المدونات العربية الإلكترونية المكتوبة -5-
الصحافة الإلكترونية في البلدان العربية
بقلم: آمنة نبيح
تمهيد
هناك مقولة شهيرة في حقل الإعلام الإلكتروني، وهي: إذا لم تكن على شبكة الإنترنت فأنت لست في وسائل الإعلام If You were not on the net, You were not in the media.[1] فالانتشار العالمي لشبكة الإنترنت وما تحتويه من خدمات إليكترونية إعلامية، دفع الكثير من المؤسسات الصحفية الغربية إلى تغيير ثقافتها، والتنافس على الاستثمار الإلكتروني إعلامياً وإعلانياً وخدماتياً من خلال الصحافة الإلكترونية، التي بدأت تنمو بشكل سريع وتحولت إلى منافس قوي للصحافة المطبوعة، إذ استطاع كثير من المؤسسات تعويض تراجع توزيعها أو حصتها الإعلانية عبر مشاريع الإعلام الإلكتروني.
ومثلما حدث على المستوى العالمي من ولادة مواقع إخبارية الكترونية، تمخضت المنطقة العربية عن عدة مواقع إخبارية الكترونية. بعضها تصنع الخبر، وتلك تكتفي بإعادة تصديره بعد التقاطه من الوكالات وشبكات التلفزيون والإذاعة، وأخرى تقوم بدور مكمل للدور الرئيسي للمحطات المتلفزة والجرائد المطبوعة، وتلك التي تستقل بذاتها كليا أي التي لا تصدر إلا على الانترنت ولا يوجد لها امتداد وأصل في الصحافة التقليدية.[2]
– واقع الإعلام العربي الراهن
في دراستنا لما قدمته الباحثة “عواطف عبد الرحمان” حول واقع الإعلام العربي، وما قدمه المعهد العربي للثقافة العمالية وبحوث العمل بالجزائر حول نفس الموضوع، يمكن القول إن النظام الإقليمي العربي ومن خلال أداء معظم أنظمته السياسية، استطاع احتواء آثار العولمة على الصعيد السياسي والاقتصادي، خصوصاً بعد الفشل الأميركي في العراق وارتفاع أسعار النفط، الذي مكن تلك الأنظمة من تأمين هامش مريح لتحركاتها في الداخل والخارج. لكن الجانب الإعلامي والمعلوماتي من عملية العولمة ظل عصياً على تلك الأنظمة، فهي غير قادرة على احتواء آثار وتداعيات التطور التكنولوجي المتسارع في مجالات الاتصال والبث، واستخدام الانترنت والتكامل بين قطاعي الإعلام والاتصال والترفيه الرقمي.
وبالتالي أصبحنا إزاء وضع ملتبس يغلب عليه طابع الصراع بين خمسة أطراف متفاوتة القوة والتأثير. الأول يتمثل في الجمهور العربي صاحب الحق والطموح في الحصول على المعلومات والآراء وحرية التعبير، في مواجهة حرص النظام الإعلامي العربي على ممارسة الاحتكار الإعلامي، وفرض القيود على حرية الإعلام والإعلاميين.
لكن تطور تكنولوجيا الاتصال، وإمكانية البث المباشر – الإذاعي والتلفزيوني – عبر القنوات الفضائية من خارج المنطقة العربية وبتكلفة محدودة. أدى إلى زيادة الفرص المتاحة لحرية الرأي والتعبير، بعيداً عن قدرة الطرف الثاني والمتمثل في الحكومات العربية على الرقابة والمنع. كما أن الكثير من الكتابات اهتمت بتوضيح تلك الآثار والتداعيات، وكيف أنها سمحت بحريه تدفق المعلومات، ومن ثم ظهور مجال عام للنقاش بين الشعوب العربية. خاصة وأن معظم القنوات الفضائية العربية الأخرى تعاني من ضعف الهياكل التمويلية، والتنافس السلبي وهشاشة المضامين وسطحيتها. ما أدى إلى ضعف الإقبال الجماهيري عليها، ومن ثم تقلص نصيبها من الإعلانات واتصالات الهواتف المحمولة.
في هذا السياق، تركزت الملكية والأداء الإعلامي المهني المحترف والقادر على المنافسة، في عدد محدود من القنوات الفضائية والمواقع الإعلامية على “الانترنت”. والتي يمتلكها ويديرها عدد من المجموعات والشركات الخليجية، مقابل عشرات من الفضائيات وآلاف من مواقع الانترنت الضعيفة مادياً ومهنياً، والتي تخصص بعضها في مجالات وموضوعات ترتبط بالتسلية أو الإثارة، فضلاً عن السحر والشعوذة والتفاخر القبلي وإثارة النزعات الطائفية والدينية.
فالتراجع النسبي في دور الحكومات العربية للسيطرة على الإعلام، اقتصر على القنوات الفضائية الإذاعية والتلفزيونية، و من هنا فإن معظم أدوار الهيمنة الحكومية العربية على الصحافة العربية – المطبوعة والالكترونية – ظل كما هو ومن دون تغيير تقريباً، نتيجة حاجة الصحافة المطبوعة إلى الحصول على موافقات وتصريحات حكومية، ووجود عدد من الدول العربية تفرض أنواعاً مختلفة من الرقابة على خدمة ومواقع الانترنت في بلادها.
الأمر الذي يشير إلى حقيقة أن العولمة فرضت بعض مظاهرها على النظام الإعلامي العربي، لأسباب ترتبط بثورة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات. وليس لأسباب سياسية أو رغبة حقيقية لدى الحكومات العربية للإصلاح والتغيير وكفالة حرية الرأي والتعبير. والتي تعمل بكل الوسائل على احتواء الآثار الايجابية للعولمة على حرية الإعلام، وتحويل عولمة الأنشطة الإعلامية إلى مجرد مظاهر شكلية بلا مضمون، فضلاً عن استخدام بعض آليات العولمة للاستمرار وتعظيم عمليات تزييف وعي الجمهور العربي.
لكن، عولمة الإعلام عملية أكثر تعقيداً من حسابات الأنظمة العربية. فلم تعد المواجهة على صعيد حرية الإعلام العربي بين الحكومات والجماهير العربية، بل إن هناك طرفاً ثالثاً في الصراع يتمثل في شركات الاتصال والإعلام والترفيه متعددة الجنسيات. والتي تقود هذا القطاع الذي يولد أرباحاً هائلة، يصل جزء منها إلى مجموعات قوية من وكلائها المحليين في المنطقة، وربما تكفي الإشارة هنا إلى أن دخل الفضائيات العربية من الإعلان يقدر بحوالي ثلاثة ملايين دولار، هذا عدا دخل تلك الفضائيات من مكالمات الهاتف ورسائل الهاتف.
و ثمة طرف رابع في الصراع على حرية الإعلام العربي، يعبر عنه قطاع مؤثر من الشباب العربي، القادر على استخدام التكنولوجيا الجديدة في الوصول للأخبار والمعلومات. بل في إنتاجها وتوزيعها عبر وسائل الإعلام الجديدة، كمواقع الانترنت والمدونات ورسائل الهاتف، الأمر الذي يهدد الاحتكار التقليدي للأخبار والمعلومات والذي مارسته الأنظمة العربية وكان أحد أبرز سمات النظام الإعلامي العربي قبل العولمة.
ويمثل الإعلام الأجنبي الناطق باللغة العربية داخل النظام الإعلامي العربي، الطرف الخامس في معركة حرية الإعلام العربي. إذ أدت العولمة والتطورات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية بعد أحداث 11 سبتمبر وغزو أفغانستان والعراق إلى اهتمام أطراف دولية وإقليمية بمخاطبة الجماهير العربية. بهدف التأثير في مواقفها بما يخدم مصالحها، من هنا طوّرت إسرائيل من الفضائية العربية التي تديرها. كما رصدت الإدارة الأميركية موازنات ضخمة لأنشطة العلاقات العامة، وبحوث الإعلام واستطلاعات الرأي العام، وأطلقت الإدارة الأميركية إذاعة “سوا” وقناة “الحرة”. كذلك أطلقت كل من فرنسا وألمانيا فضائية خاصة بالمنطقة العربية، وتدرس محطة C. N. N الأميركية الشهيرة إمكانية إطلاق قناة تلفزيونية ناطقة بالعربية، وكانت أطلقت إذاعة ناطقة باللغة العربية، وتستعد كل من روسيا وبريطانيا لإطلاق فضائية ناطقة بالعربية.
الأطراف الخمسة المتصارعة بدرجات مختلفة، والتي قد يدخل بعضها في تحالفات ستعيد تشكيل ملامح النظام الإعلامي العربي الحالي. أي لن يبقى على أوضاعه الحالية، وإنما قد تقوده نحو أشكال باهرة إعلامياً، ومضامين جديدة تحقق التنوع والتعدد. لكنها لا تحقق الحرية بمعنى ضمان حق كل الأطراف والقوى الاجتماعية في التعبير عن آرائها، من هنا قد تظل حرية الإعلام العربي مقيدة ومراوغة في كثير من الأحيان، نتيجة التحالفات السياسية بين بعض هذه الأطراف، فضلاً عن أنماط الملكية والتمويل في مجال أصبح يتطلب تمويلاً ضخماً حتى تضمن الوصول إلى الجماهير.
من جهة أخرى، سيظل العامل التكنولوجي له تأثير مستقل، من زاوية القدرة على تجاوز قيود الحكومات العربية، وقيود الاحتكار الإعلامي والمعلوماتي الذي تمارسه بعض الأطراف الفاعلة في النظام الإعلامي العربي. وذلك من خلال توفير بدائل تكنولوجية رخيصة، وقادرة علي خلق قنوات اتصال مقاوم ومواز للوسائل الإعلامية، التي تملكها الحكومات والشركات الإعلامية الكبرى. لكن الرهان على تكنولوجيا الاتصال والمعلومات لن يكون له معنى من دون تفعيل دور المجتمع المدني العربي، وزيادة استخدامه لتكنولوجيا الاتصال ووسائل الإعلام الجديدة في إنتاج وتداول خطاب إعلامي وطني مستقل.[3]
من خلال ما سبق نستنتج، أن عالمنا العربي المعاصر يعرف صدمة إعلامية على مختلف المستويات. بسبب الثورة التكنولوجية لقطاع الإعلام والاتصال “وهذا ما عبر عنه التقرير الاستراتيجي العربي لعام 1999، حيث أشار إلى ضعف الاستجابة العربية لعولمة الإعلام، فإعلامنا العربي يواجه عصر العولمة مشتتا ،عازفا عن المشاركة في الموارد، يعاني من ضمور الإنتاج وشح الإبداع، حتى كاد وهو المرسل بطبيعته أن يصبح نفسه مستقبلا للإعلام المستورد ليعيد بثه إلى جماهيره. و أوشكت وكالات الأنباء لدينا أن تصبح وكالات للوكالات الأربع الكبرى حتى فيما يخص أخبارنا المحلية، لقد ارتضينا أن نوكل إلى غيرنا نقل صورة العالم من حولنا، بل صنع صورتنا عن ذاتنا أيضا، أما شبكة الانترنت فلم ندرك بعد مغزاها الثقافي”[4]
1- ظهور الصحافة الالكترونية العربية وتطورها
في ظل التحدي الذي فرضته الانترنت كوسيط إعلامي اتصالي متعدد المزايا، لا يضاهيه في ذلك وسيط آخر. وجد الناشرون العرب أنفسهم في وضع لا يسمح لهم بتجاهلها، مما جعلهم يضمونها لصحفهم وينشؤون مواقعا لإعلامهم، غير أنه و مثلما أكدت دراسة علمية متخصصة، يلاحظ بأن حضور الصحافة العربية على شبكة الانترنت رغم كبره، لا يماثل مع النمو الهائل للمطبوعات الالكترونية عالميا، خاصة فيما يتعلق بتناسب هذه الأرقام مع أعداد الصحف العربية و عدد سكان الوطن العربي.
ونقلا عن الكتاب الإحصائي السنوي الصادر عن معهد “اليونسكو” الإحصائي، يبلغ عدد ما يطبع و يوزع من الصحف اليومية العربية 9.2 مليون نسخة. في حين يوجد حوالي 65 مليون موقع على الإنترنت، ولا تشير الأرقام مع الأعداد إلا إلى 7000 موقع باللغة العربية، مع الإشارة إلى وجود مواقع باللغة العربية لغير العرب، كما لا يتم توافر الطبعات الالكترونية على الانترنت للصحف العربية إلا بنسبة54 %.[5]
وإذا أردنا أن نؤرخ للصحافة العربية، فإن الصحيفة اليومية العربية الأولى في هذا المجال هي صحيفة “الشرق الأوسط“، أول جريدة عربية أنشأت موقعا لها في09 سبتمبر 1995، حيث نشرت هذه الصحيفة في عددها الصادر في نفس الشهر في صفحتها الأولى، أنها بدء من 09 سبتمبر 1995 ستكون موادها الصحفية اليومية متوافرة الكترونيا للقراءعلى شكل صور عبر شبكة الانترنت.[6]
وتلتها صحيفة “النهار” اللبنانية، وهي ثالث جريدة عربية تنشر الكترونيا في 01 جوان 1996[7] والثالثة هي “الحياة” في الأول من جوان من نفس السنة، والرابعة هي “السفير” اللبنانية وجريدة “الأيام” البحرينية في أواخر عام 1996.[8]
وشهد عام 1997 تواجدا الكترونيا لصحف الأردن، الوطن العمانية، الوطن القطرية، القبس والسياسة الكويتيتان، وصدرت الصحف المتبقية خلال وبعد سنة 1998، حيث تم رصد أكثر من 350 صحيفة ومجلة ودورية عربية سنة 2000 وهو عدد قد تضاعف في السنين الموالية، بحيث لا يمكن تقديم رقم محدد لمجموع الصحف العربية في الانترنت بشكل حاسم، لعدم توافر قاعدة بيانات تقدم أرقاما يقينية.[9]
2- ظهور الصحافة الالكترونية الجزائرية وتطورها
تمهيد
إن ظهور الصحافة الالكترونية على الصعيد العالمي، كان نتيجة للتطور التكنولوجي لوسائل الاتصال الذي تزامن مع انتشار و استغلال تقنيات الإنترنت. غير أن ظهورها في الدول النامية كالجزائر بطبيعة الحال، كان نتيجة إستراد التكنولوجيا من الدول المتطورة. وبفضل هذه التكنولوجيا أصبح بإمكاننا التحدث عن صحافة تشكل امتدادا للصحافة المكتوبة، و لا ننسى أن الدافع لظهور هذه الصحافة هو التحرر من الرقابة والضغوط السياسية التي تفرض على الصحف المكتوبة.
كما أن دراسة واقع الصحافة الالكترونية في الجزائر ليس بالأمر السهل، نظرا لحداثة التجربة الإعلامية من جهة، وانفتاح القطاع الإعلامي المكتوب منذ فترة قد توازي إلى حد قريب التجربة الالكترونية في العالم. لذا سنتناول بإيجاز واقع هذه الظاهرة في الجزائر.
– واقع الصحافة الالكترونية في الجزائر
بدأت تجربة الصحافة الجزائرية المكتوبة مع الانترنت نهاية 1997 وكانت البداية مع يومية الوطن، LEBERTE، الخبر، LE MATIN، وتوالى العدد إلى أن أصبح 16 صحيفة، واليوم تكاد كل الصحف لها مواقع على الواب. وللعلم فإن وضعية الصحافة الجزائرية الناطقة بالفرنسية تعتبر في موقع متقدم مقارنة بنظيرتها العربية، التي تحتل فيها جريدة الخبر المرتبة الأولى بنسبة مقروئية 62.7%[10]
في نفس الإطار، من الترف الحديث عن صحافة حرة ومتطورة في الجزائر، في ظل انعدام منظمات قوية لأهل المهنة، و فضاءات حرة لمناقشة القضايا الأخلاقية والمهنية والاجتماعية. هذا الوضع غذته انقسامات فكرية و ولاءات سياسية ودوافع مصلحية، والقوى التي تخيفها حرية التعبير لا تقبل بوجود هذه الفضاء. لذلك لا عجب أن تصنف الجزائر في الرتبة 129 من بين 167 دولة تعاني من غياب حرية التعبير، في ترتيب منظمة “محققون بلا حدود” غير الحكومية الصادر في العام 2005، بمعنى أن الجزائر فقدت 34 نقطة مقارنة بأول ترتيب أقامته نفس المنظمة سنة 2002، وهي عام بعد عام تتأخر في الترتيب. ومن غير شك أن ما سيكون مستقبلا لن يؤشر عليها بالأخضر، طالما أن هناك قوانين تجرّم الصحافيين بحجة القذف والتشهير. فالصحفي وإن انحرف بكتاباته أو تمادى ربما في الإساءة، لا يمكن أن يعامل معاملة المجرم، لأن الرأي حتى وإن كان لم يعجب البعض يبقى رأيا. إضافة للقائمة السوداء التي تتضمن أزيد من 60 صحيفة تم تعليقها، وتمنع من الصدور لعدة تبريرات.
فضلا عن سياسة التضييق المتواصل على مصادر الخبر والتوزيع غير المنصف للإشهار.[11] والأهم عجز الحكومات المتوالية عن إنجاب قانون للإعلام يكون في مستوى طموحات كل المهتمين بهذا القطاع الاستراتيجي.
لقد تلقى الوسط الإعلامي عدة دعوات من مختلف الوزراء المتعاقبين على قطاع الإعلام، من رحباني إلى هيشور مرورا بمحي الدين عميمور وخليدة تومي ومحمد عبو. فكل هؤلاء جمعوا الصحفيين في لقاءات لإثراء مسودة مشروع قانون للإعلام الذي لم ير النور أبدا، شأنه شأن مجلس أخلاقيات المهنة. والواقع اليوم ورغم الصورة المحتشمة للصحافة الجزائرية، إلا أنها سجلت حضورا في ميدان جديد قد يجهله الكثير هو الإعلام الإلكتروني، من خلال إطلالة مجموعة من المواقع الإعلامية المهتمة بالأخبار وتحاليل الأحداث، أو حتى الإطلالة الإلكترونية للصحف المطبوعة.[12]
فقد كان لهذه المواقع إسهامات مهمة في استخدام الإنترنت كوسيلة صحفية، باعتبارها وسيلة تكنولوجية مفتوحة المجال نحو العالمية للحريات عبر كل المجتمعات الظاهرة، ورغم حداثتها وجدت صدى لدى الجزائريين في الداخل والخارج أيضاً، رغم أنه من المبكر جداً الحكم عليها ومدى تأثيرها على مستقبل الصحافة، بالنظر إلى أن صحافة الورق لا تزال إلى اليوم سيدة الموقف، فإن ذلك لا ينسينا ما نراه في جيل الشباب من افتتان بالمواقع الالكترونية، متابعة لها واستفادة مما تضخه من معلومات بسرعة ومهنية عالية رغم حداثتها.
و في الأخير، يكفي القول أنه بمقدور أي شخص اليوم إحداث جريدة أو مجلة إلكترونية بل أكثر من هذا إنشاء إذاعة أو قناة تلفزيونية إلكترونية، يصنع فيها آراءً وأفكاراً حرةً غير خاضعة للرقابة، ويتخلص بذلك المرء من متاعب ما يعرف بمهنة المتاعب، وليبقى الرقيب يتخبط في ذهنيته الضيقة، بتصلبه بعدم فتح آفاق الإعلام المفتوح أصلا على الشبكة العالمية المترامية الأطراف.
– الصعوبات التي واجهت الصحافة الالكترونية في الجزائر
لقد واجهت الصحافة الالكترونية في الجزائر صعوبات كثيرة منها:[13]
– عدم وجود قاعدة مستخدمين واسعة للانترنت، فلا يزال المجتمع الجزائري لم يعتد بعد على هاته التقنية الفعالة الناقلة للمعلومة.
-قلة المضامين الالكترونية في ظل ضعف التكوين ألمعلوماتي، فالاستفادة من مضامين الصحافة الالكترونية يعني معرفة تقنيات الإبحار في الانترنت.
– تنامي قرصنة المواقع الإلكترونية، وذلك في ظل غياب تأطير قانوني يحمي الناشر على الانترنت، فجريدة الوطن تعرضت لهجوم من قراصنة الانترنت، وقام قراءها بتنبيها بعدم قدرتها على الاستفادة من المواقع.
– غياب الثقافة الإعلامية المزدوجة لدى الفرد الجزائري، بسبب حداثة التجربة الإعلامية في الجزائر ومشكلة اللغة، لأن الصحف الالكترونية المحضة و التي ليس لها دعامة ورقية كلها تنتشر باللغة الأجنبية.
– الميول العاطفي لاتجاهات الجرائد الورقية.
– غياب الإطار القانوني للصحافة الالكترونية في الجزائر، وذلك نظرا لحداثتها وسرعة تطورها.
– سياسة الإشهار الالكتروني في الجزائر و التخوف الذي يصحب أصحاب المال الأعمال، وذلك لنقص معرفتهم بهذا المجال.
– غياب التكوين و التأهيل العلمي الالكتروني، و غياب الثقافة الالكترونية.
– صعوبة التمويل.[14]
– تجربة الصحافة الالكترونية في الجزائر
إن دخول الصحافة الالكترونية في الجزائر، كان حتمية فرضها الغزو التكنولوجي لوسائل الاتصال في العالم. فتجربة الصحافة في الجزائر متزامنة بشكل قريب مع تجربة الصحافة المكتوبة الوطنية التي مازالت تعد بالكثير، وبهذا سنتطرق لتقييم تجربة الصحافة الالكترونية في الجزائر من خلال النقاط التالية:
– الجزائر لا تعرف للأسف بعد ميلاد حقيقي للصحافة الالكترونية، ماعدا بعض التجارب التي تموت في الميدان، والذي لا يزال خصب وغير مقيد بالالتزامات التنظيمية أو المعوقات القانونية، التي من شأنها أن تحد من حرية المعلومة المنبثقة عبر الانترنت.
– صعوبة تحديد عدد ونوع الصحف الالكترونية الجزائرية، لعدم وجود جهاز أو هيئة تجيد التحكم في عملية سيرها وتقدم معلومات عنها.
– ظهور الصحافة الالكترونية في الجزائر جاء خاصة لأسباب سياسية وأمنية، لذلك فأغلبية الصحف الالكترونية الجزائرية تنشر في الخارج مثلما هو الحال مع Alegria Watch .
– تستعمل هذه الصحف اللغة الفرنسية أو الانجليزية، مما يجعلها بعيدة نوعا ما عن لغة تناول القراء الجزائريين، الذين يميلون إلى اللغة العربية ويشكلون أعلى النسب بها.
– تعاني الصحافة المكتوبة الجزائرية مشاكل سياسية كحرية التعبير، ومشاكل اقتصادية كعملية الطباعة و التوزيع.
– عدم اقتناع كل من القارئ و الصحفي بهذه الوسيلة، واعتبارها عملية لتسهيل التوزيع خارج الجزائر.
– الشك في مصداقية الصحف الالكترونية لدى القارئ بالجزائر.[15]
3- خصائص الصحافة الالكترونية العربية
بالاعتماد على مجموعة من الدراسات العربية في هذا الشأن، كدراسة “حلمي محمود” التي تطرق إليها “درويش اللبان” توصلنا إلى ما يلي:
1- تدني إفادة الصحف الالكترونية من العناصر البنائية التي تقدمها الانترنت.
2- تبنى الصحف الالكترونية العربية مداخل الصحف الورقية، في طريقة عرضها للموضوعات لاعتمادها على الجداول الطويلة في فصل النصوص .
3- الصحافة الالكترونية العربية بحاجة إلى العديد من الأشكال التفاعلية، كفرق الدردشة و تعدد اللغات.
4- عدم اعتمادها على منهج محدد للاستفادة من النظريات السيكولوجية الخاصة بالألوان، فمعظم استخداماتها تفتقد للأسس العلمية.
5- افتقارها للتصميم الجيد. [16]
6- عدم استخداماتها للنص الفائق hyper texte إلا نادرا، و هذا ما يجعل المستخدم بحاجة للربط بمعلومات أخرى هو بحاجة إليها.
7- وجود قصور في فهم عالمية و تفاعلية الانترنت، و هذا ما جعل دور الناشرين يقتصر على محاكاة الوظيفة التقليدية للصحيفة الورقية.[17]
8- تعتمد الصحف الالكترونية العربية المتوافرة عبر الانترنت، في بثها للمادة الصحفية على ثلاث تقنيات هي تقنية العرض كصورة Image، وتقنية النص Texteوتقنية PDF، هذه التقنيات وان اختلفت فيما بينها على مستوى عرض المادة وتخزينها ودرجات توفير المرونة في استرجاع المعلومات، فهي تلتقي كونها توفر النشر الالكتروني على الانترنت.[18]
9- صعوبة احتفاظ الأفراد بالصحف الالكترونية كوثائق، لما تبثه من صور أو معلومات أو أخبار، على خلاف الصحف الورقية.[19]
4- واقع الخدمات في الصحف الالكترونية العربية
إن التفاعلية أهم المزايا التي أتاحها الوسيط الجديد غير مستغلة كما يجب في الصحف الالكترونية العربية، فما عدا الخدمة البريد الالكتروني لا تتجاوز بقية الأشكال التفاعلية السلبية نسبة 45.45. في حين لا تقدم خدمة التفاعلية الايجابية إلا ما نسبته 27.27 من إجمالي الصحف ، و هذا ما يعكس ضعف البنية الخدماتية للصحف الالكترونية العربية، مما يظهر أنها لم تستكمل بعد استغلال جميع ما تتيحه التكنولوجيا الجديدة من مزايا، خاصة إذا علمنا إن فضاء الانترنت يحوي صحفا عربية لا تملك محركات بحث لا داخلية و لا خارجية. بل أن أغلب الصحف الالكترونية العربية لا تملك محركات بحث خارجية.
كما أن الاستفادة المتبادلة من الخبرات و التجارب بين الصحف الالكترونية العربية، غائبة تماما و يظهر ذلك في الندرة الشديدة للوصلات الخارجية فيما بينها، بما يعكس واقع غياب الإستراتجية الإعلامية العربية الموحدة، و المبنية على أساس علمي في ظل التحديات التي تفرضها العولمة. هذه الأخيرة التي يساهم الانجراف وراءها في مجال الانفتاح الإعلامي في ضياع بوصلة الإعلام العربي، لاسيما فيما يخص أدواره الثقافية التي تحولت في ظل هذا الواقع إلى مجرد أغان و حوارات مع الفنانين و الراقصات.
و تجدر الإشارة إلى أن بعض الصحف تقدم بدلا عن الوصلات الخارجية، قراءات في صحف أخرى تتناول بالنقد و التحليل مقالات من صحف غربية و أجنبية. مثل ما تقدمه صحيفة “هداية نت” في ركن الصحافة الأمريكية، و الذي تعرض من خلاله مقالات من صحف أمريكية يتم التعقيب على محتواها. كما أن امتناع بعض الصحف الالكترونية العربية عن تقديم خدمة الأرشيف، يدل على انعدام الوعي بما يمكن أن توفره هذه الخدمة للقارئ، وهو ما يعكس النتيجة الحتمية لغياب دراسات الجدوى في المجال.
و عليه يمكن القول إجمالا بأن:
1- لا تتوفر ميزة التفاعلية الايجابية بشكل كاف في الصحف الالكترونية العربية.
2- تقدم هذه الصحف خدمات التفاعلية السلبية بشكل سلبي.
3- رغم توفرها على وصلات داخلية، أغلب الصحف الالكترونية العربية لا تملك وصلات خارجية.
4- مازالت بعض الصحف الالكترونية العربية لا تملك محركات بحث داخلية.
5- لا تهتم الصحف العربية بترجمة محتوياتها للغات أخرى.
6- مازالت بعض الصحف العربية لا تقدم خدمة الأرشيف.[20]
– الصعوبات التي تعاني منها الصحافة الالكترونية العربية
لقد تنامت أعداد الصحف الكترونية العربية، لاسيما ما يخص الطبعات الالكترونية للصحف الورقية، وهذا لا يعني استثناء الصحف الالكترونية البحتة لأنها هي الأخرى عرفت تناميا و إن كان محدودا. هذه النتيجة يمكن التوصل إليها بسهولة إذا ما قورن التطور العددي للصحف الالكتروني بالتطور العددي للصحف الورقية، سواء في بدايتها الأولى أو بمقارنة بين النوعين في الفترة الزمنية التي تلت انتشار الصحيفة الالكترونية.
هذا على الرغم من أن الكثير من العقبات تعترض طريق تطور الصحيفة الالكترونية العربية و لعل أهمها :
1- غياب التخطيط والدراسات.
2- عدم وضوح الرؤية المتعلقة بمستقبل هذا النوع من الإعلام.
3- غياب التشريعات القانونية الخاصة بعمل الصحيفة الالكترونية.
4- ندرة الصحفي الالكترونية، وعدم وجود صحافيين مؤهلين لإدارة تحرير الطبعات الإلكترونية.
5- إضافة إلى أهم المعوقات و المتمثلة في شح الإعلانات، و هذا راجع إلى عدم الثقة المعلن العربي بهذه الوسيلة و عدم درايته بشاسعة جمهورها.[21]
6- ضعف عائد السوق سواء من القراء أو المعلنين.
7- المنافسة الشرسة من مصادر الأخبار والمعلومات العربية الدولية والأجنبية، التي أصدرت لها طابعات إلكترونية منافسة باللغة العربية.
8- عدم وضوح مستقبل النشر عبر الإنترنت في ظل عدم وجود قاعدة مستخدمين جماهيرية واسعة.[22]
– واقع الصحافة الالكترونية العربية
لا تزال الصحافة العربية المطبوعة تخسر معركتها أمام الوسائل الإعلامية الجديدة (الفضائيات، الإنترنت)، مع تجاهل حجم الفرص المتاحة في حقل الصحافة الإلكترونية. لأسباب مؤسسية وثقافية، خاصة مع الخلط الحادث لدى الجمهور بين الصحف الإلكترونية، والمنتديات، والمواقع الشخصية، والمواقع الإخبارية، وكذلك الخلط بين النسخ الإلكترونية والصحف الإلكترونية.
فالصحافة الإلكترونية العربية معظمها في الواقع نسخ إلكترونية لصحف ورقية، وليست صحفاً إلكترونية فاعلة وفق المعايير المهنية، التي تشمل الفورية ومستوى تحديث المضمون اليومي، وسهولة الإبحار، ودرجة التفاعلية. الصحف الإلكترونية العربية (مع بعض الاستثناءات) لازالت في المراحل الأولى في هذه الصناعة، وهي المرحلة التي تقوم فيها الصحف الإلكترونية بنشر معظم أو جزء من محتوى الصحيفة الورقية (الأم). بينما الصحف الإلكترونية الغربية تبحر في فضاءات متقدمة، تتجاوز مرحلة النسخ إلى مرحلة إنتاج المواد ونشرها وفق الخصائص الفنية والتقنية، وإنتاج محتوى خاص بالصحيفة الإلكترونية، واستثمار خصائصها، خاصة ما يتعلق ببث المواد السمع بصرية، بل إن مفهوم الصحافة الإلكترونية لديها يتجاوز العمل الصحفي بأدوات تقليدية، وإعادة نشره على شبكة الإنترنت، إلى ممارسة العملية الصحفية إلكترونياً على الشبكة، من خلال التغطيات الصحفية المستمرة والمتعددة الوسائط، وتطبيق فن التحرير الإلكتروني.[23]
وتظل أبرز التحديات التي تواجهها الصحف الإلكترونية العربية، هيمنة التقنيين وليس الصحفيين على إدارة الصحف الإلكترونية، من تحرير وتصميم وإدارة وإشراف، وهو ما يتعارض وأسس الصحافة الإلكترونية. فالمؤسسات الصحفية تحتاج إلى إجراء تحولات تنظيمية في آليات الممارسة الصحفية السائدة فيها، وبناء معايير لتقييم مواقع الصحف الإلكترونية (معلوماتياً وخدمياً)، خاصة وأن معظم المحتوى المعروض في المواقع الإلكترونية للصحف العربية على شبكة الإنترنت، لا يتناسب وجمهور الصحافة الفورية أو الإلكترونية، فمعظم هذه النسخ الإلكترونية تقدم المحتوى بشكله الورقي.[24]
[1]- خلد الفرم، الصحافة الالكترونية العربية، أزمة صناعة أم ثقافة، صحيفة عكاظ، العدد2172…
Source:httm://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070529/cat2007052923196.htm. [email protected] (accessed 29-05-2008)
[2]- حسين شفيق، الإعلام الالكتروني، مرجع سابق، ص49.
[3]- محمد شومان، المعهد العربي للثقافة العمالية وبحوث العمل بالجزائر، موقع جريدة الحياة…
Source: http://www.daralhayat.com (accessed 01-07-2007)
– عواطف عبد الرحمن، مرجع سابق، ص109……………116.
[4]- سعد ولد جاب الله، مرجع سابق، ص123.
[5]- سعد ولد جاب الله، مرجع سابق، ص 125
[6]- نفس الرجع، ص 126.
-[7] محمد لعقاب، مرجع سابق، ص97.
[8]- سعد ولد جاب الله، مرجع سابق، ص 126.
[9] – نفس المرجع، ص 126-127.
[10]- يمينه بلعا ليا، مرجع سابق، ص165.
[11]- عبد المالك حداد، الصحافة الجزائرية، الواقع والأفاق، موقع الشهاب للإعلام…
Source:http://www.chihab.net/modules.phpnase=new (accessed 26/06/2008)
[12] – عبد المالك حداد، مرجع سابق.
[13] – يمينه بلعاليا، مرجع سابق، ص162.
[14] – يمينه بلعاليا، مرجع سابق، ص162.
-[15] يمينة بلعا ليا، مرجع سابق، ص162.
[16]- درويش اللبان، مرجع سابق، ص 155.
[17]- نفس المرجع، ص 199.
[18]- سعد ولد جاب الله، مرجع سابق، ص127.
[19]- ماجد راغب الحلو، مرجع سابق، ص85.
[20]- جمال المحايدة، صحافة الانترنت في الوطن العربي، الواقع والتحديات، فعاليات مؤتمر صحافة الإنترنت في الوطن العربي…
Source:http://www.kenanaonline.com/ws/nsma/blogs/page14 (accessed 11/04/2008)
[21]- سعد ولد جاب الله، مرجع سابق، ص272-273.
[22]- مشعل الحميدان، مرجع سابق.
[23] – خالد الفرم، مرجع سابق.
[24]- نفس المرجع.
اترك رد