ناقش الباحث فارح مسرحي، يوم الخميس 20/10/2011 في حدود الساعة العاشرة، بقاعة المناقشات لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية والعلوم الإسلامية بجامعة الحاج لخضر باتنة الجزائر، أطروحة دكتوراه برئاسة الأستاذ الدكتور إسماعيل زروخي من جامعة قسنطينة، وإشراف الأستاذ الدكتور عبد المجيد عمراني، ومناقشة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بوقاف من جامعة الجزائر وكذا الأستاذ الدكتور العربي فرحاتي من جامعة باتنة والأستاذ الدكتور مولود سعادة من جامعة باتنة.
بداية استعرض الباحث محاور عمله، منطلقا من تحديد إشكالية البحث التي دارت حول التساؤل التالي: ما هي المصادر الفكرية الأساسية التي يستمد منها أركون مختلف المفاهيم والمناهج التي وظفها في أعماله ودراساته؟ وما مدى مشروعية وفعالية هذه المرجعية؟ هل جعلت من المفكر محمد أركون مبدعا أم تابعا؟ وإلى أي حد يمكن الإفادة منها وتطبيقها في قراءتنا للواقع العربي الإسلامي؟
أجاب الباحث على هذه الإشكالية، من خلال أربعة فصول، خصص الفصل الأول منها للمرجعية الإسلامية لأركون، مبرزا تأثير المعتزلة وخاصة ما تعلق بمسألة خلق القرآن، وأبو حيان التوحيدي في مفهومه للأنسنة، وابن رشد كرائد للعقلانية الإسلامية، إن القاسم المشترك لهؤلاء هو الطابع العقلاني الأنسنى في مقابل اللاهوتي اللاعقلاني، واستنتج الباحث من تحليله لموقف أركون من هذه المرجعية، بأن مشروع أركون وإن انتمى إلى الفكر الإسلامي بحكم موضوعه، إلا أنه لم يعتمد في مقارباته للإشكاليات التي يناقشها ما بلوره المفكرون المسلمون من أراء أو نظريات ومناهج، فكل ذلك من التاريخ لا أكثر، ومن ثمة تتمحور المسألة التي يتأسس عليها موقفه، حول آليات التفكير والأطر الاجتماعية للمعرفة، المحددة لما يمكن التفكير فيه، وما يستحيل التفكير فيه.
أما الفصل الثاني فقد خصصه للمرجعية الغربية عامة، والفرنسية على وجه الخصوص، من خلال تبنيه لمناهج ومفاهيم العلوم الإنسانية المعاصرة، ودعوته الصريحة إلى الأخذ بمعطيات الفكر الغربي في آخر تجلياته، غير أن أركون تسلح بفكر نقدي ضد النزعة الإستشراقية التي اكتفت بأدوات تقليدية في قراءة التراث، وعجز مفكري الغرب الأكثر حداثة وجرأة على فهم الظاهرة الإسلامية على حقيقتها وفي تاريخيتها .
أما الفصل الثالث فقد خصصه الباحث لإبداعات أركون ضمن نظرية الإسلاميات التطبيقية، التي رام من ورائها بلوغ الحداثة، بما هي عقلنة وتحرير من الدوغما والإستبداد.
وأخيرا الفصل الرابع الذي كان بمثابة الرؤية النقدية للمشروع الأركوني، هذا الأخير الذي يعاني من إشكاليات على مستوى الجهاز المفاهيمي، والتعددية المنهجية، فما يقلل من فعالية المشروع الأركوني، هو استناده على أدوات منهجية نشأت تاريخيا ضمن سياقات مغايرة للواقع الإسلامي، لذا سهل وصف المشروع بأنه تغريبي، رغم أنه يفتح آفاقا واسعة لاستشكال الكثير من قضايا الواقع الإسلامي.
تبع هذا العرض مناقشات السادة الأساتذة التي أجمعت على جدية البحث المقدم ونجاحه، والتوصية لمن يريد أن يطلع على فكر أركون أن يعود إلى عمل الباحث، الذي يعد نبتا فلسفيا جزائريا بكل جدارة واستحقاق.
بعد المداولة، تلا رئيس اللجنة القرار بحصول الباحث على درجة دكتوراه العلوم، بدرجة مشرف جدا مع التهنئة والتوصية بالطبع. فهنيئا للباحث ولعائلته الصغيرة والكبيرة وهنيئا لقسم الفلسفة بهذا الإنجاز.
موسى بن سماعين
أستاذ بقسم الفلسفة جامعة باتنة الجزائر
اترك رد