ذ: مولاي عبد الحكيم الزاوي: باحث في الأنتربولوجيا والتاريخ (المغرب)
ينطرح جدل التاريخ والذاكرة في تاريخ المغرب الراهن بشكل أكثر صخبا في قراءة منجزنا التاريخي، كإشكالية مركبة تخترق مخابر ابستمولوجيي المعرفة التاريخية، وتفرض تدخلا عاجلا لمختصي الزمن قصد الحد من انزلاقات الذاكرة، وتلاعبات مالكي وسائل الإكراه والانتاج بها، يحضر العنف والعنف المضاد في تفسير وقائع أحلك اللحظات عتمة في استوغرافيتنا الراهنة، تخبو اللغة والرمز وبعدها المكتوب وراء أقنعة النسيان، ويختفي خلسة معها الجلاد، فيصدح صوت زنازن السجون والمعتقلات السرية، مذكرا بجروج أليمة تعتور ذاتا مكلومة بطعم السياسة.
ففي تفاصيل أدب السجون، ومتابعات الصحفيين، ومذكرات المعتقلين، وكتابات المؤرخين، وشهادات الفاعلين ينكشف المعنى، وتفصح الذاكرة التاريخية المنسية خلف أقبية الظلام عن ماضي حزين، ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، والاعتقال التعسفي الذي ميز للحظات تاريخ التجاذب السياسي بين المؤسسة الملكية والقوى اليسارية حول شرعية ما بعد الاستقلال، لتنطق ذاكرة الألم الفردي والجماعي، مفصحة عن موضوع على درجة عالية من التشبيك والتعقيد، يغري آل الزمن، ورفقائهم من تخصصات مجاورة، بالبحث والتنقيب، للكشف عن الحقيقة الضائعة، للمصارحة قبل المصالحة.
ذلك أن الإكراه في هكذا “موضوع حارق” يقع في خط التماس مع ” إلتباس منهجي” يعتمل داخل مختبر المؤرخين، حول شرعية البحث في التاريخ الراهن، وترك مساحات ظل في الوراء دون إضاءات تاريخية ، حول مدلول الوثيقة الجديدة التي اقتحمت حقل التاريخ، حول تفاعلات الأحياء مع ما يكتب وينشر في أعمدة الصحف وسوق النشر، حول مسؤولية الذاكرة في كتابة التاريخ، حول الطلب والشغف المعرفي الذي يبديه قراء لغة الضاد لاستكشاف حقيقة ما وقع من وقائع، باختصار حول جدل التاريخ والذاكرة .
تتغيا هذه الورقة تتبع جدل التاريخ والذاكرة القريبة من واقع الأحداث بالمغرب، بانهجاسات راهنة، تمتح من عدة تفاعلات تسم الرأي العام السياسي بالمغرب، لعل من ضمنها، تداعيات التصريحات الأخيرة للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول ملف قضية الصحراء، وبما يمكن للمؤرخ أن يقدمه من تحليلات تاريخية، متابعات، قراءات، حول ملابسات القضية وتفاعلاتها الراهنة في وضع دولي موسوم بالتغير، تبعا لتغير خارطة المصالح والرهانات الجيواستراتيجية، فيقودنا ذلك إلى تسجيل مفارقة مفصلية في تناول القضية: بين الحاجة الدولة إلى استحضار التاريخ في لحظات الأزمة والانكسار، وبين هامشية المؤرخ في مواكبة النقاش العمومي.
الاستحضار الثاني الذي يغدي هذه الورقة، يرتبط بتعزز سوق النشر والقراءة بالمغرب بصدور انتاجات من تخصصات مختلفة حول التاريخ القريب من الذاكرة، كان آخرها، رواية ” زمن الخوف” للصحفي ادريس الكنبوري، حول أحداث مجزرة ” سوق الأربعاء” سنة 1957م، بين التيارات السياسية بالمغرب غداة الاستقلال، والتي لقيت تجاوبا كبيرا من طرف المختصين، وعموم القراء، للنبش في اللحظة التاريخية الموشومة بالعنف السياسي والعنف المضاد، مما يفسر وجود طلب معرفي حول هذا الأدب التاريخي.
اترك رد