في حوار له مع مجلة الآراء يعلن الناقد الإيطالي الكبير أمبرتو إيكو أن كرة القدم باتت اليوم أفيون الشعوب، من حيث تحولت جهود الناس واهتماماتهم السياسية والثقافية إلى ثرثرة رياضية، وهكذا، فالطاقات التي من المفروض أن تكون سياسية، وجهت بالأحرى نحو الرياضة .
اليوم تصرف ملايير الدولارات على المباريات وما لا يتصور من المبالغ على الدوريات وكأس العالم من أجل إلهاء الناس عن التفكير في مشاكلهم الحقيقية.
إن السياسة اليوم وإن كانت تبدو في الظاهر بعيدة عن كرة القدم وعن الرياضة ، أو أن كرة القدم رياضة “محايدة” سياسيا إلا أنها في صلب المعركة السياسية وفي عمق الاهتمام السياسي لكل الذين يخططون لحكم الناس والتحكم فيهم.
أكبر مثال على تسييس الرياضة وتتفيه أحلام الجماهير ما حصل في مباراة الفريقين المصري والجزائري، إذ تحولت ما قبل المباراة والمباراة وما بعد المباراة إلى نفير للحرب ودعوة للإلغاء من الوجود تجاوزت فيها وسائل الإعلام خصوصا المصرية كل حدود اللباقة واللياقة والأدب وما يتطلبه مخاطبة شقيق عربي ومسلم وجار على الخريطة الإفريقية من آداب وأعراف .
لقد أزعجني كثيرا أن تتحول كل الفضائيات المصرية إلى أبواق تدق طبول الحرب على الجزائر، كما هالني كثيرا انخراط كثير من الوجوه الفنية والثقافية والسياسية في جوقة رديئة عمياء تدهس التاريخ وتخبط خبط عشواء إرضاء لعصابة الحاكمين، تحولت كل المداخلات إلى بكائيات وحسينيات تستنجد بالرئيس وبابن الرئيس الذي أنقذ جماعات المتملقين والبكائين والمنافقين على عتبات السلطان.
إن ما حصل من صراعات وتدافعات بين المصريين والجزائريين، وكل منهما يتحمل وزره في الانزلاق نحو العنف والعنف المضاد سببه الأول والأخير الآلة الإعلامية المهيجة، إن “الوحوش” و”الضحايا” على حد تعبير أمبرتو إيكو هم نتاج الصحافة الرياضية والتلفزيونية.
اترك رد