كتاب قضايا في الفلسفة

إعداد: سعيد البوسكلاوي
جامعة زايد، أبو ظبي/جامعة محمّد الأوّل، وجدة

صدر كتاب جماعيّ بعنوان قضايا في الفلسفة، عروض في كتب (*)، وهو الكتاب الثاني في سلسلة أعمال الندوات والأيام الدراسيّة التي نظّمها فريق البحث في الفلسفة الإسلاميّة برحاب كلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة، جامعة محمّد الأوّل بوجدة/المغرب، بين عامي 2012-2015. يتكوّن الكتاب من مائتي صفحة ويضمّ عروضا في كتب متنوّعة، قديمة وحديثة، من منطلقات وغايات متباينة يجمعها الفكر الفلسفيّ بعموم القول. وفيما يلي تقديم الكتاب:
يضمّ هذا الكتاب أعمال اليوم الدراسيّ الذي نظّمه فريق البحث في الفلسفة الإسلاميّة في موضوع قضايا في الفلسفة، عروض في كتب يوم 24 ماي 2012 بقاعة نداء السلام بكليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، جامعة محمّد الأوّل بوجدة. وقد جعلنا غايتنا في هذا اللقاء العلميّ جمع ثلّة من الباحثين، معظمهم شباب ومن مشارب مختلفة، حول مؤلّفات وقضايا فلسفيّة متنوّعة تراثيّة أو معاصرة، مع حرص أكبر على الارتباط بالنصوص والمصادر الفلسفيّة من مدارس وعصور مختلفة. وقد كان، بالفعل، فرصة لاكتشاف نصوص وقضايا جديدة من وجهات نظر مختلفة، ومناسبة للتناظر والتأمّل فيما تطرحه هذه النصوص من أفكار وفتح إمكانات متباينة في التفسير والفهم والتأويل. وغنيّ عن البيان أنّ تعدّد المشاركين والنصوص المدروسة في هذا العمل يعني تعدّد القضايا وتباين وجهات النظر الفلسفيّة بما يستتبعه ذلك من اختلاف وتنوّع المدارس والمناهج والمفاهيم الفلسفيّة. بالتأكيد، فكلّ مشارك اقترح علينا قضيّة فلسفيّة عرضها من خلال مؤلّف واحد أو أكثر من مؤلّف. ولعلّه من النافل القول كذلك إنّ كلّ كتاب فلسفيّ طرح قضيّة أساسيّة وقدّم تصوّرا معيّنا وتتبّع منهجا محدّدا، لكن ثمّة أيضا مسائل كثيرة متشابكة ومفاهيم أساسيّة حبلى بدلالات تبقى دائما مفتوحة ولانهائيّة مهما حاول المؤلّف حصرها وتسييجها وتعيين إطار لها. وهو أمر يدفع بالضرورة إلى استحضار تاريخ القضيّة والمفهوم الفلسفيّين في علاقتهما، طبعا، بالسياق النظريّ والتاريخيّ كما بشبكة القضايا والمفاهيم الأخرى التي تتفاعل معها، وكذا الوقوف عند الحيثيات المختلفة لتبنّي هذا الرأي أو ذاك وشقّ سبيل هذا الفهم أو ذاك والكشف عن الأدلّة وأبنية الاستدلال التي تدعّم اختيار هذا التأويل دون ذاك، وترجيح هذه المواقف والرؤى على حساب تلك، وبالتالي استشراف أفق معان جديدة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ العروض التي قدّمت في هذا اللقاء وإن كان يغلب عليها الوصف، إلا أنّها لا تخلو، والحال هذا، من أهمّية التعريف بما يقترحه المؤلّف من أطروحة ووجهة نظر وطريقة استدلال، بل وأحيانا قد يرنو بعضها إلى النقد، وهو المطلوب، متجاوزة حدود العرض البسيط يحرّكها الطموح إلى مساءلة الاختيارات والمناهج والأطروحات والنتائج؛ وبالتالي، خلق مناسبة النقاش وشروطه من أجل التقدّم في مستويات التفسير والتأويل. ولأنّنا أشدّ ما نكون اقتناعا بأنّ الدرس الفلسفيّ لا يمكن أن يقوم خارج النصّ الفلسفيّ وتاريخه، فإنّنا نروم، من جهة أولى، إعادة الاعتبار إلى الدرس والكتاب الفلسفيّين في الجامعة المغربيّة والعربيّة، والدعوة إلى الاهتمام بالنصّ الفلسفيّ بما يختزله هذا النصّ من إمكانات لانهائيّة واختراقات نقديّة مفيدة ودربة على التفكير الحرّ والمبدع؛ كما نرنو، من جهة ثانية، إلى تكريس هذا النوع من الأنشطة تقليدا في جامعاتنا، في الفلسفة كما في مختلف مجالات البحث القريبة: تقليد قراءة النصوص التراثيّة ومراجعة الإصدارات الجديدة، لا في شكل قراءات فرديّة معزولة وإنّما نخصّص لها لقاءات دراسيّة نوفّر لها شروط النجاح. ونشير إلى أنّنا قد خضنا في الفريق أيضا تجربة ‘عروض في كتب’ في لقاءات نصف شهريّة حول قضيّة وكتاب، ارتأينا جمعها هذه المرّة في لقاء دراسيّ رجونا منه فائدة أكبر واهتماما أكثر ومشاركة أوسع.
إنّ انشغالنا، في فريق البحث في الفلسفة الإسلاميّة، بهمّ النصّ الفلسفيّ الإسلاميّ لم يمنعنا من الانفتاح على آفاق قريبة أخرى؛ وغير خاف أنّ دراسة النصّ التراثيّ يسير جنبا إلى جنب مع تتبّع ما يصدر من أبحاث جديدة تحمل على هذا التراث نفسه، استيعابا ونقدا. وليس غريبا، والحال هذا، أن تكون محاور هذا العمل الجماعيّ متنوّعة بتنوّع المؤلّفات الفلسفيّة التي تدرسها تبعا لتنوّع اهتمامات المشاركين، من الفلسفة القديمة إلى الفلسفة المعاصرة، من يحيى النحوي إلى ابن مسكويه، ومن ابن رشد إلى ابن طملوس وإلى ابن تيميّة، ومن كانط إلى كارل لوفيث، ومن ألان تورين إلى جاك ديريدا وإلى إدغار موران وغيرهم، ومن مسألة قدم العالم إلى العقائد الدينيّة، ومن مسألة اللوغوس إلى فلسفة التاريخ، وإلى مفاهيم الحداثة والديمقراطية والفكر المركّب وغير ذلك. لكن الأمر المشترك بين جميع هذه العروض هو كونها تصبّ جميعها في الدرس الفلسفيّ، بمعناه العامّ، وتجد منطلقها في النصّ الفلسفيّ، أوّلا وأخيرا، سواء كان هذا النصّ تراثيّا (يونانيّا أو إسلاميّا) أو معاصرا، وتغطي جوانب مهمّة تمثّل جلّ مراحل تاريخ الفلسفة بدءا من الفلسفة اليونانيّة المتأخّرة إلى الفلسفة الإسلاميّة، إلى الفلسفة الحديثة والمعاصرة. وقد رتّبنا، في ضوء ذلك، مواد هذا العمل ترتيبا تاريخيّا فقسّمناه إلى قسمين؛ بحيث يشمل الأوّل عروضا في نصوص فلاسفة من العصرين القديم والوسيط، ويتضمّن الثاني عروضا في نصوص فلاسفة من العصرين الحديث والمعاصر.
وهكذا، افتتح سعيد البوسكلاوي موادّ القسم الأوّل بعرض في “كتاب يحيى النحوي في ‘الردّ على برقلس في قدم العالم’ وحضوره في العربيّة”؛ ودرس محمد بنيعيش “ابن مسكويه ومنهجه التوفيقي في علم الأخلاق، قراءة في كتاب ‘تهذيب الأخلاق’”؛ وتوقّف صديق زريوحي عند “إشكال العلاقة بين العلم الطبيعي والتعاليم عند ابن رشد من خلال كتاب ‘شرح البرهان’”؛ وقدّم فؤاد بن أحمد “قراءة في «النشرة» الثانية من كتاب ‘المدخل لصناعة المنطق’ للحجاج بن طملوس”؛ وأخيرا، قدّم محمد كنفودي “قراءة في كتاب ابن تيمية، ‘درء تعارض العقل والنقل أو موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول’”. وفي القسم الثاني، نقرأ عرضا لمحمد بن الشيخ في “كتاب كانط، المبادئ الميتافيزيقيّة الأولى للعلم الطبيعيّ” (بالفرنسيّة)؛ كما تناول يوسف أشلحي “الحداثة وتنازع الأسس: كارل لوفيث ومناحي التصيّر الثيولوجي في فلسفة التاريخ”؛ في حين سلّط توفيق فائزي الضوء على “ترياق/سم أفلاطون، قراءة في مقالة لجاك دريداPharmacie de Platon”؛ ومن جهته قدّم فريد لمريني عرضا “في كتاب ألان تورين، ‘ما الديمقراطية؟’” (بالفرنسية)؛ ومحسن أفطيط، في كتاب ‘براديغما جديدة لفهم عالم اليوم’ للمؤلّف نفسه؛ وختم القول محمد أطبل الحامدي ب”قراءة في أطروحة ‘الفكر المركب’ لإدغار موران”. لنبدأ، إذاً، على هذا النحو العامّ ثمّ نسير شيئا فشيئا نحو التخصّص في أعمالنا المقبلة.
ومن أوجب الواجبات علينا، في الأخير، أن نتقدّم بالشكر الجزيل إلى السادة الأساتذة الذين ساهموا في هذا الكتاب بعروض قيّمة، كما لا يفوتنا أن نشكر السيّد عميد الكليّة ورئيس الجامعة ونوابهما ورئيس مصلحة الشؤون الثقافية بالكلّية على تشجيعهم المستمرّ للأنشطة العلميّة بحثا ومناظرة ونشرا؛ وكل من ساهم في إخراج وطبع هذا الكتاب. وكلّنا أمل في أن يجد القارئ في موادّه بعض الأضواء التي قد تنير له الطريق من أجل فهم أفضل لبعض القضايا الفلسفيّة الشائكة. ولا يسعنا إلا أن نتمنّى لهذا الكتاب الجماعيّ حياة علميّة مفيدة.

(*) سعيد البوسكلاوي (تنسيق)، قضايا في الفلسفة، عروض في كتب، منشورات فريق البحث في الفلسفة الإسلاميّة (كلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة، جامعة محمد الأوّل بوجدة)، سلسلة الندوات والأيام الدراسيّة رقم 2، 2015، (200 صفحة). ردمك: 978-9954-9562-1-2


نشر منذ

في

,

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

رد واحد على “كتاب قضايا في الفلسفة”

  1. الصورة الرمزية لـ بلعز كريمة
    بلعز كريمة

    السلام عليكم ورحمة الله
    تحية طيبة من جامعة مولاي الطاهر سعيدة الجزائر
    نشكركم على المبادرة الطيبة ،وهي انجاز الكتب الجماعية و التي نتمنى أن نساهم فيها أيضا الرجاء أي مساهمة أخرى ارسال المحور المراد نشره وستجدونني بحول الله مستعدة لارسالمداخلة وشكرا.

اترك رد