4-العلاقات العامة وإدارة الأزمات

وسائل الإعلام الجماهيرية كقناة من قنوات الاتصال للعلاقات العامة:
مما لا شك فيه أن لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية عالية التطور والكفاءة والفعالية في عصر المعلوماتية تأثراً كبيراً على المجتمعات مهما تباينت وتعددت. حتى أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية غدت من قنوات عمل إدارات العلاقات العامة والإعلان وتكمل بعضها بعضاً وتشترك معها بالدوافع والأهداف.
ويعتبر الباحثون أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تتألف من:
– الصحافة المطبوعة؛
– والإذاعتين المسموعة والمرئية، واسعة الانتشار عالمياً بعد دخول الأقمار الصناعية في مجال نقل البث الإذاعي المسموع والمرئي؛
– وشبكة الانترنيت العالمية.
وتستخدمها كلها إدارات العلاقات العامة والإعلان. وتعد نشاطات إدارات العلاقات العامة والإعلان لبلوغ أهدافها من أكبر الصناعات دخلاً في العالم لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية.
ومنذ نشوء الصحافة المطبوعة بدء الإعلان بالتسابق لشغل صفحاتها خدمة للمعلنين والقراء على حد سواء وتطور هذا السباق مع تطور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية ورافق هذا التطور ظهور منتجين عمالقة في حقل الاتصال والإعلام والإعلان فرض معه اهتمام الباحثين بدراسات التأثير الإعلامي، ودراسات تأثير الاتصال الجماهيري، ودراسات تأثير الإعلان، ودراسات مدى تقدم الصناعات الآخذة بالتطور الدائم في مجالات الإعلام والاتصال والإعلان.
وكان من أول تلك الدراسات، دراسات وظائف وسائل الاتصال والإعلام الرئيسية في الإعلام والتثقيف والترفيه والتربية والتعليم. وأولها كانت الدراسات التي تناولت الصحف التي تعتبر قوة اجتماعية واقتصادية هامة في المجتمع، وقوة رئيسية في تشكيل الرأي العام، وتؤثر بشدة على الجهود الوطنية والدولية المبذولة من أجل التقدم الوطني والتفاهم العالمي. بعد أن تطورت الصحف من صفحة واحدة توزع محلياً إلى إنتاج متعدد الصفحات يوزع دولياً.
وأظهرت الدراسات أن الصحف الأولى صدرت في براغ، وإنفسبورغ عام 1597، ودانيفر عام 1605، وبال عام 1610، وفيينا، وفرانكفورت عام 1615، وهامبورغ عام 1616، وبرلين عام 1617، ولندن عام 1622، وباريس عام 1631.
ومع بداية القرن العشرين ظهرت الجمعيات المهنية الصحفية، وبدأ التطور التدريجي للصحف المملوكة من قبل الشركات المساهمة الكبرى، وبالتدريج تحولت الصحف إلى مؤسسات متكاملة.
وتبعها ظهور أولى وكالات الأنباء، كوكالة هافاس، في باريس عام 1845 وكانت أول وكالة تمارس تجارة الأخبار والإعلانات في العالم؛
ووكالة رويتر للأنباء في لندن عام 1851، وتحول اسمها إلى رويترز فيما بعد؛
وجمعية أخبار الميناء Harbor News Association في نيويورك عام 1848 وتبدل اسمها إلى وكالة أنباء نيويورك أسوشيتد بريس New York Associated Press (AP) عام 1856؛
ووكالة وولف للأنباء في برلين عام 1849؛
ووكالة أنباء ستيفاني Stefani الإيطالية في عام 1853؛
ووكالة إنترناشيونال نيوز سيرفيس International News Service في نيويورك عام 1909؛
ووكالة التلغراف الروسية في موسكو عام 1918، التي تغير اسمها إلى الوكالة التلغرافية للاتحاد السوفييتي TASS تاس بعد قيام الاتحاد السوفييتي ، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي تحول إلى إيتار تاس؛
ووكالة أنباء الصين الحمراء في بكين عام 1929 التي بدلت أسمها إلى وكالة أنباء الصين الجديدة في 1/9/1937.
وتظهر الدراسات أن الصحف كانت تعتمد على مواردها من الإعلان في كل مراحل تطورها، إلا أن الإذاعة المرئية استولت فيما بعد على الحصة الأكبر من سوق الإعلان مما أثر على دخل الصحف التي تداركت الأمر وتمكنت من تطوير أساليبها في إنتاج وإخراج الإعلان، مما أعاد لها قيمتها الإعلانية المميزة.
لأن قراء الصحف يتميزون بأنهم من المتعلمين القادرين على تدقيق وتحليل وفهم محتوى ما تنشره الصحف. وتلتها وسيلة الاتصال والإعلام الثانية ممثلة بأولى البرامج الإذاعية المسموعة اليومية المنظمة التي بدأت البث من ديتروا نيوز في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1920، وتبعتها بريطانيا التي نظم فيها دايلي مايل أول برنامج إذاعي مسموع في نفس العام. أما في فرنسا فقد نجح الجنرال فيري من إرسال أولى البرامج الإذاعية المسموعة عام 1921.
ومنذ ذلك الوقت اعتبرت الإذاعة المسموعة من الوسائل التي تخاطب حاسة السمع دون الحاجة للتفرغ للقراءة كما في الصحف بينما تتفوق عليها في استثارة المستمع وتفاعله مع المادة المذاعة أو شخصية مقدم البرنامج وإثارة خيال المستمع لرسم الصورة الغائبة عنه من الوقائع والأحداث المذاعة فور وقوع الحدث وتوجد بذلك نوعاً من الألفة بين المستمع والبرامج الإذاعية المسموعة. وتعتبر الإذاعة المسموعة امتداداً طبيعياً للأذن.
وجاء بعدها البث الإذاعي المرئي بعد أن بدأ مركز أليكساندر بلاس البريطاني للتلفزيون (التلفزيون كلمة مكونة من شقين TELE أي بُعد، VISION أي رؤية أي الرؤية عن بُعْد) بالبث لمدة ساعتين يومياً عام 1936، وتبعه المركز الفرنسي في لاتوريفال ببث برامج إذاعية مرئية يومية عام 1938، وتبعتهما الولايات المتحدة الأمريكية في العام التالي ببث إذاعي مرئي استهدف جمهور كبير.
وأخرت الحرب العالمية الثانية البداية الفعلية لانتشار بث الإذاعة المرئية للجمهور العريض لما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية خلال عامي 1945 و1946.
وتعتبر الإذاعة المرئية امتداداً طبيعياً للعين، ومن أهم خصائص البث الإذاعي المرئي إضعاف الحاجز اللغوي، لأن الصورة تصبح مكملة للغة، والصورة بطبيعة الحال تخاطب مختلف المستويات الثقافية والاجتماعية، ومن النتائج السلبية للبث الإذاعي المرئي أنها تُعوِّد المتلقي على السلبية، وتقدم له الأخبار جاهزة، ولا تتيح له فرصة التفكير والاستعانة بتجاربه السابقة، وتفرض عليه نوعاً من التذوق أحادي الجانب، وتخضعه لضغوطات المؤسسات المالية والصناعية، ومصالح الجماعات الخاصة، أو النظم الحاكمة.
بالإضافة لمقدرة الإذاعة المرئية على المزج بين قدرات الأداء المسرحي الحي بالنقل المباشر, والإمكانيات التقنية للأفلام السينمائية، وصوت الإذاعة المسموعة، لتوجيه الجمهور نحو أغراض محددة.
وبذلك تمكنت الإذاعة المرئية من استخدام أفضل الإمكانيات المتوفرة لوسائل الاتصال والإعلام الأخرى التي سبقتها، ومزجت بين الموضوعية والذاتية لدى الجمهور، لأن الكاميرا ومختلف المؤثرات والوسائل الإلكترونية الأخرى التي تتمتع بها الإذاعة المرئية، تمكن كاتب ومخرج البرنامج من توجيه اهتمامات ومشاعر جمهور عريض نحو حافز معين وفق رؤيتهما الذاتية.
وأظهرت الدراسات أن فن الإعلان رافق وظائف الاتصال والإعلام على الدوام للدعوة لموضوع معين أو الإقناع بقضية معينة أو الترويج لسلعة منتج معين، أو خدمة تقدمها جهة معينة، مستفيداً من قدرتها على الاتصال الجماهيري الذي يتفوق في بعض الظروف على قدرات الاتصال الشخصي.
الإعلان وتطور فنونه
ويعتمد فن الإعلان على قدرات الاتصال باستخدام رموز تحمل معنى مفهوم بنفس الدرجة لدى المعلن والجهة المستهدفة من الإعلان، ولكن قد لا يتم إلا إذا تحقق حد أدنى من التداخل بين مجالات خبرة المرسل (المعلن) وخبرة مستقبلي الإعلان ليؤدي لفهم مشترك لمعاني الرسالة الاتصالية بين المرسل والمستقبل، والى إحداث اتصال حقيقي مبني على المعرفة المتبادلة المشتركة للرسالة بين طرفي عملية الاتصال.
وتطور استخدام الإعلان عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وكان في مقدمة مستخدميه السياسيون والتجار على حد سواء للاستفادة منه لتحقيق أهدافهم كل في مجاله.
وجاء الإعلان السياسي كوسيلة اتصال يدفع المُعْلِن ثمنها لقاء ما تقدمه وسيلة اتصال وإعلام جماهيرية لعرض خطاب سياسي هادف من أجل التأثير على مواقف وأفكار وسلوك مستقبلي الرسائل الإعلامية.
ويعد الإعلان السياسي أكثر أنواع الاتصال تأثيراً على المجتمعات، يوظفه القادة السياسيون لتحقيق غاياتهم وأهدافهم لخداع الجماهير وإقناعهم وتسويق مرشحيهم والمبالغة في إعطائهم صفات لا تمت إلى الحقيقة بصلة.
وجاء الإعلان التجاري لإقناع الجماهير والتأثير عليها لزيادة الطلب على سلعة المعلن وخلق صورة إيجابية عن المنشأة المعلنة وجهودها المبذولة لإشباع حاجات المستهلكين، وزيادة الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية.
مما دفع خبراء الاتصال لدراسة نظريات الاتصال وتأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، ويعتقد البعض أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تتمتع بدرجة قوية للتأثير على الجماهير، وأنها قادرة على تغيير العادات وسلوك وتصرفات الجماهير، وفق الآراء التي يقدمها القائمون على الاتصال الجماهيري معتمدين على مستوى شعبية وانتشار وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية القائمة آنذاك.
ففي أوروبا مثلاً استخدمت الإذاعة, والصحافة, والأفلام السينمائية من قبل الأنظمة الديكتاتورية والشيوعية والفاشية لتحقيق غاياتها، واتجه خبراء الاتصال والإعلام آنذاك لاستخدام نتائج أبحاث علم النفس الاجتماعي وطرقها ومناهجها، لتحديد مدى تأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية.
وحرصت دراساتهم على معرفة الآثار الضارة والمحتملة لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية, ومدى تشجيعها على الانحراف والجريمة والتعصب العرقي والعدوان والانحلال والإباحية.
وفي البداية اهتم الباحثون بالتمييز بين أنواع التأثير الإعلامي الممكن على الجماهير تبعاً لخصائص الشرائح المستهدفة وصفاتها النفسية والاجتماعية، ثم تلته مرحلة اهتمام الباحثين بتأثير العوامل الوسيطة في عملية الاتصال والإعلام، ودور الاتصال الشخصي ودور البيئة الاجتماعية في تنشئة الجمهور.
وتلتها دراسات بينت مدى استخدام وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من قبل الساحات المستهدفة ومدى تأثيرها والبحث عن حوافز تدفع الجمهور لاستخدام وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية.
ورافقتها دراسات اهتمت بمدى تأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وأكدت نتائجها على أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية غدت أكثر شعبية وتأثيراً بعد ظهور الإذاعة المرئية خلال خمسينات وستينات القرن العشرين، كوسيلة اتصال وإعلام جماهيرية قوية تتمتع بشعبية جماهيرية كبيرة تفوق سابقاتها من الوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التي سبقتها.
ويشير د. محمد البشر أستاذ مادة نظريات التأثير الإعلامي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في كتابه: نظريات التأثير الإعلامي. إلى نظرية ترتيب أولويات التأثير الإعلامي، ولخصها بأنها عوامل تصاحب مضامين الرسائل الإعلامية وتتمثل في ترتيب رسالة معينة من بين رسائل ومضامين مختلفة, وأنها تأخذ مساحة زمنية أو مكانية في وسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية, وتأخذ شكلاً معيناً لتقدم ما يميزها عن غيرها من العوامل المختلفة لإبراز والإشارة إلى اهتمام وسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية بقضية معينة.
وأن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تركز على موضوع معين أو شخص معين وتعطيه حيزاً كبيراً يدل على أن الموضوع أو أن للشخص أهمية لدى الجمهور، الأمر الذي يجعله حاضراً باستمرار أو بكثرة في وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وأن الموضوعات الأخرى أو الأشخاص الآخرين ليس لهم أهمية تذكر لدى الجمهور.
مما يؤدي إلى تضخيم تلك القضايا والأشخاص على حساب قضايا وأشخاص أهم، وبمجموعها قد تؤثر سلباً على الرأي العام حيال قضايا تهم الأمة.
وأن الحصيلة المعرفية لدى الجمهور الإعلامي تقتصر على مسائل لا تتعدى غالباً البرامج الرياضية والترفيهية والموضوعات العاطفية, وتقديم شخصيات مزيفة هامشية غير منتجة تقتدي بها بعض العناصر في المجتمع.
واعتبر د. محمد البشر أن إدمان الجمهور الإعلامي على استهلاك الرسائل الإعلامية التي تقدمها له وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من خلال ترتيباتها الذاتية قد يؤدي إلى تشكيل رأي عام متأثر بما يقدم له من مواد وأطلق عليه تسمية التأثير التراكمي لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية.
وأشار إلى أن الجمهور يشارك بفاعلية في عملية الاتصال الجماهيري من خلال استخدامه لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية لتحقيق أهداف مرجوة تلبي توقعاته.
وأنه يمكن الاستدلال على المعايير الثقافية السائدة في المجتمع من خلال استخدامات الجمهور لوسائل الاتصال الجماهيرية, وليس من خلال محتوى الرسائل الإعلامية فقط. لأن رغبات مستقبلي الرسائل الإعلامية متعددة, والإعلام في أكثر الأحيان لا يلبي إلا بعضاً منها.
وتشير نظريات الاتصال والإعلام الجماهيرية إلى أن الاتصال هو سر من أسرار الكون وتطوره، ويقول بعض الباحثين أن الاتصال هو الحياة نفسها، والاتصال هو عملية تواصل بين مرسل ومستقبل وليس عملية نقل فقط، لأن الاتصال هو عملية مشاركة في الأفكار والمعلومات عن طريق عمليات إرسال واستقبال المعاني، وتوجيه وتيسير لها، ليتم استقبالها بكفاءة معينة، لخلق استجابة في وسط اجتماعي معين.
وتتفق أغلب الدراسات التي تناولت هذا الموضوع، على تقسيم الاتصال إلى أنواع أو نماذج متعددة، منها:
الاتصال الذاتي والاتصال الشخصي والاتصال الجماعي والاتصال الجماهيري
وتستخدم كلها وسائل وتقنيات معقدة باهظة التكاليف، منها: المطبوعات، والإذاعة المسموعة والمرئية، والسينما، ومنظومات الاتصال والمعلوماتية عبر الأقمار الصناعية، وشبكة الإنترنيت.

(يتبع…)

المراجع


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

اترك رد