لما كانت التفاهة مرادفة للفعل العابث الخالي من المعنى، تجلت إحدى مظاهره في الوضع الرصاصي الصلب الذي عليه الوجه العاري للسياسة الإعلامية العربية، فأنت أمام هذا الكم الجارف من الخطاب العابث لا تجد إلا ضحكا على الذقون، ضحكا بمناسبة وبدون مناسبة، ولعل الأشياء حين تخرج عن أصلها فإنها تكون مدعاة للاستهجان وليس للضحك في كل وقت، لكنها مع الوقت تفعل فعلها النفسي الخطير، ليجد الإنسان نفسه يضحك مع الضاحكين على أمور ليس فيها ما يدعو للضحك…فهل الضحك على الذقون يدخل ضمن جملة الضحك الحقيقي الإنساني الذي يفرغ فيه الكائن الإنساني أزماته وأثقال الحياة ببراءة أم أنه ضحك على وضع الإنسان وسخرية منه، حيث السخرية في الأصل ليست سوى كراهية مقنعة.
قد تستغرب لهذا الأمر، ولكنها عدوى التفاهة حين تستشري في الكائنات البشرية كما تستشري النار في الهشيم.
الخطاب الإعلامي في وطننا العربي دائما خطاب متفائل ومبتسم ووديع، وهو واقعي بكل معنى الكلمة إذ ينقل أزمات الآخرين هناك وراء البحار وزلازلهم وفيضاناتهم وعطالتهم وإضراباتهم واعتصاماتهم أمام المقرات الحكومية للمطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وعندنا هو دائما مشغول بـ”شغلنا” أعني بإلهائنا عما يفعله المستغلون والانتهازيون والمتملقون والمستبدون وكل أصناف الكائنات الطفيلية التي تعتاش على السائل الأحمر للآخرين.
إذا كان الضحك موقفا إنسانيا متعاليا يفتح نوافذ الحياة أمام الكائن الإنساني كما يؤكده كهنة الدراسات النفسية منذ القديم، فلأنه مليء بالبراءة ومسكون بما تبعثه الدهشة واللاتوقع في نفس الإنسان من حصول ما يحرك القوة الضاحكة في الإنسان، أما الضحك على الذقون فلا يكون إلا استسخافا لا أخلاقيا وانتهاكا للفطرة التي فطر الله الناس عليها.
اترك رد