اللغة العربية في تاميل نادو في القرنين 19-20

صدر للدكتور تاج الدين المناني الهندي (قسم اللغة العربية بجامعة كيرالا – كيرالا – الهند) كتاب “اللغة العربية في تاميل نادو في القرنين التاسع عشر والعشرين” عن دار الفراهيدي للنشر والتوزيع، بغداد العراق. ويقع الكتاب في 373 صفحة.

المقدمــة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، فتاميل نادو ولاية من ولايات الهند الخصبة يبلغ عدد السكان المسلمين 5.6% حسب إحصاء السكان عام 2001م. وقد كان مطلع القرن العشرين الميلادي نقطة تحول للدراسات العربية في الأقطار العربية عموما كما اعتبره المؤرخون والأدباء المعاصرون وكان لها تجاوب وصدى في كلّ أصقاع البلاد التي لها صلة جارية بالبلاد العربية.

فقد سطعت شمس الإسلام على الأراضي الهندية في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد ازدهرت التعاليم الإسلامية وانتشرت في عصر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين حيث كان التجار العرب والبحارة يرتادون شواطئ الهند الغربية لغرض التجارة فكانوا يبحرون من سيراف[1] والأبله[2] ومرورا بشواطئ الهند الغربية وجزيرة سرنديب[3] كانوا يصلون إلى شواطئ الهند الشرقية وكانت مقاطعات السند[4] ومليبار[5] وكجرات[6] على سواحل البحر الهندي.[7]

وبالجملة كان التجار العرب هم واسطة الصلات التي كانت قائمة بين الهند والبلاد العربية حتى البلاد الخارجية من قبل الميلاد، أو أكثر أهل البلاد العربية صلة وثيقة بالهند، لأن بلادهم قريبة من الهند تقع على بحر العرب كما تقع الهند، وسفنهم هي التي كانت تقوم بنصيب هام في نقل التجارة بين الهند وبين هذه البلاد، ومن الطبيعي أن يظل التجار والبحارة العرب، بسبب عملهم أكثر صلة بأهل الهند، كما كانت لهم دراية وإلمام بالمدن الهامة الواقعة على الساحل الطويل لبحر العرب. وكانوا يذهبون إلى ما وراء ذلك في خليج بنغال وبلاد الملايو وجزيرة إندونوشيا حتى كوّنوا لهم جاليات عربية في بعض ثغور هذه البلاد.

ولماّ ظهر الإسلام ودخل العرب في دين الله أفواجا كان منهم التجار والبحارة العرب من الحضارمة وغيرهم، فحملوا معهم دينهم الجديد إلى البلاد التي يتعاملون معها، وكان من الطبيعي أن يتحدث هؤلاء في حماس وإيمان عن دينهم الجديد، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ظهر في بلادهم، يدعو الناس إلى التوحيد والاخاء والمساواة والمعاملة الحسنة بين الناس جميعا.

وكانت الهند تئن حينئذ من التفرقة ونظام الطبقات القاسي الذي تقوم عليه ديانتهم، فكان حديث التوحيد والمساواة نغمة جديدة يحلو لهم أن يسمعوها، وأن يقارنوا بينها وبين ما هم فيه من أوضاع التفرقة وأثقالها، وكانت النتيجة أن تُفتح القلوب لهذا الدين ويُقبل الناس عليه ليتخلصوا من العناء النفسي والإجتماعي الذي كانوا يعانونه، كما ينفضون عنهم الوثنية الهندوسية المحشوة بالخرافات والأساطير… ولذا وجد الإسلام في الهند أرضا خصبة سهلة، وأصبح في كل ميناء أو مدينة اتصل بها المسلمون جماعة اعتنقوا الإسلام، وأقاموا المساجد وباشروا شعارهم في حرية تامة لما كان للمسلمين والعرب في ذلك الوقت في منزلة عند الحكام باعتبارهم أكبر العوامل في رواج التجارة الهندية التي كانت تدر على هؤلاء الحكام الدخل الوفير.[8]

لقد أثر الإسلام والمسلمون تأثيرا عميقا في حضارة الهند وثقافتها وعقيلتها. كما جمع ملوكهم الأجزاء المتفرقة من هذه البلاد. وأنشأوا كثيرا من المساجد والمعاهد والحدائق والبساتين والمعامل والمصانع والطرق الواسعة والشوارع الطويلة والمستشفيات الطبية والمؤسسات الخيرية وحفروا في أرجاء البلاد آبارا وعيونا وبِركا وتِرعا. ومنح المسلمون الهند أناقة في المباني والأواني وفنّا معماريا ممتازا بالمتانة والفخامة والدقة والجمال ولا يزال ’تاج محل‘ آية في الهندسة والبناء وذكرى عهد لملك المسلمين بالهند. وهذا البناء العجيب يدهش الدنيا بجماله. ويعد أجمل بناء شُيِّد على وجه الأرض وأعظم تحفة في فنّ العمارة، وقطب مينار والقصر الأحمر أيضا من آثار المسلمين في الهند. ومن فضل المسلمين على الهند هذه اللغة الجميلة ’لغة أردو‘ لغة التفاهم والعلم والأدب وفردوس الأدباء من الشعراء والكتاب.[9]

وإني أحاول إلقاء الضوء على جهود علماء تاميل نادو في خدمة ترقية اللغة العربية خاصة الدراسات الإسلامية ولهم جهود كثيرة في هذه الخدمة العطرة ولكن يقتصر كلامي على الإخبار عن الذين عاشوا في القرنين التاسع عشر والعشرين فقط. ويواجه أي باحث في مثل هذا الموضوع عقبة رئيسية في عدم توافر المعلومات والإحصائيات والدراسات المماثلة. ولا تقوم المعلومات الرسمية على رصد موقف المجتمعات. وحتى إذا ما أخذت معاهد البحث في اعتبارها التقسيمات الدينية والإجتماعية الفرعية، فإنها غالبا ما تقوم بإجراء دراسات على مستوى محدود تماما. وعلى الرغم من ظهور عدد من المؤسسات التعليمية الإسلامية والتي حددت أهدافها على غرار الجمعيات التي تعمل لمجتمعات أخرى وليس على أساس التعرف المنظم على الإحتياجات والمتطلبات الدقيقة للمسلمين.

ومن بين هذه الولايات في جنوب الهند بدأ مسلمو تاميل نادو خطواتهم المبكرة بإنشاء المؤسسات التعليمية الحديثة كما فعله مسلمو كيرالا. ولكن تمثيل الجماعة في الخدمات المركزية الأخرى حتى في تاميل نادو تراوح بين 5.2% وبين 6.1% في خدمة حكومات الولايات.

وقد أنشئت الكلية المحمدية في مدراس عام 1916م في أعقاب اليقظة التي أثارتها حركة السيد بهدف نشر التعليم الحديث في صفوف المسلمين. وأنشأ المسلمون في وانيمبادي – على بعد 120 ميلا إلى الغرب من مدراس – الكلية الإسلامية في 1919م نواة لنشاط أكادمي عظيم. وقد أدى الإستقرار الإجتماعي والإزدهار الإقتصادي وأعمال الخير إلى زيادة النمو، وأصبح المسلمون الآن يديرون أكثر من 15 كلية في كل ناحية من نواحي تاميل نادو.

وفيما يبدو من هذه المعلومات، فإن وجود مثل هذا العدد الكبير من الكليات وما يتبعها من تأثير، يعطي صورة مبالغا فيها للحالة التعليمية للجماعة الإسلامية، لكن النظرة الفاحصة تكشف عن أنه بالرغم من الواجهة الإسلامية لتلك الكليات والملحقة كمؤسسات للأقليات والتي تحمل أسماء إسلامية رنانة. وأن أغلبية المستفيدين منها هم من غير المسلمين. ويبدو أن الجماعة الإسلامية قد بدأت تلك الكليات بدون التعرف الملائم على متطلباتها. وقد أنشأ مسلمو تاميل نادو 13 كلية أولاً، وستة منها تعلّم مناهج للدراسات العليا. ولكن الغالبية الدائمة من طلبتها تأتي من صفوف غير المسلمين.

إن متطلبات التعليم الإسلامي والإختيارات الخاصة للّغات تجعل إنشاء مجلس للتعليم الثانوي للمدارس الإسلامية أمرا مهما في هذا الوقت. وإن حاولت المدارس الإسلامية معا إنشاء مجلس مثل هذا المجلس والاعتراف بشهاداته من وزارة التعليم، فإنه يمكن تعديل المناهج بصورة دقيقة تفي باحتياجات الجماعة. إن حقوق الأقلية والحفاظ على كيانها الثقافي يتمتعان بضمانات دستورية. وعلى الجماعة بمقتضى هذه الشروط أن تسعى للحصول على موافقة خاصة لإنشاء مجلس تعليم المسلمين على غرار المدارس الثانوية الأنجلوهندية أو المجلس المركزي للتعليم الثانوي.

وقد ساعدت ظروف الهند على تقدم الدين الإسلامي السريع في شبه القارة الهندية، وأسبابه متنوعة، يقول جوستاف لوبون صاحب كتاب ’حضارات الهند‘: “وقول الإسلام بالمساواة من أهم الأسباب في تقدمه السريع بيد أن الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يبسط عند قوم تعودوا عبادة آلهة كثيرة جدا، فلذلك لم تنجح جميع الجهود التي بذلت لحمل الهندوس على التوحيد بل أدت إلى إضافة إله جديد إلى الآلهة التي كانوا يعبدونها”.[10] وأيضا قال: “وتأثر مسلموا الهند بما كان يمارسه العرب المسلمون من تعظيم الذخائر العزيزة فمن ذلك احتفاظهم بشعرات من لحية النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك تقديسهم لبعض آثار الأقدام”.[11]

وقد حرص الباحث على تقسيم تلك الجهود المتهيئة في أبواب هذه الأطروحة إلى فترتين، القرن التاسع عشر الميلادي، والقرن العشرين الميلادي وقسمتها إلى عدة فصول وذلك حسب متطلبات البحث. وسوف أتكلم في كل باب عن خدمة تاميل نادو للغة العرية من حيث النشر والكتابة والدراسة وعلماءها وأعمالهم وتأسيسهم المدارس الإسلامية وما يتعلق به من خدمات أخرى.

فهذه الرسالة المتواضعة تبحث عن الأمور السالفة الذكر بالتفصيل في أبواب وفصول تالية. فالرسالة تشتمل على مقدمة وخمسة أبواب، ولكل باب فصول، والخاتمة هي الباب الخامس. وأخيرا ضم الباحث المصادر والمراجع بالعربية والإنجليزية.

ويبحث الباب الأول عن تاريخ ولاية تاميل نادو ومجيئ الإسلام إليه وتاريخ اللغة العربية. وفيه اجتهدتُ لبيان تاريخ الطوائف المهمة فيه وأهم الطوائف العرقية وأهم الطوائف الدينية واللغات وأحوالهم الإجتماعية ودولة نواب آركات المسلمين والصلة بين تاميل نادو والبلاد الأخرى. وكذا بحثتُ عن العرب والإسلام في ولاية تاميل نادو ووصول معاصري الرسول صلى الله عليه وسلم التجار ووصول الصحابة المشهورين بدعوة الإسلام وتأثير الصوفية في انتشار الإسلام ووصول المسلمين اليمنيين والمصريين إليه وزيارة العرب المسلمين الهند وأقوال أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم عن الهند ومجالس ختم البخاري التي كانت في مختلف أماكن تاميل نادو والتراث الإسلامي للهند. وهكذا ناقشت دخول اللغة العربية أولاً لغةً للمسلمين إلى ولاية تاميل نادو وتأثير هذه اللغة فيها وتأثرها بالتاميلية وبالعكس ومناظرة الحروف العربية والاختلافات بين العربية واللغات السامية ونشوء لغة عربي تاميل (لغة أروي) وتبادل الألفاظ في اللغات.

يناقش الباب الثاني عن المؤسسات العربية في تاميل نادو ودورها في ترقية اللغة العربية. وفي الفصلين الأولين يجيئ بحث عن المدارس الإبتدائية والثانوية والكليات والجامعات في تاميل نادو وجرّدت بيانا منفصلا عن المدارس الدينية الإسلامية في فصل خاص. ويركّز الباب الثالث عن علماء اللغة العربية من ولاية تاميل نادو في القرنين التاسع عشر والعشرين ومساهماتهم في تعزيز الدراسات العربية. وفي الفصل الأول بيان عن العلماء في القرن التاسع عشر وفي الفصل الثاني بيان عن العلماء في القرن العشرين. ويحاول الباحث أن يورد ترجماتهم موجزا وأسماء أعمالهم.

الباب الرابع هو المخّ في رسالتي هذه ويشرح هذا الباب تطوّر النثر والشعر العربيين في تاميل نادو في القرنين التاسع عشر والعشرين. وقد قُسّم هذا الباب إلى فصلين اثنين هما النثر العربي في تاميل نادو والشعر العربي فيها. ويبين الفصل الأول عن الكتب التي أُلّفت في القرآن وعلومه والحديث وعلومه وعلم الفقه وعلم التصوف وكتب الموالد وعلم الفلسفة وعلم الكلام وعلم التاريخ وعلم اللغة وعلم التراجم وغيرها. والفصل الثاني يبحث عن الشعر المتعلق بالمدائح والمراثي وغيرها. والباب الخامس هو الخاتمة، وفيها يناقش الباحث عن تطوّر الأدب العربي في تاميل نادو وعلم القرآن وعلم الحديث وعلم الكلام والفنون الأدبية واللغة العربية وأثرها في تاميل نادو والدراسات الإسلامية في تاميل نادو وأثر العرب الإجتماعي والثقافي وتطور المسلمين في مجال التعليم والمخطوطات العربية في تاميل نادو وتطور الترجمة في تاميل نادو.

وقد بذلت جهدي المتواضع لتلقي الأعمال من تاميل نادو وكثير من العلماء ساعدوني في هذا العمل. لا أستطيع أن أدعي لبحثي هذا السبق في كشف ما يتعلق بدراستي من المؤلفات العربية الصادرة في تاميل نادو ومدارسها وعلمائها بل حصل لي معرفة عن بعض ما ذكر ويمكن أن يكون هناك ما لم تصل إليه فكرتي ونظري. وفي البحث القادم أرجو أن ألحقها إن شاء الله، والله الموفّق.



[1] مدينة كبيرة على ساحل البحر كانت قديماً فرضة الهند وخربت بعدما عمرت جزيرة قيس. مراصد الاطلاع 2/765.

[2] الأبلة، بضم أوله وثانيه وتشديد اللام وفتحها- بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة. مراصد الاطلاع 1/18.

[3] سرنديب: جزيرة عظيمة في بحر هركند بأقصى بلاد الهند. مراصد الاطلاع 2/710.

[4] السند: بلاد بين الهند وكرمان وسجستان قصبتها المنصورة. مراصد الاطلاع 2/746، وحاليا هي ولاية من ولايات باكستان تقع في جنوبها على ساحل بحر العرب.

[5] مليبار: قال الحموي: مليبار إقليم كبير عظيم يشتمل على مدن كثيرة ويقع في جنوب الهند على ساحل البحر. رجال السند والهند، ص: 44.

[6] ولاية على الساحل الهندي في بحر العرب.

[7] د. سهيل حسن عبدالغفار: ’جهود محدثي شبه القارة الهندية الباكستانية في خدمة كتب الحديث المسندة المشهورة في القرن الرابع عشر الهجري‘، الجامعة الإسلامية العالمية، إسلام أباد – باكستان.

[8] الدكتور عبد المنعم النمر: تاريخ الإسلام في الهند، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيوت، لبنان، 1401هـ/ 1981م، ص: 88-89.

[9] الأستاذ عبد الرحمن باوا المليباري: ’تاريخ العالم الإسلامي‘، هيئة التعليم السنية بكيرالا، المجمع المركز التجاري، كاليكوت، كيرالا، 1997م/ 1418هـ.

[10] جوستاف لوبون: ’حضارات الهند‘ (نقله الى العربية عادل زعيتر) دار المعارف، 1948م، ص: 626 – 627.

[11] المصدر السابق: ص: 638.

مضامين الكتاب:

كلمة الشكر

المقدمة

الباب الأول : اللغة العربية في تاميل نادو

الفصل الأول : تاريخ ولاية تاميل نادو

الفصل الثاني : الإسلام في تاميل نادو

الفصل الثالث : اللغة العربية في تاميل نادو

الباب الثاني : المؤسسات العربية في تاميل نادو ودورها في ترقية اللغة العربية

الفصل الأول : المدارس الإبتدائية والثانوية في تاميل نادو

الفصل الثاني : الكليات والجامعات في تاميل نادو

الفصل الثالث : المدارس الدينية الإسلامية في تاميل نادو

الباب الثالث : علماء اللغة العربية من ولاية تاميل نادو في قرنـي التاسع عشر والعشرين ومساهماتهم في تعزيز الدراسات العربية

الفصل الأول : العلماء في القرن التاسع عشر

الفصل الثاني : العلماء في القرن العشرين

الباب الرابع : تطوّر النثر والشعر العربيين في تاميل نادو في قرنـي التاسع عشر والعشرين

الفصل الأول : النثر العربي في تاميل نادو

الفصل الثاني : الشعر العربي في تاميل نادو

الباب الخامس: الخاتمة

المصادر والمراجع


نشر منذ

في

,

من طرف

الآراء

اترك رد