بعد المؤتمر الأخير لحركة النهضة التونسية كثر الكلام عن علاقة الدعوي بالسياسي،واختلفت الآراء والمواقف بشأن قرار الحركة التفرغ التام للسياسة،وتفويض أمر الدعوة لمنظمات المجتمع المدني،والذي يظهر لي أن ذلك القرار كان اضطرارا ولم يكن اختيارا في ضوء الحملة الإعلامية الشرسة التي تشنها على الحزب الكثير من الجهات العلمانية واليسارية،وفي ضوء الحرب العالمية الاستباقية وغير المعلنة التي يديرها من وراء ستار المحور الأمريكي الروسي الصهيوني الذي يُظهر الخلافات لذر الرماد في العيون ويخفي التوافقات لضمان الانتصار في الحرب،وتمثل “داعش” رأس الحربة في ذلك المخطط،و”الطائفية” الطريقة المثلى لتقسيم المنقسم،بشكل جعل الكثير من الدارسين والمراقبين يتحدثون عن اتفاقية “كيري- لافروف” التي حلت محل اتفاقية “سايكس- بيكو” لتغيير الخريطة الجغرافية والديموغرافية والسياسية للمنطقة،شخصيا لم يحمل لي قرار النهضة أية مفاجأة لأن الدعوة كانت أصلا مركونة ومزوية في الهامش عندها،ولم تأخذ النفس الكافي لترتيب العلاقة بين الدعوي والسياسي بهدوء وروية،فمن مكابدة قمع نظام بن علي وسجونه ومعتقلاته ومنافيه،إلى الاستغراق الكلي في السياسي وتدبير الحكم بعد الثورة،إلى الانزلاق نحو “اللغة الانهزامية” في العلاقة بينها وبين مخالفيها،والتعبير بشكل محتشم عن الانتماء إلى “المرجعية الإسلامية”،بينما ظل المعسكر الآخر متمسكا حد التطرف بلغته الخشبية في مواجهة “الظلاميين” و”الرجعيين” و”الإرهابيين”،فلِم الحرص على التحالف مع “الثعالب العجوزة” التي فاتها الركب وفاتها القطار،ولِم الحرص على إحياء الرمم البالية.
إن النظر في علاقة الدعوي بالسياسي يقتضي القيام بانعطافتين:
انعطافة نحو الداخل الأنفسي،وانعطافة نحو الخارج الآفاقي.
اترك رد