تحديات الأمن الداخلي للأمن الوطني في ليبيا

تقديم وعتاب أمني

إن أحد الأسباب التي دعتني إلى تناول هذا الهاجس الوطني هو حضوري لمؤتمر الأمن النووي: نحو إخلاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من السلاح النووي( 27-11-2011 إلي 1-12-2011) وكيفية الاستعداد لمؤتمر سول/كوريا سنة 2012؟ ولقد كانت معظم الأوراق الأربعين، وعلي مدار ثلاثة أيام من الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة السابعة مساء، تتحدث عن الهاجس الأمني ومخاطر الأسلحة النووية في المنطقة العربية.

أيضا هناك أسباب شخصية تتعلق لكوني الليبي المشارك في المؤتمر وعلى نفقته الخاصة، والذي مثل جامعته (بنغازي/ قاريونس سابقا) ظلما وبهتانا، لوجودها خارج التغطية العلمية والمعرفية، لكن حضوري كان لتمثيل الوطن ليبيا، وهبتها الربانية، فالأسئلة كانت تنهال علي صباح مساء حول مستقبل ليبيا ووضعها الأمني، وكيفية الاستقرار، وماهية طبيعة الأوضاع الأمنية في ليبيا : أسئلة مؤرقة وغير مصرح لي بالإجابة عليها، لأنني لست مخولا بذلك أكثر من التعامل في المسائل العلمية، استنجدت بالسفارة الليبية ممثلة في شخص سفيرها، فلم تتم الاستجابة للاتصال بنا، ورفض الاتصال مقابل اتصالي، بالرغم من تقديمنا لكل البيانات إلي سفارته المؤرقة، والغرض كان إمكانية قدومه، أو تكليف طاقم صحفي للحضور والمشاركة بكلمة إلي المؤتمر الأمني ، حيث الأمر كان متاحا لذلك. ولكن كانت الفاجعة غياب ليبيا الرسمي، وحضور فقرائها وزعاليقها. والذي أزعجنا أننا تشرفنا بلقاء وزير الخارجية السعودي، وأسئلته وكلماته، والأردني، والنرويجي، والهولندي، وسمو الأمير الأردني الحسن، وسفراء الدول ألكبرى. الأروع من كل ذلك سماعي لوفود عربية، ودعوتها لي بمصاحبتها، أنها مدعوة من سفرائها إلي الجلوس معها في سفاراتها والحديث معها حول المؤتمر ورفع معنويات أبنائها، وكان الترحاب بي كمشارك من ليبيا في غاية الذهول. أليست هذه الصور مخيبة لكل مواطن؟

ولذلك، وبسبب الهاجس العالمي للأمن في المنطقة العربية والأوسطية (ليبيا في نطاقها) دفعني إلي التفكير الجدي في طبيعة العمليات الأمنية في ليبيا، وتعزز الأمر أكثر لحظة سماعي في الإذاعة(عند وصولنا إلي مطار بنينا) أخبار غير مفرحة عن الأوضاع الأمنية في مدينة طرابلس، وأهمية التقدم إلي هذا الموضوع الشائك ، والذي يعني فيما يعني أن نجد الآخرين سوف يتقدمون لمناقشة امننا وظروفه، وكيف نصنع أمناَ داخلياَ وطنياَ؟ تعمدت هذه المطالعة هذا الاستهلال لكي تري كيف يمكننا أن نتعامل ونتعاطى مع أمننا الوطني الداخلي والخارجي ؟؟

الأمن والثورة

بعد الانتصار الذي تحقق في ليبيا وتقديمنا للشهداء قربانا لحرية هذا الشعب الذي حُكم علية الدهر بالانكفاء والتقوقع وعدم الإسهام في بناء وطنه، وممارسة سيادته والديمقراطية طريقا ومسلكاً شرعتنه له الهبة الربانية للسابع عشر من فبراير لسنة 2011، لابد لكل القوي الفاعلة في تلك الهبة إن تتذكر إن هناك وطن يحتاج إلي البناء، والاستقرار لتعود الحياة لطبيعتها، وإعادة أعمار ما تهدم خلال الانتفاضة.

فالثورات ليست إلي الأبد تنشغل بها المواطنة وتبقي في خانة الانتظار لتري مصالحها وتستمر الحياة الاعتيادية لديها. فهناك معارك البناء ومعارك إعادة الأعمار، وبناء دولة الشراكة الجمعوية، مع الاستعداد للمخاطر الأمنية الداخلية والخارجية، كل ذلك يستدعي إعادة بناء البيت الداخلي لنظامنا الأمني الداخلي.

فهذا الوطن ينبغي الإحساس بالمخاطر التي تواجهه من كل حدب وصوب، ولا ينبغي أن نثق فيمن لا يمكن الوثوق إليه. فمطامع الخارج تعززها أوضاع الداخل المربكة للحياة الاعتيادية للمواطنة. فعوامل الأمن والاستقرار هي استحقاقات وطنية ينبغي أن نقدم أنفسنا إليها، ومعرفة طبيعة خطورتها. ومن هنا يمكن أن نختار المخاطر الداخلية، وعلاقتها بالأمن الخارجي، التي تؤثر في مقومات الأمن الوطني العام في ليبيا، وعلي مكتسبات الهبة الربانية.

مظاهر أمنية غير مبررة

فمظاهر التسلح التي تشهدها المناطق الليبية، خصوصا تلك التي تشهدها العاصمة الليبية، وكذلك التشابك المسلح في المدن بين الكتائب أو السرايا، أو بين الدفاع والداخلية والسرايا، ليس هناك ما يبررها. فلقد انجرت تلك المكونات العسكرية مهمتها التاريخية، وألان جاء دورها لكي يتم إعادة مأسستها، واستيعاب قوتها البشرية في القطاعات العامة.

فتلك المظاهر الغير معتمدة، وغير المطلوبة من انتشار السلاح ، والظهور بالزى العسكري في الأماكن العامة وفي المواقع المدنية، وإطلاق العيارات النارية المدنية في الهواء، أمر يجعل من الساكنة الليبية دولة معزولة عن العالم، وذلك لتفسير العالم الخارجي لهذه المظاهر بأنها لا تعبر عن حالة استقرار امني أو سياسي في ليبيا الجديدة.

مسألة التسلح والسلاح مسألة في غاية الخطورة. لأن الإنسان كتلة من الغرائز، فهو يحب ويكره، ويحقد، ويثأر، ولا ينسى، وينتقم، ويصفي حسابات قديمة حين يأتي موعدها، ويعمل كل ما يروق له، ولمصلحته في أوقات عدم الاستقرار وفي غياب الدولة وأجهزتها المختلفة. أستاذ جامعي، مثلا، يرتدي الزى العسكري وللأمن الداخليلذهاب إلي جبهات القتال، يضع بندقية فوق كتفه، ويأمر مسلحين معه، ويرشدهم إلي أعمال لا يستطيع القلم أن يكتبها، فهي نتاج لمظاهر التسلح غير المرغوبة، والغير مبررة، وليست لها علاقة بالوطن وإعادة بنائه.

والأخطر من ذلك عندما نسمع عن تشكيلات سياسية ولكنها مسلحة، أو تشكيلات عسكرية ولكنها تعبر عن تنظيم سياسي يمارس ويؤدى الواجبات والمهام العسكرية والسياسية والمدنية في نفس الوقت. فهذه المظاهر تسهم في زيادة معدلات الخوف لدي الإفراد، ولا تستطيع أن تقض حاجاتها إلا ما ندر، وتزداد حالات أزمة الثقة بين الأفراد والمسئولين. فالمصارف أو المستشفيات والجامعات، والمدارس، وأماكن التسوق والتجارة، قد تجد نفسها في حالة من الرعب والخوف، الأمر الذي يعمل علي إضعاف مستوى أدائها، وانعكاس ذلك علي الأداء العام للدولة الليبية الوليدة.

إن مفهوم الأمن الداخلي بمفهومه المعاصر لم يعد مفهوماً ضيقاً، بل أصبح متعدد الجوانب، فلم يعد مقصوراً على الأمن العسكري وامتلاك مقومات القوة المحددة. بل تحول الأمن إلى مفهوم مختلف بحكم المتغيرات الوطنية، والدولية والإقليمية، وأصبح مفهوماً مجتمعياً، وهو حراك متطور يدور في فلك المصالح الداخلية والخارجية معاً، وليس مفهوماَ جامداً، وإنما يتفاعل باستمراره مع الزمن. فالأمن الوطني لم يعد قاصراً على مقابلة التهديد العسكري الخارجي، فهناك العوامل الداخلية والخارجية.

مأسسة الأمن الداخلي

الأمن الداخلي والخارجي صنوان لا يفترقان للأمن العام للدولة الليبية، وإذا قويت مدخلاته ومخرجاته تعزز معها الأمن الخارجي. والأمن يعنى توفر بيئات أمنية للتنمية. وتوفر ألامان والاستقرار يعنى توفر مجتمع الحياة الاعتيادية وليست المضطربة، وتحقيق مجتمع السلم الأهلي، وهذه أهم التحديات التي تواجه الهبة الربانية للسابع عشر من فبراير في ليبيا.

أن مفهوم الأمن الداخلي المعاصر يتجاوز حدود القوة للدولة ليتسع نطاقه، ويتضمن جوانب اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وثقافية وتقنية، وتراثية. فالأشكال المعاصرة من التهديدات الموجهة للأمن الداخلي الوطني في ليبيا، مثلاً، تتمثل في ذلك التداخل والتشابك بين مصادر التهديد الداخلي والخارجي وصعوبة الفصل بينهما.وهذا التشابك والتداخل سببهُ البيئة الداخلية للمنظومة الامنية المتعثرة. فالاختراق المتوقع للتدخل العسكري مثلاً لم يعد قائماً بدون توفر عوامل داخلية، خصوصا تلك المظاهر المعرقلة للاستقرار الأمني، بل إن الاختراق الاقتصادي والاتصالات والتقنية والثقافة يتجاوز حدودنا الإقليمية المعروفة.

فالقوة الناتجة عن مجتمع المعلومات والتي شكلت أبنيتها المؤسسية، لا تعرف الحدود، وبالتالي كيف تكون هذه الأبنية تهديداً لأمن ليبيا الداخلي؟ وكثافة المعلومات وغزارتها ودخول المواقع الإلكترونية إلى كل بيت وإلى كل صانع قرار، تخلق إشكاليات التحليل للتوصل إلى حقيقة ما يهدد أمننا. بتقديرنا هذه مجالات جديدة تهدد الأمن الداخلي الليبي، وإلى أي حد سوف تسهم هذه التهديدات في تحديد علاقة الأمن الوطني بالواقع في ليبيا ومستقبلها؟

فالهجمات الالكترونية علي المواقع الالكترونية الوطنية الحساسة، وبرامج التدمير والتخريب الالكترونية، والتجسس الالكتروني علي أسرار الدولة الوطنية، واستعماله وسيلة من وسائل إسقاط الانظمة الديمقراطية، كلها مخاطر ومصادر تهديد للأمن الداخلي.

من ذلك نقول أن ليبيا وأمنها الوطني سوف يرتبط بثلاث مصادر أساسية من التهديدات: مصادر خارجية للتهديد، مصادر داخلية للتهديد، وأخيراً تشابك العوامل الداخلية والخارجية معاً. فالمصدر الخارجي قد يتمثل في عدوان خارجي وتنافس إقليمي على موارد ليبيا أو صراع من أجل الموقع الاستراتيجي من خلال استخدام القوة.

وعندما تكون مصادر التهديد الأمني للاستقرار الداخلي هي ذات مرجعية داخلية، هذا اختراق ينبغي الولوج إليه والعناية بمسبباته وعوامله ومؤثراته المختلفة. فمظاهر التسلح والمناوشات المسلحة، سوي منها علي حدودنا أو في المدن الليبية، لا ينبغي تركها للصدف والقضاء والقدر، لان ذلك له صلة بهيبة الدولة وسيادتها، ومدي قوة مواقفها التفاوضية مع الغير !!

المصدر الداخلي، أيضاً، فقد يتمثل في فشل برامج إعادة الأعمار، والتقدم إلي أسئلة البناء الديمقراطي والتنمية، وعدم انجاز المتوقع من برامج إعادة الأعمار، والاستمرار في البرامج التنموية، وعدم بلوغ مستهدفاتها وتراكم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وتدني معدلات الأداء العام والخاص، وتفشي البطالة وبطء معدلات النمو الاقتصادي والدخول، وكذلك تدني معدلات النمو في القطاعات التعليمية والصحية، إضافة إلى قوة العملة المحلية هبوطها وارتفاعها والتضخم وزيادة الضرائب …… الخ، في هذا السياق لابد من التركيز بأن هناك علاقة ارتباطيه بين سلامة البناء السياسي والاقتصادي واستقراره وزيادة حده التهديدات الداخلية للأمن الوطني عموماً.

أما المصدر الآخر والذي تتداخل فيه العوامل الداخلية والخارجية: فيشمل البيئة الداخلية الأمنية، وبكل مظاهرها، وتعثر المصالحة الوطنية،التأثر بأجندات خارجية، والتدخل الأجنبي، وخروق حقوق الإنسان والإرهاب، والجريمة المنظمة، تجارة الرقيق الأبيض، والمخدرات، تجارة السلاح، غسيل الأموال، المضاربة على العملة في أسواق الأوراق المالية، وانتشار الأمراض مثل الإيدز والوباء الكبدي والإنفلونزيات، والفساد والرشاوى، والعنف والتطرف والتعصب…..

مظاهر تهديد الامن الداخلي

فتهديدات الأمن الداخلي هي كل ما يؤدي إلى استغلال الإنسان بواسطة الإنسان أو الدولة واستغلاله في دائرة الإنتاج، أو قهره اجتماعياً، وتفشي البطالة، وغياب العدل والمساواة، وعدم الاستقرار الاجتماعي والإداري، وتفشي الظلم والأحقاد، والكراهية. وهى قد توفر غطاءً ومناخاً لقدوم التهديدات الخارجية والتحالف معها. فالأمن الاجتماعي والسلم الأهلي مثلاً يعني التقدم والرقي من خلال النمو ومستوى معيشي رفيع ومقبول، مع الأخذ في الاعتبار أن ما هو معقول في المراحل الأولى للأمن الداخلي قد يصبح غير معقول في مرحلة مقبلة، وكلما تقدم وتحسن الأمن الداخلي تقدم معه السلم الأهلي والأمن الاجتماعي.

وهنا نود الإشارة إلى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة والذي قدمه للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر سنة 1993، حيث ربط ذلك التقرير بين ضرورات التنمية، بمعني الأعمار، لتوفير الأمن. فيذكر مثلاً أن التنمية الحقيقة لأية دولة يجب أن تقوم على السكان لتوفير الأمن، وأن هناك علاقة جدلية بين التنمية والأمن، فإذا لم يستتب الأمن فلن تتحقق التنمية، وإن لم تتحقق التنمية فقد الأمن قاعدتهُ. فغياب الأمن يؤدي إلى غياب التنمية. ونخلص من ذلك، أن الأمن يعني الاستقرار والسلم الأهلي، فالأمن هو التنمية، وإذا لم توجد تنمية أو توافر الحد الأدنى منها، فإن الأمن الداخلي الكامل يصبح مستحيلاً، والسبب في أن الطبيعة البشرية لا يمكن أن تستمر على ما لانهاية خاضعة للانتظار الطويل.

فالتهديدات الداخلية للأمن الوطني الليبي، بدءَ من الكترونية، واقتصادية وسياسية وأمنية, ومظاهر تسلح وتعدد الوسائط العسكرية، وإطلاق العيارات النارية من حدب وصوب، تعد وتشكل خطراً أحادياً في ظل المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية، لأن تهديدات الأمن الداخلي أيضاً مصدر من مصادر الخطر على الأمن الوطني الليبي، والأخطر من ذلك تشابك العوامل الداخلية والخارجية الأمنية معاً، وبمعنى آخر ليبيا السابع عشر من فبراير لسنة 2011 معنية بالتفكير الجدي في تهديدات الأمن الداخلي والخارجي معا !!

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ سالم
    سالم

    ليبيا ماهو الحل الاول كى تصبح حقاً دولة ذات سيادة ..؟
    الحل الاول والاخير هو أمن وجيش وطنى ؛ لماذا لاتدعمون الجيش الوطنى لو كنتم حقاً تريدون مصلحة الوطن والمواطن ؟

  2. الصورة الرمزية لـ سالم
    سالم

    ليبيا ماهو الحل الاول كى تصبح حقاً دولة ذات سيادة ..؟
    الحل الاول والاخير هو أمن وجيش وطنى ؛ لماذا لاتدعمون الجيش الوطنى لو كنتم حقاً تريدون مصلحة الوطن والمواطن ؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: