هل يمكن أن تكون المحاضرة رحلة صيد ممتعة؟ .. علي لرقط

لرقط علي: علوم التربية، نائب مكلف بالدراسات سابقا لعميد كلية العلم الاجتماعية والإنسانية بجامعة البويرة (الجزائر)

يتغيب الكثير من طلبة الجامعة عن حضور حصص المحاضرات لأسباب عدة قد ترجع إلى طبيعة المادة المدرسة أو شخصية الأستاذ المدرس و أسلوبه، أو البيئة التي تسود المحاضرة و قد ترجع أسباب أخرى إلى الطالب ذاته، و من منطلق أن الأستاذ قد يكون أحد هذه الأسباب سنحاول عرض بعض الأفكار و الطرق التي نرى أنها قد تغير من نظرة الطالب للمحاضرة، و يتعلق الأمر بالطرق التي تجعل من الطالب عنصرا أساسيا في بناء تعلماته و معارفه بكيفية ممتعة بمساعدة الأستاذ و بجعل المحاضرة تبدو كصيد ثمين يستنفر من أجله الطلبة كل ما لديهم للفوز به في رحلة صيد ممتعة.
لقد جربت هذه الطريقة مع طلبتي و جاءت بنتائج مرضية، وتستند هذه الطريقة على الاستثارات و التنبيهات التي يحاول الأستاذ عبرها جر الطالب إلى المشاركة الفعالة في صياغة المعارف التي كان من المفترض أن يعطيها الأستاذ جاهزة والطالب يستقبلها بالطريقة التقليدية لأسلوب المحاضرة، و تستند هذه الطريقة على ثلاث خطوات أساسية تتمثل فيما يلي:
1- التخطيط للمحاضرة : بحيث يقوم الأستاذ كما هو معلوم بتحضير و إعداد محاضرته بشكل جيد من حيث المحتوى و الأهداف التعليمية و النفعية للطالب، لكن بمراعاة طبيعة المادة و مستوى الطلاب الأكاديمي و ثقافتهم و مجمل اهتماماتهم و حاجياتهم، فالتحضير هنا لا يتعلق فقط بالمادة المدرسة بل يتعداها إلى خصائص الطلاب، لأنها تعتبر مفاتيح سحرية لإثارة رغباتهم في المشاركة في بناء تعلماتهم. و قد يهتدي الأستاذ لتلك الخصائص عبر الإجابة عن الأسئلة التالية: ما هو المستوى الثقافي لطلبته؟ ما هي اهتماماتهم في حياتهم الجامعية؟ ما هي حاجياتهم الضرورية التي تحتاج إلى إشباع ( هرم ماسلو)؟ ما هي طموحاتهم المستقبلية؟ ماهي اتجاهاتهم نحو التعلم و التكوين و الدراسة ؟ و غيرها من الأسئلة التي تساعد الأستاذ على تكوين نظرة إجمالية على المفاتيح المحركة لإثارة دافعية الطلبة للتعلم، و تكون الحصة الأولى من الفصل الدراسي أهم حصة للتعرف على الطلبة و خصائصهم و محاورتهم و إعطائهم زيادة على ذلك نبذة عن الأستاذ الذي سيدرسهم و تقريبهم من المقياس المدرس و أهميته و أهدافه و فائدته و المحاور الكبرى للمحاضرات كيفية سيرها، و عليه يستلزم على الأستاذ أن يكون متحكما في فنيات التواصل و الاستماع و الإقناع. يضاف إلى ذلك تحضير كل ماله علاقة بالمحاضرة من وسائل و مواقف و قصص و نماذج و وسائط مساعدة لتنفيذ المحاضرة.
2- تنفيذ المحاضرة: تتلخص في كلمة “مفترس”
• مشهد الدخول في المحاضرة أو ما يسمى “وضعية الانطلاق” حسب ROEGIERS XAVIER بحيث يختار الحَدَث المثير أو السؤال المثير أو القصة المثيرة أو الوسيلة المثيرة التي تشد انتباه الطلبة و تجمع تركيزهم على موقف واحد و نقطة واحدة حتى يضمن أن الكل منتبه.
• فريسة اليوم (الصيد): أثناء تركيزهم على الموقف الذي صنعه الأستاذ الكل ينتظر المشهد الموالي، في تلك اللحظة و قبل أن يشرد أي طالب عن هذا الموقف يلقي الأستاذ على أسماعهم عنوان المحاضرة أو هدفها أو ماسينجزونه اليوم أو ما سيعملون على اكتسابه أو “اصطياده” و “تقييده” في كراساتهم فقد قيل قديما ” العلم صيد و الكتابة قيد”.
• تقييم الفريسة: يناقش الأستاذ في خمس دقائق مع الطلبة أهمية الموضوع و مقدار انتفاع الطلبة به في حياتهم المهنية و الأكاديمية أو الاجتماعية أو الشخصية، حتى يعرف كل طالب مقدار ما سيبذله من مجهود للمشاركة في صيد هذه الفريسة. و هنا يكون دور الأستاذ في فتح مزاد علني أمامهم للمزايدة بالمجهودات التي ستبذل في اكتساب عناصر هذا الموضوع ، كأن يرفع سقف أهميته أو يثير الغموض حوله إن كانوا يحبون المغامرة أو يشحنهم لرفع التحدي لاكتساب كل صغيرة و كبيرة حول الموضوع و بالتالي “الفوز بالصيد و تقييده”.
• الرصيد المبذول: و نقصد بالرصيد المبذول هو كل المكتسبات القبلية التي سيشارك بها الطالب لاكتساب معلومات و بناء معارف جديدة، و تتحدد نوعية تلك المكتسبات القبلية حسب التقييم الذي تم قبل هذه الخطوة يبقى على الأستاذ أن يعرف كيف يستغل جاهزية الطلبة في توجيه تركيزهم على عناصر المحاضرة عنصرا عنصرا، و جعلهم يشاركون في إحاطته من كل جانب كأنهم يحاصرون فريسة لاصطيادها، و هنا قد يستعمل الأستاذ أسلوب العصف الذهني أو أسلوب الحوار و المناقشة بحيث يأخذ بأيديهم للوصول إلى تحليل المفاهيم و إعادة تشكيلها و صياغتها في بناء كامل موافق للأهداف المسطرة، فنرى أن الطالب إذا أدرك فائدته من المعارف التي يتعب من أجلها فلن يدخر جهدا في المشاركة في بناء تعلماته و معارفه و التي اصطلحنا على تسميتها “بالفريسة”
• سلعة ثمينة: السلعة الثمينة هي تلك السلعة التي ينتفع بها الفرد ذاته انتفاعا مرضيا و يجعل الآخرين ينتفعون بها كذلك بحيث تملك من الجودة ما يجعلها مطلوبة، و كذا المعارف التي اكتسبها الطالب من خلال هذه المحاضرة يجب أن تكون مثل هذه السلعة ، هي مكتسبات مهمة شارك في بنائها فهو يملك حصة منها و مقدار نفعها لنفسه و لغيره واضح في ذهنه، يستطيع أن يصدرها بكفاءة و جودة عالية. لذلك نجد أن الطالب قد قام برحلة صيد ممتعة و مفيدة و يحب أن يحدث الكل عن مغامرته المثيرة.
3- شكرا لقد تعلمت منكم الكثير: في الكثير من الأحيان يتفوق التلميذ على معلمه و الطالب على أستاذه، لكن إن فكرنا كأساتذة بأننا يجب أن ننتج الطلاب الذين يتفوقون علينا لأجل مستقبل أفضل لهم و لمجتمعاتهم فيجب أن نشكرهم نهاية كل محاضرة لأنهم فعلا جعلونا نشارك عن طريق مرافقتهم الأكاديمية في بناء مجتمع راق و متطور و مزدهر.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

3 ردود على “هل يمكن أن تكون المحاضرة رحلة صيد ممتعة؟ .. علي لرقط”

  1. الصورة الرمزية لـ بوعام ليليا
    بوعام ليليا

    شكرا جزيلا أستاذ لرقط، الموضوع مهم جدا خاصة وأننا كلنا نعاني من غيابات الطلبة عن حصص المحاضرات تتراوح بين 10 إلى 50%، وأحيانا تتجاوز هذه النسبة في الحصص المسائية، لأسباب عديدة كما ذكرتم: الأستاذ نفسه، الطالب، طبيعة المادة العلمية، أو الظروف التي تُجرى فيها الحصص، لكن أيضا راجعة إلى ضروف خارجية كالأمن والتنقل. الإستراتيجية التي عرضتموها شيقة لمجرّد قراءتها، ونحن فعلا نطبّق أجزاء منها دون وعي أو تحضير مسبق، ومع أننا أمام تباين كبير بين اهتمامات الطلبة وتوجّههم نحو التخصّص -ومنه صعوبة احتواء هذه الشخصيات أو الفروق الفردية عندما نكون أمام أكثر من مائة طالب وطالبة- ورغم صعوبة ادخال عنصر التشويق إلى بعض مواضيع الدروس -كالإحصاء مثلا- فالاستراتيجية تستحق التجربة لتحسين التعليم العالي في بلداننا.
    كما هو الحال بالنسبة للوعي الفونولوجي، أو المشكلات النفسية والتربوية، الوعي بالشيء أهمّ خطوة للتطوّر، التعلّم أو العلاج؛ وبهذا المنطلق يجب أن نكون على دراية بالمشكلة وأبعادها، لاعداد واعٍ لحلول واستراتيجيات مناسبة.
    شكرا

    1. الصورة الرمزية لـ لرقط علي
      لرقط علي

      تعتبر الطرق البيداغوجية النشطة ثورة كبيرة منذ عقود من الزمن على الطرق التقليدية التي عهدناها في جامعاتنا و المحاضرة بهذا الشكل المعروض تندرج في طريق المحاضرة التفاعلية التي تجعل الطالب يسعى لبناء معارفه و اكتسابها لأن مشاركته في اكتسابها و بنائها يوفران عليه جهد المراجعة فقط من أجل الامتحان بل تكون أبقى في ذهنه و تصبح أحد مكونات خبراته و كفاءاته. و يعتبر تمكن الاستاذ من مادته جذورها و منتهياتها المفتاح السحري الذي من خلاله يستطيع هندسة المسار الصحيح الذي يساعد الطلبة على بلوغ الهدف و بناء المعرفة مهما كان التخصص، و المفاهيم التي تطرقت اليها مهمة و يجب على الاستاذ أن يكون على دراية بها خاصة فيما تعلق بخصائص هذه المرحلة العمرية التي يتعامل معها مطالبها و حاجاتها وآليات التفكير و البناء المعرفي . شكرا على التعليق

  2. الصورة الرمزية لـ زينة رميلي
    زينة رميلي

    طرح ممتاز وجب النظر فيه

اترك رد