأمر يجب أن يمر من تحت عباءة أهل السنة والجماعة وبمباركتهم.
*يجب تحضير المنطقة لتمرير هذه الصفقة التي بات يطلق عليها بصفقة القرن.
* يجب ضرب القاعدة الحاضنة للقضية الفلسطينية من خلال حالة فوضى عارمة في المنطقة.
* ضرورة تهيئة محور رئيس في المنطقة لتمرير المخططات من خلاله كي تبدو وكأنها من حلفاء وداعمين ومن يمثلون مرجعية دينية كذلك.
* نزع صفة الشرعية عن أية مؤسسة تحظى بتقدير وثقة جموع أهل السنة واخراجها عن القانون ووسمها بالصفة التي تجعلها مرفوضة- ما لم تكن ضمن المنظومة الدولية-
وهناك معطيات أخرى بالغة الأهمية تشكل في مجموعها الحفاظ على حالة السيطرة والتحكم في الشرق الأوسط لإبقاء دولة الاحتلال الإسرائيلي في حالة أمن واستقرار وتفوق عسكري.
وفي إطار الاستعداد لهذا الحدث وتمرير أخطر صفقة في التاريخ كان من الضروري أن تتم صناعة مرجعية وزعامة سياسية ودينية لأهل السنة، وأن الجهة الوحيدة التي تصلح لهذه الصفة هي المملكة العربية السعودية كونها تمتلك كامل المؤهلات لتولي هذا الموقع!! وكان هذا الأمر يتطلب تحضير شخصيات خاصة لتلبس هذه الصفة وتتبوأ هذه المكانة المرموقة!!
فأخذت هذه القوى وفي مقدمتها النظام الأمريكي بالعمل على صناعة زعامة ومرجعية دينية لأهل السنة على شاكلة المرجعية الدينية عند الشيعة!!
لذا فإن هذا المشروع ولد ميتا في رحم النظام الدولي الذي يسعى لخلقه وفرضه!!! لأسباب عديدة من أبرزها
✓ أن التاريخ الاسلامي على مدى أربعة عشر قرنا لم يعرف هذه الظاهرة، وأن الولاية الدينية تكون لأهل العلم والاجتهاد، على قدر التزامهم بمنهج الأمة وقضاياها المصيرية.
✓ استعجال هذه القوى على إخراج هذه الزعامة إلى العلن قبل نضوجها!!
✓ إن أية زعامة يجب أن يكون لها مؤهلات وتاريخ يجعل الأمة تعطي لها الولاء وتنقاد لأمرها!!
✓ اختلاف أهل السنة عن غيرهم من الفرق والأديان فليس لديهم نظام الكهنوت.
فهذه الأسباب وغيرها تجعل من فكرة صناعة زعامة لأهل السنة وأسبابها محل شك وريبة؟!
ومحاولة ستلقى حتفها قبل أن تخرج إلى العلن، وإن كل المخططات التي تبنى على أساسها ستبوء بالفشل، بل قد تحدث ردات فعل لا يستطيع أحد توقع ملامحها؛ كونها تجاوزت الكثير من الخطوط الحمراء والمحظورات لمحاولة الوصول إلى ما تصبو!!!
وسعت لمحاولة تغيير الجغرافيا والتاريخ بل تعدت ذلك إلى محاولة العبث بالموروث الحضاري والتلاعب بمعتقدات الأمة ومقدساتها، ونزع القداسة عن جزء وإبقائه على جزء آخر!!.
٢٢/ديسمبر/2017م
اترك رد