تمارس العديد من القنوات الفضائية العربية اليوم –وللأسف الشديد- تهديدا صريحا للأمن الذاتي والاجتماعي للإنسان العربي بما ترسخه من خيارات برامجية سلبية تسمح بالمزيد من إضعاف كفاياته وملكاته وطاقاته الإبداعية، وتخلد به إلى أرض الكسل والدجل والاستهلاك والاتكالية. ولقد لاحظنا من خلال العديد من المتابعات والدراسات أن المستهلك/المشاهد أو الأغلبيات الصامتةThe silent Majorities على حد تعبير بودريارBaudrillard يتعرض يوميا لقصف تدميري يستهدف أخص ما به تقوم كينونته وهويته وإنسانيته ألا وهو الجانب القيمي والأخلاقي، فبات المشاهد العربي أمام ضعف الوعي والتوجيه وفي أحايين كثيرة أمام أساليب الإغراء والخداع الذي تنتهجه بعض الفضائيات العربية فريسة سهلة تقدم نفسها بسرعة للأوعية الإعلامية التي كان يفترض فيها أن تلعب أدوارا تربوية وتحصينية وترفيهية بناءة تدفع عنه تسلط الفضائيات الغربية وبغيها الذي يفتك بهوية الإنسان العربي والمسلم.
إن عددا من الفضائيات العربية يمارس القائمون عليها أدوارا خطيرة بانتهاجهم سياسات إعلامية بدون أفق حضاري رشيد،إذ لا تراعي المرحلة الحرجة التي تعاني فيها أمتنا مأزقا وجوديا حقيقيا. وهي بالتالي صارت تقدم رغبات الصناعة والتجارة وأوهام الدعاية والسيادة على طلب الحقيقة وفهم الواقع ، حتى صار الحق في يدها باطلا والباطل حقا، وكأننا قاب قوسين من كارثة إعلامية زاحفة تفسد على الإنسان عقله وروحه أكثر مما تفسد الحرب النووية المال والنفس وتفسد الحرب البيولوجية الحرث والنسل.
إننا نحتاج إلى استشعار نوع من المسؤولية الجماعية في عصر الصورة تجاه هذا الوضع الذي يستدعي منا اليوم وقفة نقدية تجاه الرسالة الإعلامية للعديد من الفضائيات التي تعيش على التقليد وتغذي الغرائز وتعطل العقل بما توفره من برامج الشعوذة والثرثرة وتخفض من مستويات التعبئة واليقظة والوعي بما تبثه من برامج الأبراج وتُبَلد الحس بما يعرضه بعضها المتخصص في الرقص العاري والأغاني الفارغة من كل معنى وذوق، حيث يجري إغواء الإنسان من خلال المظاهر، فيخضع للمظاهر، وقد يصبح أسيرا لها، فيبتعد عن الحقائق الأخلاقية الأساسية. لأن هذا الإغواء يتم بذكاء ليدمر الخبرة والنفس والتاريخ ويجعل الذات مسطحة بدون عنوان.
اترك رد