ليبيا فى زمن التغيير …

بقلم: الدكتور ميلاد مفتاح الحراثي

طبيعة الخطاب الثوري الليبي:

لم يكن المشهد الليبي مفاجئا لأحد، ولا للذين ليست لهم ضبابية قراءة الأحداث ، وليست مفاجئة للشارع العربي عموما ولنا على الأخص ، ولكن المشهد الليبي العظيم كان بمثابة المفاجأة للنظام العربي الرسمي وللدوائر التي تحميه بحجة الاستقرار والأمن والديمقراطية. ولا يستطيع زائر لليبيا أن ينكر درجات الاحتقان لدى سائق التاكسي أو بائع الخضروات أو حتى الذي في موقع قيادي فيما يسمى بالعمل الشعبي، ولابد لنا وان نشخص الحدث الليبي بمعيارية موضوعية وليست بالعاطفية أو الغلوانية .

ليبيا اليوم تتطلع إلى زوال نظام وإعادة بناء دولة، إلى سقوط هياكل كرتونية لدولة اسمية إلى بناء مؤسسة الدولة التي يصنعها شعبها ضمانا لاستمرارها.

شعب ليبيا لا يملك نفطاً ، ولكنه يملك 42 عاما من العذابات وثقافة التدجين ، وسلب الارادة ، وكبت الجماح للحريات الانسانية ، 42 عاما من القمع للإنسان وللقيم ، 42 عاما من استمرار مطاحن الاستعباد للعباد ، قمع جيش وتقزيمه إلى كتائب لشعب تعداده 7 مليون نسمة، نظام شمولي أحادى النزعة يحكم ويملك في اعتي الأنظمة, والتي لم يشهدها القرن حتى في الأنظمة الملكية !!!

آلة الأمن هي التي صنعت نظاما باسم الشعب، آلة الأمن هي التي تقرر من يعيش ومن لا ينبغي إن يعيش ، الأمن يتحول إلى سدة سياسية والتي قادته إلى الانهيار واللجؤ المحتشم خوفا من شعبه.

والمفاجأة كانت للنظام العربى الرسمي عموما من مشرقه إلى مغربه. تفاجأ ضمير النظام الرسمي العربي إن 42 عاما كيف استيقظت في ضمير الليبيين؟ وكيف استيقظ جامع مولاي محمد، والجامع العتيق في بنغازي ؟؟؟ وكيف أشعل الليبيون النيران في ملابس النظام العربي الرسمي من خليجه إلى محيطه.

جماهيرية تدار بالأصهار، وجماهيرية تدار بسلطة جامحة متطلعة إلى السيطرة، جماهيرية تعمل على الاعتداء على رعاياها بسرقة قوتهم وأموالهم، وتسرق هويتهم، وتسرق الأمل من شفاه أطفالها ومناراتها الإسلامية، وتسرق الأذان من جوامعها، وتسرق خطب الجمعة من مساجدها !!!

المشهد الليبي الشبابي العظيم احرق مقولة الدولة الشمولية ودولة الفرد، وفشل فكرة الدولة الريعية ، وفشل فكرة الدولة الأبوية ، ودولة الاستعمار بالنيابة والوكالة ، واحتراق مقولة الأقلية الحاكمة وعنف الأقلية ، وتصاعد مقولات “الفعل الجماعي” ضد الأقلية الحاكمة وعنفها ، انه الانتصار لنظرية ثورة الفعل الايجابي للشباب الليبي ، ثورة ” الفعل الجماعي ” ،

دروس ثورة الفعل الليبي الجماعي:

ومن الدروس التى يمكن ان يتلقاها النظام الرسمي العربي من ثورة الفعل الايجابي الليبية تتعدى النصائح والعبر إلى التغيير في الحسابات الرسمية العربية ، وإعادة قراءة الشارع العربي من مختلف الاتجاهات :

إن الشارع العربي لم يعد يمثل طبقة المحاربين ضد الاستعمار ، ولم يعد يمثل طبقة رعاة الاستقلال وهياكله ، ولكنه شارع يتطلع إلى بناء كيانه وكرامته وحياته ممثلة في حريته وحقوقه والمساواة والشراكة في صنع مستقبله

إن الشارع العربي لم يعد يحتمل أنظمة الدولة الشمولية الطويلة الأجل، ولم يعد يتحمل تعليمات “الأخ الأكبرBig Brother”” ، شارع يرفض التدجين ،ويرفض التآطير ، ويرفض الإقصاء ، ويرفض التخوين ، ويرفض الإبعاد، شارع يبحث عن مديات أرحب للحرية وحقوق أوسع واشمل من عطايا النظام الرسمي !!

شارع يرفض دولة الأمن والبوليس، ويرفض دولة التخابر ضد و مع الحريات والحقوق ، ويرفض الدولة التبريرية لوجودها !!، ويدعو إلي دولة الحوار الجماعي والشراكة المدنية ، دولة يصنعها مجتمعها.

درس ليبي في غاية الأهمية إن الدولة لم تعد قادرة إن تمارس دور الصانع للهوية والديمقراطية والمجتمع المدني والحقوق والحريات، ولكن المجتمع هو الذي يصنع دولته وكيانها ونظامها حتى تكون أداه له وليس ألعكس.

لم تعد الديمقراطية صنعة دولاتية ، ولكنها أفعال جماعية يقررها شارعها، والدولة لم تعد قادرة إن تمثل مجتمعها، ولكن المجتمع هو الذي يصنعها ويجندها لوجهته ولغاياته، والى تحقيق طموحاته !!

مشروع نظام الدولة الأبوية والريعية حجة حق أراد منها النظام الرسمي العربي باطل، ولم تعد صالحة لزمن ثورة الشوارع العربية ، فالشارع الذي حركته عربة خضار يمكن إن تحركه كلمة جارحه في حقه، أو حرمانه من حق من حقوقه،

والأمر الأخر وضعت ثورة الشباب الليبي النظام العربي الرسمي في كف العفريت المنى و ورفع معدلات الخطاب المنى إلى اعلي درجاته القصوى ، تفاديا لأية مظاهر للفعل الجماعي للشارع العربي.

دخول مصطلح الشارع السياسي الشبابي العربي إلى التداول في الحياة العربية ، وان مفاتيح الاستقرار والتنمية ليست بأيدي النظام الرسمي العربي ولكنها بأيدي “البوعزيزيين”.

الشعب هو أداة التغيير، وليس النظام الرسمي، الشعب هو الذي يصنع نظامه وكيانه لا إن يُصنع له نظام، والشعب يبقى والأنظمة تزول،

هذا جانب، والجوانب الأخرى هي في احتمالية تغيير في خرائط الخطاب السياسي العربي الرسمي الداخلي لمحاولة مهادنة الشارع العربي ، وهذا مكسب للشارع العربي.

لا سبيل إلى القمع الفكري والاعلامى والابداعى للشارع العربي، ومهما تملك النظام الرسمي من أدوات القمع فلن يستطيع إن يصمد إمام الشارع العربي.

وان شعارات الديمقراطية وسلطة الشعب، والمجتمع المدني والحريات والتنمية ، والمساواة والتمكين وتكافؤ الفرص والشراكة في صنع المستقبل هي خيارات الشارع العربي لقرن قادم وليست من خيارات النظام الرسمي العربي !!!

إنه زمن الينايريين والفبرايريين البوعزيزيين.


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

اترك رد