عبوب محمد أمين: أستاذ الاعلام والاتصال جامعة حسيبة بن بوعلي – الجزائر
تَعِجُ في الآونة الأخيرة شبكات التواصل الاجتماعي ومواقعها بالمحتويات التي تقوم بتلخيص واستخلاص مجموعة من النتائج الواردة في كتاب يحمل عنوان “العرب-وجهة نظر يابانية-“، الصادر عن دار منشورات الجمل طبعة 2003، لكاتبه “نوبوأكي نوتوهارا” وهو مستشرق ياباني ومترجم وأستاذ جامعي للغة العربية بالجامعات اليابانية.
لن أقوم في هذا المقال بنقد الكاتب ولا الكتاب نقدا علميا صريحا فهو لا يستحق ذلك، بل سأقوم بطرح مجموعة من الأسئلة الموضوعية التي خالجت ذهني حين قمت بالاطلاع على الكتاب، ومحاولة تبيان أن هذا الكتاب لا يرقى أن يكون مُهمًا للعرب.
السؤال الأول: صدر الكتاب عام 2003 فلماذا ظهوره على السطح الآن؟ لما في هذا التوقيت وفي مرحلة انحطاط حضاري وثقافي رهيب تعيشه المجتمعات العربية، وصورة مضطربة ومغلوطة عن العرب والمسلمين في عقول شعوب العالم؟!
السؤال الثاني: لما نرى أن معظم أو كل المحتويات التي تراجع وتعرض محتويات الكتاب تركز على الانتقادات والرؤى السلبية التي وجهها الكاتب لشعوب العالم العربي مع انه اورد الكثير من الأمور الايجابية التي تنير صورة العرب، مع أن منتجي هذه المضامين من مقالات ومقاطع فيديو عبر الانترنت هم عرب، هل يهوى العرب أن يحط من قيمتهم وصورتهم؟ وإما أنهم موضوعيون لدرجة أنهم يتقبلون الانتقادات اللاذعة..؟؟ مع أن نوتوهارا نفسه في كتابه ينفى ذلك ويقول أن العرب مشغولون بفكرة النمطية والنموذج الموحد ولا يقبلون النقد!!
السؤال الثالث: هل فعلا هذا الكاتب يفهم العرب؟ وكيف لهذا الكاتب أن يقارن قارة كالعالم العربي باختلافاته وتنوعه وتنوع ظروفه بالمجتمع الياباني؟ متجاهلا في ذلك كل حياة الأمم والسياقات التاريخية المختلفة تماما
واخيرا: كيف لهذا الكتاب أن يلقى كل هذا الرواج والشهرة في العالم العربي؟
ببحث بسيط عبر شبكة الويب عن مقالات ومضامين (سمعية بصرية) تتحدث عن الكتاب وتظهر ما له وما عليه، فوجدت أغلب أو بالأحرى كل المضامين تصدق هذا الكتاب وتشيد ب(نتائجه) على لسان نقاد وكتاب وحتى مستخدمين عادين وممن قرء الكتاب وممن لم يقرأه، وقد أُتْبعَت هذه المحتويات.
وما أثار سخطي هو تداول المقولات الواردة في الكتاب وانشاء المحتويات المسوقة لهذه الخواطر على شكل صور ونصوص ومقاطع فيديو… وعدد المشاهدات والاعجاب التي تعد بالآلاف لنفس المحتويات والتعاليق المؤكدة والممجدة لأفكار الكاتب وكأنها نتائج علمية مثبتة أو صادرة عن مخابر علمية معتمدة، حيث يقوم مستخدمو هذه المواقع بتضخيم شخصية الكاتب وكأنه عالم اجتماع بمجرد أن جنسيته -يابانية-، وكان الياباني شخص لا يخطأ ولا يُدَلِس، مع ان ما ورد في الكتاب ما هي إلا مجموعة من الانطباعات والمذكرات اليومية والخواطر الشخصية عن بيئة قزمية لا تستند إلى أي أسس منهجية علمية آكاديمية، ويؤكد الممجدون لهذا العمل على أن الكاتب عاش 40 سنة مع العرب، مع انه لم يزر إلا عدد من البلدان كمصر والمغرب وليبيا…ولم يزر الخليج مثلا ولا مرة في حياته، مع ذلك فإنه قد عمم انطباعاته على جميع العرب.
ومن ملاحظات الكاتب (المهمة) هي الاختناق والتوتر التي تسود المجتمعات العربية فإن أخذنا الانتحار كأهم مؤشر من مؤشرات ارتفاع وسطوة التوتر النفسي وقمة الفراغ الروحي فإن منطقة شرق آسيا من أكبر نسب الانتحار في أقطار العالم، فإن كان يريد الصاق انطباعاته -الخاطئة أصلا- على بلدان العرب فكان حريا به مقارنته ببلده وتبيان مؤشرات والاستشهاد بأرقام لهذا التوتر ولا يعتمد على (رهافة إحساسه) كمعيار؟!
فالكتاب لا يعدو كونه مجموعة من المذكرات الشخصية وليست دراسة علمية مؤسسة، فمجموعة من الاحداث التي جرت أمام عيون شخص ياباني لا يفهم عن المجتمعات العربية وعاداتها وتقاليدها الا القليل القليل، لا يمكن اعتبار هذا العمل مرجعا حتى ولو كان فيه بعص الصحة لأنها سيرة حياة وليست عينة ممثلة لكل المجتمع الذي يدعي تعميم كلامه المرسل عليه، فان كان من قابل هذا الكاتب فاسدون وكاذبون ومنافقون فليس العرب كلهم كذلك، وخير دليل على أن الشخص لا يفهم الثقافة العربية قوله أن المُعَاملَةُ لمن أساء الينا يجب ان تكون جيدة وهذا حقيقة لا يتعارض مع ما جاءت به العقائد المنتشرة عبر الوطن العربي وخاصة الدين الاسلامي السائد، لكنه يُسقِط هذا القول على المجتمع الياباني وتسامحهم مع شعوب العالم وخاصة الشعب الامريكي بعد الحرب العالمية الثانية، وهو اسقاط خاطئ وغير موضوعي ومختلف تماما عن ما حصل في العالم العربي من غزو غاشم لم يكن هدفه سياسي أو اقتصادي فقط بل كان دينيا/ثقافيا بالدرجة الأولى، لهذا فالعرب لم ولن ينسوا هذا الاستدمار.
وان كان بعض العرب قد تبنوا بعض الممارسات غير الحضارية أحيانا وفي ظروف معينة هذا لا يعني أن العرب أمة غير حضارية، فان كان الاعتراف بالخطأ سلوكا اجتماعيا صحيحا فمن النفاق التاريخي والحضاري اعتبار الحضارة الغربية وحضارة الشرق الاقصى مثالية، بل أن الكل يعلم أنها كانت ومازالت مليئة بالقاذورات والاخطاء الفادحة التي تهدد بزوالها وزوال تماسك مجتمعاتها، فان كنت ميولات شعوبنا -كما يقول- تتجه نحو الحكم العسكري سياسيا والتَدَيُن القصري الوراثي، فاعلم أنكم شعوب تميلون الى الحُكْمِ المنحل والفاسد سياسيا وال (لا تدين) أو عبادة الصخور والظواهر الطبيعية التي نعبد نحن رَبَ هذه الظواهر والخوارق.
أما عن العنصرية التي يتهم بها الكاتب شعوبنا أو العدوانية التي يمارسها العرب ضد بعضهم البعض، فالسؤال المطروح: ما الذي يحدث في مجتمعاتكم من قتل وتطهير عرقي وديني معلن؟ ماذا يحدث في بورما وتايلاندا وغيرها؟؟ باعتبار هذه البلاد جزءا من ثقافة الشرق الأقصى التي تنتمون إليها… لما لم تزر هذه البلدان !!؟؟
تكلم الكاتب عن السلطة الأبوية التي اعتبرها تكريسا أوليا للقمع الذي ستتعرض اليه الشعوب العربية على يدي أنظمتها القهرية، وان هذه النوع من السلطة الأسري سيجعل من الطفل العربي لقمة صائغة في فم النظم السائدة في البلدان العربية، لن أجيب هذا المقال إلا أن هذا الشخص جاهل بثقافة ودين هذه الأمة، على النقيض من ذلك فإن تميع الشباب والانحراف الفادح الذي تعيشه شعوبكم سببه غياب هذه السلطة أو تغييبها بقوة القانون.
أخيرا أنهي مقالي هذا برسالتين الأولى إلى الكاتب ادعوه فيها إلى الالتزام بالقواعد العلمية والمنهجية في عملية التعميم فبقوله “العرب” في عنوان كتابه ومتنه قد خرق كل قواعد الموضوعية والالتزام بالمناهج العلمية وأدواتها.
أما الرسالة الثانية فهي لنا نحن العرب، -ففي نفس الوقت- الذي نمجدهم نحن ونمدح خصالهم -الخرافية- الخيالية وذكاءهم الخارق ونظامهم الصارم، هذه الصورة التي تُسوِقها وسائل اعلامهم واعلامنا عن طريق الدراما وغيرها من المواد الاخبارية بإظهار القوة واخفاء السقم، هم لا يرون عبرنا وعبر وسائل اعلامنا إلا الخبث وسلبيات متراكمة تطبع حياتنا ويتلذذون بتكريسها في عقول شعوبهم وتذكيرنا بها، فإن كان نوتوهارا قد عرف (العرب) فانه قد عرف أنهم يهوون انتقاد افعالهم وجلد أنفسهم.. وذلك باستحضار حقائق يعلمونها من قبل-على حد قول الكاتب- ولا يسعون الى تغييرها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لهذا فلابد من نبذ الرأي والهوى القادم من الشرق والغرب وحتى هوى انفسنا والعلم ان الرسول قال “الخير في أمتي الى يوم القيامة” فلنُخْرج خير ما عندنا إذا.
اترك رد