د. ربيع عبد العزيز: أستاذ النقد والبلاغة والأدب المقارن – جامعة الفيوم
ارتبطت معرفة الغرب الأوربي لألف ليلة وليلة بالمستشرق الفرنسي أنطوان جالان (1646 – 1715 م) الذي جمع الليالي وترجمها إلى الفرنسية، ونشرها تباعا في اثني عشر مجلدا في الفترة من 1704م حتى 1717م. وبفضل هذه الترجمة انتقلت ألف أليلة وليلة مترجمة إلى الأدب الإنجليزي والإيطالي والألماني وأصبحت جزءا من الأدب العالمي، وحققت شهرة واسعة لا تقل عن شهرة الألياذة والأوديسا..
وقد غيرت ألف ليلة وليلة مفهوم الحب عند الأوربيين ؛ فقد كانا المفهوم المادي للحب هو السائد في أوربا إلى ما قبل ترجمة الليالي وانتشارها، وتطلعت النساء الأوربيات إلى المساواة بالمرأة العربية/ شهرذاد. بل لقد علمت شهرذاد النساء الأوربيات قيمة الدلال الأنثوي وتأثيره الحاسم في الحياة بصفة عامة وفي حياة الرجال بصفة، وبذلك أصبح للحب في التصور الغربي مذاقا مختلفا إنساني الطابع.
ومن أسف أن الدراسات العربية المقارنة لم تسع بما فيه الكفاية إلى إبراز تلك التأثيرات العربية، وأن أقلام المقارنين العرب بالغت في الاهتمام بإبراز التأثيرات الغربية في الأدب العربي على حساب الاهتمام بإبرازالتأثيرات العربية في الآداب الغربية.
وبينما نجد دراسات عديدة أبرزت التأثيرت الغربية في الأدب العربي؛ من مثل دراسة جيهان السادات المعنونة: ( أثر النقد الإنجليزي في النقاد الرومانسيين في مصر) ، ودراسة عبد المجيد حنون المعنونة : ( اللانسونية وأثرها في رواد النقد العربي الحديث) نجد قليلا من الدراسات المقارنة؛ التي تعنى بإبراز التأثيرات العربية في الآداب الغربية، ومن هذه الدراسات القليلة دراسة الدكتور عبد اللطيف عبد الحليم المعنونة: ( الأثر العربي في القصص الأسباني: مثل من القونت لو قانور) ودراسة الدكتورة مكارم الغمري المعنونة:( مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي). وهناك محاضرة فريدة للناقد العربي السوداني الدكتور عبد الطيب ألقاها في جامعة الخرطوم في أغسطس من عام 1981م وكان عنوانها:( أثر الأدب العربي في شعر ت.س. إليوت).
وبدهي أننا لا ننكر تأثرنا بالغرب، ولا نقلل بداهة من قيمة الدراسات التي أفردت لإبراز هذا التأثر؛ فإنها تنفي عن العقل العربي تهمة التصلب ورفض الآخر التي حاول المغرضون من المستشرقين إلصاقها بالعرب والترويج لها في الثقافة الغربية، لكننا نأمل أن تتعادل كفتا الميزان بحيث لاتميل كفة التأثر بالغرب على حساب كفة التأثير فيه. وفي التأثيرات التي أحدثتها ترجمة معاني القرآن الكريم، وسيرة النبي محمد-عليه الصلاة والسلام- وألف ليلة وليلة، في الآداب الغربية، مجال واسع للعديد من الدراسات المقارنة ؛التي تسهم، مع دراسات أخرى يمكن إنجازها عن تأثيرات ابن رشد وابن سينا والجغرافيين العرب ، في تعادل كفتي الميزان في دراسات المقارنين العرب، والتي تحرر الشخصية العربية من الفتنة بالآخر الأوربي، وتعيد إليها الثقة في قدرتها على التأثير حين تواتيها الفرصة.
اترك رد