اختتمت يوم الأربعاء بمدينة فاسأعمال الندوة العلمية الدولية في موضوع “الخطاب القرآني: البنية والفهم والاستنباط” التي أشرف على تنظيمها يومي 19-20 نونبر 2013 مختبر “الخطاب وقضاياه” بكلية الآداب-سايس فاس (جامعة سيدي محمد بن عبد الله)، وذلك بالتعاون مع شعبة اللغة العربية بالكلية و شعبة التفسير والحديث بكلية الشريعة – فاس (جامعة القرويين).
وقد انبنت خلفية الندوة العلمية على “أن الخطاب القرآني المنزل من رب العالمين على قلب الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، ارتبط فهم معانيه واستنباط أحكامه وحِكمه بالعربية؛ إذ هي المرقاة الموصلة لفهم الكتاب المجيد، والسبيل الممهدة لتفسيره، وذلك نهلا مما أثله علماؤنا الأقدمون في ميادين العربية، وما كشف عنه المحدثون من اللسانيين تصريفا وتركيبا ودلالة وأصواتاً.“
وأكدت أيضا على ” أن القرآن الكريم يعد نصا تأسيسيا داخل المنظومة العربية الإسلامية بامتياز، وهي مكانة لا تكاد تجد لها مثيلا في الملل والنحل الأخرى، ناهيك عن تفرده بالاستقلالية داخل هذه المنظومة؛ مما جعل موضوع فهمه، وتفسيره، وتبيّن بِنيته بالدرس والتحليل، رهانا أساسيا وموطن اجتهاد دائم.“
ووفق تصريح الدكتور عبد العلي المسؤول، مدير مختبر الخطاب وقضاياه، فقد نجحت الندوة العلمية بتوفيق من الله في تحقيق مشاركة ناجحة لعدد من الباحثين والعلماء من أحد عشر بلدا منها موريتانيا والجزائر وفلسطين والسعودية والإمارات العربية واليمن والسودان والكويت والمغرب.كما تابع وقائع الندوة باحثون وطلبة من جامعات مغربية وسعودية وموريتانية.
أما بحوث الندوة فقد توزعت على خمس جلسات علمية طيلة يومي الثلاثاء والأربعاء برحاب كلية الآداب سايس وكلية الشريعة، وهي:
في الجلسة العلمية الأولى “الخطاب القرآني ودلالة السياق” برئاسة سعيد حليم (المدرسة العليا للأساتذة – فاس)، شارك ذ.عبد الرحمن بودرع ) كلية الآداب – جامعة عبد المالك السعدي- المغرب( بورقة بحثية عنوانها “أثر السياق في فهم النص القُرآني “ فأشار إلى أنّ التّحليل بالسياق يُعدّ وسيلةً من بين وسائل تصنيف المدلولات، لذلك يتعيّن عرض اللّفظ القرآنيّ على موقعه لفهم معناه و دفع المعاني غير المرادة. وللسّياق أنواع كثيرة منها السّياق المَكاني ويعني سياق الآية أو الآيات داخل السّورة، والسّياق الزّمنيّ للآيات، أو سياق التّنزيل، والسّياق المَوضوعيّ وهو الآيات التي يجمعها موضوع واحد، والسّياق المَقاصديّ و معناه النّظر إلى الآيات القرآنيّة من خلال مقاصد القرآن الكريم، والسّياق التّاريخيّ، وهو سياق الأحداث التّاريخيّة القديمة التي حكاها القرآن الكريم و المُعاصرة لزمن التّنزيل، والخاصّ هو أسباب النّزول، والسّياق اللّغويّ و هو دِراسةُ النصّ القرآنيّ من خلال علاقاتِ ألفاظِه بعضها ببعض والأدواتِ المستعملة للرّبط بين هذه الألفاظ، و ما يترتّب على تلك العلائق من دلالات جزئية وكلّية.
وشارك ذ.عبد المجيد محمد السوسوة الشرفي (كلية الشريعة والدراسات الإسلامية- جامعة الشارقة-الإمارات) ببحث “أثر السياق في فهم الخطاب القرآني” أكد فيه على أن فهم الخطاب القرآني لا يكون صحيحا إلا بمراعاة السياق الذي وردت فيه الأيات والسور؛ إذ إن السياق ببعديه المقالي والمقامي يقدم منهجًا دقيقًا لتحليل و فهم الخطاب القرآني ، و الكشف عن المعنى المراد ،و نفي الاحتمالات والظنون غير المرادة، و قطع الطريق على المقاصد المغرضة التي لم يردها الشارع الحكيم ، كما أنَّ الغفلة عن النظر في السياق، وأخذ الألفاظ منفردةً عن قرائنها السياقية يؤدي إلى الخطأ في فهم الخطاب كله أو بعضٍ منه.
أما ذ.عبد الرحمن عبد الله سرور الجرمان المطيري (كلية التربية الأساسية -جامعة الكويت) فكانت ورقته البحثية في موضوع “السياق القرآني وأهميته في التفسير ” حيث تحدث عن أصل من أصول التفسير ألا وهو السياق القرآني، وبين أهميته في التفسير.
وأما ذ. عبد السلام بن صالح بن سليمان الجار الله (كلية التربية – جامعة الملك سعود – السعودية) فكان موضوع بحثه هو “ملامح من الاجتهاد المنضبط في فهم الخطاب القرآني” الذي أشار فيه إلى أن القرآن متجدد المعاني، وبين المفهوم الصحيح والخاطئ لتجدد معاني القرآن، وضرورة ضبط الاجتهاد في فهم الخطاب القرآني ودواعيه، وصور من الاجتهاد المنضبط في فهم الخطاب القرآني.
وفي بحث “دلالة السياق وأثرها في فهم وتفسير الخطاب القرآني: قضايا ونماذج وضوابط” بين ذ. يحيى عارف (أكاديمية خنيفرة- المغرب) أثر دلالة السياق في ترجيح القراءات، ونقد المرويات، وبيان المعنى، وتوجيه المشترك اللفظي، وإظهار المناسبة بين الآيات والسور، وفي الترجيح والتضعيف بين أقوال المفسرين، ورد الشبهات ودفع الإشكالات في القراءات والتأويلات المعاصرة للخطاب القرآني.
وكانت مشاركة ذ.عيسى بن ناصر الدريبي (كلية التربية -جامعة الملك سعود – السعودية) في موضوع “أسس فهم الخطاب القرآني :السياقات الزمانية والدلالية” إذ تتبّع أهم أصول فهم الخطاب القرآني في ضوء محددات منهاظروف نزول الخطاب القرآني من العلم بأسباب النزول، وأماكن النزول، وأثرهما في التفسير. ومنها فهم لغة الخطاب القرآني ، وهو اللسان الذي نزل به القران من علم غريب القرآن، وأساليب القرآن في المخاطبات، وعاداته، وكليات الألفاظ، ودلالاتها.
ثم تدخل ذ.محمد شتوان (أكاديمية تطوان- المغرب) بورقة بحثية “السياق الخارجي وأثره في فهم النص القرآني ” كشف من خلالها حضور السياق في فهم النص القرآني، مع التركيز على مفردات “السياق الخارجي” أو “سياق الحال” في هذا الفهم. كما سعى كذلك إلى بيان تهافت بعض “القراءات الحداثية” التي تحاول توظيف هذا النوع من السياق من أجل هدم أركان هذا النص وتجاوزه؛ فقد ظهرت مجموعة من الاتجاهات في فهم النص القرآني، لكنها –بقصد أو غير قصد- تنحرف عن روح النص ومقاصده، وتخالف مجمل النص القرآني والسنة النبوية.
وفي الجلسة الثانية “التغير الدلالي وأثره في فهم الخطاب القرآني” برئاسة ذ. الحسين العمريش (كلية الشريعة – جامعة القرويين -المغرب) شارك ذ. راشد بن حمود بن راشد الثنيان (كلية التربية بالزلفي-جامعة المجمعة-السعودية) ببحث “الترجيح الدلالي بالسياق القرآني” عرض فيه مفاهيم الترجيح، والترجيح الدلالي، ودلالة السياق، و تطرق إلى أن العلماء درجوا على توظيف دلالة السياق خصوصا في الترجيح الدلالي، وأن أسلم وسيلة لترجيح الدلالات هي الاستعانة بدلالة السياق، وأن السياق كله وحدة مترابطة تنسجم في كل آيات الذكر الحكيم. ثم ختم البحث بذكر بعض الأمثة التطبيقية للترجيح الدلالي بالسياق القرآني.
وتدخل ذ. حمزة حسن سليمان أورتشي (جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية-السودان) ببحث “توجيه فهم النص القرآني عند المفسرين” بين فيه أهمية الاشتغال على كتاب الله تعالى، وضرورة الوصول إلى منهجية موحدة لتفسير القرآن الكريم، والاهتمام بمقاصد القرآن وكلياته. ثم تحدث في محورين اثنين هما:أولهما علم فن التوجيه: ويتضمن مفهوم التوجيه، وأهم مرادفاته. وثانيهما توجيه الخلافات بين المفسرين، وأهم جوانبه التطبيقية: المتشابه، والتقديم والتأخير، واحتمال الكلام أو المشترك اللفظي، واختلاف القراءات. وختم ورقته بتوصيتين اثنتين: محاولة جمع أهم الفروق بين المفسرين ودراستها، ثم الحرص على وضع منهجية متقنة تسعى إلى توجيه الخلافات التفسيرية والتقليل منها.
أما ذ. حمو عبد الكريم (المركز الوطني للبحث في الأنتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية وهران-الجزائر) فكانت ورقته “التغير الدلالي في تفسير الشعراوي” مجالا للتعريف بالشيخ الشعراوي وبتفسيره، ثم حدد أهم المناهج التي اعتمدها الشيخ الشعراوي في تفسيره وهي: الاعتماد على المنهج اللغوي في التفسير بتحقيق المفردة القرآنية نحو وصرفا واشتقاقا، والمنهج الموضوعي، والمنهج الانطباعي المتجلي بالتأثر بتفسيره بالتفاعل مع المستمعين. وهذه المناهج كان هدفها نشر المقاصد القرآنية والمعاني الكلية بين المسلمين. ثم ركز الباحث على ملامح التفسير اللغوي عند الشيخ الشعراوي، وذلك بالتركيز على الجانب الدلالي في اتجاهات ثلاثة: الاتجاه التاريخي في تغير معنى الألفاظ القرآني ومثل بلفظ البلد والغلول، الاتجاه الاشتقاقي ومثل له بالعباد، والاتجاه التركيبي السياقي.
وأما ذ.الزبير درغازي (أكاديمية سوس ماسة درعة-المغرب) فقد شارك ببحث “تأويل الصفات الخبرية: الإمام محمد الطاهر بن عاشور نموذجا” أوضح فيه مناهج التعامل مع هذه الصفات الخبرية، وأجملها في منهجين اثنين: أولهما منهج السلف الذي يرتكز على قواعد ثلاث: تقديم النقل على العقل، ورفض التأويل، والاقتصار على القرآن والسنة في الاستدلال عليها. وثانيهما منهج الخلف: الخوض في تأويلها، وقد يكون هذا التأويل إما منقادا قريبا من اللسان العربي، أو مستكرها جافيا عن اللغة.ثم أعقبها بموقف الإمام الطاهر بن عاشور من التأويل وأنه يرادف التفسير، واتخذ بدوره مذهب الخلف في التأويل، ثم ضرب الباحث بعض الأمثلة لتأويلاته للصفات الخبرية ومن بينها: صفة الوجه بمعنى الذات، وصفة اليد واليمين بمعنى العطاء والبذل والكرم، وصفة الاستواء بمعنى الاعتلاء والتمكن، وصفة المعية بمعنى العناية والإعانة والحفظ. ثم نبه في الأخير على عناية الإمام ابن عاشور بالسياق، وبراعته في تطبيقه على الخطاب القرآني.
وفي الجلسة الثالثة “الخطاب القرآني بين النظر المقاصدي والقراءة الحداثية” برئاسة ذ. ابراهيم أزواغ (كلية الآداب سايس ـ جامعة سيدي محمد بن عبد الله -المغرب) شارك ذ.عبد الحميد زلافي (جامعة بشار-الجزائر) ببحث “فهم الخطاب القرآني بين معهود العرب والتغير الدلالي” الذي أكد فيه على أن قراءة النص القرآني وفهم خطابه لا يكون إلا من جهة لسان العرب ومعهودها زمن نزول الوحي، فخاطب القرآن الكريم العرب بلسانها، بل وضعه الشاطبي أحد أركان فهم النص القرآني، ولا نتحدث عن معهود العرب بإطلاق بل عن معهود الأميين زمن نزول الوحي بحسب تعبير الشاطبي.
وكانت مشاركة ذ.محمد بنعمر (المركز التربوي-الناظور-المغرب) ببحث “سؤال المنهج في مشاريع القراءات الحداثية للنص القرآني” بين فيه أن إعمال العقل والاستعانة بالمنهجيات الجديدة في التفسير، من أجل الفهم والتدبر والتفسير والتوسع في المعاني المحمولة في النص القرآني، عملية مشروعة إن هي راعت هذه العملية الضوابط والشروط الحاكمة للتفسير، وهذا لا يعني إلغاء حرية الفكر والفهم لمعاني كتاب الله.
أما مشاركة ذ. هشـام تهـتاه (الكلية متعددة التخصصات تازة – المغرب) فكانت بعنوان “فقه المصالح في الخطاب القرآني” دعا فيها إلى ضرورة إعمال الفكر المقاصدي في ترشيد فهم الخطاب القرآني، لأن القراءة المقاصدية للنص القرآني هي الوحيدة الكفيلة ببيان صادق معانيه وعميق مقاصده، وهي الأقدر على إعادة الاعتبار لهيبة النص القرآني وقداسته، خاصة وأن كثيرا من القراءات المعاصرة ونظرياتها المتعددة قد أغرقت الخطاب القرآني بوابل من التأويلات الغريبة، والإسقاطات المتعسّفة، والاقتحامات المتهوّرة، وكأنّ لسان حالها يدعو جهرا إلى تغليب سلطة القارئ على حمولة النصّ المقروء، وهي بذلك تفقد الخطاب القرآني محوريّته، وتعاكس أغراضه، وتبشّع جماله، وحتما تضيّع على المخاطَب به – وهو النوع الإنساني – منافعَه ومصالحَه.
ثم تدخل ذ.عبد الكريم بن محمد بنـانـي (المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية -سيدي قاسم-المغرب) بورقة عنوانها “الدلالات اللغوية وأثرها على الفهم المقاصدي للخطاب القرآني” سعت إلى تحقيق أهداف منها تبيين أثر الفهم المقاصدي للخطاب القرآني من خلال المنهجية الأصولية التي تناولت الدلالات في إطار مدرستين: مدرسة الجمهور ومدرسة الحنفية، بناء على ما توافقت عليه مناهجهم بخصوص دلالات اللفظ على المعنى. ومنها بيان الآثار والأبعاد المقاصدية المستفادة من إعمال الدلالات في تفسير وفهم الخطاب القرآني عموما. وكذا بيان أهمية التقسيم الأصولي اللغوي، وتأثيره على الفهم المقاصدي للخطاب القرآني، انطلاقا من مبدأ التنوع الدلالي.
وفي ختام الجلسة تدخل ذ.يوسي الهواري (جامعة وهران – الجزائر) ببحث موسوم بـ”مجاري العادات وأثرها في ضبط آليات فقه الخطاب الشرعي” أكد فيه على أن أكبر تحد يواجه المسلمين اليوم في ظل ما نعيشه اليوم من تحولات، هو القدرة على فهم نصوص الوحي، فهما يمكننا كمسلمين من التفاعل مع غيرنا في بناء الإنسانية دون أن نفقد هويتنا، ولعمري لن يصل هذا الأمر مداه، إلا من خلال تفعيل وكشف آليات الفهم السديد والفقه القويم، من هذا المنطلق تأتي هذه الورقة، لتبرز أهمية استحضار تلكم العناصر الخارجية عن الخطاب، أو ما أسماه الشاطبي رحمه الله بمجاري العادات في تسديد عملية الفهم، وفي ضبط آليات فقه الخطاب الشرعي.
أما وقائع الجلسة الرابعة “الخطاب القرآني: قيم الجلال والجمال- الدلالة الصوتية” برئاسة ذ.عبد الرحيم الرحموني (كلية الآداب ظهر المهراز-جامعة سيدي محمد بن عبد الله-المغرب)، فتمثلت في مشاركة ذ. عبد الله الغواسلي المراكشي (كلية الآداب سايس فاس) ببحث عنوانه “الشريف المرتضى الأديب الشاعر ومنهجه في التفسير” بين فيه خدمة الشعر والبلاغة والأدب لتفسير القرآن الكريم، وأن القرآن الكريم يفهم على وفق قانون كلام العرب، وحدد بعض ملامح المنهج التفسيري للشريف المرتضى.
وتدخل ذ. عبد الحليم لالوسي (جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية قسنطينة-الجزائر) ببحث “أثر الخطاب القرآني في تربية الشخصية المتزنة من خلال ضبط مفهومي الجلال والجمال” أكد فيه على أن مما ينبغي التفكير فيه هو الاهتمام بما اهتم به القرآن الكريم وذلك لإعادة التوازن للشخصية المسلمة ،ويصبح ذلك من الضرورات الملحة التي لا يجوز التقصير فيها ، ويتأكد الأمر إذا أرادت الأمة أن تستعيد المبادرة في عالم ضاع فيه المبدأ الأخلاقي وارتمى أبناء هذه الحضارة فيما يزيّنه شياطين الجن والإنس بالضغط على الذوق الإنساني بعرض أنماط محددة لا تمت لقيم الجمال والجلال بشيء . ولاسيما أن القرآن الكريم عرض منهجا متكاملا ومتوازنا للتربية على هاتين القيمتين حيويا وإحيائيا للنفس الإنسانية .
أما ذ. مبارك بن محمد بلالي (جامعة أدرار- الجزائر) فكانت مشاركته بعنوان “الدلالة الصوتية للخطاب القرآني عند الزمخشري” ألقى من خلالها الضوء الكاشف على أبعاد الدلالة الصوتية للخطاب القرآني، في تشعّب جوانبها وعظمة انطلاقها، منخلا لما حفل به كتاب الكشّاف من شواهد لهذه الظاهرة وموقف الزمخشري منها وتحليله لها، في عناصر تشتمل على: دلالة الخوف الهادر، دلالة الندى الصارخ، دلالة الاستغراق في المدّ الصوتي، سيادة القالب الواحد و ومصاقبة اللفظ للمعنى.. تحاول هذه العناصر استعراض شواهد الدلالة الصوتية عند الزمخشري، بما يسمح بتلمّس مظاهرها عنده، بوصفه واحداً ممن أنزلوا اللفظة القرآنية منزلتها ووقفوا على خصائصها الصوتية في الدلالة على المعاني المرادة منها .
ثم كانت مشاركة ذة. غنية بوحوش (جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية قسنطينة – الجزائر) بعنوان “الدلالة الصوتية للقرآن الكريم من خلال أحكام الترتيل _ عرض نماذج مختارة”، اشتملت على بيان كون أحكام الترتيل تعبدية توقيفية، وأن للقرآن الكريم دلالاته الصوتية الخاصة التي تتجلى بوضوح من خلال أحكام الترتيل.
وفي الختام انطلقت الجلسة الخامسة “دلالة الخطاب القرآني بين المبنى والمعنى” برئاسة ذ.عبد الرحمن بودرع ) كلية الآداب – جامعة عبد المالك السعدي- المغرب(، واشتملت على مجموعة من البحوث العلمية تمثلت في مشاركة ذ.عبد الله شنتوف (جامعة ابن طفيل – المغرب) بورقة عنوانها “الخطاب القرآني: البناء الدلالي وطرق الاستنباط عند الأصوليين” بين فيها أن الدارس للخطاب القرآني يلاحظ تميزه عن باقي الخطابات الأخرى, لأنه ليس خطابا عاديا, ويظهر ذلك في بنائه الدلالي الذي يتغير بتغير الخطاب نفسه, مما يفرض على المتعامل معه قصد الاستنباط والتفسير مراعاة ذلك, ومن بين الدارسين الذين لاحظوا تغير البناء الدلالي في الخطاب القرآني علماء أصول الفقه, فأثاروا قضايا دلالية ذات قيمة علمية عالية التقوا فيها مع اللغويين, وذلك مثل الدلالة المعجمية والدلالة التركيبية وغيرها, مما يعكس تمكنهم وفهمهم الدقيق للخطاب ودلالاته.
أما مشاركة ذ. خالد محمد الجديع (كلية اللغة العربية بالرياض-السعودية) فكانت بعنوان “تصاقبات حجاجية: التعبير عن المعنى” حاول من خلالها الولوج إلى درس حجاجي يعنى بالمعنى المراد إيصاله إلى المتقبل سواء أكان ذلك عن طريق إشهاري أو غير إشهاري. وهو مجال ظل بكرا، على الرغم من كثرة الدراسات الحجاجية، ذلك أن مقاربة النصوص المقدسة من زاوية حجاجية قبعت حبيسة اللفظ والتركيب، كما بدا ذلك واضحا في الجهد الكبير الذي بذله الناقد الدكتور عبدالله صولة في كتابه ( الحجاج في القرآن الكريم من خلال أهم خصائصه الأسلوبية ) أو ما أنجزه الدكتور عبدالجليل العشراوي في كتابه ( الحجاج في الخطابة النبوية ).
ثم تدخل ذ. نَصْر الدّين وَهَّابِي (جامعة الوادي – الجزائر) بورقته “مَنْهجُ الجمْعِ البَيانِي بَيْن الآياتِ المُتَشَابِهاتِ المَبَانِي” أكد فيها أنه يؤسّس بحثَه هذا على اعتقادٍ راسخٍ، لدى عُلَماء القُرْآن الكريم، بأنّ بحْثَ الخِطَاب القُرْآنيّ، من جِهَة مَنَاحِي الإعْجَاز فيه، هو بحثٌ دائمٌ ما دامتِ السّمَاواتُ والأَرْض، وهو ما بنى عليه الدّعْوة إلى وجوب النّظر إلى المنجز التّراثيّ، في المقاربة البيانيّة، على أنّه تحقيقٌ لما كان يَأْذَنُ به مُسْتوى التّفْكير في تلك الأيّام، وآيةُ ذلك أنْ قد أُتيحَ لأنْظَارٍ مُتأخّرةٍ قَدْرٌ من التَّوْفيق يَتَجَاوَزُ ما حقّقتهُ بعضٌ من جهودِ تلك الأيّام.
وأما ذ.كرياء السرتي (المدير العام لشبكة ضياء للمؤتمرات والدراسات – المغرب) فكانت ورقته البحثية بعنوان “التحليل الحجاجي للخطاب القرآني: نماذج وملاحظات”، وقد حرص من خلالها على تتبع ودراسة بعض الأبحاث المعاصرة التي وظفت جانباً من النظريات الحجاجية في دراسة الخطاب القرآني واستخراج معانيه ودلالاته، علماً أن الدراسات المهتمة بالقرآن الكريم لم تتوقف طوال تاريخ طويل. واشتملت الورقة على نماذج لتحليل الخطاب القرآني وفقاً لنظريات الحجاج؛ أولها التحليل الحجاجي للقرآن من خلال الخصائص الأسلوبية للباحث التونسي عبد الله صولة الذي اجتهد في دراسة حضور الحجاج في المعجم والتراكيب والصور. وثانيها دراسة الباحث التونسي محمود المصفار الموسومة بـــ “سيميائية القرآن بين الحجاج والإعجاز”. أما ثالثهافهو ما أنجزه الباحث المغربي أبو بكر العزاوي بشأن الخطاب القرآني وما يشتمل عليه من علاقات حجاجية مضمرة.
كان هم الورقة متمثلا في استكشاف ما وظفه هؤلاء الباحثون من مفاهيم وإجراءات، وما أعملوه من مناهج ونظريات، رغبة في استخراج خصائص الخطاب القرآني ومزاياه؛ فظهر أن عبد الله صولة اجتهد في تتبع النظريات الحجاجية الحديثة التي صاغها كل من تولمين وبرلمان وتيتيكاه وأنسكومبر وديكرو وميشال مايِر، ورأى في ما قدمه هؤلاء من مفاهيم مختلفة للحجاج ما من شأنه أن يثير مشاكل منهجية في مجال الدراسات الحجاجية عامة، وفي دراسة القرآن دراسة حجاجية خاصة.
أما الباحث محمود المصفار فقد انتهج المسلك ذاته، من حيث استثمار النظريات اللسانية والتداولية والسيميائية الحديثة، مع الاختلاف البين في كيفية التعامل مع النص القرآني؛ إذ نجد المصفار يهدم – أو يكاد – قدسية القرآن الكريم وتميزه المطلق عن سائر النصوص والخطابات البشرية. وأما الباحث أبو بكر العزاوي فقد أظهر تبنياً صريحاً لنظرية الحجاج اللغوي بوصفها إطاراً صالحاً لاكتشاف الإمكانات الحجاجية المتوفرة في النصوص والخطابات علاوة على توفرها أصالةً في اللغات الطبيعية ومنها اللغة العربية.
والجدير بالذكر أن الندوة العلمية تميزت بمناقشة علمية غنية للباحثين والطلاب الذين تابعوا العروض العلمية بشغف وصبر واهتمام، وهي المناقشة التي أثارت جملة من القضايا والإشكالات المرتبطة بالفروق بين النص والخطاب، وبمفاهيم الاستدلال والحجاج والتأويل والتفسير، وبقضايا الاستنباط والقياس وسائر القواعد الأصولية، وبالمقاصد الشرعية..
ثم اختتمت الندوة بجلسة ترأسها عميد كلية الشريعة (جامعة القرويين)، وشارك فيها الدكتور أحمد العلوي العبدلاوي (كلية الآداب سايس – جامعة سيدي محمد بن عبد الله)، عضو اللجنة المنظمة الذي قدم توصيات المشاركين:
–طبع أعمال الندوة العلمية الدولية ونشرها على أوسع نطاق.
-نشر تقارير الجلسات العلمية للندوة عبر المواقع الإلكترونية الأكاديمية.
– تعميق الصلة بين كليات وشعب اللغة والأدب والعلوم الشرعية.
– تعميق الاستفادة من علوم اللغة العربية القديمة والحديثة في فهم وتفسير الخطاب القرآني.
-العمل على تنظيم مثل هذه الندوة كل سنتين.
– العمل على عقد اتفاقيات التعاون العلمي بين مختبرات البحث في الجامعات العربية والإسلامية.
اترك رد