علي فالحي /نجيب الزاوي: رئيس المؤتمر الدولي للتربية بجامعة قفصة
شهدت اشغال المؤتمر الدولي للتربية بجامعة قفصة مناقشة للوضع التربوي بالعالم العربي وقد تم تناول المسألة التربوية من زوايا تخصصية متعددة لعل ابرزها تأثير القرار السياسي في نجاعة العملية التربوية وهنا تطرق الباحثون الى ضرورة انتهاج سياسة لا مركزية واعطاء حيز من حرية القرار السياسي للفاعل المحلي كما تم التطرق الى الموضوع من زاوية بيداغوجية-سيكولوجية حيث ان للمدرسة دور رئيسي في الحد من ظاهرة الفشل والانقطاع المدرسيين او العكس تماما اذ يمكن للمدرسة ان تغذي الفشل وتدفع به الى اقصاه وتحوّله الى انقطاع دائم نتيجة عدم كفاءة الفاعل البيداغوجي.
كما تم التطرّق اساسا الى ضرورة ايجاد شراكة حقيقية بين المدرسة وبيئتها الاجتماعية وعلى المؤسسة التربوية ان تخرج من عزلتها التعليمية وتضطلع بمهمتها الثقافية لان الانقطاع المدرسي ليس ظاهرة او حدثا او وضعية منعزلة في سياقها المكاني والزماني مثلما شددت على ذلك الابحاث البيسكوبيداغوجية “Berthelot, Élisabeth Bautier, Catherine Blaya, Felhi Ali
ان الانقطاع المدرسي باعتباره احدى مخرجات المدرسة اليوم وهو مؤشر دال على مدى نجاعة المدرسة وايضا معيار نقيس به مدى احترافية المعلم وقدرته على مساعدة المتعلم على الانخراط الفعال في الوضعية التربوية وعلى خلق المعنى في نشاطه المدرسي دون ان ننسى ان دور المدرسة ليس اعادة انتاج الثقافة المجتمعية بل محاربة الفجوة بين الثقافة العائلية والثقافة المدرسية حتى لا يحس المتعلم باغتراب مدرسي بل وجب دعم الاحساس لديه بالشعور بالانتماء “sentiment d’appartenance” .
لن الانقطاع المدرسي هو مسار كامل قد ينطلق من الصعوبات الاولى في التعلم difficulté précoce d’apprentissage ثم قد تتعزز شيئا فشيئا اذا ما اردفها المعلم بنوع من التوسيم المدرسي كان يقع تصنيف المتعلم بالضعيف étiquetage وهنا قد يتشبع الطفل بهاته الصفة ويستطبنها داخليا ويحوّلها الى عزلة نفسية مقيتة une auto exclusion. ان العلاقة التربوية بين المعلم والمتعلم لها اثار مهمة في انتاج الانقطاع خاصة اذا ما تكون نوع من العلاقة الصدامية على مستوى الانتظارات اي انتظارات كل طرف من الاخر وهنا للمعلم دور محوري في بناء علاقة جذابة وليست منفرة. يقوم المتعلم كردة فعل طبيعية بالانتماء الى مجموعة الاطفال الذين يعيشون شعور الضيم المعرفي انه شعور الضحية فيردون الفعل اما بالعنف المدرسي او حتى بالتمرد على قيم المدرسة ويتواصل المسار من خلال التغيب الدائم الذي ينتهي بالانقطاع النهائي و مغادرة اسوار المدرسة. ان هذا الشعور بالحيف وعدم الانصاف من قبل المدرسة قد يتحول الى نوع من مجابهة قيم المجتمع بأكملها عن طريق الانحراف او الجريمة المنظمة او حتى الانخراط في الجماعات الارهابية.
لقد توصل المؤتمر الى التوصيات النهائية التالية:
ان مجابهة الانقطاع المدرسي باعتباره ظاهرة متعددة الاسباب تتطلب حلولا متعددة الاطراف يتدخل فيها الفاعل السياسي عن طريق قرارات جريئة, كما للفاعل البيداغوجي دور محوري في مجابهة هاته الافة التي تكبد المجموعات الوطنية خسارات فادحة على المستوى المالي وايضا تهدد وحدة الكيانات المجتمعية دون ان ننسى دور البيئة الاسرية في معاضدة مجهودات المدرسة لمساعدة المتعلمين على مجابهة صعوبات التعلم.
التكوين العلمي الجامعي المتين للدرسين وتشبعهم بالمرجعيات البداغوجية, الديداكتيكية, النفسية, الاجتماعية هو الطريق الاكثر وجاهة لمجابهة الانقطاع المدرسي ذلك ان الانتدابات الاجتماعية العشوائية لغير المتخصصين في الشأن التربوي أضرّ كثيرا بنجاعة المؤسسة التربوية.
لا يمكن للمدرسة ان تخرج من عطالتها التربوية الا اذا ما دخلت في شراكة حقيقية مع بيئتها الاجتماعية خاصة الاسرة باعتبارها النواة الاولى لتربية وتوجيه الطفل.
اعتماد سياسة تربوية غير مركزية تعطي للمؤسسة التربوية حرية واستقلالية في اتخاذ القرار على مستوى ادارة مشاريعها البيداغوجية.
الانتداب المبني على اسس علمية للمتفقدين والمساعدين البيداغوجيين خاصة من ذوي التخصصات المرتبطة بعلوم التربية وعدم الاكتفاء فقط بالخبرة في التدريس كما هو الحال بالنسبة لعديد البلدان العربية فالمشرفين البيداغوجيين يجب يكونوا من الحاصلين على الاقل عبى مجاستير علوم تربية.
الترقيات المهنية يجب ان تبنى على اساس الشهائد العلمية لدفع المعلمين الى الانخراط في التكوين المستمر وتطوير مهاراهم المهنية وايضا على مدى نجاعة فعلهم الميداني من خلال التقييم الداخلي والخارجي.
يجب ان يكون انتداب مديري المؤسسات التعليمية على اساس المناظرات والشهائد العلمية وعدم الاكتفاء فقط بالاقدمية في التدريس او في تولي مهمات ادارية.
تشجيع المبادرات المحلية على كل المستويات الجامعية, الثانوية, الابتدائية لاعطاء نفس تجديدي بعيدا عن القرارات المركزية حتى يضطلع الفاعل التربوي على المستوى المحلي بمسؤولياته كفاعل اجتماعي.
تكريس مبدأ الرقابة على مستوى المؤسسات التربوية نظرا لتراجع قيمة العمل وضعف مؤشرات الانضباطية في اغلب المؤسسات التربوية.
محاربة ظاهرة الدروس الخصوصية لانها تعمق الفجوة بين الاطفال سليلي العائلات الفقيرة والعائلات المرفهة كما انها تحوّل العلاقة التربوية الى علاقة زبونية مقيتة تضر من مكانة المعلم النموذج.
تم الاتفاق على ان تكون الدورة الثانية للمؤتمر بجامعة قفصة وسيتم العمل على تحديد موضوع ومحاور الندوة مع بقية الشركاء رؤساء المخابر التربوية بكل من الجزائر والمغرب وفرنسا.
اترك رد