إذا رجعنا الى القاموس العربي لطلب معنى كلمة الظل فإنه سيحيلنا على معاني و مترادفات جمة منها كلمة جَنَاح .. حِضْن .. حِمَايَة .. كَنَف وكلها تشير الى معنى متقارب هو أن الظل هو فعل حمى المظل ” بكسر الظاء ” للمظل”بفتح الظاء”، أو قل هو جعل المظل”بفتح الظاء” في كنف المظل ” بكسر الظاء “.
أما عن المعنى الاصطلاحي لكلمة الظل فحسب موسوعة ويكي بيديا فالظل هو الظلام الذي يسببه جسم ما عندما يحجب الضوء من الوصول إلى سطح ما. فعندما تقف في ضوء الشمس يحجب الجسم بعض الضوء الذي كان يمكن أن يضيء الأرض، وهكذا يصبح ظلك منطقة مظلمة بشكل جسمك. فالأرض تلقي ظلاً على الفضاء لأنها تحجب بعض ضوء الشمس. ويظلم القمر خلال الخسوف القمري عندما يتحرك داخل ظل الأرض 1
إذا كان الأمر كذلك فما هو ظل الحقيقة يا ترى؟ و أي حقيقة نقصد؟ و هل هناك حقيقة واحدة؟ أم حقائق متعددة؟ و هل يمكن الحديث عن ظل للحقيقة؟ أم أن الأمر يستلزم التحدث عن ظلال للحقيقة أو للحقائق؟
إن مفهوم الحقيقة يدل على عدة معان، فهي الصدق في تعارضه مع الكذب، وهي الواقع في تعارضه مع الوهم.فـالحقيقة أحد الإشكالات الكبرى في مجال نظرية المعرفة وفلسفة العلم فحينما يؤكد المرء وجود أو حدوث أمر ما، فهو يعتبره حقيقيا. وفي هذا السياق، تهتم فلسفة المعرفة بالبحث عن حلول للعديد من المسائل الفلسفية المتعلقة بموضوع “الحقيقة”2
أما عن الحقيقة التي نقصدها في هذا المقال فهي معنى هذا الوجود الذي نحن فيه و ما موقع الانسان منه، و ما المصير الذي سنؤول اليه ، الى غير ذلك من الأسئلة الوجودية التي تحل العديد من الألغاز و التساؤلات الكبرى لدى كل إنسان.
من هذا المنطلق يجيب جلال الدين الرومي عن إحدى تجليات هذا المصطلح حيث يقول “الكلامُ ظلّ الحقيقة ” و هو هنا يتحدث عن الحقيقة كمقابل للكذب في وصفها للمعاني، بمعنى الحقيقة في بعدها اللغوي.
من جهة أخرى يمكن القول إن أفعال الانسان ظل يعكس حقيقة الانسان القلبية لذلك قيل “كل إناء بما فيه يرشح” و قد يحاول لئيم خسيس أن يخدع الناس فيتظاهر بالنّبل والكرم، ولكن طبعه يغلب تطبّعه، وخلقه يغلب تخلّقه، فيعود إلى ما جُبل عليه من سوء، وإلى ما فطر عليه من لؤم، وفي هذه الحقيقة البشرية قال شاعر عربي عركته التجارب وعجم الناس :
ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم3
و هكذا فمن أراد أن يعرف حقيقة نفسه هل و مقامها عند ربها فلينظر الى ظلها في هذا الوجود من خلال الأفعال الانسانية الصادرة عنها و ليس هذا وحسب بل و حتى قياس ذلك الشعور القلبي الموازي لذلكم الفعل ، هل يقوم به الانسان عن طواعية و بمحبة أم بمشقة شعورية كبيرة ، يقول الرسول صلى الله عليه و سلم في حديث شريف اعتبره العلماء من الاحاديث القليلة التي عليها مدار الاسلام “الا إن لكل ملك حمى ، الا و إن حمى الله محارمه” 4 ، بمعنى أن ظل الله في الأرض هو تلك الحدود التي رسمها لعباده التي لا ينبغى تخطيها ” ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون” البقرة 229، ثم أردف في نفس الحديث بقوله”الا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله الا و هي القلب” و هكذا فإن القلب هو محط تجليات النور الالهي المتمثل في القرآن و السنة الذي كلما سطع نوره في القلب الا و تجلى ظل حقيقته ، خير أم شرير ، على هذا الوجود حيث أن المؤمن حينما يسمع كلام الله وجد في نفسه مسارعة طواعية لفعل الخيرات دون تكلف منه و كلما ابتعد الانسان عن دائرة الايمان كلما تجلت وجد مشقة كبيرة في امتثال الأوامر.
قد يعترض معترض على هذا الكلام بقوله أننا نجد من غير المؤمنين من هم مسارعين في فعل الخيرات كالمؤمنين و جوابهم أن أولئك تجلى في قلوبهم نور الضمير الأخلاقي و هو مستوى معين من الأخلاق الانسانية المبنية على العقل الذي إنما هو في حقيقة أمره الهي أيضا سواء فطن الانسان اليه أم لم يفطن لان الله سبحانه و تعالى قال”وعلم آدم الاسماء كلها” بمعنى أن الانسان خلق و هو مفطور على تعلم الاشياء و تصورها لان فيه قابلية كبرى على تمييز الأمور سواء الحسية كالسماء و الأرض و العلو و الدنو و الكل و الجزء كما هو مفطور على معرفة الأسماء المعنوية كالخير و الشر و الخبث و النبل و الكرم و البخل و غير ذلك من القيم الانسانية ، و إنما أتى الوحي لتتميمها “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” أورده مالك في الموطأ.
إن مخلوقات الله المبثوثة في هذا الوجود سواء كانت حسية أو معنوية، تجريدية ، فإنما هي تجل للحقيقة الالهية على هذا الوجود و ما على الانسان إن أراد صلاح آخرته و فلاح دنياه الا التعلم و القراءة من خلال السبورة الكونية التي تعلمنا صباح مساء الكثير إن نحن توجهنا اليها بعقول باحثة ، ومن تنبه لهاته الحقيقة هم الغرب الذين طوروا اليوم تخصصا جديدا هو التكنولوجيا الحيوية او التقانة الحيوية او التقنية الحيوية (بالإنجليزية: Biotechnologies) و تعريفها حسب موسوعة ويكيبيديا هو تطبيق المعلومات المتعلقة بالمنظومات الحية بهدف استعمال هذه المنظومات أو مكوناتها في الأغراض الصناعية. أي أنها تقانة مستندة على علم الأحياء بمعنى ملاحظة مدققة للقوانين التي تقوم عليها الطبيعة، و هي تستعملَ اليوم في جميع مناحي الحياة من الزراعة، وعلم الغذاء، والطب و صناعة السيارات …الخ 5.
و من غريب ما قرأت في هذا السياق على صفحات جريدة الحياة اللندنية أعلنت “نيسان” عن بدء تجاربها لنوع من الطلاء يمكنه أن يغسل نفسه بنفسه من دون الحاجة للماء أو الصابون. وبحسب الشركة فإن الاختراع المسمى Superhydrophobic يقوم على فكرة عدم التصاق الأوساخ بجسم السيارة ابتداءً عن طريق جعل القطرات تبدو مكورة أكثر من كونها مفلطحة كما هو السائد. ومن ثم تسقط الأوساخ تلقائياً لأنها لا تتمكن من الالتصاق. كما أن من الملاحظ أن المادة التي بدأت “نيسان” في اختبارها على أسطح السيارات لا تجعل أجسام السيارات مضادة الاتساخ فوراً لكنها تبدو وكأن الأوساخ تزول تلقائياً خلال ثوان من التصاقها بجسم السيارة. 6.
هذا النوع من الطلاء تم اكتشافه مؤخرا من طرف عالم ألماني يدعى “و. بارثلوت ” يعتبر رائد علم المواد ذاتية التنظيف التي يعتمد بعضها على «تأثير اللوتس»، في حين يعتمد بعضها الآخر على خاصية معاكسة تماما تدعى ـ المحبة الفائقة للماء ـ وعلى تفاعلات كيميائية حفزية ، تبين ل لـ<بارثلوت> حسب مجلة ساينتيفيك أمريكان أن الأوساخ كما الماء تلامس قمم نتوءات ورقة اللوتس فقط، وتبلل قطرات ماء المطر الأوساخ بسهولة فتتدحرج معها بعيدا عن الورقة. ويعد اكتشاف تعزيز النتوءات الميكروسكوبية لعملية التنظيف تناقضا ظاهريا رائعا. لقد تعلمت من والدتي أن الشقوق والتجاعيد في المئزر تؤوي الأوساخ ـ وهذا يتفق والحكمة التقليدية الشعبية التي تقول إذا أردت أن تبقي الأشياء نظيفة فاجعلها ملساء. ولكن النظر إلى نبات اللوتس يبين أن تلك المقولة ليست صحيحة تماما.
وقد بدأ استكشاف تأثير اللوتس بمحاولة فهم القدرة على التنظيف الذاتي التي تمتلكها بعض أنواع السطوح ـ الشمعية ذات البنى الميكروسكوبية أو النانوسكوبية. وتوسع هذا البحث اليوم ليشكل علما جديدا كليا يهتم بالابتلال والتنظيف الذاتي وإبادة البكتيرات (التطهير).7.
الهوامش:
1، مجلة ويكي بيديا الالكترونية
2، نفس المرجع
3، محمد الهادي الحسني ، و كل إناء بما فيه يرشح ، مجلة الشروق أون لاين.
4، أخرجه البخاري.
5، مجلة ويكي بيديا الالكترونية
6، الحياة اللندنية ، 29 أبريل 2014
7، مجلة سايتيفيك أمريكان : http://www.oloommagazine.com/articles/ArticleDetails.aspx?ID=2104
اترك رد