ماذا يمكننا أن نعرف عن فريق البحث في علم مقارنة الأديان؟
فريق البحث في علم مقارنة الأديان هو بنية بحثية أكاديمية تنتمي إلى مختبر الخطاب والإبداع والمجتمع، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، سايس، فاس، جامعة سيدي محمد بن عبد الله. وقد تأسس هذا الفريق في سياق عام يطبعه التعثر الذي لا يزال يلازم علم مقارنة الأديان في فضاء الجامعة المغربية. فتدريس هذا العلم الجديد يكاد أن يكون مغيبا في البرامج الجامعية. مع استثناءات محدودة لعل أهمها تتمثل في كلية أصول الدين بتطوان، ودار الحديث الحسنية بالرباط، وماستر الدراسات الإسلامية بجامعة الأخوين حيث أُدرس اللغة العبرية، وبعض وحدات السلك الثالث في صيغتها القديمة، وبضعة الماسترات وعلى رأسها ماستر الدراسات السامية ومقارنة الأديان الذي أسسته سنة 2007، والذي ساهم منذ انطلاقه حتى الآن في تأطير أكثر من مائتي طالب. وهذا الفريق هو، في الواقع، امتداد طبيعي لفريق سابق يحمل الاسم نفسه كان منضويا تحت مختبر حوار الحضارات ومقارنة الأديان الذي أسسته بمعية باحثين آخرين سنة 2010. غير أن هذه التجربة الفتية والفريدة من نوعها التي سطع نجمها قبل 2014 تم وأدها لأسباب لا أريد أن أخوض فيها الآن. يتألف هذا الفريق من أساتذة باحثين أكفاء ذوي اختصاصات متعددة، ومن طلبة دكاترة مشهود لهم بالجدية والاجتهاد، ومن أعضاء مشاركين نعتز بانتمائهم إلينا. كما أننا نتعاون مع بقية أعضاء المختبر المتعدد اللغات والثقافات، إيمانا مني بأن الاشتغال في علم الأديان، كما أراه وأتصوره، يقتضي تضافر جهود باحثين ينتسبون إلى حقول معرفية مختلفة من لغات أجنبية تساعدنا في متابعة ما يُستجد في هذا العلم، ولغات شرقية، وخاصة العبرية التي بدونها يبدو الانخراط في المقارنات ضربا من المستحيل، وتاريخ الحضارات القديمة، وعلم المخطوطات، والهيرمونيطيقا، والتراث العربي الإسلامي..
ما هي العلاقة التي ينسجها فريق البحث مع بقيّة الفرق الأخرى سواء بالجامعة المغربيّة أو الجامعات العربيّة؟
استطاع فريق البحث في علم مقارنة الأديان أن يحتل في وقت قياسي المكانة التي تليق به، والتي تتناسب مع الجهود الحثيثة التي يبذلها من أجل توطين علم مقارنة الأديان في الجامعة المغربية أملا في أن يسعى القائمون على التعليم العالي في المغرب إلى تأسيس كليات خاصة بعلم مقارنة الأديان مثلما هو الحال في الجامعات الغربية أو حتى في بعض الجامعات العربية والإسلامية. لهذا فهو يتطلع من خلال المختبر إلى نسج علاقات شراكة مع فرق بحثية مغربية يشترك معها في هذا التخصص أو مع بعض المراكز أو الجمعيات العالمة. على مستوى شمال أفريقيا كانت مشاركتنا في تونس الشقيقة في الندوة الدولية مناسبة ذهبية للتفكير في عقد شراكة مع مختبر تجديد مناهج البحث والبيداغوجيا في الإنسانيات الذي يديره بكفاءة عالية وحس علمي رفيع الباحث الكبير الدكتور حمادي المسعودي. لقد وجدت في هذا المختبر ضالتي. فنحن نتقاسم الاهتمام بعلم مقارنة الأديان. وكانت منشورات المختبر، أو منشورات بعض أعضائه زادا نفيسا تهافت أعضاء الفريق بفاس على النهل من معينه الصافي والثري. نحن بصدد عقد علاقات مع أشقائنا في الجزائر وفي مصر وفي بعض دول الخليج. كما أن الترتيبات على قدم وساق من أجل إبرام علاقات تعاون مع مختبرات أوروبية وأمريكية وآسيوية.
هل تنظمون ندوات مشتركة أو تصدرون منشورات مشتركة أو تنخرطون في مشاريع بحثيّة أو تبادل طلابي؟
التنسيق على مستوى تنظيم ندوات مشتركة بين فريق البحث في علم مقارنة الأديان والفرق الأخرى لا يزال محتشما، وذلك نظرا لوجود عوائق لوجيستيكية وتنظيمية قد تحول أحيانا دون نجاح مثل هذه المحاولات. في المختبر السابق استطعنا بشراكة مع مختبر آخر تنظيم ندوة دولية بعنوان الترجمة والنص المقدس التي تُوجت بإصدار كتاب سنة . وتمكنا كفريق بحث في علم مقارنة الأديان أن نُنظم في أقل من سنتين مجموعة من الأنشطة العلمية: يوم دراسي بعنوان: دراسات في النص الديني المقارن بتاريخ 4 نوفمبر 2014 والملتقى الوطني الأول للباحثين في الأديان: علم مقارنة الأديان مفاهيم وقضايا ومقارنات بتاريخ 28 ماي 2015 واستضافة الدكتور سعيد خالد الحسن من مؤسسة خالد الحسن الذي ألقى محاضرة عن قضايا المستقبل العربي في ظل التحديات الراهنة: نحو تجديد مدركاتنا الجماعية. وكان ذلك بتاريخ 15 يناير 2015 واستضافة مدير معهد كونفشيوس يان تينغ قوه الذي ألقى محاضرة بعنوان كونفشيوس والأفكار الصينية وذلك بتاريخ 14 أبريل 2015. هذا إلى جانب مشاركة أعضاء الفريق في أنشطة علمية داخل المغرب وخارجه. وتُوجت هذه الأنشطة العلمية بتنظيم الملتقى الوطني الثاني للطلبة الباحثين في علم مقارنة الأديان الذي حظي بدعم جهات مختلفة، وبتغطية إعلامية، واستقطب باحثين من جامعات مغربية مختلفة. وقد حقق نجاحا منقطع النظير. وناشد الكثيرون من متتبعيه اللجنة المنظمة تحويله في نسخته الثالثة إلى ملتقى دولي. وقبل أسابيع فقط كان لعموم الباحثين موعد مع يوم دراسي بعنوان الحروب الدينية والشرائع السماوية.
ومن المفرح أن الثمرات، على مستوى النشر، بدأت تسقط ناضجة من شجرة علم الأديان وذلك حتى قبل مناقشة الطلبة الدكاترة أعضاء الفريق لأطاريحهم الجامعية: نذكر على سبيل المثال كتاب “أثر الفكر الإسلامي على فرقة القرائين” للباحث كمال الدوش وكتاب “صورة المرأة اليهودية بين الشريعة والواقع” للباحث جمال صوالحين، و كتاب “الرؤية الميثولوجية لعقيدة التثليث المسيحية” للباحث منير تمودن و كتاب “قصة الطوفان بين الأسطورة والدين” للباحث هشام مباركي، وبالإضافة إلى كتاب “مناهج نقد العهد القديم” للباحثة أسماء وردي وكتاب “مدخل إلى نقد التوراة: رؤية من الداخل” للباحثة الدكتورة كريمة نور عيساوي. وسيصدر قريبا عن المركز الأكاديمي للأبحاث ببيروت كتاب بعنوان: “دراسات في النص الديني المقارن”، وكتاب آخر بعنوان: “عزرا كاتب التوراة بين الأسطورة والتاريخ”. وخصصت مجلة مقاربات الشهيرة في عددها الأخير ملفا حول علم مقارنة الأديان يضم مداخلات أعضاء فريق البحث. كما أن مجلة دعوة الحق التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سيحتوي عددها الأخير مداخلات لمشاركين في الملتقى العلمي الثاني للطلبة الباحثين في علم مقارنة الأديان. هذه المؤشرات وغيرها ممن لم نذكرها تؤكد بأننا بصدد الإسهام في تأسيس مدرسة مغربية في علم مقارنة الأديان. لا تتنكر للجهود السابقة التي تمت، والتي لا تزال تتشكل على أيدي باحثين مغاربة مرموقين أمثال سعيد شبار ولخضر بنيحيى زحوط ومصطفى بوهندي و محمد أمين السماعيلي وأعضاء الجمعية المغربية للدراسات الشرقية الذي أتشرف بالانتساب إليها، والتي كان لها دور منذ تسعينيات القرن الماضي في الالتفات إلى علم مقارنة الأديان، إدراكا من أعضائها المتخصصين في العبرية والفارسية ولغات شرقية أخرى أن هذه اللغات هي إحدى المداخل الأساسية لدراسة هذا العلم، ووعيا منهم بخصوصيته التي لا ينبغي أن تتداخل كما يسعى إلى ذلك البعض مع علم الكلام أو ما يُمكن أن نُسميه تجاوزا بعلم الردود على عقائد المخالفين لنا في العقيدة. وللإشارة فقط فإن فريق البحث في علم مقارنة الأديان يجعل دائما نُصب عينيه هدفا أساسيا يتمثل في إعادة قراءة أعمال علماء مسلمين أفذاذ أغنوا بمصنفاتهم في علم الأديان المكتبة العالمية.
كيف يعمل الفريق على تجاوز عوائق البحث العلمي في الجامعة المغربيّة؟
الجامعة المغربية، وعلى غرار الجامعات في دول العالم الثالث، تعيش أزمة كبيرة. وقد تناولنا في أكثر من مقالة صحفية بعض مظاهر هذه الأزمة التي تتمثل في النظرة الدونية إلى العلوم الإنسانية، والتي لم يتردد بعض المسؤولين عن قطاع التعليم العالي في الإفصاح عنها، والتي تتجسد أيضا في ضعف الإنفاق على البحث العلمي. غير أن هذه الوضعية المتأزمة التي نأمل أن تجد في المستقبل الطريق ممهدا نحو الانفراج لم تحل دون انبثاق مبادرات فردية أو جماعية في هذه الجامعة أو تلك.
وقد أكدت تجربتي المتواضعة في تسيير ماستر الدراسات السامية ومقارنة الأديان وفريق البحث في علم مقارنة الأديان في صيغته الأولى والثانية أن التعويل على طلبة الماستر أو الطلبة الدكاترة، أو على الأقل، إشراكهم في مشاريع بحثية أو ندوات وطنية ودولية رهان ناجح. وربما من حسنات النظام الجديد في التعليم العالي أنه فتح الباب مشرعا أمام الطلبة الدكاترة ليكونوا شركاء حقيقيين جديرين بثقة مؤطريهم والمشرفين على أطاريحهم. وعلى الرغم من أن الكلية والجامعة لا تبخلان علينا بدعمهما المستمر للفريق وللمختبر. غير أننا نحتاج إلى دعم جهات ومؤسسات مختلفة. وهو الأمر الذي حصل مع الملتقى العلمي الثاني للطلبة الباحثين في علم مقارنة الأديان حيث تلقينا دعما من الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين جهة فاس مكناس والمديرية الجهوية لوزارة الثقافة ومجلس مدينة فاس ومقاطعة سايس. ونأمل في المستقبل القريب أن يتجدد دعم هذه المؤسسات لنا، وأن نبحث عن مدعمين آخرين يجعل من الأنشطة العلمية التي ننظمها حدثا ثقافيا كبيرا.
ما هو موقف الفريق من القضايا والإشكاليات العالمية والقطرية والوطنية المطروحة في الساحة الفكرية والسياسية والاجتماعية مثل معضلة الإرهاب والعنف والتعايش ومسألة الهوية المغربية؟
فريق البحث في علم مقارنة الأديان بنية بحثية جامعية تُعنى بدراسة الأديان السماوية منها والوضعية. وعلى الرغم من الأهمية الكبرى التي يحظى بها مفهوم الحوار، والتي ما فتئت تتعاظم لتُصبح موضة العصر في مجال الفكر الإنساني فإن هناك احتمالا أن يُفرغ هذا المفهوم من فحواه إذا ما تم عزله عن سياقه التاريخي، وفصله عن موطنه الأصلي ألا وهو علم الأديان. والثابت أن حوار الحضارات والأديان لم يأت إلا ليؤكد من جديد على ضرورة الاهتمام بالأديان الأخرى، وليزيد من اقتناع الباحث الجامعي بأهمية هذا العلم. وخير من نستشهد به هو قول الدكتور دين محمد محمد ميرا الذي يؤكد على أن الحوار في الإسلام فريضة دينية كما أصبحت فريضة عصرية. ولا يمكن القيام بهذه الفريضة كما ينبغي إلا بمعرفة الطرف الآخر في الحوار معرفة جيدة مهما كان مفهومنا للحوار وتقييمنا له، الأمر الذي يتطلب علما للأديان تاريخا ونقدا ومقارنة يستحوذ على اهتماماتنا وتزدهر به جامعاتنا، ويتعمق فيه علماؤنا، وتزخر به –على أساس منهجي كتاباتنا. ومن باب التفاعل مع ما يزخر به الواقع العربي والإسلامي من ظواهر نظم فريق البحث يوما دراسيا عن الحروب الدينية والشرائع السماوية. بخصوص مسألة الهوية المغربية فإننا نهتدي بما جاء في دستور 2011 الذي ركز في ديباجته على التنوع الذي يطبع الثقافة المغربية بمكوناتها المختلفة، وروافدها المتعددة. ولا شك في أن من أهم ميزات علم مقارنة الأديان أنه يدفع المشتغلين به إلى الانفتاح على اللغات والثقافات الأخرى. فما بالك بلغات ومكونات ثقافية هي جزء لا يتجزأ من الثقافة المغربية.
ما هي علاقة الفريق بالحقول العلميّة الأخرى غير الدينيّة كالأدب والترجمة والفلسفة والتاريخ القديم واللغات؟
من السمات الأساسية التي تطبع علم مقارنة الأديان ارتباطه الوثيق بحقول معرفية مختلفة. ويظهر هذا التعدد بشكل جلي في ماستر الدراسات السامية ومقارنة الأديان. فقد كنت أنصح دائما طلبتي في قراءتهم للتوراة في نصها الأصلي العبري ألا يجتثوها من سياقها التاريخي والفكري والديني، ومن هنا ضرورة العودة إلى تاريخ الشرق القديم، وإلى الأساطير، وإلى اللغات الشرقية أو السامية. وأحثهم، في الوقت نفسه، على دراسة التوراة في ضوء التفاسير اليهودية وعلم الكلام والفلسفة والآداب والفقه وفلسفة الدين. والأمر نفسه ينطبق على الديانة المسيحية التي لا يمكن أن تُدرس بمعزل عن التيارات الفكرية والفلسفية. واعتنى الفريق بدراسة علم نقد الكتاب المقدس، ومناهج النقد الكتابي، وأثرها في القراءات الجديدة للقرآن الكريم.
هل يتطلع الفريق في المستقبل القريب لمشاريع فكرية تأسيسية غير مسبوقة كتحرير موسوعات ضخمة شاملة ودقيقة في علم مقارنة الأديان؟
في فريق البحث في علم مقارنة الأديان في نسخته الأولى المنضوي تحت مختبر حوار الحضارات ومقارنة الأديان سهرنا بمعية الصديق الدكتور سيدي محمد زهير على إخراج موسوعة الديانات السماوية: الكلمات المفاتيح (الديانة اليهودية) التي أسهم في تأليفها عز الدين اعليلو وكريمة نور عيساوي وعبد الكريم بولحدو. كان إصدارها سنة2011 حدثا أكاديميا من الطراز العالي لأنه لم يسبق لأي باحث في المغرب الانخراط في مثل هذا العمل. وكان من المفروض أن تُتبع هذه الموسوعة بأعداد أخرى تناول كلمات مفاتيح في كل من اليهودية والمسيحية والإسلام. لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. فقد اُقبر المشروع بفعل فاعل. الآن أصبحت كل الظروف مواتية لاستئناف العمل الذي بدأ منذ سنوات. وسنكون سعداء حين نعلن قريبا الشروع في تأليف موسوعة للديانة اليهودية تختلف عن النسخة الأولى في تعدد مداخلها.
اترك رد