السياسة الدينية بالمغرب

 

الاحتجاج الديني والسياسة الدينية بالمغرب :

قراءة في الأسس و الرهانات

يشهد الحقل السياسي المغربي حركية اجتماعية وسياسية نشطة – ربما غير مسبوقة – إسوة بالعديد من الأنساق السوسيو سياسية المماثلة في المنطقة العربية. وتبرز بموازاة ذلك عودة مكثفة للمرجعية الدينية على مستوى الشارع السياسي اليومي، كاستمرارية لشبكة مكثفة من الجمعيات، تستمد جزء مهم من عناصر قوتها من ضعف وعجز الفاعلين السياسيين على القيام بأدوارهم على مستوى السياسات العامة مركزيا ومحليا. مما سمح بتقوية حركية إسلامية إبان العقود الأخيرة، بدأت معالمها السياسية بعودة القوة الجماهيرية لجماعة العدل والإحسان إلى جانب التيارات الإسلامية الموصوفة بالمتطرف اجتماعيا وسياسيا للظهور مجددا. وبالتالي ضرورة مراجعة وضعية وإستراتيجية المغرب داخل ” المنطقة الرمادية”، التي صنفها ” جيل كيبل”، والمتواجدة بين مغازلة العناصر المعتدلة والضغط على العناصر المتطرفة.
فماهي أهم الأسس التي قام عليها تدبير المرجعية الدينية للنظام السياسي المغربي ? وماهي الرهانات التي سعى إلى تحقيقها ?

الفقرة الأولى- أسس السياسة الدينية بالمغرب

من الناحية التاريخية، ظلت سلطات السلطان بالمغرب ترتكز على النظرية السنية للحكم، والتي تمت ملاءمتها مع التقاليد المحلية في المجال السياسي؛ لذلك وعلى عكس العديد من الأطروحات، لم يكن السلطان في المغرب يمارس في العمق سلطة روحية/ دينية بالمعنى القوي للكلمة على الأقل خلال القرن XIX؛ بل كان عمله يقتصر على الطقوس الرمزية كإقامة الصلاة يوم الجمعة. وبالتالي فالسلطان هنا لم يكن يمارس لا السلطة التشريعية التي كانت من صلاحيات العلماء، الذين يسهرون على تأويل القواعد الدينية كلما دعت الضرورة إلى ذلك؛ ولا السلطة القضائية، حيث كان دور السلطان يقتصر على تعيين قاضي القضاة في فاس والذي يختار باقي القضاة العاملين في البلاد.
لكن وبعد الاستقلال مباشرة سيصبح “الإسلام” أهم قوة لشرعنة الحكم بالمغرب، حيث ركزالملك محمد الخامس المقولات الإسلامية التي رددها حزب الاستقلال، والتي لم تعترض عليها أية قوة سياسية أخرى. لذلك كانت السنوات الأربع الأولى للاستقلال (1956-1960) كافية ليحقق النظام السياسي المغربي التوازن بين التأويل السلفي للدين كما كان يدعو إلى ذلك زعماء الحركة الوطنية، وبين المنظور الرسمي للدولة الذي منح للعاهل المغربي دور الحامي لمختلف الفاعلين الدينين. فبعد أن اتضح للملك طموح حزب الاستقلال في التحكم في المجال الديني وتأويله، وذلك من خلال متابعته للطرق والزوايا، ستسمح بعض الأزمات الطارئة للملك بلعب دور الحكم وتدشين عملية التحكم في الخطاب الديني والبدء في عملية تنظيم هيأة العلماء، ومن خلالهم الحقل الديني برمته.
لدلك وبعد حسم الصراع حول الشرعية الدينية لفائدة الملك، ستتمحور السياسة الدينية للحسن الثاني حول رهانين أساسيين متكاملين؛ يتمثل الأول في إضفاء قداسة دينية على النظام الملكي، بينما تمحور الثاني حول إضعاف السلطة الدينية والسياسية للعلماء:
أ- فبخصوص الرهان الأول، استطاع الحسن الثاني- أكثر من أي رئيس دولة آخر في المنطقة المغاربية وحتى العربية- أن يحتفظ لنفسه بنقط ارتكاز في المعسكر الديني من خلال إعادة ربط النظام السياسي القائم بطبيعته الدينية التي سادت قبل الحماية، وهو ما تكرس عبر الفصل 19، وإعطائه مكانة خاصة في قلب دستور 1962، دون أن يحول ذلك حيال حدوث درجة معينة من العلمنة داخل المجتمع المغربي. وقد صرح الحسن الثاني في هذا الصدد لأسبوعية nouvelle observateur (أكتوبر 1987) قائلا: « أنا – كما تعلمون- أمير المؤمنين، أعطي لي هذا اللقب عندما ولدت دون أن أطلب ذلك، دون أن أرغب فيه، ومعنى ذلك أنني من ذرية النبي، وهذا شيء ناذر جدا […] إن هذا اللقب يفرض على من يحمله قدرا كبيرا من التواضع ويفرض عليه كذلك -في بعض الأحيان- بعض المسؤوليات»؛ لذلك سيشكل إحياء مراسيم البيعة من طرف الحسن الثاني وجعلها عنصرا أساسيا للسلطة، من خلال تقليص مكانة القانون الوضعي وجعله مجرد إطار شكلي لشرعية دينية وتاريخية؛ وهذا ما أعلن عنه الحسن الثاني نفسه بمجرد تتويجه ملكا على المغرب بقوله: « إن الدستور الذي وضعته بيدي والذي سيعرض على موافقة الشعب المغربي في جميع تراب المملكة في ظرف عشرين يوما، هذا الدستور هو قبل كل شيء تجديد للرباط المقدس الذي جمع دائما الشعب والملك»؛ فكلمة “مقدس” لا تعني هنا سوى المكانة التي يجب أن يتمتع بها النظام الملكي داخل الهرمية الدينية والسياسية، وقدرة الملك الحسن الثاني على تجسيد الرمزية التاريخية وضمان استمراريتها، فصفة القداسة تختزن إذن كل معاني التعالي والتبجيل، وتفرض الاحترام والخضوع وتترتب عنها نتائج قانونية وسياسية هامة من أبرزها:
ـ كون النظام الملكي والدين الإسلامي لا يناقشان.
ـ كون شخص الملك مقدس لا تنتهك حرمته، فلا يكون محل نقد أو موضع سخرية.
ـ كون القرارات الملكية غير خاضعة للطعن أمام القضاء، فهي تعتبر أعلى من كل قوانين الدولة، مما يعطي لاختياراته وسياساته مرونة شبه مطلقة أمام أي نقض أو اعتراض محتمل.
ب-أما الرهان الثاني، والمتعلق بإضعاف السلطة السياسية والدينية للعلماء، فقد اتخذ ضمن السياسة الدينية للحسن الثاني مظهرين أساسيين: الحفاظ على مظاهر التنوع الديني، ثم التنظيم الرسمي للمجال الديني.
– الحفاظ على مظاهر التنوع الديني: حيث كان الحفاظ على تعدد الحركات الدينية، ومظاهر التدين الشعبي، أحد أهم الوسائل المفضلة لدى الحسن الثاني في سياسته الدينية. فبخلاف حزب الإستقلال الذي لم يتردد لحظة في المهاجمة العلنية لكل أولئك الذين لم يحاربوا إلى جانب الأورتدكسية السلفية، كان الملك يبدي “احتراما سياسيا “لمختلف مظاهر الإسلام الشعبي، مع التحكم في نفس الوقت في تطور نشاط الطرق والزوايا. فحتى بالنسبة للحركات الدينية التي ساندت بشكل علني قرار نفي محمد الخامس مثل الطريقة الكتانية، فإن الحسن الثاني قد سمح لها بالعمل من جديد بعد أن تم التمييز بين فرع فاس الذي بقي محظورا، وفرع سلا الذي ما زال ينشط لحد الآن. غير أنه ينبغي التمييز لاحقا بالنسبة للسياسة الدينية للحسن الثاني تجاه مظاهر الإسلام الشعبي بين “الطرقية” التي تم تركها لحالها، بحيث لم تهاجم ولم تدعم، مما أدى إلى اختفاء جلها تلقائيا؛ وبين “الصلحاوية” التي حضيت -في إطار استمرارية مخزنية- بتجديد «ظهائر التوقير» بالنسبة لشيوخ بعض الأضرحة والزوايا، وتقديم الهبات لبعض الشرفاء، كضريح “مولاي ادريس زرهون” و “عبد السلام بن مشيش” و “سيدي احماد أوموسى” و “ركراكة”، وإحياء المواسيم التي تحضرها الشخصيات الرسمية ورجال السلطة المحلية والبعثات الوزارية؛ وهو توجه سيتقوى أكثر فأكثر مع تصاعد التيارات الإسلامية، والتي اتسمت شيئا فشيئا بـ « طابع المعارضة السياسية الخبيثة» من أجل إعطاء مظاهر الإسلام الشعبي وسائل جديدة لتعزيز نفوذه .
– التنظيم الرسمي لمجال الدين: فإذا كان الحسن الثاني قد استطاع في المرحلة الأولى من حكمه، كسر شوكة العلماء عن طريق دفعهم في أكثر من مرة إلى طلب التحكيم الملكي، ثم “تأميم” جامعة القرويين كأحد أهم معاقلهم الرمزية، فإن الإكراهات التي أصبح يفرضها تزايد شعبية الإسلام السياسي، خاصة بعد الثورة الإيرانية (1979)، قد حتم على الملك تبني استراتيجية أكثر صرامة في احتلال مجالات وقنوات إنتاج الخطاب الديني ووسائل نشره من خلال :
ـ الرقابة الإدارية الصارمة على النشاط الديني، حيث انصب الاهتمام قبل كل شيء بوضع وسائل للإشراف الديني، كجزء من السياسات العامة للدولة. فغداة أحداث الدار البيضاء (1981) و الناظور ومراكش (1984)، تم الاعتراف الرسمي بوجود “خطر أصولي”، وفي نفس الوقت تطوير سياسة أمنية قائمة بالأساس على تقسيمات إدارية جديدة خصوصا بالدار البيضاء والرباط، وتزويد العمالات والأقاليم بمصالح متخصصة في الميدان الديني، قصد التحكم في استخدام وانتشار المساجد، وتعيين أئمة هذه الأخيرة من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعد استشارة عامل الإقليم، ثم الإشراف المباشر على خطبة الجمعة.
ـ تنظيم “رجال الدين”، ذلك أنه وإذا كان الحسن الثاني، قد تعايش لمدة طويلة مع «رابطة علماء المغرب» والتي كانت تشكل نوع من النقابة التي تدافع عن المصالح الأدبية للعلماء بالمغرب، وتذكير النظام بوجودها المستمر كطرف فعلي في السياسة الدينية للبلاد، عن طريق التوصيات التي تصدرها؛ فإن العاهل المغربي قد وجد نفسه ابتداء من نهاية عقد السبعينات أمام تناقضين أساسيين، فمن جهة كان التحدي الإسلامي يفرض عليه إيجاد أجوبة مقنعة على الصعيد الديني، بل والقيام بمزايدة إيديولوجية تتمثل في التمسك بـ “الإسلام الصحيح”، أي الاعتماد على العلماء القادرين وحدهم على لعب هذا الدور؛ ومن جهة أخرى كان الحسن الثاني يبدي تخوفا واضحا من هؤلاء العلماء باعتبارهم معارضة دينية محتملة، عن طريق استثمار كل سياسة تتخلى عن إسلامية الدولة والمجتمع.
لذلك يمكن القول أن العلماء، ظلوا يشكلون بالنسبة للحسن الثاني “حلفاء مزعجين”، مما حتم عليه التوفيق بين دولنة وظيفة العلماء من خلال تحديد اختصاصاتهم بصرامة وتقوية مصداقية هيئة العلماء حتى تستطيع مواجهة الحركات الأصولية. في هذا السياق، يمكن فهم تكتيك إنشاء “المجلس العلمي الأعلى “؛ والذي جاء في تقديم الظهير المنشئ له تحت عنوان «الأسباب الموجبة» التي تبرز المهام الموكولة إليه ما يلي : «كان الإسلام ولا يزال أهم مقومات الشخصية المغربية، وكانت وحدة العقيدة والمذهب التي من الله بها على المغرب منذ القدم الأساس المتين الذي قامت عليه وحدة الأمة، والعامل الفعال الذي ضمن لها التماسك والاستقرار، وجعلها بمأمن من التفكك والانقسام الذي أصاب كثيرا من الأمم الأخرى […] وقد استقر رأينا بعد أن أصبحنا نشاهد ما ينذر به شيوع بعض المذاهب الأجنبية من خطر على كيان الأمة المغربية وقيمها الأصلية، أن يستمر عملنا المتواصل في إطار مؤسسات تنتظم فيها وتتناسق جهود العلماء (الفقهاء) الأعلام، للعمل تحت رعاية جلالتنا الشريفة، وإرشادها على التعريف بالإسلام، وإقامة البرهان على أن ما جاء به صالح لكل زمان ومكان في أمور الدين والدنيا معا، وأن فيه غنى عن ما عداه من المذاهب والعقائد التي لا تمت بصلة إلى القيم التي يقوم عليها كيان الأمة المغربية…».
وبالفعل فقد شكل إحداث المجلس العلمي الأعلى، تنظيما هرميا يجمع كل علماء المغرب على المستوى المركزي تحت الرئاسة الشخصية للملك باعتباره “العالم الأول ” حسب تعبير Remy Leveau .وتتلخص مهامه حسب (الفصل 4) من الظهير المذكور في :
ـ التداول في القضايا التي يعرضها عليه جلالة الملك.
ـ تنسيق أعمال المجالس العلمية الإقليمية.
ـ ربط الصلات بالمؤسسات الإسلامية العليا كـ “رابطة العالم الإسلامي” و “المؤتمر الإسلامي” .
لكن التنظيم الإداري للعلماء وللنشاط الديني لم يقتصر على المستوى المركزي بل تعداه إلى المستوى المحلي من خلال إنشاء مجالس علمية إقليمية يعينها الملك كذلك كشبكة منتشرة مجاليا لمراقبة النشاط الديني

الفقرة الثانية- الحقل الديني في المغرب

نحو إستراتيجية شمولية للضبط والمراقبة

مباشرة بعد أحداث 11 سبتمبر/ 2001 في الولايات المتحدة الأميركية ثم أحداث 16 مايو 2003 في الدار البيضاء،تحولت السياسة الدينية بالمغرب من بعدها القطاعي نحو سياسة مابين قطاعية وأكثر شمولية تقوم على أساس إستراتيجية شمولية للضبط والمراقبة حيث أصبح يشمل ما صار يعرف بتدبير الحقل الديني العديد من الإجراءات الضبطية أهمها : قانون مكافحة الإرهاب، وقانون تنظيم التعليم العتيق ، وآخر لتنظيم بناء المساجد وأماكن العبادة، وإعادة هيكلة كل من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والمجالس العلمية والإفتاء، ودار الحديث الحسنية وإغلاق عدد من المصليات الصغرى، وزيادة تخريج وإدماج المرشدات الدينيات للنساء في المساجد ابتداء من سنة 2006.
ويمكن رصد أهم ملامح هده الإستراتيجية فيما يلي:
أ-التأكيد على سمو إمارة المؤمنين : باعتبارها المرجعية الإسلامية العليا للشعب، و التي تقدم التفسير والتأويل المعتمد للدين، و ترجح بالتالي الاجتهاد اللازم الإتباع ( مدونة الأسرة مثلا) حيث حكم الحاكم يرفع الخلاف في الأمور الاجتهادية
ب-الدفاع عن وحدة المذهب المالكي : دفعا لكل منافسة دينية من الداخل أو الخارج بحجة أن وحدة المذهب هي ضمان انسجام ووحدة المغاربة ( قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران) لذلك فالدولة حريصة في نطاق تدبيرها للحقل الديني على إقصاء كل التيارات والتوجهات التي تحاول المس بوحدة المذهب المالكي بأي شكل من الأشكال. وتعتبر الالتزام بالمذهب شرطا أساسيا للسماح بالعمل للجماعات والجمعيات والحركات الإسلامية
ج- مغربة الدين: من خلال التأكيد على أن الإسلام له بعد مغربي ينبغي المحافظة عليه والالتزام به، ويعتبر العنصران السابقان (إمارة المؤمنين والمذهب المالكي) من مكونات هذه المغربة.
لدلك ترفض الدولة كل توجه إسلامي ذي طبيعة أممية، مما يفسر عدم انخراط الحركات الإسلامية الكبرى بالمغرب في أي تنظيم عالمي مثل الإخوان المسلمين أوالتوجه الثوري الإيراني.
ه- وتنظيم الفتوى:من خلال التحديد الصارم لوظائف العلماء ومحاصرة المبادرات المستقلة في مجال الإفتاء(الصرامة السياسية التي ووجهت بها فتوى المغراوي بخصوص زواج القاصر) فهيأة العلماء،وبعد تنظيمهم في نطاق مجالس علمية محدودة الاختصاصات والأدوار، فهي لا تفتي إلا في مجال ضيق وفي القضايا الفردية، كما تذيل فتواها بما يفيد بأنها غير ملزمة إلا في أضيق الحدود تلافيا لأي تنازع مع القضاء أوالإدارة
و- التنظيم الصارم للتعليم الديني: حيث سارع المغرب إلى إعادة تنظيم ومراقبة المدارس العتيقة والكتاتيب القرآنية، فصدر قانون التعليم العتيق في المغرب سنة 2002 لتنظيم الترخيص لهذا النوع من التعليم ومناهجه ومواده وضبط عمليات التفتيش والشهادات والتوظيف.
ز- حذر تأسيس أحزاب سياسية على أسس دينية: حيث منع قانون الأحزاب السياسية لسبة 2005 صراحة تأسيس الأحزاب على أسس دينية أو لغوية أو عرقية أو جهوية
و-الرقابة المشددة على قنوات التنشئة الدينية : فالمسجد باعتباره منبرا وسلاحا للوعظ والإرشاد، يحظى بشعبية جمهور المصلين، قد يتحول إلى عنصر مقاومة ونقد إصلاحي للممارسة السياسية والاجتماعية السلبية المنافية للقيم الإسلامية . فبعدما جرت العادة على بناء المسجد من طرف المحسنين وليس من طرف الدولة، فإن هذه الأخيرة ستؤكد حرصها على الوصاية والإشراف عليها بموجب ظهير صادر بتاريخ 2 أكتوبر 1984 وفقا للقرار الصادر عن وزارة الأوقاف بتاريخ 10 مارس 2006. ومن أهم تجليات هذه الوصاية تعيين القيمين الدينيين على المساجد وتقنين ولوج هذه الأخيرة من خلال فتحها وإغلاقها في أوقات محددة بالصلوات الخمس، بالإضافة إلى إعداد الخطب النموذجية المكتوبة، خصوصا في المناسبات الدينية والوطنية. ويظهر الارتباط العضوي للمسجد بالمشروعية الدينية الرسمية للدولة كذلك من خلال الاحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية في أعظم مساجد المملكة وبحضور ممثلي مؤسسات الدولة تحت إشراف عمال وولاة جلالة الملك الذي يشرف بدوره على الاحتفال برمزيته الدينية وحضوره الفعلي لأحد مساجد المملكة. وهي ظاهرة ترسخت في السنوات الأخيرة
ة-التشجيع السخي للإسلام الشعبي : حيث أصبحت بعض الزاويا تسجل حضورا مكثفا في الفضاء الثقافي والفكري من خلال الندوات والتظاهرات التي يقوم بتنشيطها أتباعها ومن خلال الإصدارات المتنوعة التي ينتجها بعض رموزها ، وتأثير هذه الصحوة الصوفية الجديدة على الجامعة من خلال إشراف بعض أطرها العلمية على وحدات البحث والتكوين في التصوف والزوايا. وهو ما يساعد النظام السياسي المغربي إلى حد كبيرعلى استيعاب ظاهرة التطرف الديني بخطاب دعوي وتربوي معتدل وفي نفس الوقت محاصرة حركة الخطاب العلماني.

استنتاجات:
لدلك وبعدما استشعرت الملكية خطر توغل الإسلاميين بين ثنايا المجتمع، فقررت الدولة ولوج المجال الاجتماعي. بالتزامن مع ذلك, عمدت السلطات العمومية إلى تيني دينامية في “الإصلاح الدين”, إدراكا منها فيما يبدو, أن الأداة الخشنة لا يمكن أن تؤتي أكلها على المدى المتوسط والبعيد, إذا لم تتم مزاوجتها بأدوات ناعمة, تطاول منظومة الأفكار والتصورات, عبر تقنين إنتاج الخطاب الديني. لدلك فليس من الهين, معرفة المضمون الحقيقي والدقيق للعبارات الرائجة سياسيا بهذا الخصوص, بين ضرورة “هيكلة وتأطيرالحقل الديني” و “تدبير الشأن الديني” أو “تجديد الخطاب الديني” الخ وهي توصيفات عامة وطروحات شاسعة الأبعاد والآفاق, لكنها تستهدف بلوغ ثلاثة أهداف مرحلية أساسية:
أ- إعادة هيكلة البنية المؤسساتية ابتداء من القيمين الدينيين على المستوى الترابي, وصولا إلى حدود المجلس العلمي الأعلى, مرورا بالمجالس العلمية الوسيطة, الفاعلة على المستويات الجهوية. مما يمكن السلطة المركزية من تتبع دقيق بما يدور بالمساجد أو الزوايا أو المشيخات أو بالآلاف من الكتاتيب القرآنية المنتشرة هنا وهناك, والعاملة في العديد من الحالات, بعيدا عن عيون السلطة.
ب- وعي الدولة, صراحة, بضرورة إيلاء أهمية خاصة لهشاشة الوضعية المادية, للعديد من الأئمة والقيمين الدينيين ومؤذني الجوامع وما سواهم, مما يجعلهم إما غير قادرين على تأدية وظائفهم, أو موضع استقطاب, من لدن بعض “المشوشين على الخطاب الديني الرسمي.
ج- تجديد مضمون الخطاب الديني. من خلال التأكيد على ثوابت المنظومة الدينية الرسمية, المرتكزة على العقيدة الأشعرية ومذهب الإمام مالك, والتصوف السني, ومن خلاله التأكيد على أن إمارة المؤمنين هي قلب المنظومة إياها, على مستوى الفتوى, كما على مستوى الاحتكام النهائي والقطعي في أمور الدين.

لائحة المراجع:
– Clifford Geertz / Savoir local , savoir global : les lieux du savoir / (traduit de L’anglais par Denise Paulme ) éd. PUF collec. “sociologie d’aujourd’hui” Paris (1986).
-Mohammed Tozy / L’évolution du champ religieux marocain au défi de la mondialisation/ Revue internationale de politique comparée. Volume 16 (2009)
Malika Zeghal, /les islamistes marocains et le défi à la monarchie/, Ed. le fennec )2005(
-Malika Zeghal / les islamistes marocains, le défi à la monarchie/ (entretien avec) in Revue électronique Sezame 16 Janvier 2007

ريمي لوفو / الإسلام والتحكم السياسي في المغرب/ “المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي” السنة IV. ع 13-14. الدار البيضاء (1991-1992).
– فرانسوا بورجا / الإسلام السياسي : صوت الجنوب / (ترجمة ذ. لورين زكي ) مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء 1994.
– محمد طوزي /الإسلام والدولة في المغرب العربي (المغرب، الجزائر ، تونس)/ ، المجلة “المغربية لعلم الاجتماع السياسي ” ، السنة 4 ، عدد 13-14 الدار البيضاء (1991-1992 )
– عبد القادر باينة / الهيئات الاستشارية بالمغرب / دار النشر المغربية. الدار البيضاء (1991)
– جيل كيبل / من اجل تحليل اجتماعي للحركات الإسلامية في الإسلام وآفاق الديمقراطية في العالم العربي/، مركز طارق بن زياد للدراسات والأبحاث، أكتوبر )2000 (الرباط ،

*استاذ باحث بجامعة القاضي عياض-مراكش
وعضو رابطة الكفاءات من اجل التنمية بالصويرة


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

اترك رد