علاقة الأنا والآخر بالتشكيلات المكانية في رواية ” عمر يظهر في القدس ” لنجيب الكيلاني
د. بوحفص بوجمعة: جامعة العربي التبسي ـ تبسة ـ الجزائر
الملخص
يلعب المكان والزمان دورا مهما في الأعمال القصصية ،وخاصة في الرواية ، فإذا كانت هذه الأخيرة نقلا لأحداث وتصويرا لحالات ووضعيات تتعلق بشخصيات مختلفة ، فإنه لا يعقل تصور هذه الأحداث والحالات إلا ضمن إطارين متلازمين أحدهما مكاني والآخر زماني ، وسنحاول في هذا المجال رسم ملامح البيئة المكانية في رواية ” عمر يظهر في القدس ” عن طريق حصر الأمكنة ورؤية كيفية تعبير نجيب الكيلاني عنها وإبرازه لها ، والتعرف على وظائفها ضمن الحركية الدلالية العامة للرواية ، محاولين الإجابة عن السؤال التالي : هل يؤدي المكان الروائي وظيفة ديكور للأحداث فقط ؟ أم أنه أشمل وأوسع حيث يتجاوز ذلك إلى لعب العامل المهم في تطور الخطاب الحكائي ؟
Résumé
L’espace et le temps jouent un rôle important dans les œuvres d’’histoire notamment dans le roman, si celui-ci, invoquant les événements et les images des cas et des situations liées à des personnalités différentes, il n’est pas déraisonnable d’imaginer ces événements et les situations que dans les deux cadres reliés entre eux, un espace et un temps. Nous allons essayer dans ce domaine de reconstituer l’environnement spatial dans le roman “Omar apparaît à Jérusalem”, en détectant limitant les lieux et voir comment est l’expression de Najib el Kilani et de les mettre en évidence, et d’identifier les fonctions au sein de la signification cinétique du roman. En essayant de répondre à la question suivante: Est-ce l’espace romancier a pour fonction seulement la décoration des événements? Ou est-ce qu’il est plus complet et plus large pour pouvoir jouer le rôle le plus important dans l’évolution du discours de l’histoire ?
أولا:ـ مفهوم المكان :
يلخص الناقد ياسين النصر مفهوم المكان بقوله : ” إنه الكيان الاجتماعي الذي يحتوي على خلاصة التفاعل بين الإنسان ومجتمعه ، ولذا فشأنه شأن أي نتاج اجتماعي آخر يحمل جزءا من أخلاقية وأفكار ووعي ساكنيه ” (1) . فهو لا يظهر في النص كشيء معزول منفرد ، أو بناء أجوف يتشكل من فراغات وجدران وغرف وسقوف ” إنما يظهر كنشاط إنساني مرتبط بالسلوك البشري، يحمل عواطف ومشاعر ومواقف وانفعالات ساكنيه”(2). لذلك نجد غاستون باشلار حينما تحدث عن المكان وعلاقته بالإنسان بيّن بأن المكان لم يبق مجرد رقعة جغرافية بل إنه مكمن الخبرة الإنسانية ومستودع التجارب الحياتية ، وفي ذلك يقول ” إن المكان الذي ينجذب نحوه الخيال لا يمكن أن يبقى مكانا لا مباليا ذا أبعاد هندسية وحسب ، فهو مكان قد عاش فيه بشر ليس بشكل موضوعي فقط ، بل بكل ما في الخيال من تمييز ، إنما ننجذب نحوه لأنه يكشف الوجود في حدود تتسم بالحماية في كمال الصورة ، لا تكون العلاقات المتبادلة بين الخارج والألفة متوازية ” (3) . ومن هنا تظهر لنا العلاقة الوطيدة بين المكان والشخصيات الروائية، حيث لا يستطيع أحدهما التشكل بمعزل عن الآخر ؛ فلا يمكن للشخصيات الروائية أن تؤدي أدوارها خارج الإطار المكاني، وبالمقابل لا تستطيع الأمكنة أن تتشكل بعيد عن حياة الشخوص . ويتجلى لنا أيضا أن الثراء النسبي في الأمكنة وتعددها ينعكس على وظائفها ، فيجعلها متعددة هي الأخرى، “فالأماكن تؤدي بهدوئها أو بساطتها إلى بيان اضطراب الشخصيات وثورتها الداخلية أو تعقد علاقاتها فيما بينها ،فهي مرايا عاكسة لحالات هذه الشخصيات، بالإضافة إلى ذلك فهي فضاءات تنفس لها،وحافظة لأسرارها ” (4). ومعنى هذا أن المكان يجب أن يكون متوافقا مع الشخصية من حيث طبائعها وسلوكياتها ؛ فالشخصية تطبع المكان بصفاتها وخصائصها ,وبالمقابل يصبح المكان بدوره مرآة تعكس حالات الشخصيات ووجهات نظرها واتجاهاتها الفكرية والفلسفية والعقائدية ، وفوق ذلك فهي مستودع أسرار الشخصيات ،بل إن المكان في بعض الحيان يغير مجرى حياة الشخصية فتنتقل من النقيض إلى النقيض ،وبمعنى أو ضح فإن المكان ينعكس بالسلب أو بالإيجاب على سلوك الشخصية ولا أدل على ذلك مما يحدثه التردد على المسجد من تغيير نحو الأفضل ،وعلى العكس من هذا ما يحدثه التردد على أماكن اللهو من قتل للمواهب وتدمير للشخصية . كما أن المكان يشترك مع الشخصيات في تشكيل الأحداث ، وفي الوقت ذاته لا يتشكل هو الآخر إلا بالأحداث التي تنجزها الشخصيات .ومن هنا يمكن ” اعتبار الفضاء الروائي بمثابة بناء يتم إنشاؤه اعتمادا على المميزات والتحديدات التي تطبع الشخصيات بحيث يجري التحديد التدريجي ليس فقط لخطوط المكان الهندسية وإنما أيضا لصفاته الدلالية، وذلك لكي يأتي منسجما مع التطوير الحكائي العام “(5).
وبذلك يبدأ الروائي بتشكيل المكان انطلاقا من استقراء مميزات الشخصية وما تنطوي عليه من طباع وسلوكيات ،فليس الشكل الهندسي وحده هو العامل المشكل للحيز المكاني وإنما ما يمكن أن يوحي به المكان من إيحاءات ودلالات تشترك مع الشخصية وتدل عليها .وإلى جانب ذلك فإن المكان يخضع إلى”مقياس آخر مرتبط بالاتساع والضيق ،أو الانفتاح والانغلاق فالمنزل ليس هو الميدان والزنزانة ليست هي الغرفة،لأن الزنزانة ليست مفتوحة دائما على العالم الخارجي بخلاف الغرفة فهي مفتوحة دائما على المنزل والمنزل على الشارع”(6).
اترك رد