مؤتمر مئة عام على الحرب العالمية الأولى: مقاربات عربية

تقديم:

عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مؤتمره للدراسات التاريخية خلال الفترة 21 – 23 شباط/ فبراير 2014 في بيروت، تحت عنوان: “التاريخ الشفوي: المفهوم والمنهج وحقول البحث في المجال العربي”. وفي ضوء نجاح المؤتمر، وإقبال الباحثين المختصين على المشاركة فيه، ولملء حاجة المكتبة العربية التاريخية المختصة إلى مساهمات بحثية أصيلة وجديدة في مقارباتها وأسئلتها، قرّر المركز تحويل المؤتمر إلى تقليد سنوي. وخصص محوره هذا العام لموضوع: “مئة عام على الحرب العالمية الأولى: مقاربات عربية”. ومن المقرر أن يُعقد هذا المؤتمر في شباط/ فبراير 2015 في بيروت. وتُمثّل هذه الورقة الخلفية نوعًا من مدخل تأشيري لتسهيل المشاركة في أحد موضوعاته أو محاوره الفرعية.

الورقة الخلفية:

لقد أثار التأريخ للحدث، منذ ظهور مدارس التاريخ الجديدة، بدءًا من ثلاثينيات القرن الماضي، جدلًا واسعًا تناول مدى أهميته ومعناه. وإذ كانت المدارس الوضعانية في كلّ من ألمانيا وفرنسا وبلدان غربية أخرى قد ركَّزت خلال فترة طويلة، ولا سيما في غضون القرن التاسع عشر، على الحدث بوصفه مادةً أوليةً وعنصرًا أساسيًّا في التأريخ لتسلسل الأحداث، وتعاقبها، وتأثيرها في المؤسسات، والدولة، وسياساتها، فإنّ مدارس التاريخ الجديدة بدأت تركِّز على تاريخ الأفكار والعقليات، وعلى تاريخ البنى الاقتصادية والاجتماعية، وصولًا إلى التشديد على التحولات الكبرى في التاريخ؛ أيْ على مدى الاستمرارية، وعلى لحظات القطيعة وزمن التحولات، وهو ما سمَّته مدرسة الحوليات “المدى الطويل”، على حدّ تعبير عَلمٍ من أعلامها الكبار هو فرنان بروديل.

على أنّ هذا الجدل الطويل والواسع، والحادّ أحيانًا، عاد بدءًا من ستينيات القرن الماضي، ثمّ ثمانينياته، ليهدأ عبر صيغة تأليفية، أو تركيبية، عبَّر عنها بعض المؤرخين الفرنسيين (بيير نورا P. Nora، وفرنسوا دوس F. Dosse) وبعض الفلاسفة أيضًا (ميشال فوكو، وبول ريكور) بـ “عودة الحدث” أو “انبعاثه من جديد”. وقد نشأ كلّ هذا في سياق تاريخي أشمل أدَّى إلى “شرعنة” “التأريخ للحاضر”؛ أي للزمن الراهن. فلقد فرضت أحداث كبرى من قبيل سقوط الاتحاد السوفياتي، وانهيار جدار برلين، إضافةً إلى الثورة الإيرانية وحربَي الخليج الأولى والثانية، نوعًا من التأريخ للحدث. ولكنّ “غير الحدثيِّ”؛ أي غير المحصور في توصيف الوقائع والمعارك وتحليل السياسات “الواقعية” أو المباشرة كان تأريخًا للحدث من نوع جديد، من نوع التأريخ لِلَحظة الانقطاع والتحوّل، التأريخ لزمن متجاذب بين حمْله أعباءَ الماضي وانفتاحه على احتمالات المستقبل. ولعلّ هذا ما فتَّح الأعين على التأريخ للحدث بمعنى جديد، وبأفق جديد أيضًا؛ ومن ثمَّة بمفاهيم وأدوات إعلام وتوثيق جديدة.

إنّ التأريخ للثورات العربية الراهنة التي عشنا وقائعها، ومازلنا نعيش تداعياتها، كانت من هذا القبيل، وشكّلت هذه الثورات حقل تأريخ لِلَحظة انفجار في الزمن التاريخي العربي، وقد دخل المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مباحثَ هذا الحقل من بابٍ واسعٍ[1].

لقد مضت مئة عام على الحرب العالمية الأولى التي كانت لها تداعياتها ونتائجها على مصائر العالم العربي برمته، بل كانت بعض مناطق العالم العربي ساحاتٍ لها، وكان بعض سكانها وقودًا أو جنودًا في جيوش المتحاربين من الفريقين. فكيف أُرّخ لهذا الحدث؟ وكيف يمكن أن يُؤرخ له بعد مئة عام من جديد؟

تحدثنا عن مصائر شعوب عربية تقرّرت، وعن نشوء دول وإدارات وخرائط جيوسياسية جديدة رُسمت، وعن معاهدات ووعود وإستراتيجيات حُدِّدت، وعن طبقات اجتماعية جديدة وأحزاب وقوًى سياسية كُوِّنت، حتى أنّ ذلك كاد يُحدث قطيعةً بين ماضٍ إمبراطوري عالمي وسلطاني في ثقافتنا من جهة، ومستقبل آتٍ كـ “ماضي الأيام الآتية” من جهة أخرى. وربما خُيّل إلينا، وإلى أجيالٍ قبلنا، أنّ الزمن هو زمن الدولة الوطنية أو القومية؛ أي “الدولة الأمة”، أو “الدولة الموعودة” أو المرجوة دائمًا.

ماذا حصل بعد مئة عام؟ وكيف نُؤرخ لزمن التحولات التي أطلقها حدث الحرب العالمية الأولى الذي تقاطعت في شباكه وقائع الانتصارات والهزائم ومآلات الفشل والنجاح، وحالات الإحباط والأمل؛ تبعًا لاختلاف “الوتائر” في سرعة الأزمنة بين ثابتٍ ومتحولٍ ببطء حينًا، ومتحولٍ بسرعة حينًا آخر، وتبعًا لاختلاف “طبائع” البشر في اجتماعهم وعمرانهم بين أقطار العالم العربي، وهي التي شهدت معظمها مسارات هذه الحرب ونتائجها وتداعياتها، أو تعرّضت لها.

سبق أن أرّخ إريك هوبزباوم (1914 – 1991) للقرن العشرين بكتاب هو: عصر التطرفات: القرن العشرون الوجيز. ولعلّ ما يبرِّر صفة “الوجيز” التي وَصف بها هذا القرن تواريخُ الزمن المعتمدة في عملية التأريخ نفسها؛ إذ يبدأ القرن العشرون، بحسب رأي المؤرخ هوبزباوم، باندلاع الحرب الأولى (1914 – 1918)، أو بالثورة الروسية (1917)، وينتهي بانهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.

في المقابل، أرّخ آخرون لأفكار القرن العشرين “عربيًّا”، واصفين إيَّاه بـ “القرن الطويل”[2]، على غرار “البرودلي” شأنَ القرن السادس عشر الذي يستعير من سالفه فترةً، ويمتد إلى لاحقه فترةً أخرى. أَليس القرن العشرون الطويل – عربيًّا – هو الامتداد الزمني السياسي الثقافي، وليس الكرونولوجي، لمشروع حضاري يبدأ مع نضال النُّخب المحلية في العالمين الإسلامي والعربي، ومسعاها لتحقيق فكرة الدستور والمواطنة عام 1876، ويصل إلى زمن الثورات العربية الراهنة بدءًا من عام 1911؟ ثمَّ أَليس القرن العشرون الطويل – عالميًّا – من ناحية الغرب الرأسمالي التوسعي هو الامتداد الزمني الاقتصادي والسياسي والثقافي، في آنٍ واحدٍ، لبدء إمبريالية تحوّلت إلى “عولمة” ممتدة حتى اليوم، وأدَّت إلى حربين عالميتين متصلتين ومترابطتين على مستوى الأسباب، والنتائج، والتداعيات على امتداد هذا القرن، وإلى حروبٍ إقليمية لاحقة؟

لقد تقاطعت، في سياق الحرب العالمية الأولى، مشاريع النُّخب المحلية والأعيان والشيوخ والملوك مع المشاريع الإمبريالية في العالمين العربي والإسلامي، وتشابكت معها أحيانًا، واندمجت فيها أحيانًا أخرى، فكيف حصلت كلّ هذه الوضعيات التاريخية، وحالات التقاطع والاشتباك والتوافق أيضًا؟ “الحدث” هنا. لم تعُد ثمَّة واقعة معزولة، أو معركة من الماضي خاسرة أو رابحة. أضحى “الحدث” مفتوحًا على “المستقبل” الذي أصبح ماضينا اليوم، مثلًا: انهزمت الحركة العربية المشرقية في “ميسلون”؛ فترتبت على ذلك مصائر في المشرق، وانتصرت الحركة التركية في الأناضول؛ فترتب على ذلك مصائر أخرى في تركيا، على الرغم من أنّ الأمرين مرتبطان بمصير واحد هو إنهاء عمرِ السلطنة العثمانية المديد؛ أي إحداث قطيعة جذرية مع تاريخ ستّمئة سنة من ذاكرة الشعوب الإسلامية وتواريخها المتناقلة.

يدخل “الحدث” وتداعياته الكبيرة والصغيرة في الوثائق المكتوبة، والكتب التاريخية على أنواعها المختلفة، وفي الذاكرة الجماعية، عبر مسالك في الوعي الجمعي وفي اللاوعي الجمعي، بصُوَر شتَّى، ربما تكون صحيحةً أحيانًا، وربما تكون مشوّهةً، أو معدّلةً في اتجاه التقبيح أو التحسين أحيانًا أخرى.

مرةً أخرى نطرح السؤال: ماذا نؤرخ؟ وكيف نؤرخ انطلاقًا من ذاكرة مئة عام على مرور الحرب العالمية الأولى؟

وفقًا لهذه الرؤية في التأريخ الممتد للحدث – وهي رؤية تقتضي مراجعةً نقديةً لِمَا كُتب، ولِمَا رُويَ، ولِمَا علق بالذاكرة، أو أُدخل من خلال صُوَر صحيحة أو غير صحيحة، نقترح إطارًا تنظيميًّا للأفكار والموضوعات يكون جامعًا بين متغيرين في المشروع البحثي المتوخَّى: أوَّلا، متغيّر الأمكنة؛ أي الوحدات الجغرافية – التاريخية المتعدّدة في الوطن العربي ودوله، ومتغيّر حقل الموضوع المطروح في الفترات التاريخية المتباينة بين منطقة وأخرى.

المحاور:

ومن خلال هذا المنظور نقترح المحاور التالية:
المحور الأول: مراجعة نقدية لما كتب عن الحرب العالمية الأولى وتداعياتها عربيًّا

  1. في بلدان المغرب العربي الكبير (المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا)
  2. في وادي النيل (مصر، والسودان، وجوارهما الأفريقي)
  3. في بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام (العراق، وسوريا، وشرق الأردن، وفلسطين، ولبنان)
  4. الجزيرة العربية (المملكة العربية السعودية، واليمن، وسائر دول الخليج)

وتشمل هذه المراجعات الكتب والمذكرات، والشهادات الشفوية (إن وُجدت)، ووثائق الأرشيف المحلي والأجنبي.
المحور الثاني: السياسات الدولية والمشاريع السياسية المحلية خلال الحرب (الدول والإدارات وتطلعات الأعيان والنخب المحلية وبرامجها)

تتوزع بحوث هذا الموضوع على المعاهدات، والوعود، والتقسيمات الجغرافية – التاريخية للدوائر العربية ودولها. ويُركَّز فيها على سمات القوى الاجتماعية – السياسية الفاعلة، وخلفياتها الاجتماعية والثقافية، وطبيعة علاقتها بالسياسات الكولونيالية (رهانات ولاءات أو صراعات.. إلخ)، كما يركز على الدروس التاريخية التي آلت إليها هذه العلاقات بين الأطراف على المدى الطويل، ويركز في هذا الجانب على العقليات التي وقفت خلف المحادثات والمعاهدات والوعود (سايكس بيكو، وبلفور، وسان ريمو، ولوزان.. إلخ).

المحور الثالث: آثار الحرب اقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا في المجتمعات العربية

يُراعَى في هذا المحور أيضًا توزيع البحوث وفقًا للتقسيمات السابقة الذكر، ويُركَّز فيه على أمرين مترابطين، هما:

  • وحدة المعالجة بين المستويات الثلاثة: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، وفقًا لمفاهيم “التاريخ الشامل”.
  • السعي لاكتشاف وثائق جديدة: مكتوبة أو شفوية، أو مذكرات مغمورة.

التركيز على موضوعات جديدة، أو لم تجرِ معالجتها على نحوٍ كافٍ في الكتابات المعروفة.

المحور الرابع: الثورات العربية في مرحلة ما بعد الحرب (الرد على الاحتلال)

  1. ثورة العشرين في العراق
  2. الثورة السورية (1925) مقارنةً بالثورة التركية الكمالية
  3. المقاومة الفلسطينية للمشروع الصهيوني بعد الحرب (في العشرينيات)
  4. الانتفاضة المصرية 1919 – 1920
  5. ثورة عمر المختار (ليبيا)
  6. ثورة الريف في المغرب (عبد الكريم الخطابي)
  7. بواكير الثورة الجزائرية في عشرينيات القرن العشرين

ليس المطلوب في هذا المحور التأريخ الحدثي لهذه الثورات (إلا إذا كانت هناك جوانب غير معروفة)، بل المطلوب هو التركيز على تقييم هذه الثورات ودورها، وما أدّت إليه من نتائج وتداعيات وما تطرحه من دروس، ولا بأس بإجراء المقارنة بين ثورات عشرينيات القرن العشرين وثورات بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

الجدول الزمني للمشاركة:

  • تستقبل اللجنة التحضيرية والعلمية للمؤتمر عناوين الموضوعات وملخصاتها في غضون شهر حزيران/ يونيو، حتى منتصف تموز/ يوليو 2014. تحميل استمارة المشاركة
  • تستلم اللجنة البحوث بناءً على قبول الملخصات من منتصف تموز/ يوليو، حتى أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2014.
  • تنجز اللجنة تحكيمها للبحوث، ويكون إجراء التعديلات والردود النهائية على الباحثين بدءًا من أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، حتى آخر كانون الأول/ ديسمبر 2014.
  • يجرى خلال كانون الثاني/ يناير، حتى موعد انعقاد المؤتمر في 20 شباط/ فبراير 2015 التحضير التحريري واللوجستي للمؤتمر.
  • تُوجَّه المراسلات كلّها إلى الأستاذ محمد مكية، على العنوان التالي:

[email protected]

الهوامش:

[1] أصدر المركز نحو 15 كتابًا في التأريخ للثورات العربية، أغلبها ضمن منهج “التأريخ للزمن الراهن”.

[2] انظر: وجيه كوثراني، الذاكرة والتاريخ في القرن العشرين الطويل: دراسات في البحث والبحث التاريخي (دار الطليعة، بيروت، 2000).

 

الآراء

اترك رد