الفاسيون والمخزن الإسماعيلي- قراءة في المواقف

صدر مؤخرا عن مطبعة مكناس مؤلف جديد للدكتور الحاج ساسيوي الفيلالي يحمل عنوان “الفاسيون والمخزن الإسماعيلي”-قراءة في المواقف-(1672م-1727). ويضم هذا المؤلف الفصول التالية:

الفصل الأول : فاس الثائرة وعلاقة المولى إسماعيل بمكونات مجتمعها..

المبحث الأول : نماذج للثورات والفتن الفاسية التي واجهت المولى إسماعيل

المبحث الثاني : جوانب من علاقة المولى إسماعيل بمكونات المجتمع الفاسي

الفصل الثاني : بعض قضايا الخلاف والتوتر بين المخزن الإسماعيلي وأهل فاس : التجنيد نموذجا

علاوة على مقدمة وخاتمة (ويحوي المؤلف 123صفحة).

تقديم للكتاب:

لا غرو أن مدينة فاس لعبت دورا متميزا، وفعالا في تاريخ الدولة المغربية عبر مختلف مراحلها، الأمر الذي جعل المؤرخين يولون اهتمامهم شطرها ؛ إلا أن هذا الاهتمام لا يخلوا من نقائص، من قبيل التركيز على الرواية الكمية، والتي تصل أحيانا إلى حد التناقض والتضاد، وفي أحيان أخرى الغموض والإضمار، وإصدار أحكام غالبا ما تكون متسرعة. تلك صفات تنطبق بشكل كبير على فترة الدراسة ـ فاس في عهد المولى إسماعيل ـ، مما يجعل مهمة الدارس لها في غاية الصعوبة والتعقيد؛ إذ أنه يهدف بالتحديد إلى استحضار الجديد من الروايات، وتدقيقها ومقابلتها واستنطاقها ووضعها في سياقها العام، من أجل الوصول إلى تصورات توضح طبيعة العلاقات التي ربطت أهل فاس بالمخزن الإسماعيلي ؛ وهو ما نسعى إليه عبر هذه الدراسة.

وللتدليل على ما سبق ذكره، نسجل أن المصادر تارة تقر أن حنكة المولى إسماعيل، كوال لأخيه المولى الرشيد على مكناس هي التي جعلت هذا الأخير يضيف إليه ولاية مدينة فاس ؛ وتارة أخرى، وفي نفس الوقت تورد هذه المصادر نفسها، الجو السياسي المتسم بطابع الانقسامية والفوضى داخل المدينة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه وبمجرد الإعلان عن وفاة السلطان المولى الرشيد تم عقد البيعة لأخيه المولى إسماعيل بمدينة فاس، بإقرار من شخصيات فاسية وازنة، كعبد القادر الفاسي، وأبي زيد عبد الرحمن الفاسي، ومحمد بن عبد القادر الفاسي، ومحمد بن علي الفيلالي، وغيرهم؛ في الوقت ذاته تشير هذه المصادر إلى أنه بعد عقد هذه البيعة ثارت مدينة فاس، والتي كان من نتائجها قتل القائد زيدان بن عبيد العامري؛ مع ما للعلماء من مكانة متميزة لدى العامة، إذ أنهم يعتبرون بحق ألسنتها الناطقة.

ومن القضايا التي تحتاج إلى تدقيق، ما ذهب إليه بعض المؤرخين والدارسين، من أن معارضة علماء فاس للمولى إسماعيل في مسألة “تأسيس جيش عبيد البخاري” كانت أحادية العامل، فمن قائل إنها كانت للحيلولة دون تجريد القبائل من السلاح، وبالتالي حرمانهم من واجب الجهاد، إلى زاعم أنها تهدف للحفاظ على مصالح شخصية، تتعلق بالأهمية الاقتصادية للحراطين داخل المجتمع الفاسي، إلى رأي يجزم بأن المعارضة تتعلق بنصرة واجب شرعي (حرية الإنسان) … إلخ.

والذي يمكننا الجزم به، أن ثورات أهل فاس، ومن ضمنها معارضة العلماء، كانت ثمرة تفاعل عوامل متعددة ومتداخلة : اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، … إلخ.

ولعل أكثر التصورات شيوعا لدى الأوربيين، الأحكام الجاهزة والمتسرعة/”المتهورة” حول طبيعة العلاقة التي ربطت السلطان بالمدينة، ومنها ما ذهب إليه “الأب نولسك” في مسألة اغتيال العالم عبد السلام جسوس، إذ أخذ يحكي مجموعة من الترهات إلى درجة أنه انتهى إلى كون السلطان مع بعض قواده، قد أمر بقطع إحدى رجلي الطالب الأول (جسوس) قبل اغتياله، وأنه استدعى جميع الطلبة (باقي العلماء)، وأفتاهم بصواب رأيه، وإقرارهم بأن جميع رعايا مملكته عبيدا له.

ولم يقتصر هذا التسرع في الأحكام على الأجانب، بل إن الناصري نقلا عن أكنسوس قال : “وقد جرى ذكر قضية الفقيه أبي محمد عبد السلام جسوس هذا، بمجلس السلطان المرحوم المولى سليمان، فقال : ما قتله مولانا إسماعيل، وإنما قتله أهل فاس”؛ وهو ما يضاف إلى الكثير من الادعاءات الخاطئة التي يحفل بها كتاب “الاستقصا” على الرغم من أهميته؛ وفي نفس الوقت يحتم على “الدراسة” التدقيق في هذه القضية الهامة والمهمة، والتي ترصد وتوضح العلاقة بين مؤسستي العلماء والسلطة.

لكن الدراسة لا تكتفي بمجرد تدقيق وتصحيح الأحكام والأفكار الخاصة بالفترة، بل تتجاوز ذلك إلى محاولة معالجة الأوضاع الاجتماعية والسياسية والشرعية، … لمدينة فاس خلال مرحلة حساسة، تعتبر مرحلة بناء أركان الدولة المغربية في ثوبها العلوي.


نشر منذ

في

,

من طرف

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ جينا

    مشكورييييييييين

  2. الصورة الرمزية لـ رشيد لطيف
    رشيد لطيف

    هنيئا أستاذي العزيز .مزيدا من التألق

  3. الصورة الرمزية لـ أيت لكبير
    أيت لكبير

    تحية طيبة.
    أود أن أسأل عن المكتبات التي يمكن من خلالها الحصول على هذا الكتاب

اترك رد