د. السنهوري: التململ العربي

التململ العربي

بقلم: د.خليفة محمد خليفة السنهوري

[email protected]

مدير مركز روابط لبناء القدرات والدراسات

أستاذ بجامعة النيلين السودان

ارسل لي من أعز الطرفة التالية عبر رسالة اليكترونية:

• التونسية اقلعت.

…• المصرية بعد قليل.

• اليمنية والأردنية …..اجرآت الوزن.

• ومازال المطار في انتظار………………

كانت تونس تبدو من أكثر البلدان العربية استقراراً، ولكن الانتفاضة الشعبية الأخيرة أثبتت أن الأمور لم تكن على ما يرام كما كانت تبدو على السطح، بل كان هناك زلزال ينتظر،ونارا تمور من تحت الرماد ليسقط، ليس طاغية تونس فحسب، بل وليهز عروش جميع الحكام العرب ويبعث فيهم الرعب والخوف، وهو دق ناقوس الخطر في المنطقة، وتبليغ رسالة – ان ضع الماء على رأسك- تمهيدا لحلق الرأس ،وهذه طرفة سودانية خالصة.

انطلقت الانتفاضة الشعبية العارمة قبل أسابيع بشعارات مربوطة بالحرية والخبز والكرامة، وبدأت تنتشر في جميع أنحاء تونس سريان النار في الهشيم، والملاحظ أنه لم تخرج أية مظاهرة ، تأييداً لبن علي، أو دفاعاً عنه، وهذا دليل لا يقبل الشك، على أن سلطتة بدأت في الزماع بل وكانت مرفوضة من الشعب التونسي، وأنها أفلست أخلاقياً وسياسياً ودستورياً، ولذلك سقطت بهذه السرعة وبركلة من الشعب.

لا شك عندي البتة أن ما حدث في تونس، هو رسالة إنذار إلى الحكام العرب الذين اغتصبوا السلطة، ليتمسكوا بها مدى الحياة ولأبنائهم من بعدهم، عن طريق التلاعب بالدستور، وانتخابات صورية مزيفة يفوز فيها الرئيس بـ 99.99% من الأصوات، ليحكموا شعوبهم بالقبضة الحديدية لعشرات السنين.

وكما نلاحظ الآن ان الطائرة التونسية – وهو تعبير يعرفه المتعاملون مع المحاكم في السودان، ويطلق على عربة الشرطة التي تنقل المنتظرون من والى المحاكم – بدأت تسري الى الكثير من الدول العربية من شمال افريقيا الى الدول العربية على سواحل الخليج الفارسي، التي تيقنت فيها الحكومات بوصول رياح التحولات الى ابواب قصورهم . كما ان الاضطرابات الحالية في الاردن والدعوات الى الاحتجاجات على تردي الاوضاع المعيشية يؤكد ان مسلسل سقوط الانظمة الدكتاتورية، لن ينتهي بهذه السرعة، وهناك بوادر لبدء مرحلة جديدة من تاريخ العالم الاسلامي.

فما يجري في مصر هو نتيجة طبيعية لتراكم الازمات بدءا من الظروف المعيشية الصعبة حتى الوضع السياسي الذي وضع هذا البلد تحت رحمة قانون الطوارئ ، فضلاً عن سياسات المهادنة مع الغرب والتطبيع مع الكيان الصهيوني رغم رفض الشعب المصري لهذا النهج.

ان نظام الحكم في مصر لم يكن خلال العقود الثلاثة الماضية على مستوى هذا البلد العريق الذي يعتبر عمقاً استراتيجياً للعالمين العربي والاسلامي وله حضارة وتاريخ، وكانت بمثابة السد المنيع امام الاطماع الاجنبية. ومن حق الشعب المصري ان يتمتع بنظام يراعي الحريات وحقوق الانسان.

والنقطة الجوهرية هاهنا، ان جميع الدول الغربية التي كانت تعرف بحلفاء النظام المصري وشجعته على سياساته الاقليمية تتسارع اليوم في انتقاد سياساته وتطالبه بالنظر في حقوق الشعب ، مما يطرح تساؤلات كبيرة حول النفاق الغربي الذي لا يتحدث عن حقوق الشعب المصري.

لقد بدأت الشعوب العربية الان فقط بأخذ زمام المبادرة بعد تغييبهم من قبل الحكام ومواصلة الحكم القمعي طوال العقود. وإذا كان هناك قدر من الحكمة والعقلانية فعلى الذين مازالوا يراهنون على السلطة الفردية عليهم ان يتركوا عروشهم قبل وصول العاصفة.

ان خطر العواصف الشعبية التي بدأت في تونس وامتدت الى القاهرة ومنها الى اليمن والاردن ، قد وصل الى اركان الدول الكبرى كامريكا وبريطانيا، التي اخذت ترسل النصائح لحكام البلدان التي تغلي فيها نفوس الشعوب ضدهم ، بدعوتهم الى عدم استخدام العنف ضد الجماهير ، واجراء الاصلاحات استجابة لمطالبهم المشروعة في العيش الكريم.

والدافع لكل هذه النصائح التي تنطلق من اميركا او الاتحاد الاوروبي ، هو نوع من ذر الرماد في العيون لتحقيق مصلحة مستقبلية، لذا فان هذا الاسلوب القبيح الذي تتبعه اميركا تجاه الاحتجاجات العارمة والتي باتت تهز عروش عملائها الذين خدموها خلال العقود الماضية لن تجد نفعا بعد اليوم ، وستوجه صفعة لمصالح الانظمة السلطوية في كل البلدان العربية ولن تستثني منهم احدا.


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ خالد العوض
    خالد العوض

    ليس هذا غريبا علي الدكتور المثقف خليفة سنهوري ان يصنع من طرفة سياسية هذا التحليل العميق للوضع السياسي العربي
    وامتاز هذا التحليل بالمنطق والجراة القانونية التي تمثل شخصية الدكتور
    واتمني ان يكون قد اطلع علي هذا الموضوع قادتنا السياسية في السودان
    وان يقومو بتقيم علاقاتهم بشعوبهم دون تزوير للحقائق الشعبية وان يعملوا علي تنمية بلادهم لا تنمية انفسهم كما يفعل الان من هم في مراكز السلطة وينمون الجهوية القبيحة
    شكرا لشبكة ضيا ء صاحب المواضيع العميقة والمسيرة وكشف النقاب عن الخلل السياسي العربي

  2. الصورة الرمزية لـ د.خليفة محمد خليفة السنهوري
    د.خليفة محمد خليفة السنهوري

    الجيش والسياسة والسلطة في أفريقيا

    د. خليفة محمد خليفة السنهوري
    [email protected]

    المقدمة :
    شهدت العقود الأخيرة نوعا من الاستقرار النسبي أو الانتقال السلمي الشكلي للسلطة في إفريقيا وخاصة في الدول التي كانت مسرحا تقليديا للانقلابات العسكرية المتتالية في عقدي الخمسينيات والستينيات ، ويبدو النظام الرسمي العربي او الإفريقي محكوما بنوعين من الملكية مهما تنوعت التسميّات: الملكية التقليدية للأسر الحاكمة والملكية العسكرية للأنظمة التي تطلق على نفسها غالبا لقب جمهورية.
    و لكن غياب حدوث الانقلابات العسكرية لم يرافقه تراجع في سيطرة العسكريين على زمام الحكم في معظم الدول الإفريقية ، حيث يتربع على السلطة عسكريون أفرزتهما المؤسسة العسكرية نفسها، أو أغدقت عليهم بالتراضي رتبا عسكرية رفيعة بالإضافة إلى الجمع بين منصب الرئاسة والقيادة العليا للقوات المسلحة. وفي العديد من “الملكيات العسكرية” تم إضفاء الطابع المدني والشرعي على استمرار العسكريين في السلطة عبر إجراء الاستفتاءات أو الانتخابات التي تجري بطريقة لا تسمح عمليا بحدوث منافسة للحاكم المرشح الأوحد وتجاوز القوانين و الدستور من خلال تجديد العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية التي تجعل محاكم أمن الدولة أو المحاكم العسكرية المرجعية المهيمنة للبت في القضايا المدنية و الجزائية بحجة أنها تمس أمن الدولة .
    لقد تحول الجيش في معظم الدول الإفريقية إلى العنصر الحاسم في ضمان استمرار الحكم و أصبحت مهمته الرئيسية أمنية داخلية كرديف قوي للأجهزة الأمنية الداخلية الأخرى و تزايدت الحالات التي يتم فيها الاعتماد على الجيش في مهمات الأمن الداخلي لدرجة أن طبيعة تدريبه واختيار ثكناته و تمركز تشكيلاته مرهون بالهواجس الأمنية الداخلية وليس لهواجس المخاطر الخارجية.
    أولا : عوامل ساهمت في غياب الانقلابات العسكرية
    يبدو السؤال المنطقي و المشروع طرحه هنا لماذا غابت الانقلابات العسكرية عن المسرح السياسي العربي او الإفريقي لفترة طويلة .وكي لا نقع في التعميم المخل هناك حالات من الانقلاب العسكري المباشر وغير المباشر قد جرت في عدة بلدان افريقية في الفترة الماضية رغم أنها لم تحمل برمتها الطابع الكلاسيكي للانقلابات وتجدر الإشارة هنا إلى ما جرى في السودان ودون أن ننسى ما تردد من أنباء عن محاولات فاشلة أخرى كتشاد، ويبقى الاتجاه الغالب في الساحة الإفريقية هو استقرار الأنظمة التي نشأت في أحضان الانقلابات العسكرية .
    يبدو أن الأنظمة الرئاسية (العسكرية أصلا) تمكنت من إتقان فنون البقاء في السلطة و منع الانقلابات عليها بتضافر عوامل عديدة أبرزها:
     تكوين ميليشياتها الخاصة ، وربطها بشبكة من العلاقات العائلية أو القبلية و منحها صلاحيات واسعة لحماية النظام مما جعلها عنصر موازنة مع الجيش الرسمي الذي تمسكه بيد من حديد عبر المغريات لكبار الضباط أو الترقيات والإقالات .
     في ظل غياب السعي الجدي لبناء مؤسسات المجتمع المدني ، تحولت المؤسسة العسكرية إلى أهم قطاعات الدولة وأوسعها حجما، والمتلقي للقسط الرئيسي من الميزانية السنوية للإنفاق الحكومي. ورعت السلطة أفراد المؤسسة العسكرية عبر الإنفاق غير العادي بمنح الزيادات المتكررة في الرواتب وتقديم التعويضات والخدمات وتسهيلات الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية والسكنية وغيرها من المنافع التي ربطت الأفراد وعائلاتهم وجيش المتقاعدين في شبكة المصالح المشتركة، وهكذا تحولت الدولة إلى دولة الرفاه والرعاية الاجتماعية والاقتصادية للقوات المسلحة ومتقاعديها الذين يضمنون منافعهم مدى الحياة طالما أن النظام قادر على توفيرها وفي المقابل يضمن النظام ولاءهم.
     إن عدم انخراط المؤسسة العسكرية في معارك وطنية ضد العدو الخارجي حوّل النخبة العسكرية إلى مجموعة من الموظفين الإداريين بعيدين عن الاحتراف العسكري وإتقان العلوم العسكرية وفنون القتال وإدارة المعارك وحال دون بروز قيادات عسكرية تتمتع عبر خبرتها الميدانية في الصراع بمكانة خاصة لتكون رموزا وطنية تتجاوز بسمعتها وشعبيتها دائرة السلطة الحاكمة وتستجيب للعقلية الشعبية التي تتوق الي الالتفاف حول أبطال وطنيين قادرين على كسر الطوق المحكم حول الاستئثار بالسلطة وتحفزهم على القيام بحركة إنقاذ داخلي .
     واقع التجربة المريرة التي عانتها الحركات والأحزاب السياسية، التي استلمت السلطة عبر جناحها العسكري الحزبي، والتي وجدت نفسها ملحقة به ومهمشة، مما جعلها تتراجع عن مجرد التفكير بالعمل الحزبي داخل القوات المسلحة. كما تعلمت ذلك الأحزاب و الحركات السياسية الثورية الأخرى، وأحجمت أيضا عن توخي العمل مع العسكريين عبر الانقلابات العسكرية، من أجل إحداث التغيير المنشود. يضاف إلى ذلك تراجع العمل الحزبي المنظم في الساحة الإفريقية نتيجة الهزائم المتكررة التي عانت منها فصائل حركة التحرر العربي والإفريقي بتياراتها المختلفة.
     مصادرة الحياة السياسية و الفكرية والثقافية عمليا من قبل أنظمة الحكم وتطويع الحركات السياسية المعارضة والسماح لتيارات منها بالدخول إلى البرلمانات طالما أنها تشكل أقلية غير فاعلة وتضفي على الحكم طابعا ديمقراطيا شكليا.
     انعدام الحاجة لدى الأطراف الخارجية الدولية بالتخطيط أو العمل على إحداث انقلابات عسكرية كوسيلة مفضلة للإتيان بأنظمة حكم متعاونة أو تابعة لها. إذ أن التحولات الدولية والإقليمية أسهمت في جعل العديد من أنظمة الحكم في العالم العربي وأفريقيا تتعاون بصورة طوعية معها. وتضمن عدم تعرض مصالحها للخطر.
    ثانيا : دور المؤسسة العسكرية في الدولة الحديثة
    هناك انطباع شائع وخاطئ باستقلالية وحياد المؤسسة العسكرية عن السلطة والنظام السياسي في الدول الغربية الحديثة. ويساهم في تعزيز هذا الانطباع ترسخ مؤسسات المجتمع المدني في هذه الدول وانحسار دور الزعماء العسكريين الذين تبوءوا السلطة في العديد من الدول الغربية الرئيسية بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن بإلقاء نظرة فاحصة على هذه الدول يتبين لنا أنها تشهد تدخلا واضحا ونفوذا متزايدا من قبل القوات المسلحة في السلطة السياسية بصورة مباشرة أو عبر ممثليها أو حلفائها في المجمع الصناعي الحربي الذي يحتل مرتبة الصدارة في توجيه الإستراتيجية العالمية لهذه الدول فالولايات المتحدة الأمريكية مثال واضح على تعاظم دور ونفوذ المجمع الصناعي الحربي في تعزيز اتجاه إدارة بوش الجمهورية لضمان التفوق العسكري الأمريكي المطلق للولايات المتحدة وفرض الهيمنة والسيطرة على العالم. لقد أتقن العسكريون وحلفاؤهم السياسيون في العالم الغربي الصناعي اللعبة السياسية الداخلية لدرجة لا يحتاجون معها للقبض على زمام السلطة السياسية مباشرة وبصورة مكشوفة، ويفضلون البقاء وراء الستار وخلف الواجهة المدنية التي تتحرك وفقا لمشيئتهم.
    ولقد أصبح الكونغرس الأمريكي مضربا للمثل في الارتهان لإرادة المجمع الصناعي الحربي عندما يصوت لزيادة الميزانية العسكرية بصورة دائمة ويضيف عليها اعتمادات جديدة تتجاوز ما يقترحه العسكريون .

اترك رد