شعبان عبده أبو العز المحلاوى: دكتور في الحقوق: كلية حقوق المنصورة، قسم الاقتصاد والمالية العامة
التجارة في الخدمات أصبحت تشكل جانباً هاماً في موازين مدفوعات الدول خاصة المتقدمة؛ ويطلق عليها أيضاً وصف التجارة غير المنظورة لأنها ليست تجارة تنظر بعبورها الحدود الوطنية دخولاً وخروجاً. والخدمات التي يتم تداولها على المستوي الدولي تنوعت وتعددت أشكالها مع ثورة العلوم والتكنولوجيا. ويعتبر من أهم صور التجارة في الخدمات السياحة، والنقل، والتأمين، هذه الخدمات تتأثر وبشدة بالتغير في أسعار صرف العملات.
يستخدم قطاع السياحة – بوصفه أكبر قطاعات الخدمات في العالم – حوالي واحد من كل 12 من العاملين في العالم، ويجتذب أكبر من سُبع البشرية، وتعد السياحة ثاني أكبر مصدر للعملة الأجنبية (بعد البترول) في الدول النامية، ويعد أكثر قطاعات الاقتصاد ازدهاراً. كما أنها تسهم بنسبة كبيرة في موازين مدفوعات العديد من الدول، بل إن عائدات السياحة على المستوى القطاعي قد فاقت عائدات جميع القطاعات الإنتاجية على المستوى العالمي.
تعد السياحة أهم مصادر الدخل لمصر حيث تمثل 49,2% من صادرات الخدمات، و20% من مصادر النقد الأجنبي، 11,3% من الناتج المحلي الإجمالي بصورة مباشرة أو غير مباشرة، و 12,6% من فرص العمل، و25% من إجمالي حصيلة الضرائب على الخدمات. ولكن هل يعد انخفاض الجنيه المصري – المترتب على قرار التعويم – ميزة تنافسية لجذب السياحة إلي مصر؟.
جدير بالذكر أن تخفيض سعر صرف الجنيه المصري في 1987 أدي إلى إحداث زيادة كبيرة في الإيرادات السياحية؛ حيث زادت الإيرادات من 311,5 مليون جنيه عام 1986 إلى 1242 مليون جنيه عام 1987، بنسبة زيادة 74% تقريباً خلال عام واحد؛ ثم زادت إلى أن بلغت 2914,5 مليون جنيه عام 1990، وفي عام 1991 بلغت الإيرادات السياحية 4375 مليون جنيه، وعقب تخفيض سعر الصرف في هذه السنة ارتفعت هذه الإيرادات إلى 7578 مليون جنيه بنسبة 42%. الأمر الذي نخلص معه إلى أن انخفاض سعر صرف الجنيه المصري أحدث أثاراً ايجابية على إيرادات السياحة بنسبة 74% و42% عقب انخفاض سعر صرف الجنيه في أعوام 87 ، 91 على التوالي.
ولكن في ظل الوضع الحالي وتطور صناعة السياحة واهتمام العالم بالبرامج السياحية، وإدراك العالم لأهميتها الاقتصادية هل ستحقق السياحية في مصر نفس القدر من الزيادة في الإيرادات التي تحققت في الثمانينات من القرن الماضي؟.
يفترض من الناحية النظرية أن تخفيض قيمه الجنيه المصري سيترتب عليه ارتفاع القوة الشرائية للزائرين لمصر، ومن ثم تنخفض تكلفة الرحلات لمصر، وتتزايد أعداد الوفود السياحية؛ إلا أن الواقع يشير غير ذلك؛ حيث تشير تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي عن السفر والسياحة، أن الترتيب الدولي لمصر في المؤشر العالمي للسفر والسياحة يعد متواضعاً، ويرجع ذلك إلى ضعف ترتيب مصر في المؤشرات الفرعية التي يقوم عليها هذا المؤشر؛ المؤشر الفرعي الخاص بالأطر التنظيمية، المؤشر الفرعي الخاص ببيئة الأعمال والبنية التحتية، والمؤشر الفرعي الخاص بالموارد البشرية والثقافية والطبيعية وغيرها من المؤشرات.
على جانب آخر فإن ارتفاع القوة الشرائية للسائحين قد تتلاشي مع الارتفاع في معدل التضخم الناتج عن انخفاض قيمة الجنيه، وهو ما يعني أن الأثر الصافي لتخفيض قيمة الجنيه على القوة الشرائية للإنفاق الذي يقوم به السائح ليس كما هو متوقع.
تمتلك مصر أكبر مخزون من آثار العالم القديم، وشواطئها الطويلة جداً على سواحل البحر الأحمر والمتوسط، ومناخها معتدل نسبياً، وبصفة خاصة في فصل الشتاء، وتمتاز بقرب موقعها الجغرافي من الدول المصدرة للسياحة وخاصة الدول الأوربية والدول العربية. إلا أنه ينظر إلى الخدمة السياحية في مصر من قبل القائمين عليها على أنها مجرد هذه الآثار والشواطئ متناسين أن السياحة هي في الأصل برامج مصممة بعناية شديدة، وخدمات سياحية فائقة، وبنية تحتية راقية، والأهم ثقافة التعامل مع السائح، وكثير من هذه المقومات تفتقدها مصر كما هو واضح بتقارير المنتدى الاقتصادي العالمي عن السفر والسياحة.
نخلص إلى أن المنتج السياحي لا يحتاج إلى تخفيض قيمة العملة بقدر ما يحتاج إلى تطوير جوهري في محتواه، ودول العالم الأكثر جذباً للسياحة ليست دولاً منخفضة التكلفة بالنسبة للسائحين؛ ومثال ذلك لندن والتي تعد من أغلي مدن العالم ومع ذلك هي أكثر مناطق الجذب السياحي في العالم.
اترك رد