بقلم: د عبد السلام ميصور
تقديم :
اتسمت الشريعة الإسلامية الخالدة بجملة من السمات والخصائص النابعة من طبيعة مصدرها، فكانت في خطابها ومراعاة أحوال المكلفين في رسالتها تتسم بالواقعية والشمولية والإنسانية والعالمية ، وتتميز في أحكامها ومقاصدها بالوسطية والتيسير ورفع الحرج والمشقة عن المكلفين .
ومراعاة أحوال المخاطبين إذا حققنا النظر تستجمع أوجها عديدة من القواعد والنظريات التي أعطت لشريعة الإسلام تلك الخصائص التي ذكرنا بعضها وهي مبثوثة في الكتب العلمية المهتمة بالتشريع الإسلامي .
وبها – عند التحقيق – تحقق الإعجاز ، وتمسك الناس بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهجا. منذ بدء نزول الوحي على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وإلى أن ينتهي التدافع بين خطاب الحق والباطل بقيام دلائل الإيمان بتحقق المبشرات والأخبار الغيبية الثابتة بنصوص الوحي كتابا وسنة .
ومقصودنا في هذا المقام أن نذكر مراعاة أحوال المكلفين في الإسلام من خلال خطاب القرآن والسنة ،ببيان طبيعة النفس البشرية وأدلة مراعاة أحوال المخاطبين فيهما .
مراعاة أحوال المكلفين في القرآن الكريم
مراعاة طبيعة النفس البشرية
القرآن الكريم كلام الله تعالى المنزل على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين بواسطة جبريل عليه السلام ، منقولا إلينا بالتواتر ما بين دفتي المصحف من الفاتحة إلى سورة الناس .
وهو كتاب نور وهدى وشفاء لما في الصدور وذكرى للمتقين فيه ترغيب وترهيب ووعد ووعيد وإعذار وإنذار وأمر ونهي وتسلية وقصص وموعظة وبلاغة في الخطاب بما يناسب أحوال البشر وطبيعة الإنسان .
والله تعالى جل ذكره حينما يخاطب الناس إنما يخاطب فيهم طبيعتهم الآدمية والإنسانية ، ويذكر من حكمه الشرعي فيهم ما يستقيم مع أمره القدري الذي لا يتبدل ولا يتغير وفق ما تقتضيه الحكمة الإلهية من تناسب الأحكام الشرعية مع الفطرة الإنسانية .
والإنسان في القرآن الكريم مخلوق ضعيف يحتاج إلى تزكية نفسه وتخليصها من النقائص التي تحجب عنه إبصار الحقائق في الأنفس والآفاق وتجعله جاهلا بحقيقة المسؤولية التي تعهد ربه القيام بها أحسن قيام مما يتعلق بالتعبد والاستخلاف .
ومما ورد في القرآن الكريم من خصائص الطبيعة البشرية :
۩ قوله تعالى : وخلق الانسان ضعيفا [ سورة النساء الآية : 28]
۩ و قوله سبحانه : وإذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه [ سورة يونس الآية : 12]
۩ و قوله عز من قائل : وإذا أذقنا الانسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤوس كفور [ سورة هود الآية : 9]
۩ و قوله : إن الانسان لظلوم كفار [ سورة إبراهيم الآية : 34]
۩ و قوله: خلق الانسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين [ سورة النحل الآية : 4]
۩ و قوله : ويدع الانسان بالشر دعاءه بالخير وكان الانسان عجولا [ سورة الاسراء الآية : 11 ]
۩ و قوله: ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الانسان أكثر شيء جدلا [ سورة الكهف الآية : 54]
۩ و قوله : خلق الانسان من عجل سؤريكم آياتي فلاتستعجلون [ سورة الأنبياء الآية: 37]
۩ و قوله:إنا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقنا منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا [ سورة الأحزاب الآية : 72]
۩ و قوله: أولم ير الانسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين [ سورة يس الآية : 77]
۩ و قوله : لايسأم الانسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيؤوس قنوط [ سورة فصلت الآية 44]
۩ و قوله : إن الانسان خلق هلوعا [ سورة المعارج الآية : 19]
۩ و قوله : لقد خلقنا الانسان في كبد [ سورة البلد الآية : 4]
۩ و قوله : إن الانسان لربه لكنود [ سورة العاديات الآية : 6]
ولما كان الإنسان على هذه الصفات والخصائص الدالة على ضعفه وقلة صبره وافتقاره إلى خالقه في جميع الأحوال .ناسب أن نقول بأن الباري جلت حكمته لما فتح باب التوبة للعباد ، ورفع عنهم الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ، ووضع عنهم ما لا طاقة لهم به من أحكام التكليف كان كل هذا وما شاكله من باب مراعاة أحوال البشر وماتقتضيه طبيعة الفطرة الإنسانية .
ويؤكد مسألة مراعاة أحوال المكلفين في القرآن الكريم أمور منها :
- لغة التنزيل: فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين على ما هو معهود من لسان العرب وجار في خطابها ، فيذكر العام ويراد به الخاص ، والمعنى من التلميح أو التلويح أو الإشارة أو التنبيه أو التصريح بما يفيد الشمول والاستغراق ، أو الإرسال والإطلاق .
ويورد الكلام المطابق لمقتضى الحال على نحو من الإيجاز الذي يدعو إليه موطن الخطاب في إبانة وإيضاح . والإطناب الذي يبرز الفائدة في زيادة اللفظ على المعنى وفق ما يقتضيه القول وتدعو إليه حال المخاطب .
وقد يذكر اللفظ بقدر المعنى ، أو المعنى بقدر اللفظ ، ويعطف العبارة على سابقتها ، أو يفصل بينهما في دلالة تعبر عن المقصود من سابقتها ،أو يفصل بينهما في دلالة تعبر عن المقصود من الخطاب عن طريق قرائن الأحوال والألفاظ والتراكيب .
ويتحصل فهم المقصود من مراعاة أحوال المكلفين في القرآن الكريم من جهة اللغة وخصائص الأسلوب بضرب بعض الأمثلة ومنها :
- قوله تعالى :] إن الله يامر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي [ [سورة النحل الآية : 90]. في الآية إطناب بذكر الخاص بعد العام اهتماما به وتنبيها للمخاطبين عليه . وفي هذا مراعاة لأحوالهم ومطابقة للخطاب مع ما في واقعهم من السلوك الاجتماعي والأخلاقي الذي قصد الشرع بخطابه أن يقوم على أساس العدل ومنع الظلم .وإن من أهم ما يتطلبه العدل بين الناس إيتاء ذي القربى ، لأنهم من أولى الناس بالإحسان بعد الوالدين .
ومن أهم أسباب انتشار الفواحش والمنكرات شدة البغي على الناس بسفك الدماء وهتك الأعراض وسلب الأموال .
وقد يكون النص على إيتاء ذي القربى في الآية الكريمة بين عموم الأمر بالعدل والإحسان والنهي عن الفحشاء والمنكر من جهة أن حق ذي القربى فيه حقان : حق الله تعالى الذي أمر بصلة الرحم والتواصل مع ذي القربى وهذا إن وجب فقد كفى وكيف لو تعلق به حق ثان هو حق الوالدين في صلة الرحم التي لاتوصل إلا بهما ؟.
- قوله تعالى :] فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا[ [ سورة العصر الآية : 5-6]. في الآية تأكيد للخبر بذكر التكرار لفائدة تقرير المعنى في أذهان السامعين ، وفيه مراعاة لأحوالهم .
- ًوكما في قوله تعالى] ولأصلبنكم في جذوع النخل[ ولم يقل على كما ظن بعضهم لأن على للاستعلاء والمصلوب لا يجعل على رءوس النخل وإنما يصلب في وسطها فكانت في أحسن من على ً [ البرهان في علوم القرآن 4/176 ]
- وقدم في الزنى المرأة في قوله] الزانية والزاني [لأن الزنى فيهن أكثر وأما قوله الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك فقال الزمخشري سيقت الآية التي قبلها لعقوبتهما على ما جنيا والمرأة هي المادة التي نشأت منها الخيانة لأنها لو لم تطمع الرجل ولم تومض له وتمكنه لم يطمع ولم يتمكن فلما كانت أصلا وأولا في ذلك بدأ بذكرها وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه3 لأنه هو الراغب والخاطب يبدأ الطلب[ البرهان في علوم القرآن 3/260-261]
2 . نزول القرآن منجما على سبعة أحرف :
من خصائص القرآن الكريم الدالة على مراعاة أحوال المكلفين وتناسب الخطاب مع حاجة المخاطبين :
نزوله منجما : فلقد كان من خاصية القرآن الكريم التي تميز بها عن سائر الرسالات السماوية السابقة نزوله مفرقا على الرسول صلى الله عليه وسلم حسب الحوادث والسؤالات أو ابتداء على فترة مرحلة الدعوة وبناء الدولة وختام مهمة النبوة بإتمام البلاغ والبيان للناس . ونزوله في الليلة المباركةمن ليلة القدر كان إلى بيت العزة من السماء الدنيا وبعدها كان نزوله على الرسول صلى الله عليه وسلم نجوما وهذا ما لم يستسغه الكفار والمشركون قال تعالى ًوقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدةً أي كما أنزلت التوراة والإنجيل .غافلين الحكمة من طبيعة رسالة القرآن والتي من جملتها مراعاة أحوال المخاطبين وتعهد المكلفين بما ينفعهم في معاشهم ومعادهم .وتثبيت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دل عيه قيام وهم يسألون والقرآن الكريم يجيب ، وتقع بينهم حوادث وتصرفات والوحي الإلهي يقوم ويسدد حسب مقتضى السؤال ومراعاة الحال .
نزوله على سبعة أحرف: حيث أتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف فقال أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم أتاه الثانية فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين فقال أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الثالثة فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف فقال أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الرابعة فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا ومعنى الحديث أن غاية نزول القرآن على سبعة أحرف مراعاة أحوال المكلفين من أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومراجعة الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام كانت معللة بمراعاة حال أمته وأنها لا تطيق قراءة القرآن على حرف ولا حتى على ثلاثة أحرف فكان ما أراد .
3 . مراعاة التدرج في تقرير الأحكام : ويدل على هذا حديث عائشة رضي الله عنها : إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده . وفي حديث عائشة رضي الله عنها شاهد على قيام أحكام القرآن على التدرج ومراعاة أحوال المكلفين
4 . مراعاة المألوف المعهود المقبول من الأخلاق الجارية بين الناس :وفي هذا يقول الشاطبي رحمه الله تعالى : ً وأما ما يرجع إلى الإتصاف بمكارم الأخلاق وما ينضاف إليها فهو أول ما خوطبوا به وأكثر ما تجد ذلك في السور المكية من حيث كان آنس لهم وأجرى على ما يتمدح به عندهم كقوله تعالى ] إن الله يأمر بالعدل والإحسان وايتآء ذي القربى [ إلى آخرها وقوله تعالى ] قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا [ إلى انقضاء تلك الخصال وقوله ] قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده [ ً [ الموافقات 2/76]
5 . تأسيس مقصد الإذعان للشرع والخضوع له بمراعاة حاجة النفس إلى الترغيب والترهيب ، بحسب مقتضى الحال ً فيذكر أهل الجنة ترجية ويذكر أهل النار تخويفا ً وترد الترجية أيضا ويتسع مجالها وذلك في مواطن القنوط ومظنته كما في قوله تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا الآية فإن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا وزنوا وأكثروا فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن لو تخبرنا ألنا لما عملنا كفارة فنزلت فهذا موطن خوف يخاف منه القنوط فجيء فيه بالترجية غالبة ومثل ذلك الآية الأخرى وأقم الصلاة طرفى النهار وزلفامن الليل إن الحسنات يذهبن السيئات وانظر في سببها ً [ الموافقات 3/324]
ً ولما كان جانب الإخلال من العباد أغلب كان جانب التخويف أغلب وذلك في مظانه الخاصة لا على الإطلاق فإنه إذا لم يكن هنالك مظنة هذا ولا هذا أتى الأمر معتدلا ً [ الموافقات 3/325]
6 . مراعاة أسماع البشر وما تسترعيه النفوس من حسن الإيقاع الصوتي :فنجد الكتاب الحكيم في كلماته وألفاظه ً لا يسرف على النفس ولا يستفرغ مجهودها ، بل هو مقتصد في كل أنواع التأثير عليها ، فلا تضيق به ولا تنفر منه ولا يتخونها الملال . ولا تزال تبتغي أكثر من حاجتها في التروح والإصغاء إليه والتصرف معه ، والانقياد له ، وهو يسوغها من لذتها ويرفه عليها بأساليبه وطرقه في النظم و البيان.ً [ إعجاز القرآن والبلاغة النبوية : مصطفى صادق الرافعي ص: 223]
ولقد كان من وقع القرآن الكريم على السمع دليل صدق الذين قالوا في حقه :ً إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر. ً [ فقه السيرة : محمد سعيد رمضان البوطي ص ] وما كان لهم أن يشهدوا بهذا لولا أنه ً كان بشيء راعهم من مواقع حركاته، ومن ترتيب بينها وبين سكناته، أو لفواصل في أواخر آياته ً[ دلائل الإعجاز في علم المعاني عبد القاهر الجرجاني ص : 253]
7 . تقرير الأحكام العقدية بالثابت المعلوم من دلائل الإيمان :كالسماء والأرض والجبال … ً ولما كان الباقي عندهم من شرائع الأنبياء شيء من شريعة إبراهيم عليه السلام أبيهم خوطبوا من تلك الجهة ودعوا إليها وأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هي تلك بعينها كقوله تعالى ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا… وقوله :] ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا [ الآية غير أنهم غيروا جملة منها وزادوا واختلفوا فجاء تقويمها من جهة محمد صلى الله عليه وسلم وأخبروا بما أنعم الله عليهم مما هو لديهم وبين أيديهم وأخبروا عن نعيم الجنة وأصنافه بما هو معهود في تنعماتهم في الدنيا لكن مبرأ من الغوائل والآفات التي تلازم التنعيم الدنيوي كقوله ] وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود [ إلى آخر الآيات وبين من مأكولات الجنة ومشروباتها ما هو معلوم عندهم كالماء واللبن والخمر والعسل والنخيل والأعناب وسائر ما هو عندهم مألوف دون الجوز واللوز والتفاح والكمثرى وغير ذلك من فواكه الأرياف وبلاد العجم بل أجمل ذلك في لفظ الفاكهة .ً [ الموافقات ص: 2/78]
وغاية ما يقال عن مسألة مراعاة أحوال المخاطبين في القرآن الكريم ماذكره الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني:
ً ولأنه سبحانه هو الذي انتهت إليه الإحاطة بجميع أحوال الخلق وحده ، ولأنه عز سلطانه هو القادر وحده على تضمين كلامه كل المناسبات التي اقتضتها تلك الأحوال الكثيرة التي لم يحط ولن يحيط بها سواه ومن ذا الذي يستطيع أن يحيط بكل أحوال الخلق وفيها الخفي الذي لا يعلمه إلا من يعلم السر وأخفى ؟ ثم من ذا الذي يستطيع أن يحيط بكل أحوال الخلق وهم أجيال متعددة منهم من لم يخلقوا وقت نزول القرآن ومنهم من لم يعرفوا لنا إلى الآن ، بعد بضعة عشر قرنا من نزول هذا القرآن ؟ وأنت خبير بأن القرآن هو كتاب الساعة الذي يخاطب الأجيال كافة ،حتى يرث الله الأرض ومن عليها . ً [ مناهل العرفان 2/330]
مراعاة أحوال المكلفين في السنة النبوية
وقد اختلفت الأحاديث المشتملة على بيان فاضل الأعمال من مفضولها وتارة تجعل الأفضل الجهاد وتارة الإيمان وتارة الصلاة ذلك وأحق ما قيل في الجمع بينها أن بيان الفضيلة يختلف باختلاف المخاطب فإذا كان المخاطب ممن له تأثير في القتال وقوة على مقارعة الأبطال قيل له أفضل الأعمال الجهاد وإذا كان كثير المال قيل له أفضل الأعمال الصدقة ثم كذلك يكون الاختلاف على حسب اختلاف المخاطبين [ نيل الأوطار 5/6]
-وعن أبي ذر قال قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله قال قلت أي الرقاب أفضل قال أنفسها ثم أهلها وأكثرها ثمنا. وعن ميمونة بنت الحرث أنها أعتقت وليدة لها ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما كان يومها الذي كان يدور عليها فيه قالت أشعرت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أني أعتقت وليدتي قال أو فعلت قالت نعم قال أما أنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك متفق عليهما وفي الثاني دليل على جواز تبرع المرأة بدون إذن زوجها وأن صلة الرحم أفضل من العتق.
وعن حكيم بن حزام قال قلت يا رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة وعتاق وصلة رحم هل لي فيها من أجر قال أسلمت على ما سلف لك من خير متفق عليه وقد احتج به على أن الحربي ينفذ عتقه ومتى نفذ فله ولاؤه بالخبر [ نيل الأوطار 6/200] وله الإيمان بالله والجهاد قال النووي ذكر في هذا الحديث الجهاد بعد الإيمان ولم يذكر الحج وذكر العتق وفي حديث ابن مسعود بالصلاة ثم البر ثم الجهاد وفي حديث آخر ذكر السلامة من اليد واللسان. قال العلماء اختلاف الأجوبة في ذلك باختلاف الأحوال واحتياج المخاطبين وذكر ما لا يعلمه السائل والسامعون وترك ما علموه [ نيل الأوطار 6/201]
ًوكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم ولم يكن يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله ويتشهد فيها بكلمتي الشهادة ويذكر فيها نفسه باسمه العلم وثبت عنه أنه قال كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء ً [ زاد المعاد 1/189].
اترك رد