رقية بوسنان: باحثة في العلوم الاجتماعية والشريعة الإسلامية – الجزائر
لا يخلو مجتمع من تعدد العرقيات والجنسيات والقبليات، ويتعددها تتعدد لغات التواصل والاتصال والتقارب، ولم يكن ليشكل هذا التعدد أي مشكلة بين الأفراد إذ ثمة ما يجمعهم من تقاسم للعمل وتشارك في الواجبات والحقوق،فالجميع وبلسان حاله يستطيع أن يتواصل مع غيره بالرغم من اختلاف الألسن وهي سنة الله في خلقه، “واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين”، لكن الفهم العميق والوعي باهمية هذا الاختلاف لم يفض في بعض المجتمعات إلا لأثارة النعرات، واعتناق العنصرية مذهبا للتعامل، وادعاء الأفضلية لجنس على حساب جنس آخر، والمناداة بإقصاء المختلف لغة او لهجة باعتبار الكم الذي يجنح تحتها.
لم تكن هذا الدعوة الإقصائية إلا وترا تعزف عليه أجنحة الاستعمار الذي اتخذ ويتخذ من شعار “فرق تسد” سياسة لاحتكار السلطة من جهة واحدة والتي أصبحت لها هذا البعد في ظل عولمة سياسية وعسكرية قفزت على الحدود الجغرافية للمجتمع الواحد تطالبه بالمزيد من التنازل لصالح الغرب المتغول الذي سيطر على معظم ثرواتها وسلبها حرية السيطرة على مقدراتها، ولم يرق له ذلك لأن أجندته أبعد من سيطرة على ماديات تفقر المجتمعات المغلوب على امرها، بل يتعدى ذلك إلى محاولة القضاؤ على الهوية الدينية والوطنية التي يتميز بها أي مجتمع.
ولعل من عناصر هذه الهوية اللغة العربية وهي باعتبار المعيار لغة واحدة ينطق بها مئات الملايين من أبناء الأمة الإسلامية، وهي لغة القرآن قبل كل شيئ باقية ببقائه إلى يوم الدين، وهي اللغة التي تحارب في جوهر قواعدها وعلومها بإحلال اللهجات محلها إو احلال لغات عالمية محلها كاللغة الانجليزية التي اجتحات العالم واسست لها جامعات كاملة داخل المجتمعات الإسلامية التي عجزت عن طرح مشروع إسلامي أو عربي موحد يحفظ للعربية جاذبيتها.
وبعيدا عن تشريح وضع لغتنا إلى لغة العالم، وبحكم عنوان المقال، يؤرقني ما تدعوا إليه بعض المجتمعات من مجاورة الهجات للغة العربية وإقرارها في قوانينها ومؤسساتها حفاظا على هويات الشعوب أو جوهر انتمائها وهي بتقدير دعاية استعمارية لاختلاق التفكك الاجتماعي وتصنيف البشر باعتبار العرق والنسب، لمزيد من إشعال فتيل الصراع باسم اللهجات، وهو مايستثمر عادة في الإضرار بأمن المجتمعات التي قد تلجا أحيانا إلى شراء أمنها بالعملة الصعبة.
لا ضير في أن نتحدث بما نفقه مما ورثناه من لغات اولهجات ونفتخر بذلك ، لكن الضير والضرر في أن يصيح اختلاف الألسن مطية لجاهليات أصاب أقواما فأفقدتهم الوعي بأمهات القضايا التي تحتاج فعلا للمناصرة والمؤازة ومنا قضايا التعبية والتخلف التي لا تتحمل تبعتها إي لغة ومنها اللغة العربية، فمجتمعات بأكملها ناطقة بالفرنسية وتفتقر إلى ادنى شروط الحياة، فليس العبرة باللغة وإنما العبرة بالوعي وفقه جميع المشكلات التي أدت إلى هذا التخلف.
اترك رد