فتوى الاتحاد العالمي الأخيرة.. ومحاولة الانتحال

بسم الله الرحمن الرحيم
أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قبل أيام في سياق مواكبته الدائمة لهموم وقضايا الأمة الإسلامية فتوى بوجوب المشاركة في الانتخابات المصرية والتونسية وجوبا شرعيا عينيا على أهل مصر وتونس بناء على مقتضى الأدلة الشرعية كتابا وسنة واجتهادا.
وما إن سمعت بهذه الفتوى بعض الجهات في بعض الدول العربية التي لم تكتمل فيها ثورة الربيع العربي بعد حتى تلقفتها بلهف وطارت بها شرقا وغربا لاعتقادها أنها هدية ثمينة لإنجاح ما تروج وتعد له تلك الجهات من انتخابات مسرحية تموه بها على الشباب الثائر وتتزلف بها للرأي العام الدولي كما هو الحال الآن في المغرب والأردن، وبدأ بعضهم يكتب ملمحا ومجتزئا من فتوى الاتحاد أن عدم المشاركة في الانتخابات المغربية المقبلة في نونبر مخالفة للواجب الشرعي وكتمان للشهادة، وما درى هؤلاء أنهم يقيسون مع الفوارق ومع فساد الاعتبار، فكان الواجب الشرعي بيان أوجه فساد هذا القياس وكشف محاولة القرصنة للفتوى، ودحض الافتئات على الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
إن الذي جهله أو تجاهله قراصنة فتوى الاتحاد أن الفتوى بحمد الله محكمة البناء واضحة المقصد قوية الحجة محررة المناط، غير مصممة لتلبية أهواء المستبدين والمفسدين، وغير قابلة للتوظيف في مواجهة خصومهم، وإنما الفتوى مؤسسة علميا على ما يلي:
1) الانتخابات المقصودة حصرا بالفتوى انتخابات تونس ومصر التي جاءت إثر إزاحة الاستبداد والفساد، وليست انتخابات ناشئة عن الاستبداد وفي أجواء الفساد، قررها الذين جثموا على صدر شعوبهم عقودا عديدة جبرا وقهرا، من أجل تأبيد الاستبداد في الأمة.
2) الانتخابات التونسية والمصرية ثمرة من ثمار الثورة التي كنست الاستبداد والفساد لبناء الوطن، وليست انتخابات ممنوحة هزلية تتسلى بها الأنظمة الاستبدادية المطلقة وتحاول التمويه بها على الأمة والناس أجمعين وهيهات.
3) الانتخابات التونسية والمصرية تمثل اختيار الشعب الحر لمن يحكمه برضاه ومن يمثله في مؤسسات الدولة التشريعية، وليست انتخابات شكلية صورية لاختيار من يدعم الحكم المطلق في مؤسسات شكلية لا تملك من الصلاحيات سوى التصفيق لقرارات الحاكم بأمره، ولا تطال اختيار الحاكمين بأمرهم.
4) الانتخابات التونسية والمصرية تمثل بإجماع العالمين لحظة تحول فاصل بين عهدين متناقضين: عهد الفساد والاستبداد وعهد الحرية والكرامة، وليست انتخابات تمديد وتزيين وتأبيد الفساد والاستبداد.
5) الانتخابات التونسية والمصرية وسيلة متعينة لتحقيق مصالح شرعية كبرى عاجلة كالعدل والحرية والكرامة، ولدرء مفاسد عظمى قائمة كالظلم والاستبداد والفساد…وليست انتخابات يتوسل بها لتمديد زمن تلك المفاسد وتكثير المفسدين، ومعلوم أن تلك المصالح نصت الشريعة على جلبها تنصيصا كليا قطعيا تماما كما نصت على نفي ما يقابلها من المفاسد في مواطن من الكتاب والسنة يصعب عدها ويعسر حصرها، منها قوله تعالى: ” إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ” ( النحل من الآية 90 )، وقوله تعالى في كلية الشورى: ” وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ” ( الشورى من الآية 35 ).
وحذر النبي عليه الصلاة والسلام تحذيرا شديدا من أخطر ما يمكن أن يرتكب بين العباد في الأرض ويمنع تحقيق مقصد العدل، فقال: ” اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ” ( رواه مسلم )”، ولذلك نجد ابن تيمية يلخص مقاصد الشريعة الكبرى بقوله: ” فإن الله أمر بالصلاح ونهى عن الفساد، وبعث رسله بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها” (مجموع الفتاوى الكبرى 7/7 ).
فأم المفاسد الواجب تعطيلها في واقعنا العربي عموما والمغربي خصوصا الاستبداد والفساد، وأبو المصالح الواجب إقامتها العدل في الحكم والقضاء وفي إنتاج الثروة وتوزيعها، وإعادة القرار المختطف من الأمة مصدر السلطة إليها، لتضع دستورها بإرادتها لا أن يمنح لها ممن غصب حقها في الاختيار، وتنشئ المؤسسات، وحينئذ فقط تصبح المشاركة في الانتخابات فريضة شرعية عينية على الجميع، وعدم المشاركة كتمان الشهادة الذي نهينا عنه في قوله تعالى: ” ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم ” ( البقرة الآية 283 )، وفي قوله تعالى: ” ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ” ( البقرة الآية 282 )، تماما كما هو حال الانتخابات في كل من مصر وتونس، أما أن نسوي بين المتناقضين في الحكم ونحاول تعدية الفتوى إلى غير محلها الذي لزمته إنما هو فعل ما لا ينبغي وقرصنة مكشوفة، وانتحال باطل.
والحمد لله رب العالمين.
الأستاذ الدكتور محمد بن محمد رفيع
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ محمد الصادقي العماري
    محمد الصادقي العماري

    بسم الله الرحمن الرحيم
    تقسيم وسبر ومن عالم جليل بخصوص فتوى الاتحاد العالمي الاخيرة
    إننا نحمد الله سبحانه وتعالى أن في هذا البلد الكريم رجالا وعلماء آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، يوضحون ويرشدون وينقحون ولا يخافون في الله لومة لائم، وهذا المقال خير دليل وبرهان على هذه الدعوة، وكاتب هذه الورقة من خيرة علماء البلد الذين يحاولون إعادة الهيبة للنخبة الدينية، ودعوة علماء البلد إلى الوقوف مع الشعب لا ضده كما كان علماء المسلمين في كل الحقب التاريخية، سئل الامام مالك: لمذا يكون كلامك في الناس كالنقش على الحجر، قال: لا يكون هكذا إلا من كان هكذا، ويقصد رحمه الله أن المسألة إذا طرحت عليه من طرف عامة الشعب كان يعطيها كل وقته وكانت تمنعه الاكل والنوم والشرب …حتى يجد حكمها. كانت مصالح الشعب مقدمة على مصالحهم رحمة الله عليهم، لقد وهبوا كل وقتهم للأمة، وكان همهم الشعب وقضاياه لا مصالحهم الشخصية كما هوحال بعض علمائنا اليوم ….
    لاحول ولا قوة إلا بالله

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: