أوصت الندوة العلمية الدولية حول السير الإباضية بتونس التي نظمتها جمعية جربة التواصل بمدينة العلوم على مدار ثلاثة أيام بضرورة العمل على دراسة وتحقيق كل السير الإباضية المشرقية أو المغربية وجمع المتفرق من السير ونشرها في شكل جمهرتين: جمهرة السير العمانية وجمهرة السير الاباضية المغربية إلى جانب العمل على الاهتمام بالسير الإباضية من حيث تدريسها في الحلقات العلمية واستخلاص ما في مضامينها من قيم وأصول. كما حثت على تشجيع مالكي المخطوطات على تمكين الباحثين والمتخصصين من الوصول إليها لدراستها وتحقيقها وانقاذها من الضياع، وحث الطلبة على اتخاذ السير مواضيع لبحوثهم الأكاديمية، بالإضافة إلى الحرص على اقامة مثل هذه الندوة دوريا كل عام، وجعلها في إحدى الدول المشاركة ليكون دوريا عالميا إلى جانب الحرص على بقاء التواصل العلمي بين الباحثين من البلدان المشتركة والحرص أيضا على نشر أعمال الندوة في كتاب لتعميم الفائدة.
وقال الدكتور فرحات بن علي الجعبيري- رئيس الندوة العلمية في حديث لعمان: إن الندوة ثمرة خمسين عاما من المتابعة والنظر في السير حيث بدأت في التجهيز لها منذ عام 1969م وقد مرت الدولة بأحداث كثيرة، ولكن ولله الحمد جاءت أيام الحرية والكرامة و هذه الندوة المباركة منطلقا إلى أعمال علمية وعملية تشمل جمع الأخوة من مختلف الدول ومناقشة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والسياسية، وبإذن الله نعزم على إقامة ندوة أخرى في نوفمبر المقبل.
وقد ركزت الندوة العلمية الدولية بتونس حول السّير الإباضية في الجلسة الأخيرة أمس الأول على أهمية التعايش في السير الإباضية، حيث قدم الدكتور سيف بن سالم الهادي خبير برامج بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ورقة بعنوان:» صور من تطبيقات مبدأ التعايش في السير الاباضية تناول فيها كيفية تطبيقه عبر العصور المختلفة في الدول الاباضية المتعددة، وقد كان عبر التاريخ يقدم نماذج ممثلة في الشكل والمضمون لأن الفكر الإباضي كما تشرحه السير ينطلق من خلفية عقدية واستراتيجية إدراكية وعملية وثقافة عامة تؤمن بها كل الأطياف المختلفة التي تعيش في المجتمع الإباضي.
وأوضح الهادي في حديثه مبدأ التعاون في المفهوم العام والمفهوم الاباضي ومرتكزات التعايش في السير الاباضية ونماذج تطبيقها بالإضافة إلى الخلاصة التي يحتاجها المعاصرون اليوم لإدراك أن الطائفية ليست حتمية في المجموعات الإسلامية.
كما قدم الدكتورعيسى بن محمد السليماني أستاذ مشارك في اللغة العربية بكلية العلوم التطبيقية بنزوى ورقة بعنوان:» البعد الخطابي السلطوي- قراءة في كتاب تحفة الأعيان» وتناول فيها المنهجية العامة للكتاب واللغة السردية وأبعادها التأويلية، وقد تمثل بأنموذجين طرح من خلالها قدرة النص على كسب المتلقي وهو ما يعرف بالخطاب وسلطته على المتلقي».
المرأة في السير الإباضية
بينما تناول أحمد الأسود أستاذ مساعد بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بجندوبة:»المرأة في السّير الإباضية» موضحا في حديثه مختلف صور المرأة في السير الإباضية من نافذتي الروح والجسد معا مشيرا إلى عناصر منها «المرأة والتّديّن « حيث لا تبدو المرأة فاعلة في كتب سير الاباضيّة، فالمتحرّكون على ساحة الأحداث هم شيوخ، علماء يعملون ويفقّهون ويفتون ويتصدّون للأعداء ويموتون دفاعا عن القبيلة والمذهب والجهة، وهكذا تبرز المرأة حين لا يكون للشيخ تدخّل، وفي المناطق المظلمة التي لا يلج إليها «العلم»، وقد تنوّعت وتعدّدت صورة المرأة الاباضيّة في علاقتها بالتديّن.
وأشار أحمد الأسود إلى علاقة المرأة وطلب العلم حيث كانت المرأة الاباضيّة تسعى إلى العلم، فتصبر على مشاقّه وإن لم يرض وليّها، وذكر مثالا «أم ماطوس»، فقد كانت بكرا وأرادت العلم كما يقول الشماخي، فكانت إذا جنّها اللّيل، ونام الناس أخذت مزراقا في يدها، وذهبت في هيئة الرّجل إلى أبي محمد التمصمصي، فتحضر المجلس، فإذا افترق رجعت، وتجعل مزراقها في زيتونة، فسمع أخوها، فأراد منعها، ولكنّها كانت تتركه حتى ينام وتخرج ، ثمّ كانت عائشة بنت معاذ بن أبي علي وهي من أسرة علم، أخذت العلم عن الشيخ تبغورين بن عيسى، كان إذا قعد بالمجلس جازت بحصير، وكانت تدوّره على نفسها، تستتر به، وتقعد في المجلس، وكانت تقول: «لولا الشيخ أبو العباس أحمد بن أبي عبد الله، لمتّ بالجهل»، فكان يُقال عنها: « خير نساء أجلو، عائشة بنت معاذ».
وعرض كل من محمد بن سليمان الشعيلي ومحمود بن علي الندابي ورقة عمل بعنوان في كتابات الآخر:» ابن الصغير التاريخ الإباضي نموذجا» ويهدف عرضهما إلى إعطاء صورة عمن كتبوا الإباضية حسب التسلسل التاريخي من خلال عرض مختصر لأهم تلك الكتابات، ثم تعرج الورقة للحديث عن بدايات الإمامة الإباضية في المغرب العربي انتهاء بإقامة الدولة الرستمية وأهم الأحداث التاريخية فيها والتعريف بابن الصغير مؤلف الكتاب:» أخبار الإئمة الرستميين»،
وركزا من خلال عرضهما على جانب التاريخ الإباضي في كتاب ابن الصغير ومقارنته بالمدون في سير الإباضية وكتبهم عن دولة الرستميين، وما حصل فيها من أحداث ووقائع خلال تلك الحبقة، وتعد دولة الائمة الرستمية نموذجا للنظام الشرعي عند الإباضية المستمد من سيرة المصطفى وخلفائه الراشدين.
الأبعاد الحضارية لحلقة العزابة
وقدم أحمد بن حمو كروم وعمر بن أحمد بازين ورقة أخرى بعنوان:»الأبعاد الحضارية لسيرة حلقة العزابة في القرن الخامس الهجري» وهي سيرة حلقة العزابة في شمال لإفريقيا ، ولقد تعاون على رعاية شؤون التربية والتعليم في شمال إفريقيا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات عملوا في مختلف العصورعلى تبليغ أمانة الإسلام، كما تلقوها عن الصحابة الأوائل مع تنوع في الطرق والوسائل الممكنة لذلك، فنجد في هذه السيرة ثلاثة أسماء لامعة نذكر منهم الشيخ أبو زكرياء فصيل بن أبي مسور، والشيخ أبو عبد الله محمد ين بكر و أبو الربيع سليمان بن يخلف المزاتي، ولقد اهتم المؤرخون من كتاب السير بسرد أنظمة التربية والتعليم في مختلف العصور التي يؤرخون لها سواء كانت السيرة لمجتمع كبيرأو لشخصية معتبرة؛ حتى يظهر الغث من السمين في هذه الحقبة التاريخية وأسباب ذلك إيجاباً وسلباً، ولا شك أن الهدف من ذلك هو إعداد القدوة الصالحة في النجاح والتحذير من أسباب الإخفاق سواء في الحياة الاقتصادية أو النفسية أو العائلية أو الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية.
قراءات في كتابات السير الإباضية
كما عرض يحيى بن بُهون حاج امحمد قسم اللغة والأدب العربي – جامعة غرداية « كتاب طبقات المشائخ بالمغرب للدرجيني نموذجاً» في محور الأخلاق والقيم في السّير الإباضي، مشيرا إلى ما أوردته السّير الإباضية أخباراً كثيرة ومواقف عديدة تصف أخلاق وشيم «العزّابة»، ومن أهم تلك التآليف والمصنّفات كتاب «طبقات المشائخ بالمغرب» لأبي العباس أحمد بن سعيد لدرجني الذي يعدّ أحد أهم مصادر السّير الإباضية وأشرفها، وهو حافلٌ بذكر أخبار السلف الصالح من أهل الدعوة والاستقامة، ومع مرور الزمن وتبدّل الطبائع تزداد حاجة بني الإنسان عموماً والمسلمين خصوصاً إلى التمسك أكثر وأكثر بالقيم والفضائل كي تستقيم شؤون حياتهم التي تتسارع وتيرتها يوماً بعد يوم؛ وفي ذلك يسعى «العزَّابة» إلى غرس القيم والفضائل في نفوس الشباب والناشئة؛ انطلاقاً من تجسيد القدوة الحسنة وتدريس كتب السّير واستخراج ما فيها من الرقائق والأخلاق بما يعزز في نفوس الناشئة قيم التواضع والعفاف والرغبة في طلب العلم والدعوة إلى كل ما يُحيي القلوب ويربط ماضي السلف بحاضرنا اليوم ويستشرف المستقبل الواعد بحول الله.
دور الدراسات في إبراز المناطق
وتحدث بشير بن موسى الحاج موسى مؤسسة الشيخ عمي سعيد- الجزائر عن «كتابات نسب الدين عند الإباضية بالمغرب» معرفا نمطا خاصا من الكتابة التاريخية، يعرف في الثقافة الإباضية بالمغرب بنسب الدين، وهي كتابات تتعلق بالتاريخ الديني الذي يهتم بحملة العلم، وتعنى أساسا بتوثيق عملية رواية العلم والدين طبقة عن طبقة عن طريق الإسناد المتصل في كل زمان ومكان من لدن المتعلم الراوي إلى مصدر الوحي والرسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فهي من هذا الجانب تندرج ضمن علم الرجال والطبقات. موضحا أن ما تتميز به هذه الكتابات أنها أسهمت في إبراز جوانب دقيقة من تاريخ بعض الأقاليم والمناطق المستقلة جغرافيا والمتصلة ثقافيا ومذهبيا.
وعرضت سناء الباروني مداخلة بعنوان:» أبو العباس أحمد الدرجيني : مؤورخ بالمهارة والاكتساب أديب بالفطرة» قراءة أدبية وتاريخية لفهم ادبيات الطبقات، ومن أهم ما يميز أدبية الدرجيني وصفه للطبقات وصفا متكاملا وفيها حبكة أدبية خطبا ورسالة وحكم، والميزة المهمة في الكتاب تجعله مصدرا مهما للباحثين حيث تتميز سير الدرجيني بالدعابة.
اترك رد