قواعد العقود والشروط وتطبيقاتها في مدونة الأسرة المغربية

عبدالحميد ميسوري: باحث في سلك الدكتوراه – المغرب

قاعدة : يجب في الفاسد من العقود نظير ما يجب في الصحيح منها
1 – صيغ القاعدة : وردت هذه القاعدة بهذه الصيغة عند ابن تيمية في مجموع فتاويه وعند تلميذه ابن القيم في الطرق الحكمية في السياسة الشرعية , وفي بدائع الفوائد , أما صيغها فيمكن أن نجعل بعض القواعد التي تندرج تحتها صيغا لها وإن كانت لا تبدوا لها عمومية هذه القاعدة ومن ذلك مثلا :
أ – فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه : وهذه الصيغة توجد عند ابن الوكيل والسبكي في الأشباه والنظائر , وفي أسنى المطالب للشيخ زكريا الأنصاري , وفي نهاية المحتاج للرملي ’ ومغني المحتاج للشربيني .
ب – حكم الفاسد من العقود حكم الصحيح في الضمان : وهذه الصيغة في المغني لابن قدامة .
ت – حكم فاسد العقود حكم الصحيح في الضمان وعدمه : توجد هذه الصيغة في منهاج الطالبين للنووي , وحاشية الرملي الكبير على أسنى المطالب , وحاشية الشرواني على تحفة المحتاج .
ث – العقد الفاسد إذا تعلق به حق العبد لزم وارتفع الفساد : في رد المحتار لابن عابدين ,وفي الأشباه والنظائر لابن نجيم.
ج – العقد الفاسد يجب نقضه وإبطاله : ولا يجوز تقريره , أصل استثنيت منه القاعدة عند ابن عابدين في حاشيته .
ح – ارتفاع المفسد في العقد الفاسد يرده صحيحا : فتح القدير لابن الهمام , ورد المحتار لابن عابدين .
2 – شرح مفردات القاعدة : سنقوم في هذا المحور بتعريف العقد الفاسد والعقد الصحيح لأن معنى القاعدة يحوم حولهما .
العقد : لغة : نقيض الحل , تقول عقدت الحبل فهو معقود , ومنه عقدة النكاح وعقد كل شيء ابرامه , وعقد قلبه على الشيء لزمه وفي الحديث ” الخيل معقود بنواصيها الخير ” أي ملازم لها كأنه معقود فيها .
واصطلاحا : عرفه الجرجاني بأنه ربط أجزاء التصرف بالإيجاب والقبول .
الفاسد : لغة : نقيض الصالح والمفسدة خلاف المصلحة كما أن الفساد يعني تغيير الشيء من الحال السليمة إلى الحالة الأخرى , بخروجه عنحد الاعتدال , فيقال فسد اللحم واللبن والفاكهة والهواء إذا أنتن واعتراه تغير أو عفونة حتى أصبح غير صالح , ثم استعمل لغة في جميع الأشياء والأمور الخارجة عن نظام الاستقا مة كالبغي والظلم والفتنة فيقال فسدت الأمور أي تغيرت واضطربت ومنه قوله تعالى ” ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ” (الروم 40)
واصطلاحا : هناك خلاف بين الفقهاء في تعريفه
الجمهور : هو ذاته الباطل :قال الرصاع التونسي ” ما قارنه عدم شرط أو وجود مانع ” وقال الشربيني ” ما اختل ركن من أركانه أو شرط من شروطه ”
الحنفية : جعل أبو حنيفة الباطل ما منع بأصله ووصفه وجعل الفاسد ما شرع بأصله ومنع بوصفه قال الجرجاني في تعريفه : ” هو الصحيح لا بوصفه ويفيد الملك عند اتصال النقيض ” وعرفته مجلة الأحكام العدلية ” هو المشروع أصلا لا وصفا : يعني أن يكون منعقدا باعتبار ذاته , غير مشروع باعتبار بعض أوصافه الخارجة , ومثاله : كما لواشترى عبدا بخمر وقبضه وأعتقه , فإنه يعتق عليه رغم انعقاده فاسدا .
العقد الصحيح : ما استوفى أركانَه وشروطَه وأوصافُه ُ سليمة لا خلل فيها .
3 – المعنى العام للقاعدة : تعني هذه القاعدة أن ما يجب في العقود الصحيحة من الضمان وغيره يجب أيضا في العقود الفاسدة , لأن العقد انعقد مع الفساد فينعقد موجبا لحكمه لأن صفة الفساد لا تمنع انعقاد أصل العقد بل تدل على انعقاده لأن قيام الوصف بالموصوف , فإن الصفة تبع وبانعدام التبع لا ينعدم الاصل , ثم إنه لايمكن تعرف حكم العقد الفاسد من نفسه , لأن الشرع لم يرد بالإذن فيه , فلا بد أن يتعرف حكمه من الجائز .
4 – أدلة القاعدة : دليل هذه القاعدة دليل عقلي وهو ماذكره السرخسي في المبسوط من أنه لا يمكن التعرف على حكم العقد من نفسه لأن الشرع لم يرد بالإذن فيه وإنما يتعرف حكمه من العقد الصحيح وما قاله ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد عن من دخل في العقد الفاسد دخله على أنه مالك ضامن , وبناء عليه يتحمل تبعات هذا العقد .
5 – تطبيقات القاعدة :
1 – يجب المهر للموطوءة في نكاح فاسد , ولايجب أرش البكارة لأن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه , والمهر يجب في الصحيح , فكذا في الفاسد وأرش البكارة لا يضمن في صحيح النكاح فكذا في فاسده .
2 – يجب في النكاح الفاسد مهر المثل وهو نظير ما يجب في الصحيح .
لكن ينبغي التنبيه هنا أنه ليس المراد بهذه القاعدة أن كل حال ضمن فيها العقد الصحيح ضمن في مثلها الفاسد فمثلا المهر في النكاح الصحيح يجب بالعقد ويستقر بالوطء .
3 – كل نكاح فاسد ففيه مهر المثل إن كان مدخولا .
4 – ما فعله من العقود والقبوض التي لم يبلغه تحريمها لجهل يعذر به أو تأويل حكمه فيها هذا الحكم وأولى كمن تزوج بلاولي أو بلاشهود معتقدا جواز ذلك أو نكح الخامسة في عدة الرابعة أو نكاح تحليل مختلف فيه , وغير ذلك فإنه وإن تبين له فيما بعد فساد النكاح فإنه يقر عليه .
أما في مدونة الأسرة المغربية فحينما قسم المشرع الزواج الفاسد إلى فاسد لصداقه وفاسد لعقده تبعا لما هو مقرر في المذهب المالكي فقد راعى هذه القاعدة ويظهر ذلك في المادتين 60 و 64 اللتين تحدثتا عن آثار الزواج الفاسد لعقده والفاسد لصداقه حيث نصت المادة 60 على أن الزواج الفاسد يصحح بصداق المثل والمادة 64 التي تنص على أن الزواج الفاسد بعد البناء تترتب عليه كل آثار العقد الصحيح .وهو نفس مانصت عليه القاعدة يجب في الفاسد من العقود نظير ما يجب في الصحيح منها .
6 – مستثنياتها : ذكر السبكي في الأشباه والنظائر مستثنى لهذه القاعدة فقال ك
إذا نكح امرأة نكاحا صحيحا وماتت من الولادة لم يضمنها بلا خلاف ولعله إجماع ولوكان النكاح فاسدا ففي ضمانها قولان في البحر .

كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل
1 – صيغ القاعدة : هذه الصيغة جزء من حديث رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة أم المومنين رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” ما كان من شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل وإن كانت مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق ” وهذا الحديث بنصه قاعدة كلية اعتمدها الفقهاء بلفظها وجعلوها أصلها في باب الشروط الباطلة وقد ذكرت هذه القاعدة في مواطن عديدة لا داعي لأن نذكرها , وهناك صيغ أخرى وهي كالتالي :
أ – كل شرط خالف كتاب الله فهو باطل : وذكرها بهذه الصيغة ابن حجر في الفتح في باب الشروط في القرض , وأخرجه البخاري معلقا في صحيحه عن عمر أو ابن عمر وقال أبوعبدالله عن كليهما عن عمر وابن عمر .
ب – كل شرط ليس في حكم الله وحكم رسوله جوازه فهو باطل : هكذا ذكرها ابن عبد البر في الحديث الخامس عشر من مسند أبي الزناد عبدالله بن ذكوان .
ت – كل شرط يغير حكم الشرع يكون باطلا .
ث – الشرط الذي جرى مخالفا لحكم الشرع يكون باطلا .
2 – شرح مفردات القاعدة :
الشرط لغة : بتسكين الراء إلزام شئء والتزامه في البيع ونحوه وجمعه شروط وشرائط والشرَط بفتح الراء العلامة والجمع أشراط قال تعالى : ” فهل ينظرون إلا الساعة أن تاتيهم بغتة فقد جاء اشراطها ” أي علاماتها. .
واصطلاحا : “وصف ظاهر منضبط يلزم من عدمه عدم الحكم ولا يلزم من وجوده وجود الحكم ولاعدم وجوده لذاته , ويكون خارجا عن حقيقة المشروط ” وينقسم إلى قسمين : شرط جعلي وشرط شرعي .
أما الشرط الشرعي : فهو ما كان توقف المشروط على وجود الشرط بحكم الشارع وجعله .
وأما الشرط الجعلي : فهو الذي يكون اشتراطه بتصرف المكلف و إرادته وهو قسمان شرط معلق وشرط مقيد أو المقترن .
3 – المعنى العام للقاعدة :
تفيد هذه القاعدة أن الشرط إذا ثبت منافاته لمقتضيات الشرع بحيث تتعطل الغاية الشرعية من العقد إن كان في العقود , فعندئذ يبطل العقد أو الشرط , فيبطل العقد إذا كان الشرط يعطل ركنا من أركانه أويعارض مقصودا أصليا للعقد , كاشتراط عدم حل الزوجة لزوجها في عقد الزواج مثلا , أو يمنع أحد الزوجين المتبايعين من الانتفاع بالمبيع فهنا يبطل العقد وقد يبطل الشرط فقط إذا كان لا يعطل ركنا من أركان العقد كمن يشترط عدم الدخول بالمرأة بالنسبة لعقد النكاح فهنا يلغو الشرط ويصح العقد , لأن استمتاع الرجل بالمرأة مقصود أصلي من مقاصد عقد النكاح و هو ثابت شرعا .
4 – أدلة القاعدة :
ما روي عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت جاءتني بريرة فقالت كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت إن أحبوا أن أعدّها لهم ويكون ولاءك لي فعلت , فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم , فأبوا عليها فجاءت من عندهم و رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت إني عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأخبرت عائشةُ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ” خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق ” ففعلت عائشة ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ” ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل و إن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق و إنما الولاء لمن أعتق ”
قال ابن حجر في الفتح : قوله باب مايجوز من شروط المكاتب ومن اشترط شرطا ليس في كتاب الله جمع في هذه الترجمة بين حكمين وكأنه فسر الأول بالثاني وأن ضابط الجواز ما كان في كتاب الله وسيأتي في كتاب الشروط (أي من صحيح البخاري)
أن المراد بما ليس في كتاب الله ما خالف كتاب الله وقال ابن بطال المراد بكتاب الله هنا حكمه من كتابه أو سنة رسوله أو إجماع الأمة .
وهناك حديث آخر يصلح أن يكون دليلا لهذه القاعدة وهذا الحديث قد رواه البخاري معلقا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” المسلمون عند شروطهم ” وفي رواية ” إلا شرطا حرّم حلالا أو أحل حراما ” .
5 – تطبيقات القاعدة :
لهذه القاعدة تطبيقات عديدة في شتى أبواب المعاملات ولكن نكتفي بالتمثيل لما يمكن أن يكون داخلا تحتها في أحكام الأسرة :
لو شرط الولي على الزوج أن لا يطأ ابنته فشرطه باطل لأنه يمنع مقصود النكاح
اشتراط عدم المهر في النكاح شرط باطل يخالف مقتضى عقد النكاح
إذا اشترط أن يطلق زوجته إذا أحلها فهو شرط حرام وباطل بالاتفاق
إذا اشترط الطلاق في العقد بعد أجل فإن الشرط باطل
أما مدونة الأسرة المغربية ففيها كثير من الشروط وردت في أحكام عديدة أغلبها إن لم أقل كلها يندرج تحت هذه القاعدة إلا مسائل يسيرة فيها اختلاف بين الفقهاء .
وقد أشارت المادة 11 من مدونة الأسرة إلى مضمون هذه القاعدة حيث نصت على ما يلي : يشترط في الإيجاب والقبول أن يكونا:
شفويين ……….
متطابقين ………
باتين غير مقيدين بشرط واقف أو فاسخ
وكذلك المادة 13 من المدونة التي تنص على أنه يجب أن تتوفر في عقد الزواج الشروط الآتية : 1 أهلية الزوج والزوجة 2 عدم الاتفاق على إسقاط الصداق 3 ولي الزواج عند الاقتضاء 4 سماع العدلين التصريح بالإيجاب والقبول من الزوجين وتوثيقه 5 انتفاء الموانع الشرعية .
وكذلك المادة 17 التي تتحدث عن شروط الوكالة في الزواج والمادة 23 التي تتحدث عن شروط تزويج المصاب بإعاقة ذهنية والمادة 25 التي عن شروط الولاية في الزواج .
أما المادة 41 فقد تحدثت عن شرط الزوجة في عدم التزوج عليها وهو شرط لازم كما في مذهب أحمد .وغير لازم عند الجمهور .
ثم الشروط الإرادية في المواد 47 و48 و49 فمثلا في المادة 47 نصت على : الشروط كلها ملزمة الا ماخالف احكام العقد ومقاصده وما خالف القواعد الآمرة للقانون فيعتبر باطلا والعقد صحيحا , وهنا أخذت مدونة الاسرة بالمذهب الحنفي الذي يقول يبطل الشرط ويصح الزواج وهذا مستثنى عندهم من القاعدة العامة في المعاوضات المالية كالبيع ” كل شرط فاسد يفسد العقد إلا النكاح ”
وأشارت المدونة في المادة 50 على أن العقد الذي توفرت فيه أركانه وشروط صحته يرتب جميع آثاره والمقصود بأركان العقد وشروط صحته في هذه المادة مارتبت مدونة الأسرة على تخلفه ببطلان العقد أو فساده .


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

اترك رد