نادية صبري: طالبة في سلك الدكتوراه تخصص سوسيولوجيا – جامعة محمد الخامس – المغرب
ملخص الدراسة
ينطلق هذا البحث كغيره من البحوث الأكاديمية من سؤال نظري حول التنمية في المجتمع القروي المغربي والعوائق التي تحول دون تنمية القطاع ألفلاحي خاصة إذا ما اعتبرنا أن السياسة الدولة المغربية متجهة نحو تنمية العالم القروي لان هناك اختلالات كبرى يعرفها المجتمع القروي، لينتسأل حول البنى العقارية للأرض السائدة في المجتمع البحث الذي اتخذنا منطقة بومالن دادس إقليم تنغير جهة درعة تافيلالت نموذجا لما تعرفه المنطقة من إختلالات في التنمية لأنها تسجل أرقاما تراجعية في التنمية بالمقارنة مع باقي مناطق المغرب، ثم الطرق الاستغلال الأرض والتقنيات وصولا الى الأرض كطبيعة إيحائية رمزية ثقافية يضفيها له الإنسان القروي الذي يرتبط بالارض، فقد طرحنا فرضية مفادها أن الثقافة بالمعناه الانتروبوجي تقوم بدور مهم في التنمية فهي محفزة وفاعلة في التنمية اما معرقلة للتنمية وعائق كبير في تحقيقها وحجر عثرة في سيرورة الانسان .
مقدمة :
إنطلق هذا البحث في طرح سؤال نظري يقلق صاحبه ما الذي يحول دون تنمية الفلاحة القروية في المغرب؟ ماهي حدود ارتباط الانسان بالأرض ثقافيا ،اجتماعيا ،بل كذلك اقتصاديا بإعتبارها المورد الرئيسي للساكنة المحلية ،وقد تعتمد عليه الحياة التقليدية للمجتمع القروي المغربي عامة والمجتمع الدادسي خاصة ، لكن هل سنؤمن بهذه العلاقة التقليدية القائمة بين الإنسان والأرض او ان هناك تحولات عرفتها هذه العلاقة مع العلم أن هناك عوامل خارجية ،وتطورات عرفتها المنطقة خاصة في الاونة الاخيرة لهذا انطلق هذ البحث ليستشف أهم بوادر التحول او التطور خاصة في ظل التنمية المحلية التي تعتبر من رهانات المجتمعات السائرة في طريق النمو ،لهذا فالسياسات التنموية التي اعتمدها المجتمع المغربي يصب اهتمامه على المجتمع القروي لما يعرفه من إختلالات على مستويات عدة فبالرغم من وصول الماء والكهرباء او حتى صبيب الأنترنيت الى مجمل مناطق القروية التي من الصعب ان نفصل مابين المدن والقرى اليوم، وتحول مناحي الحياة، لكن مع ذلك فهو مصدر اختلالات كبرى من قبل انها مصدر نسب مهمة من الهجرة الى الضفة الاخرى، او داخل المغرب ،التي تسبب مجموعة من المشاكل للمدن المستقطبة للهجرة منها دور الصفيح ،ظهور مجموعة من الظواهر الانحراف ،الجريمة الى أخره …
فالماذا لا نعيد طرح سؤال الأرض وعلاقته بالإنسان به كمقاربة ثقافية جديدة في التنمية المحلية وهي مقاربة الأرض والاهتمام به لا من حيث طرق توزيعه وكذا أنماط استغلاله، والبنية العقارية للأراضي التي بقيت تطرح عائق أمام تنمية المجتمع القروي في مجمل مناطق المغرب، بإعتبار الارض دائما المورد الاقتصادي لمجمل الساكنة القروية المغربية .
اوالا:مجتمع الدراسة وخصائصه الطبيعية والبشرية :
1. الاطار الجغرافي:
تقع الجماعة الحضرية بومالن دادس داخل نفوذ باشوية بومالن دادس عمالة واقليم تنغير التابعة جهويا الى جهة الى جهة درعة تافيلالت وقد خولت لجماعة بومالن دادس صفة مركز قروي سنة 1964 لترتقي الى مستوى البلدية بمقتضى المرسوم رقم 2.92.468 الصادر سنة 1992 والذي تم تغييره وتتميمه في نفس السنة بالمرسوم المتعلق بتحديد قائمة الدوائر والقيادات والجماعات الحضرية والقروية .
تحد بلدية بومالن دادس من الناحية الشرق والشمال والجنوب جماعة ايت يول ومن الناحية الغرب فتحدها جماعة سوق الخميس دادس كما تمر منها الطريقة الوطنية رقم 10 الرابطة بين ورزازات والراشدية والطريق الجهوية رقم 704 المؤدية الى امسمرير .
أصل التسمية تتفق بعض المراجع المعتمدة على ما لخص اليه Charles de faucauld بقوله يأخذ ” واد دادس منبعه من الاطلس الكبير ويقطع على التوالي مناطق امطغاس أيت عطا ،ايت سدرات دادس ايت احي اشححن ،امغران أيت بودلان ويلتقي مع واد رمي في خانق تاغيا يسمى واد درعة .”
تقع واحات وادي دادس التي تنتمي إليها منطقة البحث وهي بومالن دادس في الجنوب الاوسط من المغرب بين الاطلس الكبير غربا وقمم صاغرو الاطلس الصغير شرقا تجاورها شمالا تدغى وتافيلالت اما من الناحية الجنوبية فتنفتح على درعة والصحراء الافريقية الكبرى .
انطلاقا من هذا التحديد يمكن القول :ان واحات وادي دادس تقع بين مناطق طبيعية وبشرية مهمة ،هكذا تحيط بها قبائل أيت عطا من الشمال الشرقي ومن الشمال الغربي قبائل ايت مرغاد وأيت حديدو ومن الجنوب الغربي قبائل امكون وامغران وكلها قبائل غالبا ما كانت تصطدم فيما بينها عبر التاريخ.
2. الامكانيات الطبيعيية :
إن انفتاح المنطقة على المؤثرات الصحراوية الجافة ثم امتداد الاطلس الكبير من الناحية الغربية ومنع تسرب المؤثرات البحرية التي وان تسربت فانها تمتص من طرف الرياح الصحراوية بالاضافة الى الارتفاع والقارية كلها عوامل جعلت مناخ المنطقة مناخا شبه صحراوي يتميز بقلة التساقطات وعدم انتظامها .
ذلك تتميز منطقة بومالن دادس بمناخ شبه قاري يتسم بالحرارة المرتفعة في فصل الصيف حيث تبلغ ما بين 38و42 في بينما البرودة في فصل الشتاء تنزل الى -3 في شهر يناير ونظرا لبعد المنطقة عن المؤثرات البحرية التي تساهم في تلطيف الجو، فهي منفتحة على الجهة الشرقية التي يسود فيها مناخ قاري.
3. الامكانات البشرية:
أ – التركيبة الاثنية لمجال الدراسة :
ارتبط استقرار بعض القبائل أيت عطا ،الذين ينحدرون من قبائل صنهاجة الصحراء بواحة دادس،بالازمة التي عرفتها المناطق الجنوبية عموما بين القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين ونتائجها على هذه المناطق المجاورة لها .فهذه القبائل التي كانت تعيش على الترحال بجبل صاغرو والاطلس الكبير الشرقي لها علاقات تبادل حيوية مع المستقرين بهذه الواحات،حيث كانت قبائل الرحل تأتي للوحات قصد ترويج منتوجاتهم من صوف وجلود وكذا للحصول على حاجياتهم من المواد الزراعية كالحبوب والثمر،إضافة الى استعمالها لمجالات الواحات للتنقل بين مراعي الصيف والشتاء.
غير أن هذه العلاقات تأثرت بعدة عوامل منها ظهور القبائل العربية المعقلية بالجنوب المغربي مع نهاية القرن الرابع عشر الميلادي فرض سيطرتها على المستقرين بها،حيث استقرت بعض عائلاتها بهذه المناطق .
بدأت القبائل الرحل في خضم هذه الازمة تتكتل فيما بينها من أجل مواجهة الاحداث التأقلم مع احتلال القبائل العربية المعقلية للمراعي الشتوية وحرمانهم من المنتوجات الزراعية التي كانت توفرها الواحات ،حيث تأسست اتحادية ايت عطا بجبل صاغرو وبعدها اتحادية ايتي افلمان بالاطلس الكبير الشرقي ،اذ قامت هذه القبائل بالزحف على الواحات الجنوبية الشرقية للبلاد.
فقبائل ايت عطا انطلقت في عمليات واسعة لتركيز مجالات وجودها وكذا محاولة توسعيه باتجاهين مختلفين،باتجاه الشمال حيث الجبال الاطلسية بمروجها الخضراء وباتجاه الجنوب ،حيث الواحات المعروفة بالزراعة والاستقرار ،حيث انتشروا في المجالات الممتدة بين خط واحات دادس وتودغى وفركلة وغريس شمالا وتافلالت والداورة شرقا ودرعة غربا ،بالإضافة الى تواجد تجمعات لهم بكل من اسكيس وأمسمرير بعالية واحة دادس وكذلك بأزيلال وزاوية أحنصال وواويزخت بالاطلس المتوسط. 1936 Spilmann
تنقسم اتحادية ايت عطا الى خمسة أخماس:
• ايت والال و ايت أونير
• أيت واحليم
• ايت يعزا (ايت خليفة ،أيت الفرنسي )
• أيت اونبكي ايت خباش ،ايت أومناصف .
“ينتمي ايت عطى درعة الى قبائل صنهاجة البربرية ويسمون كذلك بأيت عطا الصحراويين قبل استقرارهم النهائي بدرعة كانوا يتعاطون الانتجاع بين جبال صاغرو والصحراء بل ان هناك عدة فخدات وقبائل تارة تستقر واخرى تطرد اما من طرف المخزن او العناصر الاجتماعية المنافسة لهم” .
تتميز القبائل الامازيغية المغربية وخاصة القبائل العطاوية بمميزات يمكن إجمالها في في عدد من الخصال والميزات الفريدة كالتضامن والتلاحم والتآزر، فمن خلال الرجوع ال الدراسات التي تناولت القبائل الامازيغية المغربية خاصة قبائل أيت عطا نستحضر ما ذهب اليه دافيد هارت David hart حيث استخلص خصائص ومميزات لاحظ ان القبائل العطاوية في جنوب شرق المغرب تعتبر اشرسها على الاطلاق، وتتميز كذلك بالشجاعة وبسالتها في المعارك والوقائع جعلت الكتابة الاستعمارية تعترف بقوة هذه القبائل اذ جعلتها المقياس الاساس للشراسة في المغرب، هذا من ناحية القوة والشجاعة، ليضيف القبطان جورج سبيلمان خصال اخرى يتميز بها الانسان العطاوي القح أنه يتميز بافتخاره الشديد بحسبه ونسبه وبحفاظه على كرامته وشرفه ، ناهيك عن اشتهاره بعزة النفس والتعالي عن كل مذلة وإهانة الى درجة انه يترفع عن كل عمل مهين كالقيام بعمليات الحرث من خلال تأكيد على مسألة وان كانت ورفضهم لاي تدخل اجنبي فهم يتشبتون بعاداتهم وتقاليدهم .
بالاضافة الى هذه المميزات التي يمتاز بها الانسان العطاوي على حد تعبير القطبان جورج سبيلمان ،يتصف المجتمع القبلي العطاوي كذلك بتراتبية واضحة بكونه مجتمعا تراتبيا بإمتياز على اعتبار أنه يتشكل من عناصر بشرية مختلفة فإلى جانب العطاويون الاصل تحدث المصادر التاريخية عن تركيبة إثنية تجمع ما بين الحراطين ،الشرفاء الصلحاء ،فمجال بحثنا لايخلو كذلك من هذه التركيبة الاثنية فنلاحظ حضور كل هذه العناصر المختلفة :
نذكر العطاويون الأصل فهم من بين العناصر التي شاركت في تشكيل القبائل العطاوية منذ انطلاقتها التاريخية ،فهي تعتبر هذه الفئة تنتمي إلى قبائل أيت عطا عن طريق النسب أي أولئك الذين تجمعهم أواصر الدم وعلاقة القرابة العائلية .
كما تستوطن في منطقة البحث فئة من الشرفاء والصلحاء هذه الفئة التي تحضى بنوع من الوقار والاحترام لدى الساكنة، فلا يقتصر تواجدها على مجتمع دون أخر داخل المغرب، بل لازمت المجتمعات المغربية الحضرية والقبلية لقرون طويلة .
كما أن لها دور في السيرورة التاريخية للكيان المغربي ،وذلك بالنظر الى الأدوار الحاسمة التي اضطلعت بها سواء من حيث الوظيفة التحكيمية التي مارستها داخل المجتمعات القبلية .
تتميز هذه العائلات بكونها لاتشارك غالبا في عمليات الإنتاج ،حيث كانت القبائل تفرض لهم هيبات أثناء المناسبات الدينية، فقد تتميز فئة الشرفاء بأنها محايدة دائما في صياغة القوانين العرفية لهذه التجمعات القبلية فإنها أسهمت في إضفاء الوثوقية والمصداقية على المؤسسات القبلية ،من خلال الوصفية التحكمية التي اضطلعت لهذه الفئة ،فهي تحضى كذلك في المنطقة بامتلاكها الأراضي .
اما الفئة الأخيرة التي تعتبر من بين التركيبة الاثنية لمجتمع الدراسة فهي فئة الحراطين التي تمتاز ببشرة سمراء فهي تحضى بمراتب دنيا بعد العطاويون الأصل والشرفاء لكن اختلفت الفرضيات بالنسبة للأصول الحراطين المزارعين الذين استقروا بالواحات الجنوبية الشرقية للمغرب حيث لخصها في صنفين ،إذ هناك من يرى أن الحراطين هم أبناء العبيد القدامى الذين ثم جلبهم من السودان في زمن القوافل التجارية ،ثم هناك من يقول بأنهم من السكان الأصليين للواحات ، فهذه الفئة تتميز غالبا بأنها لا تملك الاراضي لدى ايت عطا فتقتصر بإمتهان حرفة تخماست.
وعموما فإن فئة الحراطين عاشت الظلم والقهر والتهميش والإقصاء ،وظلت دوما ينظر اليها على أنها شريحة للعبيد لا يمكن مساواتها بباقي الفئات الأخرى .كما ان بشرتها السوداء سببت لها الكثير من الإهانة والتحقير ،لان هذه البشرة ارتبطت بنظرة تمييزية عنصرية ،فأصبحت رمزا للعبودية .
ب المميزات الديموغرافية لمجتمع الدراسة:
عرفت الساكنة بومالن دادس تطورا ملحوظا اذ يصل عدد السكان حوالي 9.908 نسمة حسب الإحصاء العام لسكان الذي اجري خلال فترة 1994، لتصل الساكنة مجموعها حوالي 11179 نسمة حسب الاحصاء 2004 ،على مساحة تقدر 79كلم2 ، إما على مستوى الجنس فنسجل ان عدد الإناث يصل إلى 52% في حين ان نسبة الذكور تصل الى 48%.
تتوزع الساكنة إداريا على باشوية بومالن دادس على شكل مجموعة من الدواوير تضم المشيخة اشراحيل الدواوير التالية اقبوب ،ايت يدير ،امزيلن ـايت علي ويحي ،ايت بوالال ترموشت ،ايت عيسى وعلي ـايت سيدي علي ،ايت بومالن ،ايت بويوسف وايت عبدون الحي الاداري ،الحي الجديد ،حي المسيرة ،حي السلام وحي النهضة، تضم جماعة بومالن دادس 17 دوار التي أخذتها كمجال بحثنا هذا، فقد تحولت التسمية من القبائل الى الدواو لكن الى أي حد ثم الوعي بالبعد الدوار او الحي ونفي البعد القبلي لدى الأفراد ؟
اما المشيخة ايت ونير فقد تضم ثلاثة دواير أيت عبد الرحيم ،سليلو ،بومالن، بالنسبة للنشاط الإقتصادي، فإن تمركز السكان بصفة أساسية على ضفاف الوادي لاعتمادهم على النشاط الفلاحي .
وكل هذه القبائل تنتمي إلى قبائل ايت عطا الصحراوية الصنهاجية التي اندرجت ضمن الدراسات الكولونيالية التي اهتمت بدراسة القبائل المغربية فركزت عل ذهنيات قبائلهم وعقليات أبنائهم وتناولتهم من جوانب مختلفة سواء من الناحية التنظيمية والعقدي أو الفيزيولوجي، فوصفت الإنسان العطاوي أعضاء جسمه ،وسجلت أخلاقه وسلوكه وتصرفاته ،فهذا الانسان متعطش للحرية وحبه لاستقلال وهو قليل التفاعل مع التأثيرات الخارجية لان مفهوم التقدم غير موجود في حقل مبادئه على اعتبار ان المجتمع العطاوي بكل شرائحه متشبث كل التشبث بالمقولة لم يترك الأولون لآخرين شيئا .
ثانيا :الانسان والأرض:
لمعرفة علاقة الانسان الدادسي العطاوي بالارض علينا ان نشير الى كيفية إستقراره في المجال لانه الترحال قبل الاستقرار فالارض مصدر الجاه ، وقيمة إقتصادية إجتماعية بل هي أساس إستراتيجي للقوة، ورهان جعل كل قبيلة تعيش عادة بين أراض في المرتفعات او الجبال وفي أرض في المنخفظ او السهل، وكانت الوظيفة الأساسية لأرض توفير الحاجيات الغذائية الضرورية ،وتوفير الشغل للأفراد الجماعات العائلية، وبما أنها الضمانة الأساسية لاستقرار الجماعات القبلية وبقائها، فان هم الإنسان الوحيد هو الحفاظ على الأرض والدفاع عنها وذلك اما بالدخول في عنف مفتوح مع من يحاول استغلالها والتدخل فيها او بإصدار أعراف تمنع تقسيمها وتجزيئها ، ومن الناحية الثقافية كان يضفي عليها دائما طابع القداسة اذ كانت في تصور الجماعة مثل الأم المعطاة التي تغدي الكل وتوحد في ملك الكل، أي في ملك الجماعة وليس في ملك الشخص الواحد،وتعد الأرض كذلك الرأسمال الأساسي لكل غنى محقق وثروة تفوق قيمتها باقي الثروات الأخرى، ولأكثر من ذلك أنها تجسد ثقافة الجماعة القائمة على التضامن كما تلبي حاجياتها وفي مقدمتها الغذاء مما أضفى عليها ميزة فريدة تتجلى في حب وعشق الناس لها .
وفي نفس الحديث عن العلاقة الإنسان القروي بالأرض وارتباطه لها ذكر هنري مندراس المزارع التقليدي يقوم بزراعة حقله الذي ورثه عن ابيه وتعلم عنه الزراعة وياتي تعلمه للزراعة نتيجة ارتباطه الدائم بالأرض وبكل التفاصيل والمعلومات الجزئية المتعلقة بالعمل والإنتاج .انه يسعر بأهمية حقله الذي يعرفه جيدا مثل مايعرف الخالق مخلوقه .
ثالثا :طبيعة البنى العقارية لأراضي في منطقة البحث :
إن النظر الى البنية العقارية السائدة في المنطقة سيسمح بلاشك بتحقيق فهم أدق وأعمق لخاصياتها واستراتجياتها الاقتصادية والاجتماعية فكون الفلاح ما يمتلك الحد الأدنى من الأراضي الضرورية لعيش خلية منزلية يحدد درجة مزاولته للنشاط الفلاحي علاقته بزوجته وأطفاله ،إضافة إلى انتظام او عدم انتظام علاقاته بالوسط الحضري لذا نقترح فيمايلي تقديم المعطيات المتوفرة في هذا المجال.
الجدوال 1:
عدد الاستغلاليات والمساحة الصالحة للزراعة ببومالن دادس
عدد الاستغلاليات النوع
163.5 ه اراضي الملك
7.5ه الحبوس
171 المجموع
المصدر :المركز الجهوي لاستثمار الفلاحي ببومالن دادس ص4
أراضي الملك الخاص :
يتضح من خلال الجدول هيمنة الأراضي الملك في المقابل غياب لأراضي الدولة والجيش التي توجد في مناطق أخرى من مناطق القرى المغربية ، خاصة في مناطق الشمال المغربية التي نجد هذا النوع من الأراضي حيث تتوزع ما بين الأراضي الجيش وأراضي الدولة .. كلها أراضي للزراعة عكس منطقة بحثنا فالأراضي الزراعية مقتصرة على الأملاك الجماعية للقبائل وأصبحت عن طريق الاستغلال الجماعي لتتحول الى الأملاك الفردية الخاصة لأسر، فحسب المقابلات التي قمنا مع المبحوثين فقد تحولت الى أراضي يستغلونها الأفراد وتملك اما عن طريق العرف او الارث فأغلب المستجوبين في هذا البحث يؤكدون انهم لايملكون رسوم تؤكد عن ملكيتهم فقط يقومون بالاستغلال ، وفق ما تمليه الأعراف المحلية وتتم تقسيم الأراضي مابين أفراد القبيلة وذلك عن طريق تحديد كل واحد منهم حدود أرضه عن طريق ( تيكتين ) بمعنى حدود بأشرطة من التربة ما يمكن ان نسجله من خلال البنى العقارية في منطقة البحث بومالن دادس هي هيمنة الأراضي الجماعية للقبائل ،ففي مايتعلق بالأراضي الصالحة للزراعة ،فمن خلال هذا الجدول يوضح نسبة الأراضي في منطقة البحث وكذا نوعيته من خلال كشف للوضعية القانونية والعقارية للأراضي.
الجدول2:
حجم الاستغلاليات لاراضي الزراعية.
القطع متوسط حجم الزراعة
الاستغلاليات
الاراضي الزراعية
حجم الاستغلاليات
% عددها % % ه
54.01 1830 0.35 50.17 281 53.21 91 0 الى0.5ه
28.23 980 0.20 46.42 260 29.23 50 من 0. 1 ه
11.97 406 1.30 2.67 15 11.69 20 1الى 2 ه
5.01 170 2.5 0.71 4 5.84 10 2الى 5 ه
_ اكثر من 5ه
3388 560 171 المجموع
مصدر المعطيات :المركز الجهوي للاسثمار الفلاحي ببومالن دادس
يتضح من خلال هذا الجدول صغر حجم الاستغلاليات الزراعية بمنطقة البحث فنسبة الاستغلاليات التي لا تتجاوز 0.5 هكتار تشكل حوالي 53.21% من المساحة الصالحة للزراعة ،اما فيما يخص الاستغلالية ما بين 2الى 5 هكتار فقد تشكل حوالي 5.84% أما بالنسبة ل أكثر من 5 هكتارات فهي مغيبة تماما مما يبين ضيق الاستغلاليات الزراعية عرفت ملكية الأرض في منطقة البحث عدة تحولات فالأولى كانت ارتباطها بالماء وكان لعدة سنوات رهين بالقانون العرفي والوراثة بحيث” يقول احد المبحوثين (ع.ل) لقد حصلت على هذه الأراضي عن طريق الوراثة فاصلها كانت أراضي الجموع أي أراضي للقبيلة وقد يتم استغلالها من طرف الأشخاص الأولين وكنا نحن ورثنا عنهم ونسير على منوالهم أي الوراثة أباء عن الجد حتى جيلنا الحالي” . من هذا نقول بان أصل الملكية في منطقة بحثنا تعود بالأساس إلى الوراثة والتمليك العرفي ويهم الأملاك الفردية والعائلية ،كانت في السابق تستغل استغلالا جماعيا ويعد تقسيمات متتالية للأراضي الجماعية العائدة للأخماس ،او القبائل الفخدات والعائلات، ولم تكن أراضي الملك موجودة في السيرورة التاريخية الأولى للقبائل العطاوية، لان هذه القبائل كانت الى غاية القرن الخامس عشر الميلادي في طور التشكل والنشأة.
لأن الأرض أولا وقبل كل شيء إنتاج لا ينقطع والفرد في المجتمع الزراعي يداوم وجوده في الأرض الزراعية ويزاول عمله فيها منذ الطفولة حيث تعلم الحراثة مثلما تعلم باقي القيم والمعارف والسلوكات الحياتية الاجتماعية كاللغة وقواعد التهذيب والأخلاق وكل أمر أو فعل يهدف إلى فصل العمل الزراعي عن باقي الأنشطة والسلوكات الاجتماعية الأخرى ،يعتبر خرقا للنظام الاجتماعي العام القائم على التأليفية كإحدى قواعد ومرتكزات الحياة الاجتماعية العائلية .
لكن هذه الصورة القزمية التي تظهر عليها البنية العقارية والتي تعيق اية تنمية فلاحية تنسجم مع الوسط وما يوفره من امكانيات مائية فحجم الأرض ينسجم وتقنيات السقي فقد تستعمل تقنيات تقليدية تتمثل في (اكوك ) بالامازيغية هو عبارة عن سد ترابي تقيمه القبائل في عرض النهر للرفع من منسوب الماء حتى يمكنه أن بنساب عبر الساقية التي تتجاوز طولها في غالب الأحيان عدة كيلومترات ويتم بناء أكوك بطريقة جماعية بين اعضاء القبيلة وغالبا ماتجرف الفيضانات الكبرى هذه السدود الاعتراضية ،وتهدم معها فم الساقية (ايمي نتركا) ، أي تقوم أعضاء القبيلة بحسر ماء الواد الذي في مكان ما بطرق تقليدية باستعمال الأشواك، فهذه التقنية التقليدية لاتسمح بسقي مساحات تتعدى هكتار واحد ،وهذا ما يجعل الأرض انعكاسا لإمكانيات المائية ،ان هذه الصورة تجعل الفلاح يقسم حيازته الى قطع تسمى ب (أكمون) أي الحقل يزرع في كل منها أنواعا مختلفة من المزرعات ،وهذا ما استخلصناه من البحث الميداني ومن المبحوثين (م ل) انا فلاح من المنطقة أملاك 10 من العشر وفي كل عشر من الأرض أقوم بغرس فيه شيء عشر فية الفصة العلفية للبهائم والثمر ،والزيتون ، اللوز …. أي اقوم بتنوع في المغروسات .
ويربط بين الجزء والأخر بمصاريف صغيرة لتسهيل عملية الاستفادة من هذا العنصر المقلل والتحكم فيه دون ضياعه ،ضمن مستهد قائم على اقتصاد الندرة وعلى البحث المستمر على نقطة من الماء ،كما أن الصورة التي تظهر عليها ملكية الأرض هي انعكاس لنوعية التراتبية التي يعرفها البناء الاجتماعي ذلك أن امتلاك عدد كبير من الأرض ظل في صورة الشرفاء وبعض أعيان المنطقة لكن ظلت فئة الحراطين والعبيد اقل امتلاك لأرض.
إن وضعية الاستقرار هذه ستجعل القبيلة تنتقل نسبيا من الاستغلال الجماعي للأرض الى الانتفاع الفردي ،والحق في التملك تفاديا للنزعات والتوترات ،غير أن الانتقال من الملكية الجماعية الى الملكية الفردية لأرض لم يتم بشكل نهائي بل مازالت مجموعة من الأراضي القبيلة تحتفظ بنظامها القديم كأرض جماعية ، فقد نشير الى البنية العقارية في المنطقة البحث لاتقتصر على الملكية الخاصة التي تتسم بها الأراضي الفلاحية فإلى جانب أراضي الخاصة فقد نجد أراضي في ملك الجماعة او مايسمى بأراضي السلالية فكل اغرم او قصر له أراضي جماعية خاصة يتم استغلالها جماعيا لكن عرف هذا النوع من الأراضي عدة تحولات في القوانين المنظمة له من فترة الحماية الي فترة الاستقلال الدولة المغربية لهذا سوف نتحدث أولا عن القوانين المنظمة لهذه الأراضي ثم بعد ذلك سأتطرق الى مميزاتها في منطقة البحث وماهي التحولات التي عرفتها هذا النوع من الأراضي من خلال سيرورتها التاريخية ؟
أراضي الجموع :
أراضي الجموع تعتبر ملكا خاصا للجماعة او القبيلة وهي من الناحية التنظيمية تخضع لمجلس الوصاية التابع لوزارة الداخلية لكن الاشراف يرجع الى أعضاء القبيلة او الجماعة وهي ملكيات لا تقبل الحجز او تفويت حيث تخضع في تسيرها لمقتضى ظهير 26 رجب 1337/27 ابريل 1919،وتملكها الجماعات السلالية في شكل قبائل او مجموعة قبائل او فخدات او عشائر ،ويعتبر استمرارها من مظاهر الحفاظ على الاستغلال الجماعي للأرض وفق الأعراف المحلية التي تقتصر أدوارها على ضبط شؤون هذه الأراضي .
وفي سياق الإهتمام بالعالم القروي الذي توجد فيه غالبية هذه الأراضي وبالتنمية الشمولية ،تطرح ضرورة الاستغلال العقلاني لاراضي الجموع وتكييف هذا الإستغلال بما يتماشى مع اولويات التنمية ومتطلباتها .
ففي السابق كان إهتمام بالنسبة النشاط الفلاحي رعيا وزراعة اما في الوقت الراهن فقد تعددت مظاهر استغلالها ،فالنمو الديموغرافي وتنوع حاجيات الفرد ،طورا مظاهر الاستغلال ليضم إضافة الى النشاط الفلاحي ،السكن ،محل العمل والتمدرس ومكان العبادة ،والسياحة الى غير ذلك من أوجه الاستغلال.
ومن باب التاريخ للترسانة القانونية المنظمة لاراضي الجموع نميز بين مرحلتين تاريختين وهما مرحلة الحماية ومرحلة الاستقلال المغرب .
أ_فترة الحماية :
إن النظام الجماعي الذي كان سائدا في المغرب قبل دخول الحماية يتميز بطابع التضامن والتكافل الاجتماعي،ان كل فرد في الجماعة كان يتصرف في جزء من الأرض الجماعية الصالحة للفلاحة ،في حين أراضي الرعي ظلت مشتركة بين جميع أفراد القبيلة مثل حرم الدوار ،حرم المسجد ،حرم البئر المشتركة ،ولم يكن يجرأ أي احد من أفراد الجماعة على التطاول على الجزء الذي يتصرف فيه الأخر .
الا انه في ظل الفوضى الذي شهدها المغرب في بداية القرن 20،اثناء دخول الحماية سارع سكان القبائل المستوطنة في السهول الى اقامة رسوم الملكية لاراضي الجماعية الذي ينتفعون بها في اطار القبيلة ،وذهب أعيان وشيوخ القبائل الى إقامة رسوم الملكية حتى لأراضي الجماعية التي يتصرف فيها أحد من الافراد القبيلة .
فقد تمت مجموعة من النصوص حول تطور قياس هذه المشكلة ونوردها حسب التسلسل التاريخي التالي:
المنشور الصادر بتاريخ فاتح نونبر 1912 عن الصدر الأعظم الى الباشوات والقواد والقضاة يمنع فيه تفويت الاراضي الجماعية ،ويلح على بقاءها جماعية خاضعة للعرف والعادات المحلية .
المنشور الصادر بتاريخ 6 مارس 1914 الذي يمنع على القضاة تحرير رسوم تمليك الاراضي الجماعية كما ينص على عدم قابلية هذه الاراضي للبيع .
الظهير الصادر بتاريخ 7 يوليوز 1914 المتعلق بملك العائلي الذي الزم القضاة قبل منح الاذن بتحرير عقد الملكية بتوجيه بطاقة الى القائد ليقوم بالبحث هل الارض موضوع الاذن يكتسي طابعيا جماعيا ،حسبا او مخزنيا من عدمه وهو ما اطلق عليه اسليم التسليم .
وبعد هذا الظهير بدأت فكرة الوصاية تبرز الى الوجود ،حيث صدر قرار وزاري في 23 يناير 1915 يقضي بإنشاء الوصاية على الاملاك الجماعية وتم اعطاء حق تسيرها للكاتب العام للحكومة والقواد والشيوخ .
الظهير الصادر بتاريخ 23 ماي 1916 الذي احدث جماعة القبائل ومنح لها حق التسير لاراضي الجماعية الموجودة بالفخدة او القبيلة .
في 27 ماي 1918 صدر قرار وزاري يعهد لمدير شؤون القروية بمهة السهر على الأملاك الجماعية واحث مصلحة الوصاية عليها .
ظهير 27 أبريل 1919 بشأن تنظيم الوصاية الادارية على الجماعات وضبط تدبير شؤون الاملاك الجماعية وتفويتها
ظهير 18 فبراير 1924 المتعلق بتحديد الاراضي الجماعية
ظهير 1941 الذي اجاز الكراء الطويل الامد لاراضي الجموع وتفويت حق الانتفاع الدائم .
ظهير 9 مارس 1951 الذي اقر امكانية تفويت اراضي الجموع الواقعة بالمراكز الحضرية وضواحيها ودوائرها لفائدة الافراد والدولة والجماعات القروية .
ظهير 19 مارس 1951 بشأن ضابط لتدبير شؤون الاملاك الجماعية وتفويتها
بعد الاستقلال ستعمل السلطات المغربية على وضع مجموعة من القوانين لاضفاء طابع المغربة على الاطار التنظيمي لهذا الرصيد العقاري والغاء مجموعة من النصوص التي وضعت من طرف السلطات الحماية لتسهيل الاستيلاء على الاراضي الجماعية من طرف المعمرين .
ب_ فترة الاستقلال:
بعد حصول المغرب على الاستقلال كان اول اجراء قامت به السلطات المغربية هو اصدار ظهير المغرب الجديدة وبالخصوص على مستوى تشكيل الوصاية حتى اصبح المجلس يتكون من وزير الداخلية او نائبه رئيسا ،اضافة الى الاعضاء التاليين :
وزير الفلاحة والغابات او نائبه
مدير الشؤون السياسية بوزارة الداخلية او نائبه
مدير الشؤون الادارية بوزارة الداخلية او نائبه
عضوان إثنان يتم تعينهما من طرف وزير الداخلية
وسنرى فيما بعد ان تشكلية مجلس الوصاية قد طرأ عليها تغيير يعود الى تغيير اسماء الهياكل الادارية المغربية ،مثل وزارة الفلاحة والصيد البحري عوض وزارة الفلاحة ولغابات ومدير الشؤون الداخلية عوض مدير الشؤون السياسية .
ولحماية الأراضي الجماعية من أي اعتداء قد يطالها ثم إصدار ظهير 9 ماي 1959 الذي يتعلقبفسخ العقود الممنوحة بموجبها حقوق الانتفاع الدائم من العقارات الجماعية ومراجعة عقود اكريتها المبرمة الامد الطويل .
ثم صدر ظهير 30 يونيو 1960 الذي فسخ التفويتات المجراة بشان الاراضي الجماعية اعتمادا على ظهير 9 مارس 1951 .
ظهير 6 فبراير 1963 الذي غير بعض فصول ظهير 27 ابريل 1919 ونظم مسطرة التقاضي بشان اراضي الجموع .
ظهير 25 يوليوز 1963 المتعلق باسترجاع الاراضي الجماعية التي كانت ملكا للمعمرين .
ظهير اخر 25 يوليوز 1969 الخاص بالأراضي الجماعية داخل دوائر الري، ثم صدر ظهير أخر من نفس السنة المتعلق بالمحافظة على المياه في الاراضي الجماعية الواقعة داخل النواحي الشبه الجافة.
ليبقى قانون 27 ابريل 1919 هو أهم قانون منظم للأراضي الجماعية .
لنخلص الى أن رجوعنا لهذه الكونولوجية التاريخية المتعلقة بالقوانين المنظمة لأراضي الجموع تعد مسألة أساسية لتوضيح ماهي العلاقة ما بين أهم الظهائر المنظمة لأراضي الجماعية خاصة بالأعراف المحلية التي تقوم القبائل بإعتمادها في تقسيم أراضيها؟
وهل تتم فعلا العمل بهذه القوانين ام لا ؟ وما علاقة ذلك بالتنمية المحلية ؟
عرفت الاراضي الجموع التي توجود غالبها في الجماعات القروية تطورا ملحوظا بداية مع الحماية الفرنسية ووصولا الى الاستقلال لانه لايمكن فهم وتفسير تطور الاراضي الجموع دون الرجوع الى المسألة القانونية، فهذه المحطة لابد منها لسرد اهم التطورات التي عرفها هذا النوع من الاراضي خاصة فعندما يتعلق الأمر بالأراضي الجموع او أراضي السلالية كما يسميها البعض والتي عرفت عدة مشاكل على مستوى تعقد المسطرة القانونية المنظمة لهذا النوع من الاراضي، بالاضافة الى كون هذا النوع أيضا مازال الى حد الان يعرف صراعات ونزاعات بين مجموعة من القبائل بخصوص هذه الاراضي وكذا الصراعات القبيلية الموجودة حاليا في منطقة بحثنا يمكن الاستعانة في عملنا الميدان خاصة اثناء مقابلاتنا مع نائب اراضي الجموع لقبيلة سليلو خمس ايت عطا . يؤكد على مسالة الصراع القديمة بين قبيلة سليلو وقبيلة ايت جدى ولم يحل هذا الصراع لحد الان على تلك الاراضي”، لكن الغريب في الامر هو ان الدولة او الوزراة الداخلية الوصية على هذه الاراضي اشيرت في فصل من ظهير شريف لا يمكن للقبائل وغيرهم من العشائر الاصلية ان يتصرفوا بحقوق الملكية على الاراضي المعدة للحرث او لرعي المواشي المشتركة بينهم حسب العوائد المألوفة في الاستغلال والتصرف الا تحت ولاية الدولة.
وتتمثل الاراضي الجماعية رصيدا عقاريا تقدر مساحته ما يناهز 10 مليون هكتار تتوزع على مليون هكتار من الاراضي الزراعية و 9 مليون من المساحات الرعوية ،وتمثل اراضي الجموع 18% من مجموع الاراضي الفلاحية المغربية .
ان تدبير هذه الاراضي يتم بشكل جماعي عن طريق مؤسسة الجماعة كبنية مؤطرة داخل القبيلة،
هذه الاراضي التي تتواجد في منطقة البحث تعرف بعدة تسميات فقد يطلق عليها الساكنة المحلية “أنبد ” وفي مناطق اخرى تودغى تسمى الاراضي الرعوية او اكدلان (اكدال ) فهي في الغالب الاحيان بعيدة عن مساكن القبائل التي تستغلها ،ثم الاراضي الرعوية القريبة من المساكن وتسمى ب أمردول أي الارض القاحلة غير المستغلة في الزراعة وهي مورد الساكنة المحلية الاساسي سواء على صعيد الرعي، والتي تقوم نساء القبائل فيما قبل في جلب الحطب للطهي قبل دخول الغاز الى بيوتهم، والحصول على الحطب.
يمكن التمييز في منطقة بين الملكيات الجماعية وتتكون أساسا من اراضي البور سواء داخل الواحة أو الضواحي الاودية المشكلة للمجال الرعوي وهي غالبا ما تخضع لعملية التقسيم عند موسم الحرث ؛ حيث أن كل شيخ القبيلة له الحق في تاكورت التي لن تخضع للبيع الا داخل أفراد القبيلة فقط .
ونجد الاراضي الجماعية غير الخاضعة للتقسيم وتكون إما ملكا لآباء والأجداد الذين لم يخضعوها للتجزئة ،وإما تكون مشتركة ما بين العناصر العطاوية والعناصر الحرطانية ولم تقسم أصلا ،فبقيت خاضعة لهذه الصفة .
كل ما يمكن تسجيله من خلال هذا النوع من الأراضي الذي يعرف تحولات على المستويات عدة سواء القانونية والاجتماعية ،الاقتصادية ، والتي يمكن ارجاعه أولا الى قانون المنظم لهذا النوع من الأراضي التي يعود الى فترة الحماية الفرنسية ،لان ربط هذا الجانب بالتنمية المحلية فقد تستدعي ان نكشف عن الغموض الذي ساد القانون المنظم لاراضي الجماعية ،لتشجيع الاستثمارات والمشاريع التنموية فق اراضي الجموع لان ابقاءها خالية ومحط نزاع بين القبائل يشكل عائقا امام أي تنمية مرتقبة.
بالاضافة الى انه ثمة المزج مابين القانون والعرف المحلي الذي يتحكم في تقسيم هذه الاراضي فيما بين القبائل ايت عطا فقد يتم تقطيع الاراضي عن طريق تاكورت أي وحدة التقسيم المعتمدة داخل القبائل والتي هي غاية الدقة والضبط ،حيث تحوز كل عائلة أو فخدة قبلية على النصيب الذي تستحقه، وتراعي في عملية التقسيم مجموعة من الشروط والاعتبارات منها ان تكون الارض عل طول الاودية ،فتقسم الى جزء أعلى ،وأخر وسط ،وثالث منخفض .وكل قسم تراعي فيه مساحته ،طبيعة تربته ،مدى خصوبته وظروف الماء فيه ،مثل عمق الفرشة المائية ،وصعوبته استخراجها .
وتختلف مساحة تاكورت من منطقة لاخرى حسب مساحة الملكيات وتبعا لعدد الأسر والفخدات أو القبائل والأخماس المشاركة فيها .اذ نقف في هذا الصدد عند منطقة بحثنا بومالن دادس حيث نجد ان وحدة قياسهم لارض تتم بالعشر أي امتداد يتراوح 2 و7 عشر ، هذا العرف نجده عند أيت العطا المزارعين وهي تعادل 16م2 أي حوالي 4/1 هكتار وهناك من الفلاحين من يملك في المنطقة 10 أعشار” الوحدة المعتمدة لقياس الأراضي في المنطقة بومالن دادس وتتمثل في العشر ” وهو ما يماثل الأر من الأراضي المسقية .
أما على المستوى الاجتماعي اذا ربطناه بالصراع الذي تعرفه القبائل ايت عطا حول هذه الاراضي فهي تعتبر قضية الارض مسألة حساسة بالنسبة للفرد، لذلك فكل تمويه او تحايل في هذا الشأن ،قد يفجر صراعا داخليا فيما بين المجموعات القبلية ،الشيء الذي يفرض التعامل بصرامة وواقعية كبيرتين مع قضية التقسيم الاراضي ،التي يتم فيها ابعاد المرأة بصفة مطلقة ويتم استحضار فقط العناصر الذكورية و يمكن تفسير هذه المسألة بأن عدم إشراك المرأة في عملية تقسيم الارض وتهميشها يعني انها عندما تتزوج لا يجب ان تنتقل ملكية من عائلة الى اخرى وتتم ابعاد المرأة لتبقى الأرض في نفس العشيرة والفخدة لا تخرج عنها.
كما تعرف المنطقة وجود اراضي الحبوس وهي عبارة عن عقارات وقفية عديدة ومتنوعة وهي على نوعين ،أراضي الأحباس المساجد وأراضي الاحباس الزوايا .
أراضي الأحباس :
يقتصر تواجد أراضي الأحباس على مشارات زراعية محدودة على ضفتي واد دادس التي اوقفها اصحابها لفائدة المنفعة العامة ،ويتم حاليا كرائها لمدة معينة موسم قابل للتجديد بأثمنة محدودة حسب موقعها وجودة تربتها، وترجع عائدات هذه الحقول الزراعية الى خزينة المسجد الذي يعتبر بدوره من الاحباس العامة التي تدبرها وزراة الاوقاف والشؤون الاسلامية وهي غير قابلة للتملك بالتقادم او الحجز عليها او التفويت ،وقد يكون المحبس سلطة مخزنية او افراد من ذوي النفوذ والعلم او خصا عاديا وقد اتسع هذا الشكل العقاري مع إقدام المخزن على وقف ريع عدد من اراضيه لفائدة بعض الشرفاء والصلحاء والزوايا ،في اطار تدعيم المشروعية الدينية للسلطان من جهة وتقوية التحالفات مع مختلف مكونات النسق السياسي من جهة ثانية . وتقدر ب 7.5 هكتار بنسبة %4.93 من مجموع اراضي المنطقة .
رابعا: الاستغلال وانواع الانتاج :
1. أنواع الانتاج :
تعرف بنية الاستغلال الارض تفاوتا من حيث تكثيف والكمية وذلك ارتباطا بالتباينات المائية فكل المحطات الزراعية تعرف ارتباطا بشبكة من مياه السقي ،كما ان عملية التكثيف تتباين حسب ماتظهره تقارير المركز الجهوي لاستثمار الفلاحي بالمنطقة تبعا لامكانات المائية للحيازة وبنوع السنة اهي رطبة ام جافة ،لكن عموما تظل نسبة مساحة الاستغلاليات الصالحة للزراعة من مجموع الاراضي 165 هكتار .
اما من حيث المزروعات ،فقد تخصص المزروعات المخصصة لتلبية حاجيات الغذائية للفلاح ويخصص جزء للتسويق واما القسم الثاني يشمل المزروعات العلفية وتشمل على الخصوص الفصة من اجل تلبية حاجات الماشية كقطاع تكميلي في الاقتصاد الفلاحي بالمنطقة ويراعي اختيار المزروعات مايتلاءم وخصوصيات التربة والامكانيات المائية الموجودة في المنطقة والى التوارث التاريخي لمجموعة من المزروعات التي يمكن اجمالها في الانواع التالية :
أ_الحبوب :
ويشمل القمح بنوعيه الصلب والطري ،الشعير والذرة وياتي في مقدمتها القمح حيث يشكل مساحة تقدر ب125 هكتار وبمردودية تقدر ب 48 قنطار من حيث الاهمية الشعير بمساحة تقدر ب 15 هكتار وبمردودية 40 قنطار،وتعرف المنطقة سيادة القمح المحلي الذي يتأقلم مع معطيات البيئية وبخصوص البذور فان الفلاحين يقومون اليوم بحرص شديد على اختيار زريعة القمح حيث يتم البعض باختزالها بعد المسم الحصاد ايمانا منهم بأن النوع المحلي هو الاكثر ملائمة مع المعطيات البيئية لمجالهم وهذا التراكم التاريخي في زراعة الحبوب هو الذي يفسر لنا اليوم مدى ارتباط المشهد الزراعي بهذه المادة وخاصة تجربة فلاح المنطقة عموما في زراعة القمح.
ب_الخضروات :
تعرف زراعة الخضروات مجالا ضعيف بالمقارنة مع الحبوب وهذا راجع الى ضعف الامكانات المائية وضعف الوسائل التقنية المستعملة الى عامل قساوة الطبيعة، المتمثلة في الرياح الجافة ،الحرارة التي تضر ببعض الخضروات اضافة الى اعتماد التسميد التقليدي المقتصر على مخالفات الماشية ويمكن حصر أهم المزروعات من الخضر في الانواع الاتية :الجزر،البصل ،اللفت ،الطماطم ،الكرعة منتوجات صيفية اضافة الى مزروعات اخرى كالبطيخ المحلي الذي يسمى بالمنون .
ج_الزراعة العلفية الفصة :
أما بالنسبة للزراعات العلفية فانها تتمثل اساسا في نوع الفصة التي تتأقلم مع المناخ وتعطي محصولا جيدا لكنها تبقى الى جانب الخضروات من المزروعات الاكثر استهلاكا للماء خاصة ادا علمنا ان 80 طن من نبات الفصة الخضراء يتكون من 64 كن من الماء ،لذلك فهي تنتشر مجاليا في الاماكن التي تعرف وفرة في المياه كما انها تعرف سيادة الاصناف المحلية ،يتميز لمقاومة الملوحة اضافة الى دورها في تخصيب الارض ،حيث اختيار هذه الزراعة لانسجامها مع خصوصية التربة المحلية ،الى جانب اعتمادها كمادة علفية تقدم أساسا في تغدية الماشية .
وقد تصل المساحة المخصصة للفصة في 25 هكتار وتصل نسبة المردودية 39 طن ويرجع هذا الرقم في انتشار زراعة الفصة لايوجد الا في المشارات التي بها ساقية دائمة الجريان.
تظل كل المزروعات التي تشكل المشهد الزراعي في واحة دادس كلها زراعات قائمة على الكفاف وعلى تحقيق الحاجيات المعيشة للفلاح فحدودية المشهد الزراعي يرتبط ببنية الارض وبمستوى المياه ،لذلك فكل اختيارات الفلاح الزراعية تأتي استجابة لمكونات البنية وماتطرحه من اكراهات ،تولدت عنها سلوكات زراعية تمثل في أغلبها الارث الزراعي الواحي ،فقلة الماء ونقص التقنيات وعتاقة الاداة الزراعية ،لم تقف امام الممارسة بل ولدت كما يسميها “الباحث الطايعي مبارك” حنكة في العمل الزراعي فالبرغم من قساوة التي تطرحها طبيعة الارض وماتعرفه من عقم في التربة فقد تولدت معها اليات التخصيب شكلت على مدار التاريخ الزراعي الانسان الواحي حنكة الفلاح وتعلقه بالارض ،مما افرز نوع ملائمة من المزروعات تمثلت في القمح وانواع من الخضروات المحلية الى جانب الشجر التين او مايعرف محاليا تزارت (الكرموس ) وكلها زراعات اثبتت درجة عالية من المقاومة لعقم التربة لمشكل الملوحة وتمثل اليوم الارث الزراعي للواحة.
د_ نظام تربية الماشية :
في إطار الفلاحة المعاشية يدمج الفلاح بين الزراعة وتربية الماشية لذلك يكون أحد النشاطين على الاخر واضحا ذلك ان تربية الماشية في هذه البيئة القاسية متطلبات غذائية لاتتوفرها سوى الزراعة ،وبذلك تساهم الماشية حسب عددها او نوعها في توسيع المجال الزراعي رغم المجهودات الفلاح لتلبية الحاجيات الغذائية للمواشي فإنه يضطر الى الاعتماد على السوق لشراء مواد كليئة مكملة .
نلاحظ ان كل اسرة ببومالن دادس لا تخرج عن هذا النمط من النشاط الفلاحي الذي تزاوج بين الزراعة وتربية الماشية فقد تعتبر جزءا من النشاط البشري ككل ،اذ تتكامل مع الزراعة في اطار فلاحة معاشية تستجيب للمتطلبات الذاتية للفلاح، مع العلم انه تتفق معظم الدراسات حول الواحات المغربية الى هذه الازدواجية ابين الاعتماد على الزراعة وتربية الماشية فالتكامل بينهما المجال الواحات أمر لا جدال فيه، وهذا ما ذهب اليه كذلك الباحث عبد الكبير باهني من خلال دراسته لواحة فزواطة “حيث اشار الى ان تربية الماشية حالها كحال الاراضي فقد تعرف تركزا لدى كبار الفلاحين فمن خلال الاحصائيات التي قدمها بحيث ان 11.4% من المربيين يتوفرون على 55.31% من حجم القطيع “.
فالعودة الى تاريخ هذه القبائل المستوطنة في بومالن من أيت عطا التي إختبرت الترحال قبل ان تستقر نهائيا وتعتمد عل الفلاحة الى جانب تربية الماشية ، فمن خلال الزراعة التي تقوم بها التي يتم استخلاصها من المزارع الفصة ،والاعشاب والتبن وكذا ببعض المواد العلفية الاخرى كالشمندر والنخالة والشعير بهدف الزيادة في الانتاج ،بحث اصبح الفلاحون يميلون أكثر فأكثر لشراء الابقار وذلك من أجل الزيادة في انتاج الحليب ومشتقاته .
أما الأغنام والماعز فقد يؤكد “المبحوث خلال مقابلة معه اذ يحكي أن السكان كانوا يتوفرون على أعداد كبيرة من الأغنام والماعز التي كان يتم رعيها في المراعي الجماعية الشاسعة ،عن طريق تعيين راعي جماعي مقابل أجر غالبا مايكون جزءا من انتاج هذه الماشية “،لكن مقابل هذا التراجع عرف صنف الأغنام تحسنا من حيث النوع ،حيث اصبح بعض السكان يهتمون ببعض الأصناف المحسنة ،خاصة صنف الدمان التي تعطي مردودية أحسن والتي تصل في التوسط الى ثلاث خرفان في كل ولادة .
اما فيما يخص أسلوب تربية الماشية ونظام التغدية فقد يرتبط تربيتها بإقتصاد الواحة حيث يخصص الفلاحون جزءا مهما من المجال الزراعي للمزروعات الكليئة وخاصة الفصة ،وتتم هذه التربية في اسطبلات تقليدية وتمنح المواد العلفية ،(الفصة ، علف الشمنذر ، التبن ، النخالة …) للمواشي التي يمكن ان تستفيد من الحصاد ومن بعض المراعي القريبة خلال فصل الربيع .
2. أنماط الإستغلال
كما ان طرق طرق الإستغلال التي عرفتها الحياة الزراعية بالمنطقة لم تخرج هي الاخرى عن طبيعة بنية الأرض والى صورة العلاقات التي انتظمت حولها حيث شكلت صورة استغلال الارض انعكاسا للصورة التي تظهر عليها بنية التملك التي هي بدورها انعكاسا للبنية الاجتماعية وما تفرزه من أشكال تنظيمية على المجال لذلك فقد خضعت الاراضي الفلاحية لنوعين من الإستغلال :
1_2 الإستغلال المباشر :
بالنسبة لنوع الأول يتميز بمباشرة صاحب الارض استغلالها بنفسه او الاستعانة بافراد عائلته ولايفهم من هذا النمط انه يمثل نموذجا لاستغلالية العائلية التي تتحدث عنه الدراسات الاقتصادية المتعلقة بالعالم الزراعي كدراسة شيانوف ،فعلى الرغم من الطابع العائلي الذي يكتسيه استغلال الارض في هذا النموذج لاعتباراتها تستعمل يد عاملة عائلية فهي لاتصل الى ذلك التوازن بين العمل والانتاج الذي تتحدث عنه الدراسات التي تناولت الاقتصاد الفلاحي العائلي، لذلك فأغلب الفلاحين الذين يباشرون العمل الزراعي بأنفسهم يملكون ضيعات صغيرة ويقتصرون على زراعتها الى بعض المزروعات المعيشية التي لاتسمح لهم بالفائض ،الادخار ان العمل المنجز من قبل الفلاح في مثل هذا النوع من الاستغلال لايصل كما تقول رحمة بورقية الى الحدود القصوى لما يمكن ان ينجز في الحقل وبالتالي لايصل الى انتزاع الكافي لتسديد حاجيات الاسرة .
أما الإستغلال الثاني وهو الاستغلال عن طريق نظام الخماسة او تخماست ويشكل هذا النوع من النظام الاكثر شيوعا في عملية الاستغلال التي عرفتها المنطقة ،كما يعتبر هذا النظام من الطرق التقليدية بالمطبقة في العديد من المناطق في المغرب وقد أثارت هذه الطريقة جدلا فقهيا عميقا فمن الفقهاء من اعتبرها إجارة ومنهم من يعتبرها شركة وما تخلل ذلك من تساؤلات النظرية والعلمية التي افرزتها الاستغلال بهذه الطريقة ترى ماهي حيثيات هذا النظام ؟وكيف شكل الاطار التنظيمي للعلالقات الإنتاج ؟وقبل ذلك ماهو نظام الخماسة او بالأحرى من هو الخماس ؟وماهي مميزاته في منطقة البحث ؟
الخماس والارض الاسس التنظيمية لعلاقات الانتاج :
يختزن نظام الخماسة مجموعة من الروابط التقليدية التي تحكم الإنتاجية ضمن علاقة قائمة بين شخصين مالك الارض والخماس وتقوم هذه العلاقة “كما قال احد المبحوثين (م.ع) علاقة الخماس بصاحب الأرض مبنية اولا على أساس الثقة فقد يؤكد المبحوث ان اختيار الخماس يمكن ان يكون من خارج المنطقة شرط ان يقطن داخل الدوار ،اما علاقة الصراع والخصام يكون في حالة إهمال الخماس الأرض وعدم الاهتمام به وفق مايريده صاحب الارض ويضيف قائلا ان السنوات الاخيرة عرفت تحولا وان صاحب الارض يبحث عن الخماس ولايسأله عن النصف من المحصول او الخمس فقط ما يهم صاحب الارض هو ان يهتم الخماس بالارض ويزرعها لكي لا يكون استثنائيا وسط الدوار “.
فبالاضافة الى نسبة الخمس الذي يحصل عليه الخماس مقابل العمل نجد نوعا من العلاقات تختزن معايير قيمية نجد تفسيرها في منطق النظام الاجتماعي ،لذلك تتضارب التفسيرات والتصنيفات التي اعطيت لمفهوم الخماسة نتيجة تسبيبها ببعض أشكال لتي عرفها النظام الغربي سواء بإعتبارها نموذجا من علاقات الاستغلال ،لذلك نجد ان أغلب الدراسات الكلاسكية حول القطاع الفلاحي المغاربي تتجه في عمومها كما كما يقول بول باسكون في هذا الاتجاه حيث صنف الخماسة ضمن صنف المؤاكراة Metayage الذي يمثل الخمس لكن تشبيه نظام الخماسة بالمؤاكرة أي عقد استئجار الارض الذي يتقاسم من خلاله المستأجر والمؤجر غلتها ،لا يفسر بعمق طبيعة العلاقة بين المالك والخماس ،ذلك ان علاقة بين الفلاح وشريكه الخماس لاتقف عن حدود التعامل الاقتصادي ،بقدر ما يقيم معه روابط شخصية وثيقة ،تنضاف الى العلاقة الاقتصادية ،ان لم نقل تفرغها من محتواها الواقعي وشيوعها في نطاق مايرتبط بها من عناصر الود والممارسة الابوية .
كما ان أساس التي تقوم عليه المؤاكرة تجعل من المالك يضع رهن اشارة الشريك الأرض وأدوات العمل والأسمدة واذا اقتضى الحال بناية السكن ،وعلى الشريك أي المزارع مباشرة العمل على اساس ان يعيد جزء من محصول الانتاج كما ان المؤاكرة تستدعي وجود مردودي طبيعي وتسير مشترك لاستغلالية في حين نجد في نظام تخماست ان المالك هو الذي يعطي للخماس حصة في الانتاج ،كما ان المالك هو الذي يتحكم في الاستغلالية بمافيها جميع العناصر التي ترتبط بعملية الانتاج .
كما أن الخماسة لاتعني تلك العلاقة بين العبد والسيد التي عرفها النظام الفيودالي وان شابهناها ذلك ان الاحساس الذي يشعر به العبد تجاه سيده ليس هو إحساس الخماس تجاه مالك الارض حيث العلاقة بينهما قائمة على نوع الاستقلالية في الاختيار والعمل على الرغم من وجود بعض اشكال الاستغلال الذي يمارسه مالك الارض على الخماس فإن هذا الاخير لم يكن بعيه بهذه الصفة ،فامام المساعدات التي يقدمها له صاحب الملك والحماية التي يوفرها له في كثير من الاحيان ،علاوة على الهدايا التي يمنحها اياه في بعض المناسبات ،كل ذلك الى جانب تقريبه او ادماجه في نطاق العائلة وبفعل هذا الاخفاء الرمزي لم يتمكن الخماسون عموما من اكتشاف العمق الاستغلالي للعلاقة المفروضة عليهم .
إن تحصيل الفهم للعلاقة بين مالك الارض والخماس ليست علاقة صراع أو تضارب بل هي كما يقولالمختار الهراس :علاقة تكاملية أو عائلية تختفي في سياقها الفوارق الموضوعية بما يغلب عليها من ود وثقة متبادلة ولذلك فهي مرتبطة بدرجة او بأخرى بالقيم او المبادئ المشتركة .
اذا كان امر مقارنة العلاقة بين المالك والخماس تكشف عن نوع من العلاقات الاجتماعية نجد تفسيرها داخل البناء الاجتماعي ،مع ما تطرحه من انساق قيمية وتنظيمية افرزت لنا اشكال من العلاقات التنظيمية لانتاج نجد صورتها في طبيعة الانتماء الاجتماعية وفي انماط تقسيم للعمل وهنا نتساءل هل ثمة علاقة بين امتهان حرفة الخماسة ونوع الانتماء الاجتماعية او الصيغة اخرى ما هي الفئة التي تعاطت للخماسة في منطقة البحث ؟
تعتبر فئة الحراطين بالنعت المحلي الفئة التي امتهنت حرفة تخماست نظرا لاحتراف هذه الفئة مهنة الزراعة مما جعل منها المعتمد الذي ارتبطت به الحياة الزراعية بالواحة ،نظرا لخبراتها في الحرث وفي شق قنوات الري السواقي لكن يمكن ان نضيف في هذا الصدد اختلاف بين الفئة التي تمتهن” لتخماست ” من منطقة الى اخرى في جل الواحات المغربية فقد ذكر الباحث “أحمد مزيان” ان الخماس بفجيج لم تكن من اختصاص فئة الحراطين كما هو الحال في منطقة بومالن دادس ،بل يقوم بها كل شيء يرغب في زيادة موارده المعيشية . لكن نشير هنا الى نوع الاختلاف بين الخماسة التي تحدث عنها هذا الباحث ،وبين تلك التي عرفتها منطقة بومالن دادس ، حيث نجد فيها ان الخماس يعمل في الارض ،كما انه يعمل في البيت أيضا ، والذي كان يمارس تخماست إما فئة الحراطين او العبيد فبفعل التحولات التي عرفتها البادية المغربية عموما ومجال بحثنا خصوصا نجد انه بفعل الهجرة الخارجية التي عرفتها المنطقة هي التي ساهمت بشكل او بأخر في تطوير نمط العلاقات السائدة بين الفئات الاجتماعية خاصة بين الاسر العطاوية والحراطين ،لكن قبل ذلك تحدث لنا “مبحوث(م،ه) وقال ان هذه الفئة التي كانت تتعاطى الى هذا النوع من الاستغلال الغير مباشر تبق محصورة اشكال الخماس في الفئة الحراطين بحيث كانت تعمل في الارض وتنقية السواقي فهي لا تملك الارض وتكتفي بالنصف الذي تحصل عليه من طرف المالك لكن ما يمكن ان نستشفه من خلال هذه المقابلة ان هنا تحولا ملحوظا اذ نجد إن الخماس الان يمكن ان يكون من غير الحراطين بل كل من يريد ان يزيد في موارد عيشه “.
ان تفرد فئة الحراطين بالتعاطي للخماسة سنجد تفسيره في المكانة الاجتماعية التي احتلتها هذه الفئة داخل النظام الاجتماعي ،وما ورثته من وضعية تاريخية جعلت منها شريحة تتجاوز في اختصاصها اعمال الحرث والسقي وكل مايتعلق بالعمل الزراعي وعن طريق التوريث أصبحت هذه الفئة الاكثر تعاطيا لتخماست وهنا نستحضر ما ذهب اليه الباحث “عبد الله استيتو” في هذا الاتجاه حين اعتبر ان المكانة الاجتماعية للحراطين تم تحديد معالمها الكبرى عل ضوء علاقات الإنتاج التي كانت تربطهم بباقي الفئات الاخرى ،على اعتبار أنهم كانوا من بين الادوات الهامة التي اعتمدها العطاويون لتنمية ثرواتهم المادية وذلك بتسخيرهم في أعمال اعتبرها الأسياد من أيت عطا دونية . لذلك نجد العديد من الفئات الحرطانية تورث مهنة الخماسة لأبنائها ،خاصة عند الأسر الشريفة وهكذا نسمع الان ان الاسرة الحرطانية الفلانية هم خماسة الاسرة الفلانية ،وهكذا يأخد هذا الارتباط توريثه من الاباء الابناء .
ان استمرار هذا الارتباط وتوريثه ،هو نتيجة لنوع الشعور الذي يختزنه احساس الخماس تجاه الشريف تجاه الشريف مالك الارض ، والذي يتحول الى علاقة اجتماعية حميمية قائمة على التصور الذي يحمله الخماس من فئة الحراطين ،من قيمة تقديرية لشخص الشريف ولنوع نسبة ولمكانته الاجتماعية لذلك نجد في هذا الارتباط نوعا من السرور لدى الخماس لارتباطه بأسرة الشريف بما قد يدر عليه وعل اسرته ذلك من خير وبركة .
إنه ارتباط يتجاوز العلاقة القائمة عل أخذ قسمة من المحصول عند نهاية كل دورة فلاحية ،الى نوع من الاعتقاد القيمي في شخص الشريف ،والذي يتحول الى حب يأخذ بعدا دينيا.
من خلال ما سبق يمكن القول بأن هناك حضور التراتب الاجتماعي على مستوى الملكية الأرض مابين العناصر المشكلة للمجال القبلي المدروس ،نفس الشيء الذي عبر عنه “بول باسكون” حين اعتبر بان التراتب الاجتماعي ظاهرة قديمة ومستمرة ومتكررة بالمجتمعات القروية المغربية ،إذ لم تتغير قواعد توزيع الاراضي الجماعية بين السكان الاصليين والدخلاء من الاجيئين والخماسين والرعاة التي لم يحصلوا أبدا عل ملكية الاراضي وحقوق المياه.
لكن الملاحظ هو أن في السنوات الاخيرة نجد ان عامل الهجرة غيرت من موازن القوى فيما يتعلق بتملك الأرض ومن يخدمها ففيما يتعلق بالفئة التي تمتهن الخماسة في السابق كانت تقتصر فقط على فئة الحراطين، لكن بفعل الهجرة استطعت أن تحسن من مستوى عيش أفرادهم كذلك فهم الان يمتلكون الأراضي داخل القبيلة العطاوية خاصة الأفراد الذين لهم علاقة بالهجرة.
3. الأدوات والتقنيات ومنطقها داخل نظام التطورات الاجتماعية لانتاج :
أما فيما يتعلق بالأدوات المستعملة في الممارسة الزراعية فنذكر المحراث الخشبي الذي يشكل الاداة الغلبة حيث انسجم وحجم الارض المستغلة كما ان امتلاك هذه التقنية كان يشكل مظهرا من مظاهر الغنى بين مجموع فلاحي المنطقة الدوار ،كما يستعمل ادوات اخرى عند عملية قلب الارض واعدادها والتي تستعمل فيهما اداتي الفأس والمسحة ،واذا كان الفأس الكبير يخصص بالأساس للقلب فإن الفأس الصغير يخصص التسوية او مايعرف في الأوساط الزراعية المحلية ب( تاكلزمت ) كما تخصص لتنظيف السواقي والمصارف او تحويل الماء سواء من السواقي بإتجاه الحقول او من داخل الحقل الزراعي نفسه ،ويمكن ان نقارن هذه الاداة بمنطقة درعة بالعتلة (مع تسكين التاء الوسطى ) فقد ذكر احمد البوزيدي أن العتلة كانت متدوالة في درعة وهي اصغر حجم من الفأس وتستعمل في كنس السواقي وتنظيم السقي وتنظيف مصارف الماء.
الى جانب ذلك هناك المنجل الذي كان يستعمل في عملية الحصاد كما تستعمل أداة اخرى وهي المحشة امكور والتي تعرف في مناطق درعة بالشاقورة ويقتصر استعمالها في حش الفصة .
الى جانب هذه التقنيات العتيقة فان العمل الزراعي يقتضي قوة في العمل يعتمد على قوة الحيوان لاسيما البغال التي مثلث قوة مهمة في العمل الفلاحي الى جانب دورهما في التنقل وحمل الاتقال لذلك شكل امتلاك الحيوان العمل كمؤشر على نوع التمايز الاقتصادي .
على الرغم مما شكله وسائل الانتاج من كتافة فانها انسجمت وطبيعة البنية الزراعية فمحدودية المحاطات الزراعية وماتعرفه من تقسيم وحواجز فاصلة اضافة الى كثافة اشجار التين وتكاثرها كلها عوامل حدث من استعمال التقنيات العصرية كالجرار ،كما ان النمط التقليدي للفلاح في ممارسته الزراعية لم يخرج عن ما توارته من اشكال في العمل الزراعي مما يصعب معه تقبل أي تحديث ،الشيء الذي جعل من كل أشكال الإرشاد والتأطير التقني لا تجد صداها بالمنطقة من التجربة الاستعمارية الى حدود الحملات التي يقوم بها المركز الجهوي لاستثمار الفلاحي بالمنطقة .(م،ع)
إن محدودية النشاط الزراعي راجع الى ماسماه احد الباحثين بالعوامل المهيكلة والتي يمكن حصرها في عاملين البنية العقارية المعقدة وطرق الاستغلال واستعمال التقنيات التقليدية ، التي لم يطرأ عليها أي تغيير من العصور الوسطى ،ان الارتباط التقليدي بالاساليب العتيقة في الممارسة الزراعية قد يكون هي السبب في اعاقة أي تنمية فلاحية مما يؤثر بشكل عام عن التنمية المحلية وعن تحسين الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للساكنة المحلية باعتباره رهان التنمية في البلدان العالم الثالث ، لكن قد يستعبد التقني منطق التقنية داخل نظام التصورات الاجتماعية لانتاج فاذا كان استعمال التقنيات الحديثة هو من أجل تحسين المردودية والرفع من الانتاجية والاقتصاد في الجهد المرتبط بالزمن .
فان تصور التقنية كأداة للعمل مرتبط أساس بتصور الفلاح للزمن وللعمل معا هذا التصور الذي يجد تضاربا له مع مايحمله خطاب التقني حول الاداة واليات تطوير الممارسة الزراعية ،ومايمثله نظام التصورات والتمثلات الاجتماعية من مواقف ان الاداة والتقنية من المحراث الخشبي او الحديدي او الجرار هي مبدئيا كما تقول بورقية رحمة علاقات اجتماعية لذلك فسيمولوجية التقنيات في المجتمع المغربي هي شيء لم ينجز بعد من أجل تحليل التقنيات كرموز اجتماعية تميز الفئات ،وهي وسيلة للتفاخر والتمايز الاجتماعي وهذا مايفسر كون أداة المحراث الخشبي لم تكن هي الغالبة في مزاولة العملية الزراعية ،لكن بالاضافة الى الالات والتقنيات التي يعتمدها الفلاح في العمل الفلاحي والرفع من مردودية انتاجه يلجأ كذلك الى يد العاملة العائلية وكيف يتم مساهمة اعضاء الاسرة في العمل داخل الحقل وكذا كيفية تقسيم العمل داخل المجتمع التقليدي بين الرجال والنساء أي دور كل منهما ؟ وماذا عن الاطفال هل يتم اشراكهم كذلك في العمل الفلاحي ؟ كل هذه الاسئلة وغيرها سنجيب عنها من خلال تسليط الضوء على الجانب المتعلق باليد العاملة المساهمة في العمل والانتاج الفلاحي .
4. اليد العاملة الفلاحية :
يحاول العمل الفلاحي القديم إشراك جميع اعضاء العائلة الممكنة دون اعتبار جنسها وسنها حيث يتم تشغيل الاطفال مند سن السابعة من العمر او أقل من ذلك ،إذ ان إستراتجية التكثيف التي هي اساس النظام الإنتاجي هي التي تحتم ذلك بسبب تعدد المهام الزراعية والرعوية الواجب القيام بها ،مع وجود نوع من التخصص في بعض المهام حسب الجنس والسن ووفق القواعد العرفية.
أ_ دور الرجال في العمل الفلاحي :
يمكن إجمال الأعمال التي يقوم بها الرجال في الأعمال التي تحتاج لقوة عضلية كالقيام بالحرث والحصاد وجمع المحاصيل، بالإضافة الى تنقية السواقي ،اما فيما يخص الأمور المتعلقة بالتوقيت الحرث والحصاد وإختيار نوعية المنتوجات فيتكلف بها الكهول وخاصة الأباء ،هذه الفئة التي تؤكد من خلال عملنا الميداني ومقابلاتنا معهم يؤكدون أنهم يتحملون قسطا من المسؤولية في الأمور المتعلقة بالأرض والزراعة يضيف قائلا نحن من يعلم الأجيال كيفية الزراعة وتواقيتها متى يتم سقي المحصول الزراعي سواء في وقت الصيف ووقت الشتاء مبحوث (م.ل). فقد نجد كبير السن هو الذي يأمر وينهى ،وهو الذي يعد الشاي امام الحضور ،وبالتالي هو الذي يقطع الخبز فالكل يسمع لرأيه ويحترم قرارته ،وكل هذا يمكن ملاحظته أثنا زيارتك لبيت أهل ايت عطا.
يمكن تسجيل إن للرجل حضور قوي في العمل والحياة الاجتماعية والزراعية داخل المنطقة إذ هو الذي يتحمل قسطا من المسوؤلية في اتخاذ القرارات داخل المنزل وكذا النهوض بالأعمال الفلاحية كمساهمته في الانتاج وتحمل مصاريف شراء الاسمدة ،فكلمته مسموعة داخل البيت بكون دوره الاساس يعود الاب /الرجل في حين يعتبر دور الام /المرأة ثانويا ،فالمجتمع ابيسيا بإمتياز .
ب_ دور النساء في الانتاج الاقتصادي والاجتماعي :
إن الرجوع الى وضع المرأة في الجنوب الشرقي او المرأة الدادسية بصفة خاصة نجد ها تتحمل أعباء الحياة مع رجلها فهي تقوم بأعمل منزلية وخارج البيت أي المساهمة في العمل الفلاحي ،فهي انسانة مجدة ومجتهدة ومنتجة ،تعمل بمثابرة كبيرة في ميادين عدة في المجالات الفلاحية كالزاعة وتربية المواشي أوالحرفية ،حيث تتعاطى للنسيج الصوفي فتصنع الملابس وتهتم بصناعة الزرابي الامازيغية البديعة ،التي تتقن فيها اتقانا يدل على حسن الذوق النساء الأمازيغيات بشكل عام .
تساهم المرأة في بومالن دادس على غرار نظيرتها في المغرب في النهوض بالاعمال المنزلية وتحملها القسط الاوفر من الاعمال الخاصة بتربية الاطفال ،فهي تشارك أيضا في القيام بالأعمال الزراعية الخارجية ،وما ساعدها على ذلك هو بنية بعض الاسر التي كانت تسمح بالتكافل وتبادل الخدمات ،كما يساهمن أحيانا في السقي والحصاد والدرس وحمل المحصول نحو منازلهن.
ومن خلال استعانة بالبحث الميداني الذي قمت به شملت أيضا المقابلات مع نساء المنطقة لكي أعرف دورهن في الأعمال الخاصة بالزراعة والاعمال المنزلية وهل هناك تحولات مست بهذه الادوار التي تقوم به النساء ام لا حفظت على مكانتها وادوارها كما في السابق لتؤكد لي مبحوثة (م،ه)،قمت بالمقابلة معها “المرأة كانت في السابق تقوم بجلب الحطب التدفئة والطبخ من أماكن بعيدة فهي تتحمل مسؤوليات عدة الى جانب زوجها فقد نقوم بالعمل الفلاحي الى جانب اصحاب الارض لكي نوفر العيش لاطفالنا ، وكانت في الماضي نعيش على البركة كل شيء فيه البركة سواء القمح والمعيشة بأجملها ،أما الان فلم تعود تلك البركة فقد نقصت، وكنت استيقظ باكرا لارافق نساء القبيلة لجلب الماء بأماكن خاصة لكن الان نجد النساء لا يريدن العمل الفلاحي فقد يهتمن بمظهرهن والتزيين ومشاهدة التلفاز ” ما يمكن ان نستخلصه من هذا التحول لتفسير الحياة الاجتماعية والادوار التي تقوم به النساء، لكن ماهي اوجه الذي مسته هذه التحولات وماهي الاخرى التي حافظت عليها المراة العطاوية ؟
من خلال ما يمكن ان نستخلصه من مكانة المرأة فقد نلاحظ انها تقوم بعدة الاعمال فقد زواجت بين الاعمال المنزلية والاعمال الخارجية الخاصة بالفلاحة بتربية الماشية ،تتم عل العموم بشكل مكثف مما يكسبها سلطة نسبية داخل أسرتها وإزاء زوجها ، فإذا كانت المرأة في السابق تقوم بأعمال كجلب الماء والحطب وهي تساهم الى جانب زوجها بالاعمال الخاصة بالفلاحة والاهتمام بالارض وكل ما يتعلق بالزراعة ،لكن ما يمكن ان نسجله من خلال هذه التحولات التي مست الحياة العاءلية بما في ذلك الادوار التي تقوم بها النساء فقد نلاحظ انهن حافظن الى حد ما على الادوار التي تقوم بها فقد مازلن النساء يشاركن في الاعمال سواء المنزلية والفلاحية الى جانب ازواجهن عل الرغم من هناك تراجع الى انهن يقمن بادوار عدة في الحياة الفلاحية فقد نجد النساء الى جابب الفتيات الغير المتمدرسات يذهبن كل صباح الى الحقول وجلب الفصة والحشائش على ظهورهن الى البيت ، أما ما يمكن استخلصه انه هناك فئة أخرى التي لا تذهب للعمل الفلاحي وتعتبره شاق وروتيني وغير منتظم .
على الرغم كل ماتقوم به المرأة من مهام فإن عملها كما قال المختار الهراس عمل لامرئي ،رغم انها تساهم في الاعمال المنزلية والفلاحية بدرجة تفوق أحيانا حجم الاعمال التي ينجزها الرجال الا انها تبقى من وجهة نظر اغلب النساء والرجال او المجتمع ككل لا يشكل الا نشاطا ثانويا ومكملا لنشاط الرجل .
المحور الثالث :ضعف شروط وإمكانيات تسويق المنتوجات الفلاحية:
.السوق الأسبوعي :
يمكن حصر الهدف الأساسي التي تلعبه الإنتاج الفلاحي في حياة ساكنة بومالن في سد الحاجيات الغذائية والمادية الأساسية التي تتطلبها الحياة اليومية لأفرادها تبعا للظروف التي تعيشها ، سواء من حيث قساوة الظروف الطبيعية ومن حيث الوضع العقاري لاراضي الفلاحية الذي يمتاز بمساحات ضيقة ،من هنا نلاحظ قلة تبادلات الفلاحية نظرا لقلة الفائض في المنتوجاتهم لهذا تحضر في السوق المنتوجات الخارجية خاصة من أكادير وسوس ماسة بصفة عامة ، خاصة من الخضر والفواكه والاسماك ….،لكن فيما يخص بيع الحبوب فقد تتم بين العائلات خاصة التي تملك مساحات كبيرة من الاراضي لهذا تتم العملية داخل الدواوير بصفة عامة: عندما يحتاج واحد منهم القمح يتوجه في البداية الى شخص وبعدها الى السوق ،من هنا تحضر العمليات البيع والشراء بين أفراد القبائل المجاورة .
فساكنة بومالن او الساكنة تتجه الى السوق في يوم الاربعاء لا غير من أيام الاسبوع ،أما فيما يخص الرواج التجاري المحلي فهو يمتاز بالضعف،فالمنتوجات الفلاحية المحلية التي تساهم المنطقة في تسويقها فهي مقتصرة على الحبوب ،الماشية وهذا ما سنطرحه من خلال قائمة المعاملات التجارية التي تتم بالسوق الاسبوعي بومالن في الجدول يبين ذلك
الجدول : 1
الرواج التجاري للحبوب داخل السوق في بومالن دادس :
الحبوب الكمية بالطن القيمة الاجمالية بالدرهم
القمح الطري 75 2225
القمح الصلب 45 2025
الشعير 15 3000
الذرة 10 2000
مصدر المعطيات :منوغرافية بومالن دادس ص:7
اما الجدوال الاتي يبين لنا نوعا أخر من الرواج التجاري في بومالن دادس وعدده خاصة فيما يخص تربية الماشية فالمنطقة معروفة بامتهان أفرادها لتربية الماشية كما رأينا سابقا ،
الجدوال :2 الرواج التجاري لعدد رؤوس الماشية بالسوق الأسبوعي
النوع عدد الرؤوس القيمة الاجمالية بالدرهم
الغنم 200 1200000
المعز 350 13500000
مصدر المعطيات منوغرافية بومالن دادس :ص8
ما يمكن أن نستشفه من هذه الجدوال التي تبين لنا أهم قائمة المعاملات التجارية في السوق الاسبوعي في بومالن دادس ،أنها يطغى عليها الطابع التقليدي في منتوجاتها اذ تقتصر فقط على الحبوب وتربية الماشية ،من هنا نقول بحفاظ الساكنة على الترابط بينها وبين الحبوب حيث تعتبر من بين المنتوجات التي لا يمكن ان يستغنى عنها الفلاح في زراعة أرضه ،أما تربية الماشية فبحكم الساكنة إختبرت الترحال قبل ان تستقر على جنبات الواد فمن البديهي ان نلاحظ هذا الحظور للماشية في المعاملات التجارية داخل السوق الاسبوعي لبومالن دادس .
بالإضافة الىالدور الذي يلعبه السوق في حياة الأفراد في تنظيم حياتهم الاقتصادية ،فهو يلعب كذلك الى جانب دور أخر لدىقبائل أيت عطا الذين إختبروا الترحال المكان الذين يجتمعون الشيوخ والشباب لتبادل الأحاديث الخاصة بشوؤنهم فقد يمكن القول بأنه يعتبر البديل عن المؤسسة الجماعة .،فغالبا ما يتخذ السوق الى جانب المسجد والضريح ،مكانا لاتخاذ القرارات حاسمة من طرف الجماعة كما تغتنمه السلطات المخزنية للاستخبار عن الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للقبيلة .
الى سبيل الختام:
ما يمكن ان نخلص اليه من خلال هذا البحث هو التفكير في أسئلة أخرى من قبيل هل يمكن تحقيق تنمية ما دون التفكير في الثقافة، هل يمكن تحقيق التنمية دون إستحضار البعد الثقافي وما تزخر به منطقة ما او مجال ما من إمكانيات طبيعية وبشرية .
تحتل الجبال في حالتنا الربع من مساحة البلاد وهي بحكم الموقع الجغرافي فمنطقة البحث بومالن دادس إضافة الى امكانيات البشرية والطبيعية التي تزخر بها فهي منطقة سياحية تضم وحدات فندقية ومأثر التاريخية، كما تعد الارض الفلاحية او الغابة التي تقع على جنبات واد دادس المورد الرئيسي بالنسبة للعديد من الأسر، لهذا أثارنا الوضعية العقارية لهذه الاراضي، وما تعرفه من إختلالات على مستوى كيفية التملك والتوزيع، وكذا أنواع الأراضي في منطقة البحث والوضعية القانونية خاصة بالنسبة الأراضي الجموع، التي تعرف تحول كبيرا فيما يخص نظامها القانوني وكذا طريقة استغلالها بين أطراف القبيلة اذ يمكن ان نخلص إلى المساهمة التي تساهم بها هذه الأراضي وذلك ربطها بالتحولات التي عرفتها المنطقة بالتنمية المحلية التي تعتبر الرهان من خلال تحسين شروط العيش الساكنة المحلية عبر مشاركتهما في اتخاذ القرار فيما يخص كيفية عيشهم.
من خلال ماسبق يمكن القول بأن الحياة الاقتصادية والاجتماعية للساكنة المحلية التي تساهم الارض بقسط من الإنتاج ومساعدتهم على المعيش اليومي، امام تعقد الانظمة العقارية الاراضي والطرق التقليدية في الاستغلال والانتاج نصطدم بواقع يمكن ان نفسره بانه من عوائق التنمية المحلية اذ انه ربطنا التنمية بالاراضي والمشاكل التي تعرفها سواء فيما يخص المزاوجة بين العرف المحلي والقانون في عملية توزيع الاراضي مابين الساكنة وأنماط استغلاله
لكن الى أي حد يمكن القبول بهذه المعادلة للجواب على سؤال التنمية المحلية خصوصا عندما يتعلق الامر بالواحات المغربية وخاصة منطقة او واحة دادس وهل يمكن بالتالي اعتزالها ضمن التحولات الكبرى التي يعرفها المجتمع المغربي عامة والمجتمع القروي خاصة ،اذ لا بد من تسليط الضوء على هذه التحولات خاصة فيما يتعلق بالاهتمام بالارض والعمل الفلاحي سواء منها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لفهمها ومحاولة لتفسيرها .
قائمة المراجع :
– استيتو عبد الله ،التاريخ الاجتماعي والسياسي لقبائل أيت عطا الصحراء الى نهاية القرن التاسع عشر ،مقاربة انثروبولوجية لمسيرة كتلة قبلية أمازيغية ، منشورات المعهد الملكي للثقافة الامازيغية ، مطبعة المعارف الجديدة الرباط 2011 .
– أحمد مزيان :مساهمة في دراسة المجتمع الواحي بالجنوب الشرقي المغربي دراسة لنيل الدكتوراه في التاريخ ،كلية الاداب 1985
– العطري عبد الرحيم ،تحولات المغرب القروي اسئلة التنمية المؤجلة
اترك رد