العرب وسايكس بيكو .. الجهل المزدوج بالتاريخ! … د. قاسم المحبشي

د. قاسم المحبشي، أستاذ الفلسفة المشارك كلية الآداب – جامعة عدن

حينما تم توقيع اتفاقية سايكس بيكو قبل مائة عام كان معظم العرب يغطون في سبات عميق بحكم التخلف العام الذي كان يهيمن على المجتمعات العربية في ذلك الزمان، إذ مرت هذه الاتفاقية الكارثية _ التي جرى توقيعها بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والدبلوماسي البريطاني مارك سايكس بعد مفاوضات سرية على مدى ستة أشهر من نوفمبر عام 1915إلى مايو 1916م بشأن تقاسم النفوذ بين فرنسا وبريطانيا في منطقة الهلال الخصيب بمصادقة روسيا القيصرية فيما كان يسمى بتقاسم تركة ( الرجل المريض) تركة دولة الخلافة العثمانية التي كانت متسيدة في المنطقة_ أقول مرت هذه الاتفاقية حينذاك بدون علم الشعوب والنخب العربية التي كانت تجهل ما يحاك ضدها ومستقبلها من مؤامرات وترتيبات بالغة الأهمية والخطورة. غير أن ما هو مؤسف حقا إن تنقضي مدة مائة عام على توقيع هذه الاتفاقية التي مزقت الوطن العربي إربا إرب وما زال معظم العرب يجهلونها ولم تستثير فيهم الفضول والاهتمام حتى الآن ! فمنذ توقيعها تعاقب أكثر من ثلاثة أجيال من الإباء والأبناء والأحفاد العرب في واقع التقاسم والهيمنة الاستعمارية الغربية والصهيونية، ومازال الجهل بالتاريخ هو سيد الموقف لاسيما عند الجيل الأول والأخير، فإذا كان الجيل العربي ما بعد سايكس بيكو ووعد بالفور 1917م أعلن عام 1926م لم يعي الأمر إلا بعد نكبة فلسطين في 1968م فان الجيل العربي الراهن يعيش نتائج الاتفاقية في ظل جهل شبه مطبق بفحواها. وهذا ما يمكن مشاهدته هنا والآن من موقف جيل العرب الراهن من سايكس بيكو ووعد بالفور ، إذ إن معظم الشباب العرب لم يسمعوا بها ويتصرفون وكأنها شأن لا يعنيهم ابدا! وهكذا مرت الذكرى المئوية للاتفاقية قبل أيام مرور الكرام ولم يمنحها أحد من العرب ما تستحقه من التوقف والقراءة والاهتمام في الدوائر الأكاديمية والثقافية والإعلامية وفضاءات التواصل الاجتماعي العربي الراهن.
وربما كان (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) في الدوحة هو المؤسسة العربية البحثية الوحيدة التي أعلنت عن تنظيم مؤتمر علمي يناقش سايكس بيكو ومالآتها المتمخضة بعد مرور مائة عام من توقيعها بعنوان : المؤتمر الرابع للدراسات التاريخية: العرب: من مرج دابق إلى سايكس – بيكو (1516 – 1916).
فمتى يدرك العرب بأنهم مثل غيرهم من البشر كائنات تاريخية تعيش التاريخ كما تعيش الأسماك في الماء، وان تجاوز التاريخ غير ممكن بدون معرفة تاريخية واعية ؟!.
والتاريخ هو التاريخ ما تم وانقضى وليس بوسعنا تغييره غير إنه من المهم والضروري إن نقراه ونفهمه ونعيه هذا هو قدر الإنسان مع ذاته وحياته ومشكلاتها ومع الآخرين ومجتمعه ومشكلاته التي لا فكاك منها مهما حاول الهروب والتهرب واللامبالاة إذ لا بد من المحاولة مرة ومرات وبذل المزيد من الجهد والبحث والدراسة والنقاش وتداول الرأي والنقد والتقييم. فليس لدينا سبيل آخر للتعرف على المشكلات التي تؤرق حياتنا وفهم العلل والأمراض التي تفتك بنا وبحث السبل والممكنات الناجعة لتجاوزها, فلا عذر لنا طالما ونحن موجودين هنا والآن, وقّدر لنا أن نكون شاهدين على هذه الحقبة الصاخبة بالحروب والعنف والظلم والظلام وبالمآسي والأزمات والإخفاقات , إذ أنه من المهين أن يكون سر أزمة حياتنا والتقييم الدقيق لمصائبنا وأزماتنا وقفاً على أناس لم يولدوا بعد ولا شيء يمكن انتظاره إن نبادر نحن بعمله .
حقا أننا “العرب” نعيش لحظة كارثية ومصيراً فاجعاً بعد أن تحطمت_ شعاراتنا وأحلامنا ومشاريعنا وأوهامنا الكبيرة بالجامعة الإسلامية والوحدة القومية والاشتراكية الأممية والاستقلال والحرية والتنمية والعدالة الاجتماعية ..الخ _ على صخرة التاريخ العتيدة إذ بتنا أشبه بسفينة تتقاذفها الأمواج في كل الاتجاه بعد أن فقدت البوصلة ولا تلوح في الأفق القريب بارقة أمل للنجاة. إن ماساتنا تكمن في إننا تعاملنا مع التاريخ بحسن نية ساذجة ومنحناه معنى ليس من طبيعته في شيء، حينما توهمنا انه أشبه “ببغلٍ حرون يمكن قيادته بالسوط لترويضه” لقد فات علينا ما يبطن التاريخ من مكر وخداع وزوغان، يستحيل الركون إلى عدالته ذلك لأنه “ليس له عيون ولا يمتلك قلباً رحيم ! فما العمل الآن وما السبيل لتجاوز وضعنا الذي ينذر بأشد العواقب والأخطار ؟ ما دمنا لم نغرق بعد، فان الموقف الوحيد الذي يمكن إن يتخذه الإنسان في وضع كهذا هو الموقف النقدي من الذات, ومن الواقع ومن التاريخ؛ أي نقد الذات وتاريخ الذات الفردي والجمعي ونقد العالم والآخرين.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

رد واحد على “العرب وسايكس بيكو .. الجهل المزدوج بالتاريخ! … د. قاسم المحبشي”

  1. الصورة الرمزية لـ الأستاذ المساعد هادي سعدون هنون
    الأستاذ المساعد هادي سعدون هنون

    لا شك أن مايمر به العالم بشكل عام والوطن العربي بشكل خاص ، ماهو إلا تراكمات من الأخطاء في الجوانب السياسية والإقتصادية ألقت بضلالها على الأواصر الإجتماعية والعلاقات الإنسانية في كل بقاع العالم ….

اترك رد