بقلم:البشير أبرزاق*
سنحاول في هذا المقال أن نمارس نوعا من النظر في مسألة الحوار الحضاري، الذي نعني به الحوار بين الحضارات المعاصرة المؤثرة في الإنسانية فكرا وثقافة وسلوكا، كالحضارة الإسلامية والحضارة الغربية والحضارة اليابانية والصينية وغيرها . وسيكون هذا النظر من خلال قضيتين أساسيتين:
أولا- الحوار الحضاري:الدلالة والسياق.
ثانيا:مقومات الحوار الحضاري وأهميته في بناء المشترك الإنساني.
1- الحوار الحضاري:الدلالة والسياق
أجمع أهل اللغة على أن الحوار من المُحَاورَة والمُجاوَبة التي تتم بين طرفين بقصد تبادل الأفكار والكلام حول القضية أو القضايا المتحاور حولها،وإنتاج أفكار جديدة متجاوزة للتصورات القبلية لكل طرف.مما يعني تقدما في الفكر وفي الممارسة وفي العلاقات الإنسانية عامة.
وهكذا، فالحوار جزء متأصل في إنسانية الإنسان و في علاقته مع أخيه الإنسان.فكلا الطرفين :الأنا والآخر يشتركان في حقهما في الوجود والحياة .مما يعني أن الأنا لايتكامل إلا بوجود الآخر الشيء الذي يفرض ضرورة الاعتراف المتبادل بين الطرفين كشركاء طبيعيين في بناء الحياة الإنسانية .
فالحوار بهذا المعنى يحمل معنى “التحرر من طغيان السلطة ،كما انه اكتشاف للآخر داخل الذات واكتشاف للذات في نظر الآخر ،أي التعرف على الأنا الموضوعية التي يراها الآخرون مقابل الأنا الذاتية التي نراها نحن” (1).
ولم يكن فعل الحوار ممارسة شيئا جديدا في السلوك البشري،بل إن هذه الظاهرة متأصلة في الإنسان منذ وجوده على وجه الأرض.فمن منظور الإسلام مثلا، تبدو لنا خصلة الحوار قيمة وضعها الإسلام ورسخها الرسول صلى الله عليه وسلم كمنهاج حياة للمسلمين .انه مفهوم متأصل في الثقافة الإسلامية وعنصر مؤسس للحضارة الإسلامية ،وسمة أساسية من سمات المسلم السوي.
وبما أن الحضارة شاملة لكل مظاهر الحياة ،فان الحوار(الحضاري)بهذا المعنى محاولة للتعمق في هوية كل ثقافة وفهمها، والغرض من ذالك هو تجنب سوء التفاهم الذي يؤدي إلى العداوة التي غالبا ما يكون مصدرها الجهل بالآخر وسوء فهمه (2).
والمتتبع للتحولات التي شهدها العالم أواخر القرن العشرين ومطلع هذا القرن، ليلحظ ما شهده العالم من انتشار لمفاهيم اتخذت صبغة شعاريه في عدة حالات ،ومن أهم هذه المفاهيم نذكر :النظام العالمي الجديد، نهاية التاريخ ،صدام الحضارات، ، العولمة،الحداثة،ما بعد الحداثة، حوار الحضارات…الخ.
هذا المفهوم الأخير الذي تزايدت الدعوات إليه خاصة بين العالم الإسلامي والعالم الغربي ،خاصة بعد أحداث يوم الثلاثاء11شتنبر 2001.لتتخد هيئة الأمم المتحدة من سنة 2001سنة للحوار بين الحضارات.مما فسح المجال أمام عقد لقاءات ومؤتمرات دولية ووطنية شعارها “حوار الحضارات”.
إن هذه السياقات الجديدة التي طرحت فيها مسالة الحوار الحضاري بين أطراف معينة من العالم،تستوقف الباحث ليتساءل عن الغايات الكبرى لتلك المبادرات الحوارية ،أهي نابعة من الوعي التام بضرورة الحوار وأهميته ؟.ولماذا لم تعطي هذه النداءات نتيجة ايجابية تجني البشرية ثمارها؟.
إن ادعاء كون الحضارة الغربية اليوم هي الحضارة الإنسانية العالمية المتحكمة في العالم ،ينم عن نظرة استعلائية مخالفة لحقائق التاريخ والواقع .ذالك أن تاريخ الكون لم يجسد في تاريخ الغرب فقط(أوربا وأمريكا)،نظرا لما لحضارات أخرى من ادوار وتأثيرات أساسية لاتنكر في الساحة العالمية،وفي الحياة الإنسانية المعاصرة.
2- مقومات الحوار الحضاري وأهميته في بناء المشترك الانساني:
لاننتظر حوارا حضاريا حقيقيا إلا إذا التزم المجتمع الإنساني بما يضمن ذالك من شروط،ومن ذلك نذكر:
– الإيمان بمبدأ الاختلاف:فلا ندخل أنا أنت في الحوار،إلا ونحن مختلفان(3).
– الاعتراف المتبادل : فلا حوار بدون الاعتراف بوجود الآخر، وبأهمية دوره في البناء والتغيير.فالحوار أسمى مرتبة من التعارف ،ولا تعارف بلا اعتراف.
– الثقة بين أطراف المجتمع الإنساني.
– الإنصاف والعدل والمساواة.
– نبد التعصب والكراهية
– مبدأ التكافؤ والتوازن: ذالك انه كلما توازنت القوى اتسع مجال الحوار .
وقد يتساءل متسائل عن واقعية هذا الشرط في عالم اتسعت فيه الفوارق العسكرية والاقتصادية والعلمية.فالواقع أن هذه المعايير غير ثابتة ولا مستقرة ،والثابت والمستقر هو مدى إسهام كل حضارة في بناء الشخصية الإنسانية وتنميتها فكرا وروحا .
– النية الحسنة.
– ربط الحوار بالجوانب المشتركة بين المجتمع الإنساني.
– استبعاد فكرة التبعية والاستعلاء والهيمنة.
– الاحترام المتبادل.
– ضرورة الإجابة عن سؤالي :عم نتحاور ؟ومن أجل ماذا؟.وذالك بالإيمان أن الهدف الإنساني المشترك هو السعي إلى العيش في مجال يسوده التعاون والتآزر ،قصد تحقيق السعادة الكاملة للإنسانية جمعاء،وأن السبيل إلى ذالك هو التواصل والتفاهم والحوار.
إن الخلخلة التي يعيشها العالم اليوم بسبب المنازعات الدولية و الأنانيات المستعلية الساعية لتحقيق مصالحها الذاتية،تفرض ضرورة قيام حوار جاد وحقيقي بين كل المجتمع الإنساني ،حوار يؤسس لعلاقات إنسانية مبنية على أسس الإقناع والتناصح والاجتهاد وحفظ المصالح المشتركة.
فـ”الأصل في تعايش أهل الأرض الأمان،والاستقرار العالمي مطلب لنا عزيز”(4)،ولن يتأتى ذالك إلا بالحوار والتفاعل لا بالمنازعات والتصادم.لأن ذالك ضرورة حياتية وأساس استقرار الشعوب والحضارات،وأساس بناء السلام العالمي.
وتتأكد ضرورة الحوار الحضاري في عالمنا المنفتح و المعَولَم، الذي لا يعرف حدودا علمية ولا معرفية.
إنه،ولبناء حضارة إنسانية مشتركة قوامها النهوض بالإنسان نفسه والارتقاء به من ضلالته ووحشيته روحيا وأخلاقيا،عبر آلية الحوار ،لامحيد لكل الحضارات المعاصرة أن تلتزم بالشروط الأساسية لكل حوار جاد نابع من الرغبة في الارتقاء بالإنسان من دمار الجهل واللاأخلاق ونيران الحروب، إلى عالم يسوده التعايش والسلام والمساواة والكرامة والحرية….
ومن هنا ،فان حوار الحضارات البناء المؤَثر هو الذي يرتقي بالبشرية من عنف الهيمنة إلى عنفوان التعايش السلمي .
الهوامش:
1- عمار جيدل، حوار الحضارات ومؤهلات الإسلام في التأسيس والتواصل الإنساني ،دار الحامد للنشر والتوزيع، الجزائر الطبعة الأولى،2003،ص 37.
2- شرادة فوزية، الحوار والتواصل عند يورغن هابرماس،مجلة عالم التربية ،العدد17، السنة2007،ص117.
3- – طه عبد الرحمان، الحوار والاختلاف –خصائص وضوابط- مجلة عالم التربية، العدد 15،السنة 2004،ص 148.
4- عبد السلام ياسين،حوار مع الفضلاء الديمقراطيين،مطبوعات الأفق،الدار البيضاء ،الطبعة الأولى،1994،ص213.
* كاتب من المغرب
اترك رد