دراسة عن الأمن القومي المصري

أهم القضايا والتطورات الاقتصادية الاخيرة وتأثيرها

على الأمن القومي المصري

بقلم: أحمد سمير إبراهيم*

تقديم:

تناول العديد من الباحثين والمتخصصين مفهوم الأمن القومي الذي يعتبر حديث نسبياً ، حيث أثار هذا المفهوم جدلاً واسعاً لأهميته والجوانب المختلفة المتعلقة به، فهذا المفهوم يركز على القوى الشاملة للدولة التي تشمل القضايا ذات الطابع العسكري السياسي، الاقتصادي وحتى الاجتماعي، ويركز الإصدار على علاقة الأمن بالاقتصاد في المقام الأول بشكل مفصل معتمداً على بينات وأرقام موثقة بالإضافة لاستقصاءات رأي المواطنين.

من ناحية اخرى، التهديدات التي تؤثر على الأمن القومي لا تأتي من الخارج فقط، بل قد تنبع من الداخل نتيجة لسوء السياسات التي تؤثر على الغذاء والصحة والصناعة وجميع المجالات الاقتصادية التي تؤدي بدورها لرفع نسب البطالة التي تمثل مشكلة ذات حدين اجتماعية واقتصادية، وأيضاً التعليم ..وغيرهم، لكن الفيصل هنا هو ما يُسمى “حد الخطر”، الذي تتحول بعده مشكلة عادية إلى مشكلة أمنية، وبالنظر لعام 2011 وثورات الربيع العربي نرى تطبيقا فعليا لهذه المهددات الداخلية التي أدت لقلب أنظمة الحكم من أجل العدالة الاجتماعية والحرية..الخ.

ليس من الضرورة أن تنعكس القضايا والتطورات الاقتصادية على الأمن القومي بالسلب، بالطبع هناك بعض الإيجابيات، وقد تم الإشارة إليها وليس التركيز عليها بهدف إبراز المخاوف والتحديات التي تقابل الاقتصاد المصري وبالتالي أمنها القومي، فكان لا بد من رمي حجر في مياه لا نستطيع أن نقول عليها راكدة بل قد تكون هادئة نسبياً للتركيز على مفهوم بدأ يتطور من خلال المشكلات والقضايا المعاصرة ليطفو على سطح هذه المياه معلناً بذلك تأكيده على مفهوم عناصر القوى الشاملة للدولة ومهدداتها.

وفي طيات هذا الإصدار هناك العديد من التوصيات التي حذرت بشكل مباشر وغير مباشر من المخاطر الاقتصادية التي قد تؤثر على الأمن القومي وهذا بالطبع ينطبق على جميع الدول وليست دولة بذاتها، ومن الجدير بالذكر ان ما تم التركيز عليه يهدف لدق ناقوس الخطر بشأن المشكلات التي يواجها المجتمع المصري وكان السبب الرئيسي لقيام ثورة 25 يناير، وبالطبع يمكن إعتبار مصر نموذجاً قد يتكرر في باقي الدول الشرق أوسطية.

* * *

يتناول الإصدار مفهوم الأمن القومي واتجاهات تعريف هذا المفهوم، فهناك على سبيل المثال تعريف دائرة معارف العلوم الاجتماعية وهو أن الأمن الوطني يعني قدرة الدولة على حماية قيمها الداخلية من التهديدات الخارجية، وهناك اتجاه اخر حيث يعرف لورنس كروز، و ج. ناى الأمن بانه غياب التهديد بالحرمان الشديد من الرفاهية الاقتصادية، والاتجاه الأهم وعن مدى علاقته بالاقتصاد تعريف روبرت ماكنمارا الخاص بان الأمن عبارة عن التنمية، وبدون التنمية لا يمكن أن يوجد أمن.

ركز الإصدار على أبعاد الأمن القومي، وهي مجموعة العناصر التي يؤدي وجودها أو غيابها إلى استقرار أو تدني الأمن القومي للدولة، وهو ما يرتبط أصلاً بتواجدها وقدرتها على حماية الشعب ضد أي اعتداءات داخلية أو خارجية، ويضمن سلامة الدولة ضد المعتدين الخارجيين أو من الداخل، ومنها البعد العسكري، السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي، الجيوبوليتيكي، الديموجرافي.

كما ألقى الإصدار الضوء على دوائر الأمن القومي والتي تتمثل في أربعة دوائر، الأمن الداخلي، الأمن المباشر، الأمن الإقليمي، الأمن العالمي، حيث اكد على مدى أهمية الأمن الداخلي وكيفية الحفاظ عليه من التهديدات الداخلية وفي نفس الوقت تسعى كافة الدوائر الأخرى لتأمينه وتوفير الاستقرار والأمن له باعتباره الركيزة الأساسية للأمن القومي، بينما يمثل دائرة الأمن المباشر من الأهمية بمكان خاصة في دول الشرق الأوسط، حيث يُغطي الدول ذات الحدود السياسية المشتركة مع الدولة سواء المباشر منها أو غير المباشرة، بينما يتشكل الأمن الإقليمي من باقي دول الإقليم الجغرافي الذي تنتمي إليه الدولة، بينما تشمل دائرة الأمن العالمي جميع الدول والمنظمات الدولية بكافة أنواعها وأيضاً القوى الكبرى التي تحقق التوازن السياسي والاقتصادي مع باقي الدول.

وللتأكيد على أهمية البعد الاقتصادي ومدى تأثيره على الأمن القومي، تناول الإصدار العلاقة بين هذين المتغيرين، وتمثلت العلاقة في محورين، علاقة مباشرة وهو الارتباط المباشر بين الاقتصاد والأمن القومي، ويتضح هذا من اتجاه تعريف بعض المفكرين والأدباء وربط التنمية بالأمن، ومدى اهمية تأثير التنمية وحفاظها على الأمن، وأيضا ارتباط قوة الاقتصاد الوطني بكونه احدى الثوابت لدعم واستقرار الأمن القومي في الدولة، وتم الاستشهاد بوثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لعام 2006، يتضح من هذه الوثيقة أن النظام الاقتصادي العالمي يؤثر على الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، لذلك فهي تعمل جاهدة على استقرار هذا النظام.

وبالنسبة للعلاقة الغير مباشرة بين الاقتصاد والأمن القومي تتمثل في تأثير البعد الاقتصادي على باقي أبعاد الأمن القومي وهي بالتالي تؤثر بدروها على الأمن القومي لدولة، فعلى سبيل المثال يتأثر البعد العسكري بمدى قوة الاقتصاد الوطني والذي بدروه يؤثر على حجم الانفاق على هذا القطاع في أي دولة، وإذا نظرنا للبعد السياسي فيكون للاقتصاد عامل مهم في الحفاظ على النظام السياسي، كما أن الرفاهية والإزدهار الاقتصادي عامل من عوامل ثبات الدولة واستقرارها، كما أن السياسة الخارجية للدولة ودورها الخارجي يقوم بشكل كبير على اقتصادها، وبالنسبة لعلاقة الاقتصاد بالبعد الاجتماعي يمثل التعليم وجودته احدى عناصر البعد الاجتماعي التي تناولها الإصدار والتي تؤثر على الأمن القومي بشكل غير مباشر من حيث نوعية العنصر البشري الموجودة في الدولة، وبالطبع هناك أيضأ تأثير البعد الاقتصادي على باقي الأبعاد الاخرى مثل البعد الثقافي، الجغرافي، الديموجرافي.

وفي الجزء الخاص بالقضايا والتطورات الاقصادية الاخيرة، وهو الجزء الخاص الذي ناقش المشكلات الراهنة والمستقبلية على أرض الواقع بالنسبة لمصر، فتم تقسيم القضايا الاقتصادية طبقاً لمهددات الأمن القومي، ففي المهددات الداخلية تم التركيز على قضية البطالة، وظاهرة غلاء الأسعار ومدى تأثيرها على الأمن الغذائي المصري، والتهديدات التي واجها الاقتصاد الوطني واحتماليات مواجهتها مرة اخرى في المستقبل، فهاتين المشكلتان ارتبطا بدورهما بشكل كبير بالأمن الانساني، وتم التحذير من أن هاتين المشكلتان قد تحدثان في المستقبل لكن بشدة أكثر مما يصل بمصر إلي حد الخطر (وهو أحد السباب الرئيسية التي قامت عليها ثورة 25 يناير).

وبالنسبة للمهددات الإقليمية فتناول الإصدار أزمة نقص المياه وكونها مهدداً رئيسياً على الأمن القومي المصري، هذا في ظل أن نهر النيل يمد 95% من احتياجات مصر من المياه العذبة، وهو ما كان يستلزم تأكيد على اهمية الأمن المائي في المنطقة أي منطقة دول حوض النيل وبما يمثله نقص حصة مياه مصر من خطر على المجتمع والاقتصاد المصري، وهو يعد من اهم التهديدات التي قد يقابلها الأمن القومي المصري حتى وقتنا هذا ومستقبلاً أيضاً في ظل تزايد العلاقات الإسرائيلية مع دول حضو النيل واخرها دولة جنوب السودان.

وبالنسبة للمهددات العالمية، فمن أهم التطورات الاخيرة والتي أثرت بشكل كبير على جميع الدول بما فيهم مصر بالطبع هي مشكلة ارتفاع أسعار الطاقة وبما يمثله من تهديد على امن الطاقة بصفة عامة، ولا تتمثل المشكلة في نقص الإمدادات أو ارتفاع الأسعار فقط بل المشكلة الأكبر تكمن في تداعيات هذا الارتفاع من حيث ارتفاع تكلفة النقل، اللجوء للوقود الحيوي وهو بدوره يؤثر بشكل سلبي على الأمن الغذائي نتيجة لاستخدام المحاصيل الزراعية لتصنيعه، هذا بالإضافة لإنعكاسات ارتفاع الأسعار على جميع أسعار السلع.

مثلت الأزمة المالية العالمية المحور الثاني في الدائرة العالمية، فتأثير هذه الأزمة انعكس بشكل كبير على الاقتصاد المصري من حيث تضاءل حركة التجارة العالمية، تضاءل السفن المارة في قناة السويس مما خفض من عائداتها، وأثر أيضاً بشكل كبير على البورصة المصرية، وأيضاَ على النظام المصرفي، وبالتالي تاثر معدل النمو في مصر حيث انخفض إلي دون 6%، كما برز التخوف من نقص الاستثمارات وأيضأ عودة العمالة المصرية من الخارج وإنقطاع ارسالها للعملة الصعبة، ولكن على الجانب الاخر كانت الأزمة المالية لها تأثُير في انخفاض أسعار الطاقة والغذاء.

وفي الخاتمة أثيرت العديد من القضايا الهامة منها على سبيل المثال مدى تشابك جميع هذه القضايا ببعضها البعض، وتأثيرها على الاقتصاد الوطني والمجتمع المصري بشكل أو باخر، وهذا بدوره يهدد الأمني القومي المصري، ومن هنا تبرز أهمية البعد الاقتصادي في التأثير على الأمن القومي، فلم تعد الأبعاد العسكرية والسياسية فقط هما العاملان المؤثران على الأمن والوضع الداخلي في أي دولة، بل تعددت مهددات الأمن القومي، ويكون أهم هذه المهددات هو البعد الاقتصادي وهو الهدف الرئيسي الذي حاولت الدراسة إبرازه.

* مدير برنامج التدريب والتعاون البحثي بالمركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية.

** نشرت هذه الدراسة بالمركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية (بالقاهرة) في فبراير 2009، ضمن سلسلة قضايا التي تصدر شهرياً بالمركز، ونعيد نشر ملخصها تعميما للفائدة.

الآراء

اترك رد