د. عادل بوديار: جامعة تبسة – الجزائر
تمثل التطورات المتلاحقة في مجال الإعلام والاتصال أحد أهم الأسباب التي باتت تُشعر الأجيال الحالية بأن اللغة العربية غير قادرة على مواكبة العصر؛ خاصة أن اللغات الأخرى كالانجليزية والفرنسية .. استفادت من اختزالات في حروف كلماتها فصارت وظيفية أكثر في مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى بيئة تواصلية يعكف على الارتباط بها لفيف معتبر من الشباب العربي الذي وجد نفسه رهينة التقانة، والتطور العلمي اللذين فرضا عليه استخدام اللغة العربية بطريقة تتناسب وطبيعة الإنترنت الذي يحتم على مستخدميه السرعة في الأداء من خلال لغة خاصة يميزها مفردات ورموز مختصرة وغريبة، وكان من نتائج ذلك أن ظهرت لغة مستحدثة ركيكة في تعبيراتها، ومفرداتها يطلق عليها لغة العربيزي “الفرانكو آراب” (Franco Arab)، ووجد الشباب العربي نفسه رهين هذه المظاهر اللغوية المبتدعة التي تحولت إلى خطر يهدد اللغة العربية الفصحى حين سعت فئات شبابية اليوم إلى استبدالها بلغة هجينة تمظهرت في ثلاثة أشكال كتابية: الأولى لغة مركبة تجمع بين اللغة العامية ولغة الشارع وكثير من الألفاظ الأجنبية، والثانية لغة تكتب كلماتها العربية بحروف لاتينية، والثالثة لغة تكتب كلماتها الأجنبية بحروف عربية.
ويبدو أن تعلق الشباب العربي بشبكات التواصل الاجتماعي التي تحتم التواصل بلغة تكون أقرب لمحادثاتهم اليومية ساهم في انتشار لغة العربيزي “الفرانكو آراب” في وسائل إعلامية معروفة، وعلى لسان إعلاميين مشهورين، بل وانتقلت عدوى هذه اللغة إلى المدارس .. وهذا الأمر ـ على مرارته ـ يذكرنا بالمحنة التي عاشها أهل الأندلس بعد سقوطها عام 1492م، حيث تم إجبارهم على كتابة العربية بحروف إسبانية في محاولة من الأسبان القضاء على اللغة العربية، والقضاء على كل ما هو مرتبط بلغة القرآن الكريم، ومن المفارقات أن محتوى الإنترنت باللغة العربية الفصحى قليل جدا مقارنة بالعدد الهائل لمستخدمي الإنترنت من العرب في الوطن العربي.
وإذا بحثنا في أسباب ظهور لغة “الفرانكو آراب” (Franco Arab) في المحيط العربي لوجدنا أن كثيرا من العوامل المباشرة كان لها الأثر البالغ في تفحلها وطغيانها على الواقع اللغوي العربي بداية بالمحيط الاجتماعي العربي الذي ينظر إلى اللغة العربية الفصحى على أنها مظهر من مظاهر تخلفنا الحضاري، ومرورا بالاستعمال المفرط للغة الأجنبية لدى المثقفين والمسئولين الحكوميين، وانتهاء بما يزرعه التعليم الأجنبي في أذهان المتعلمين العرب الذين يرتادون المدارس الأجنبية من تقزيم وتحقير للغة العربية الفصحى؛ لأن ظاهرة انتشار المدارس الأجنبية (الدولية) في البلدان العربية دفع بشريحة كبيرة من الطلاب إلى تغليب اللغة الأجنبية أو العربية المختلطة بالألفاظ الأجنبية في خطابه اليومي، بل إن محتوى البرامج التعليمية في المدارس الأجنبية التي تقدم قيما إيجابية ـ ( الثقة بالنفس، الإصرار على النجاح، حب العلم والمعرفة والعمل، التسامح والتعاون، والتفكير الناقد، وقبول الآخر، والشجاعة في التعبير عن الرأي، العمل الجماعي وغيرها ) ـ تقدم أيضا قيما سلبية أهمها تبني اللغة الأجنبية عوضا عن اللغة العربية الأم، إضافة إلى تقديم القصص التي تسوق إلى فكرة أن العربي شخصية سلبية.
إن الثورة المعلوماتية والتطور التكنولوجي في عصرنا يفرضان علينا أن نتخذ خطوات عملية للسمو بالغة العربية في نفوس الأجيال الجديدة من خلال إعادة النظر في أساليب طلب العلم والمعرفة عبر الوسائل التكنولوجية المتعددة، والاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة والتقنيات المعاصرة في تطوير مناهج اللغة وتحديث طرائق تعلمها؛ خاصة أن الاتجاهات التربوية الحديثة تتجه نحو الإفادة من معطيات التقنيات المعاصرة في تدريس اللغة، وتقديم أساليب مبتكرة تسهل استخدامها في مواقع التواصل الاجتماعي دون أن تنال تلك الأساليب المبتكرة من حظوتها أو تفقدها قدرتها على التواصل مع ماضيها التليد الذي أبقاها راسخة أمام محاولات التغيير والتبديل التي حاولت النيل منها عبر تاريخها الحافل.
اترك رد